أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الوحدة العربية بين الواقع والاحلام















المزيد.....


الوحدة العربية بين الواقع والاحلام


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قليلون هم المفكرون العرب الذين لم يهتموا بموضوع الوحدة العربية . والاغلبية التي اهتمت به تقدمه كهدف تاريخي مستعجل ، لا بد من الوصول اليه في اقرب الآجال ، وبأقصر الطرق . انه اذن الهدف المثالي الذي سوف يقلب رأسا على عقب ، ليس فقط الواقع العربي ، بل أيضا موازين القوى في العالم ، ولأنه كذلك ، فان التحديات التي تواجهه ، والعراقيل التي تقف في وجهه لا حصر لها . منها ما هو داخلي مرتبط بواقعنا العربي المعقد المشتت ، ومنها ما هو خارجي مرتبط بالواقع الجغرافي للعالم العربي عامة ، وللمصالح الاستراتيجية والاقتصادية للدول العظمى ، وبما فيهم إسرائيل .
لقد كتب الكثير عن موضوع الوحدة العربية ، وعمل المنظرون والساسة والحكام العرب ، على استخدامه بلا هوادة لقضاء مآربهم ، ولمحاولة إضفاء الشرعية عما يقترفونه ضد شعوبهم من مآثم ومظالم . وعلى الرغم مما قيل ونُشر في هذا الموضوع ، فان هناك الكثير مما غفل ، إنْ عن قصد او دون قصد .
ان من بين هذا الكثير المغفول عنه ، اود اليوم اثارة عينة من الأسئلة التي لا تزال مطروحة على الباحث والمثقف العربي المهتم بالوحدة : على أية أسس وجدانية – انفعالية – نفسية اجتماعية ، يمكن تأسيس الوحدة ؟
ان اغلبية من اهتم بالموضوع ، موضوع الوحدة العربية من الباحثين والمثقفين والسياسيين ، كانوا في غالب الأحيان فلاسفة او علماء تاريخ . وقد ندرت الأبحاث السوسيولوجية ، وغابت الى حد بعيد الأبحاث السيكولوجية والتربوية لمعالجة الموضوع . ولعل مرد هذا في اعتقادنا الى كون الباحثين السيكولوجيين في العالم العربي ، واعون بما فيه الكفاية ، ان الوحدة المنشودة ، تجد نفسها امام عقبات لا حصر لها ، وما العقبة السيكولوجية الا واحدة منها .
وامام ندرة الدراسات السيكولوجية ، نجد انفسنا مرغمين على التحديد الدقيق للموضوع السيكولوجي ، الذي نريد اثارته عند حديثنا عن الوحدة العربية ، من وجهة النظر السيكولوجية التي نتبناها ، والمنبثقة عموما من معاينتنا للواقع العربي ، إن في مراحله التاريخية او واقعه الحالي ، يمكن ان نقدم الاستنتاج والفرضية التاليين : لا يمكن للوحدة ان تنبني ما دمنا نغفل الأسس النفسية لكل شعب عربي ، وصهره في قوالب واطارات غريبة عنه .. لن تتحقق اية وحدة ما دمنا لم نف الانسان العربي حقه في الدراسة من الناحية النفسية .
1 ) الوحدة والنظام القبلي :
الوحدة من منظور سيكولوجي ، تعني انصهار الأجزاء في الكل ، انصهارا متوازنا ، حتى يتمكن هذا الكل من التعبير الدقيق والوفي عن كل جزء منصهر . واذا حدث خلل وظيفي او عضوي في الجزء لسبب من الأسباب ، فان الوحدة لن تتأسس ، لان عملية اندماج الأجزاء لم تتحقق . ومن المعلوم ان كل الأوطان العربية مؤسسة على الأنظمة القبلية ، التي تؤسس في نفس الوقت تركيبات تمثيلية ووجدانية تختلف اختلافا تاما من قبيلة الى أخرى ، ومن بلد الى اخر . ومن مميزات النظام القبلي سواء كان صحراويا او جبليا هو التنقل والترحال .. من طبيعة الحال فان هذا مخالف تماما لمفهوم الوحدة في معناها البيروقراطي والسياسي ، لان مفهوم الوحدة يتطلب من بين ما يتطلب مبدأ الاستقرار .
