أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - الفلسفة ضد الوعي الزائف (جدلية الوعي والوعي الزائف)














المزيد.....


الفلسفة ضد الوعي الزائف (جدلية الوعي والوعي الزائف)


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 15:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين تختار الفلسفة أن تكون ضد الوعي الزائف، أي ضد تحقيق مجتمع العبيد والاستبعاد عن القيمة الفضلى للحياة، فإنها بذلك تنتصر للإنسان الحر والسيد، القادر على العطاء الدائم، باعتباره كائن طبيعي يفكر بوعي في حاضره ومصيره. يعني، يستخدم عقله السليم- إن كان سليما بالفعل- الذي يميزه عن غيره من الكائنات الطبيعية في محيطه، لإنتاج تجليات الوعي والأفكار الكبرى التي تؤطر سلوكياته ومواقفه الخاصة والعامة في هذه الحياة.
لهذا، لابد، ومن طبيعة الأشياء أن تصطف الفلسفة هنا، كعلم مؤسس خبير للتفكير النقدي، إلى جانب كل ما هو إيجابي فعال وكوني في الحياة، مهما كانت مظاهرها المختلفة، لسبب بسيط هو ارتباط الفيلسوف منذ انجذابه المبكر والأصلي إلى تربة الفلسفة، بما نسميه الصحيح الصائب ضد الخطأ الزائف، و الصداقة ضد الكذب، والوفاء ضد الخيانة، والوضوح ضد الغموض.. إلخ. أي، انتصار الفلسفة والفيلسوف لصالح منظومة القيم التي يبنى معناها والعمل بها، هنا، من منطلق القاعدة الواسعة لعموم الناس، حيث تكمن الشروط الطبيعية للنماء، وتطور النوع البشري، ومنها واقع الحاجة وإفراط الحركة وشدة الألم، والحلم الكبير بوطن وعالم حرين عادلين، وخاليين من مظاهر البهتان والحروب. إن الفلسفة هنا تنتصر للحياة والأحياء ضد العدم والارتكاسيين، عكس من يتزعم موقف ضدها، ويصر على محاربتها طيلة تاريخها الطويل، كالطغاة وأعوانهم المنتهزين الفاسدين، سعيا منهم لتكريس الوضع القائم، دعما لموقف سلطة الحاكم بمعناه السياسي والديني. ليبقى الخاسر الأكبر هنا طبعا، هو المجتمع الذي قد يكون منجرا لواقع دفع إليه واختاره مجبرا، بل يوجد في وضعية تجاذب قصوى، بين سندان الوعي الزائف الذي ينتج خصيصا له، سمّا عسلا، من لدن أعداء الفلسفة، ومطرقة الوعي، أي التفكير "المواطني" والإنساني الذي تنتجه الفلسفة، كمعرفة نقدية. وهو ما أطلقنا عليه في بداية هذه النص بجدلية الوعي والوعي الزائف. المتحكم في هذه الجدلية هو المنتصر التاريخي مؤقتا، أي، من يسود ويهيمن على المجتمع والعقول، حتى وإن كان يمثل صناع الوعي الزائف ومستهلكيه. نلاحظ هنا مدى عمل السلطة المتواصل على تسليع الوعي، وهو ما سميناه بالوعي الزائف. في المقابل، يقاوم الطرف الثاني، الذي يمثله قلة من مواطني المجتمع الحي، من أصحاب الفكر الحر، مثل الفلاسفة والأدباء والشعراء وأهل المسرح ..إلخ، من أجل التنوير والحلم بفضيلة التغيير وغد أفضل. أي، إحلال الوعي مكان الوعي الزائف، في الوضع المجتمعي والتاريخي والحياة. يعني، الحلم بعالم أحسن وأجمل، يحترم بقاء الآخرين في الحياة الاجتماعية والبيئية الطبيعية، جنبا إلى جنب، دون إقصاء أو تمييز.
قد يبدو هذا التصور لعلاقة الفلسفة بالوعي الزائف، للبعض، مرتبطا بفكرة البحث عن المثال في عالم مفارق للواقع، باعتبار أن شدة الجوع والعطش، وقساوة عيش التهميش في الجبال، وغربة المواطن في وطنه.. هو الذي يتحكم عمليا في بناء وتأطير (الوعي) ونقيضه (الوعي الزائف)، وليس التفلسف أو قراءة الفلسفة وكتابتها. يعني، المدرسة، وفق الأطروحة الماركسية المعروفة: الواقع المادي هو الذي يحدد الوعي وليس العكس.. يمكننا التسليم مبدئيا بواقعية وصحة هذه الأطروحة الجادة. لكن، يمكننا أيضا، في المقابل، طرح السؤال التالي: ما قيمة وجدوى الكائن البشري، دون التسلح بوعيه الفعلي بمعاناته وآلامه اليومية؟ يمكن طرح السؤال بصيغة أخرى: هل الحيوان الذي يعيش طبيعته ككائن غريزي في وسطه الطبيعي، يعي نوع آلامه ومعاناته؟ طبعا، الجواب هنا بالنفي، لأنه، بكل بساطة، كائن حي دجنته وكيفته الطبيعة مع سلطة قوانينها القوية، تلك التي يقاومها الحيوان تارة بالخوف والاختفاء والهروب، وتارة أخرى بالاستسلام لها. في المقابل، يواجهها النوع البشري بسلاح التفكير والمعرفة، من أجل إخضاعها والتحكم فيها نسبيا، الأمر الذي لن يتحقق دون ما يسمى بالخبرة والثقافة التي تراكمت مع مرور الزمن، واتخذت أشكالا عديدة ومختلفة، مثل الخرافة والأسطورة والدين والعلم والمعرفة التقنية راهنا.
من هنا، ارتبط بناء الوعي الإنساني في تاريخ الحضارات بالمدرسة والتعليم. أي، بالبحث المستمر عن أشكال تثقيف الإنسان، وتيسير تقريبه من إنسانيته ككائن قابل للتفاعل، يعي ويفكر، ومن تمّ، تحقيق إبعاده عن طابعه الحيواني الكامن في داخله، سعيا لتحجيمه والتخفيف من سلطته. لهذا، ووفق تحليلنا السابق، يجوز لنا وصف الذين يحاربون المدرسة، ومن خلالها يعطلون وظيفتها المعرفية، ويقاومون نمو وتطور الوعي لدى الفرد والمواطن في المجتمع، بتكريس تجليات الوعي الزائف، كالتضليل الديني، والمغالطات الثقافية، والكذب السياسي، بصناع أصنام الشر في الحياة، كبديل لرغبتهم الغريزية (الحيوانية) في الهيمنة، يعني الاستسلام لجبروت الطبيعة التي تفرض ولا تهادن.
هكذا، نصل إلى الخلاصة التا لية:
إن الصراع التاريخي بين صناع الوعي، وصناع الوعي الزائف، هو صراع ثقافي وأخلاقي قبل أن يكون صراعا مؤسسيا، على شكل نزاع سياسي واقتصادي واجتماعي، بين صناع الحياة وصناع الموت. أي، مخربي الحياة، بالكلام القطعي..
نختم بطرح السؤال التالي: هل نحن، في عصرنا، زمن الثورة الرقمية، الذي تجاوزت فيه قوة الشر وإرادة الحروب المجانية كل حدود الخيال، بصدد المواجهة التاريخية التقليدية بين ورثة الإنسان، ككائن عاقل يفكر، وورثة الحيوان، ككائن متوحش ؟؟