واذا كان مفهوم الدولة يوحي في الآن نفسه بالوحدة والاستقرار ، فان اغلبية البلدان العربية لا تزال لم تصل بعد ، الى تكوين دولة بالمعنى المعاصر للكلمة ، لان عنصر الاستقرار ينقصها .. فأغلبية الدول الخليجية الحديثة العهد ، بما فيها السعودية ، تعيش هذا المشكل . فباستطاعة هذه الدول ان تفرض سلطانها على الجاليات التي تعيش بين ظهرا نيها ( باكستانيين ، فليبينيين ، أوروبيين الخ .. ) ، لكن لا سلطان لها على قبائلها التي تعودت على الترحال . وقد ذهبت معظم محاولات الدول الخليجية سدى في محاولة إقرار نظام الاستقرار ، لان القبيلة العربية هي قبيلة ترحال بالوجدان ، حتى وان كانت هناك تغييرات في حياة الرحل من جراء دخول التكنولوجية الإلكترونية الخيمة ، واستبدال الجمل ب اللاندروفير Land rover و الميتشوبيشي Mitsubishi ، فان الأسس المنطقية والنفسية للماضي البعيد لا تزال سارية المفعول .
فرمز القبيلة ومثالها ، ليس هو السلطان او الأمير او النائب البرلماني .. ، بل هو رئيس القبيلة . والبدوي العربي (الأردن العراق اليمن السودان ... ) يتمثل ويمتثل لأوامر القبيلة ويدافع عنها ، اكثر مما يتمثل لأوامر الجماعة الحضرية او القروية ..
من هذا المنطلق ، فان التمثلات الذهنية النفسية للواقع السياسي والاجتماعي لمواطن عربي ما ، مخالفة تماما لتصورات حاكمه الذي يتوق الى تأسيس دولة حديثة مستوحاة من الغرب .. فجل الأنظمة الحاكمة في العالم العربي ، تكِدُّ وتجتهد في بناء دولة عصرية . لكن جلها نسي ان يبني الشعب الذي سوف يعيش في ظل هذه الدولة .. ان اغلبية الدول العربية هي دول بدون شعوب ، لان هذه الشعوب قد فقدت كل امل في ان تكون الدولة المعبر الحقيقي عن مشاعرها ومشاغلها . ان مفهوم الدولة من جانبه السيكولوجي ( العقلية ) يستوجب رضى المحكوم على الحاكم ، وليس العكس . واذا كان العكس هو الصحيح في الواقع العربي الحالي . فمعنى هذا ان الحاكم العربي لم يصل بعد الى النضج الانفعالي المطلوب ، لكي يتسنى له ممارسة واجبه الوطني والقومي في خدمة المحكوم .
ليس هناك نضج سياسي لجل الأنظمة العربية ، لأنها لم تصل الى نضج نفسي يخول لها رؤية واقع شعوبها رؤية موضوعية . ويتجلى عدم النضج هذا ، في السلوكيات المرضية من قبيل البطش والاستبداد لكل من يرضخ لرغبة السلطة المركزية ..
فما هو مهم ، هو إعادة النظر في تكتيك الدعوة الى الوحدة . فالقومية لمطلع القرن الماضي وهذا القرن ، كان لا بد عليها النداء الى الوحدة في اطار شامل ، لان التحدي الذي كان يواجهها ، كان أساسا هو الاستعمار. وقد استمر الباحثون في هذا الخط النضالي الانفعالي الذي كان يطالب بالوحدة باي ثمن كان ، دون رسم دقيق لمعالم هذه الوحدة ، ولا لأطوار تحقيقها بعد استقلال جل الشعوب العربية .
لقد كانت النكسة ، هزيمة 1967 المثال الساطع على كون الوحدة المتوخاة ، لن تأت بفضل الأنظمة ، لأنها أنظمة فاشلة في جوهرها اضاعت من الأراضي العربية ، ثمانون الف كلومتر مربع في ستة أيام . ولعل الدرس الذي كان على الباحث العربي وعيه ، كان هو إعادة النظر في مفهوم الوحدة ، ومحاولة قلب مضمون واستراتيجية البحث ، لكي يأخذ في عين الاعتبار كل المقومات الشخصية والتاريخية للامة العربية .
فما هو مهم في محاولة بناء الوحدة العربية المستقبلية ، من منظور حالي ، هو البدء بمحاولة بناء الوحدة الداخلية للدول العربية . وهذا البناء الداخلي للدول العربية له أهميته كبيرة ، لأنه حجر الأساس لبناء الوحدة الشاملة . والتخطيط للوحدة لا يمكن ان يقاس بالزمن وعدد السنوات ، لان الوحدة لا بد ان تكون نتيجة طبيعية بديهية ، ستتحقق في تاريخنا عندما تستكمل الشروط المادية والموضوعية لها ..
ولكي نرجع الى النظام القبلي ، فان الحاجة ملحة لإدماج هذا النظام في الاستراتيجيات والتخطيطات السياسية العربية ، والاعتراف بالقبيلة وبنمط حيتها ، كوحدة مستقلة بذاتها في اطار كلي منسجم . ومعنى هذا بلغة معاصرة ، هو الاعتراف بحق الأقليات القبائلية ، وتمثيل مصالحها تمثيلا مرضيا ..
ما حدث ويحدث في تاريخ الأنظمة العربية الى حد الساعة ، هو ان جل حكامها ينحازون الى القبائل القوية في بلدانهم ، في تحالف غير انساني وغير طبيعي ضد القبائل الصغيرة ، ونقول الضعيفة .. من هنا يتولد سلوك نفسي مرضي مفاده ان " الولاء " للحاكم ، رئيس او سلطان ، هو وفاء تحت حد السيف . وهو في الحقيقة ليس بوفاء ، بل قهر سينفجر إما بهروب القبيلة في فيافي الصحراء ، كما يقع في افريقيا ، او انتظار الفرصة للانتقام من الحاكم الظالم ، إما عن طريق الانقلابات العسكرية الدموية ، كما حدث في اغلب الدول العربية بعد الاستقلال ( انقلاب الصخيرات في 1971 وانقلاب الطائرة في 1972 ) ، او بالانضمام الى حركات سرية على النظام الحاكم .
النظام الهرمي في المغرب ، رغم ظهور الدولة بالدولة العصرية ، هو نظام قبائلي يعتمد على القبيلة في تصريف الشؤون العامة .. لكن ليس معنى هذا ان القبيلة هي مُخْلصة للنظام ، بل ان من يمثل اخلاص القبيلة ، هو رئيس القبيلة " أمغار " . فيكفي ان يبايع " أمغار " السلطان حتى تبايعه القبيلة بأجمعها .. ويظهر شيوع النظام القبائلي في المغرب ، في احتفاظ كل قبيلة بخصائصها ومميزاتها التي تختلف عن غيرها من القبائل الاخريات ، خاصة في العادات والتقاليد .. ان الشعب البربري يتكون من ثلاثة فخدات ، كل منها تختلف عن الفخدات الموجودة . ففخدة سوس ليس هي فخدة الاطلس المتوسط ، وهاتين الفخدتين ليستا هما فخدة الريف .. بل ان الريف لا يعتبر نفسه من هاتين الفخدتين ، لان وجوده سابق عليهما بسنين .. وقد جسد انقلاب الجيش في سنة 1971 ، الدور الحيوي لهذه الفخدات .. فالضباط كانوا من الاطلس المتوسط ، ومن الريف ، وكان من ينهم ضابطين من سوس هما احمد رامي ، والكومندار المانوزي ، اما الجنس المعرب فقد جسده الكلونيل الفنيري من حد لغوالم ، وهي قبائل زعير ذات الأصل البربري .. فالانقلاب لو نجح كان سيكون اول تغيير للدولة العلوية ، التي ستعوضها الجمهورية الامازيغية .. ولو نجح الانقلاب لكانت عائلة الفاسي تعاني ما عناه الحجاج ، وعانته عائلة الطرابلسي في تونس ، وعائلة الجنرال محمد افقير في مغرب الحسن الثاني ..