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحق في الفهم
- الفلسفة ضد مكر التقنية
- مدرسة الريادة بالمغرب، أفقا للتفكير
- سدي فارس.. ذلك الوجع في زمن النسيان
- التجربة التشكيلية عند الفنان المغربي عبد الكبير ربيع
- عن السياسة التعليمية بالمغرب
- انتفاضة الأساتذة بالمغرب
- الكانطيات 2
- كانطيات : كانط ومحكمة العقل (1)
- فلسفة الإنفصال ضد سلطة الاتصال (نسق التعليم نموذجا)
- مسألة الملك والأخلاق والكتابة عند عبد الرحمن بن خلدون
- الفلسفة ضد حراس الميتافيزيقا
- الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم (2)
- الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم
- سعيد ناشيد: محنة الفكر المضاد في المغرب
- الفلسفة والحق في العيش المشترك
- كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي
- رهان العلاقة بين التربوي والإداري في المغرب
- الإرتقاء بالفعل القرائي عند المتعلم في السلك الإبتدائي
- نيتشه راقصا على جليد جثامين المدينة


المزيد.....




- -أمر غبي للغاية-.. شاهد خطاب ترودو اللاذع بشأن رسوم ترامب ال ...
- سيناريو ساخر عن هروب بشار الأسد.. إعلان سوري يحقق تفاعلا
- تحقيقات الجيش الإسرائيلي تكشف تفاصيل تصدم الإسرائيليين عن مع ...
- ما هو تأثير قرار ترامب بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية على ...
- شقيقة كيم تهدد بالرد على حاملة الطائرات الأمريكية
- البرلمان الصربي يتحول إلى ساحة معركة.. اشتباكات وقنابل دخاني ...
- القمة العربية تتبنى خطة مصرية لإعادة إعمار غزة بميزانية 53 م ...
- زيلينسكي يعرض هدنة لبدء محادثات سلام تحت -قيادة ترامب القوية ...
- قمة العرب بمصر.. رفض تهجير الفلسطينيين
- الملف الأوكراني وصندوق المفاجآت


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - الفلسفة ضد الوعي الزائف (جدلية الوعي والوعي الزائف)