2 ) الوحدة والاستهلاك السلبي :
ان الأسس المرجعية للشعوب العربية ، قد اجتاحتها موجة من التشويهات ، من جراء الثورة التكنولوجية التي لم تشارك فيها . فما دام الانسان العربي عرضة لاستهلاك نماذج ثقافية وغذائية غير محلية ، وما دامت الأنظمة الحاكمة تشجع شعوبها في هذا الاتجاه ، موهمة إياها بانها على الطريق الصحيح ، لمواكبة روح العصر بامتلاكها لجهاز تلفاز وآلة تبريد وحاسوب ... فان كل حديث عن الوحدة ، لا يمكن ان يكون الا لغوا ولعبا بالكلمات .
لقد قيل الكثير عن الوحدة العربية والعقائدية والتاريخية والثقافية للامة العربية . وقد اعتبرت هذه الأشياء مجتمعة من الأسس المتينة التي تتأسس عليها الوحدة . لكن الحقيقة هي ان الواقع الفعلي للمجتمعات العربية ، يوحي بهشاشة هذا الادعاء ، على اعتبار ان كل بلد محكوم بقوالب أيديولوجية ، ومصالح اقتصادية تكون في غالب الأحيان مصدر تطاحن بين " الاشقاء العرب ههه " . من هذا المنطلق ، فان كل الأسس الواقعية للوحدة غائبة ، على الرغم من كون الأساس التنظيري قد خطا اشواطا بعيدة ، وشتان بين الواقع والتنظير ..
ما هو مخيف ويخيف ، وما لا تحمد عقباه ، في علاقة الحاكم بالمحكوم عندنا ، هو ان الأول يعطي مثالا جذري للثاني في استهلاكه اليومي . لقد تجاوز الحكام العرب الحدود الطبيعية للاستهلاك المُعقْلن ، ليغلب التبذير ويخلق ردود فعل سلبية ، واحباطات نفسية لا حصر لها عند المحكوم .
فالتبذير علامة من علامات عدم التوازن النفسي ، لان الانسان المتوازن لا يتعدى اطارا معينا في استهلاكه .
والانسان العربي مدفوع بشتى الوسائل الى الاستهلاك الاعمى ، وبالتالي الى التبعية الأبدية للصانع الأصلي للمواد المستهلكة . وما دام الحكام العرب لا يهمهم ان كانت شعوبهم راضية عنهم او لا ، بقدر ما يهمهم إرضاء الغربي " مصنع رونو Renault بالمغرب وتغيير الساعة الزمانية " ، فان الأسس النفسية لاستهلاك واع لا تزال بعيدة المنال .
لقد فضحت السنوات الأخيرة لهذا القرن العلاقات " الأخوية للأشقاء العرب " بين القادة العرب ، وكانت الفرصة سانحة لكي يأخذ الانسان العربي العبرة ، لان الصفعة كانت جد قوية . فالنزاعات الشخصية بين الحكام ، والرغبة في محاولة الانفراد بقيادة العالم العربي ، قد طغت على الحكام العرب المريضين بحب الظهور بسبب معاناتهم من الدونية ، مع أقرانهم الغربيين الأوروبيين . وقد اشعل كل هذا فتيل التطاحن بينهم ، او بعبارة ادق ، دفعوا شعوبهم الى التهلكة لإرضاء نزواتهم المريضة . وقد عملت الدول العربية وخاصة دول البترودولار منها ، على اطلاق العنان للاستهلاك العسكري العشوائي ( صفقات الأسلحة السعودية مع بريطانيا العظمى ومع أمريكا Donald Trump ) . وهذا التبذير هو اخطر تبذير ، لأنه مناقض تماما لمبدأ الوحدة التي يتشدق بها كل الحكام العرب . لا يمكن والحالة هذه للوحدة ان تقوم والدماء لم تجف بعد . على الشعوب العربية ان تنتظر اجيالا أخرى لكي تتم عملية هضم المآسي التي خلقها الحاكم العربي بشعور وليس بدون شعور .
3 ) نماذج عن استحالة قيام الوحدة العربية :
منذ ثلاثين القرن الماضي وخطاب الوحدة العربية يملأ الفضاءات والخطابات ، وكأن الوحدة العربية بيد عفريت يقول لها كُن فتكون .. وقد نسي المشتغلون بمشروع الوحدة العربية ، ان ليس فقط سياسات واخطاء الحاكم العربي من حالت ضد تأسيس الوحدة التي كانت امل الشعوب ، بل هناك قوى غربية وعلى راسها إسرائيل تعمل وبطرق مختلفة لتقويض أي مشروع وحدة ، يحقق امل الشعوب العربية التي اكثريتها غير منشغلة بمشروع الوحدة .. ان الغرب وحتى يستمر يبسط سلطاته وهيمنته على البلاد العربية ، فهو يسعى بكل الطرق لضرب أي مشروع للوحدة ، لان في الوحدة ان تحققت برضا وموافقة الشعوب ، ستكون الوحدة مساسا بمصالح الغرب التي هي ثروات العالم العربي . لذا فان بث الصراع والشقاق بين الحكام العرب ، هو من اهم المواضيع الأساسية التي تشتغل عليها جامعات الدراسات الاستراتيجية ، والأجهزة الأيديولوجية الغربية التي ترى في العالم العربي مجرد بقرة حلوب .. لذا فان نداءات والدعوة الى الوحدة العربية التي رددتها الأنظمة التي اشتغلت على موضوع الوحدة ، قد فشلت الفشل الذريع .. والفشل لم يكن سببه عربي ، او أخطاء لم يتم الانتباه اليها . بل كان الغرب الاستعماري ، وكانت إسرائيل التي ترى في أي مشروع وحدة عربية تهديدا يهددها في دولتها التي لا تزال تبحث عن ارض الميعاد .. لذا فرغم شعارات جمال عبد الناصر الداعية الى الوحدة ، فان هذه الشعارات فشلت منذ يومها الأول ، ليس بسبب غياب شروط الوحدة ، بل لأنها كانت دعوات فوقية ، لم تولي العنصر العربي الاهتمام الذي تفرضه نفسيته المضطربة خاصة عندما يتصور مشروع الوحدة بالقضاء التام على دولته ، وتذويبها في الدولة الرافعة لشعار الوحدة . فالدعوة الى الوحدة ، كانت دعوة لوحدة الأنظمة الحاكمة العربية ، وهنا يستحيل الكلام عن الوحدة الشعبية التي وحدها تنجح أي وحدة جامعة مانعة .. طبعا لقد تعرضت مصر ، وبالضبط نظام جمال عبدالناصر لعدوان ثلاثي فرنسي بريطاني إسرائيلي .. وفشل بالتهديد السوفياتي . ورغم فشل العدوان الثلاثي ، استمر الغرب برئاسة أمريكا وإسرائيل ، يحاربون الناصرية من داخل مصر ، وهنا يجب استحضار ما قاله الحسن الثاني من التهديدات الناصرية " ليس عندما تدق الطبول في مصر يرقص لها المغرب " ، وكان تحدي صريح وواضح ورافض لمشروع الوحدة العربية التي طبل لها النظام الناصري .. الى جانب السعودية والدول الخليجية المختلفة .. بطبيعة الحال سيموت جمال عبدالناصر مسموما مثل الهواري بومدين ، وسيخيب امل الوحدة العربية ، الذي انقلب بدرجة 160 بمجيء السادات التي اغرق مصر في الاقتراحات الغربية ، والمشاريع الصهيونية ، التي اغرقت كل مصر في المشاريع الغربية التي سلت مصر من دولة ( مواجهة ) الى دولة في صف الغرب ، الذي انتهت باتفاقية " كمب ديفيد " ، وابرام السلام المصري الإسرائيلي الذي قلب الأوضاع راسا عما كانت عليه قبل اتفاقية السلام التي كانت مدلة لمصر لمساسها بسيادتها ..
بعد الانتهاء من الناصرية ، بقي نظامان عربيان يتاجران بشعارات القومية العربية ، وبالدعوة الى الوحدة العربية ، وطبعا يجاهران إعلاميا بمحاربة إسرائيل ، لكنهما خاصة النظام السوري ، شكل جدارا آمنا لأمن إسرائيل .. فمنذ حرب النكسة ، وبعدها حرب 1973 ، لم يسبق اطلاق رصاصة واحدة من الأراضي السورية المحتلة اتجاه إسرائيل .. والنظام الاخر كان العراق ، وهما بلدين يحكمهما حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يدعو الى القومية العربية ، ويرفع شعار الوحدة العربية .. فضرب العراق وضرب سورية ، كان في الصميم ضربة لشعارات الوحدة العربية ، وضربة لفلسفة القومية العربية التي كان وراءها العرب المسيحيون منذ ثلاثينات القرن الماضي " ميشيل عفلق " ، فحتى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان على راسها عربي مسيحي ، هو جورج حبش الملقب بالحكيم ..
بسقوط النظامين القوميين البعثي العراقي والبعثي السوري ، وظهور الاثنيات ، والشيعة ، يكون مشروع الوحدة العربية قد تلقى الضربة الساحقة ، التي ستزيد سحقا بضرب النظام الليبي لمعمر القدافي ، الذي شارك الجميع في اسقاطه ، أي بما فيهم حسني مبارك ، وبما فيهم عمرو موسى ، مثل البرادعي في العراق .. ولم يبق من الأنظمة المتاجرة بالقومية العربية ، واللصيقة بمشروع الوحدة العربية ، غير النظام اليمني ، الذي آل الى الوضع الذي عليه ..
بقي النظام الجزائري وريث ارث " جبهة الصمود والتصدي " ، وهي الجبهة التي ما صمدت امام احد ، ولا تصدت لآخر ، لم تلحقه موجة التغيير التي لا تزال في الطريق ، وقد تصل اليه عند تراكم مجموعة من الشروط التي تفوق قدرة النظام الجزائري ، خاصة موقفه من فرنسا ومن إسرائيل ، ومن أمريكا التي يهمها امن إسرائيل ، سيما وان النظام رفع شعار الانتصار الى غزة ، والانتصار الى حماس ، الذي يعتبرها الغرب منظمة إرهابية .. والخطورة انه يأوي جبهة البوليساريو التي لا تتردد في تجريح الدولة الإسرائيلية ، وفي التضامن مع حماس الاخوانية ، والتصفيق للمجزرة التي كان ضحيتها اليهود المدنيين في السابع من أكتوبر ..
ان رعاية فرنسا لجمهورية القبائل البربرية ، وتدعيمها ماديا وسياسيا ، ونصرة كندا وسويسرا وكل الغرب للجمهورية القبائلية البربرية ، ليس مجرد حادثة في الطريق . بل هو مشروع حين سينضج ، ستعلن تأييده دول الغرب وإسرائيل الصامتة عن مشروع القبايل البربري الانفصالي .. فإسرائيل الذكية ، رغم ظهور الجزائر بمعارضتها مثلا في الاتحاد الافريقي ، او بالأمم المتحدة ، فطالما ان هذا الاعتراض بقي فقد جزائريا ، فهو لا يؤثر فيها ، وهنا فإسرائيل وارضاء للجزائر لا تعترف بمغربية الصحراء ، وتحرص مثل دول الاتحاد الأوربي على المشروعية القانونية الدولية . وان مجرد القول بالمشروعية الدولية ، فيه ضربة لأطروحة مغربية الصحراء ، لان المشروعية الدولية تعني الاستفتاء وتقرير المصير .. ونظرا للوضع المتأزم في الصحراء ، فنتائج أي استفتاء يجري بإشراف الأمم المتحدة ، ستكون نتيجته الاستقلال .. فهل إسرائيل تمد يدها الى الجزائر ، عندما ابرمت اتفاق " ابراها " مع النظام المخزني ، ولم تفي بشرط من الشروط الأساسية للاتفاق المذكور ، هو الاعتراف بمغربية الصحراء ..
التغيير بالمنطقة قادم ، وستتغير الجغرافية ، والحدود والشعوب .. والتغيير لن يقتصر على الجزائر لوحدها ، بل سيشمل المغرب في الصحراء خاصة وان الملك محمد السادس اعترف بالجمهورية الصحراوية / الجريدة الرسمية 6539 / يناير 2017 .. وخاصة وانه سبق وان دعا الى تنظيم الاستفتاء ، وسيما ان الگويرة " بيد موريتانية ، وثلث الأراضي العازلة لا تخضع للنظام المخزني ..
وهنا نشير .. ان النزاعات الترابية بين الدول ، تحول ضد أي وحدة منتظرة لدول شمال افريقيا .. وبالشرق الأوسط الكويت / السعودية .. مصر/ السودان .. العراق / الكويت .. ..
وداعا الوحدة العربية ، مثل وداعا الدويلة الفلسطينية ، ووداعا حق العودة .. ولن تكون ابدا وحدة عربية .. ولن تكون ابدا دويلة فلسطينية .. ولن يكون ( حقا ) للعودة ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة بسيطة للوضع السياسي والنقابي الراهن
- صورة الخطاب الفلسفي في مرآة الخطاب اللاهوتي الغوغائي الغارق ...
- ماكس فيبير والعقلنة المشوهة
- الاصوليون بالجامعة . هل هم ديمقراطيون ؟
- هل يبحث النظام الانسحاب من الصحراء ؟
- الغزو الروسي لأكرانيا عرى عن حقيقة الجيش الروسي ، وعن حقيقة ...
- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- ظاهرة عبدالاله عيسو
- هل هو السكوت الذي يسبق العاصفة ، ام ان قدر المغرب هذا النظام ...
- سكرتارية مجلس الاتحاد الأوربي
- من واجب موريتانية التزام الحياد في معالجة نزاع الصحراء الغرب ...
- نهاية شيء عُرف سابقا بالقضية الفلسطينية -- نهاية شيء عُرف سا ...
- يتحدثون عن حرب بين اسبانية وبين النظام البوليسي المغربي .
- الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية /الجمهورية الصحراوية ...
- هل هناك فعلا مشروع حضاري عربي إسلامي .؟
- فرنسا مهد المدنية والديمقراطية وحقوق الانسان
- ارض الميعاد اليهودية من الفرات الى النيل
- موقف المملكة الاسبانية من نزاع الصحراء الغربية
- السلفية الجهادية تعلن استعدادها لنقل الحرب الى الداخل الجزائ ...
- أي نظام للحكم نريد ؟


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يقر نظام رقابة آليا على حدوده الخارجية بديل ...
- إسرائيل تريد إبقاء القواعد الروسية في سوريا
- روبيو: النزاع في أوكرانيا هو حرب بالوكالة بين الولايات المتح ...
- تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا يُفاقِم الصراعا ...
- السيناتور غراهام: زيلينسكي كان جيدا في الحرب لكنه يحتاج إلى ...
- روبيو يحذر -حماس-: خذوا تهديدات ترامب على محمل الجد
- كوريا الجنوبية.. إصابة مدنيين وتدمير عدة مبان إثر إلقاء طائر ...
- السودان.. تحركات في 3 مسارات لوقف الحرب المتصاعدة
- 700 دبلوماسي أميركي يحتجون على تفكيك وكالة التنمية
- خطاب ترامب أمام الكونغرس جذب 36.6 مليون مشاهد


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الوحدة العربية بين الواقع والاحلام