علي الجلولي
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 13:29
المحور:
مقابلات و حوارات
لازال الوضع السوداني يراوح مكانه باشتداد ضراوة الحرب المدمرة بين قطبي الثورة المضادة على حساب شعب السودان الذي يُعاقب على نجاح ثورته في دكّ نظام عمر البشير العسكري الاخواني. ويعيش اليوم ملايين السودانيين نازحين ومشردين داخل بلدهم أين يتعرضون لأبشع أشكال الامتهان ، وكذلك خارج بلدهم في البلدان المحيطة أو البعيدة. يتساوق الوضع المعقد مع وضع إقليمي متوتر سمته العدوان النازي على الشعب الفلسطيني واللبناني، كما يتساوق مع تحولات عميقة تخز المنطقة سواء بسقوط نظام الأسد وتعويضه بالعصابات الإرهابية صنيعة المخابرات الأجنبية والإقليمية التي تتقدم اليوم من أجل تكريس رؤيتها ل"الشرق الأوسط الجديد" بقيادة ترامب وكيان الاحتلال وخدمة أنظمة التبعية العضوية وعلى رأسها السعودية وأنظمة الخليج. ضمن هذا السياق العربي والدولي الدقيق تتواصل "صوت الشعب" مع الرفيق فتحي الفضل، عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني لتسليط الضوء على تطورات الأوضاع في السودان الشقيق، وقراءته للأوضاع في المنطقة.
1- يعرف الصراع العسكري بين قطبي الثورة المضادة في السودان في المدة الأخيرة اتجاها نحو غلبة الجيش. كيف تقيمون اتجاهات الحسم وتداعياتها؟
الجواب:
نعم يعرف الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع وهو صراع حول السلطة والثروة وهو مسنود من قبل قوى خارجية لمزيد التحكم في البلد، لذل فالصراع له أبعاد إقليمية ودولية. صحيح في المدة الأخيرة ثمة تقدم ملحوظ لما يسمى الجيش المسنود من مليشيات. وجه التذكير انه طيلة الحرب لم نشهد مواجهة مباشرة بين الطرفين، بل الصراع على العموم احتكم إلى الانسحابات تارة من قبل الجيش مثلما جرى في منطقة الجزيرة مؤخرا إذ انسحبت قوات الدعم السريع أو في العاصمة ودارفور أين انسحب الجيش. هذا يؤكد انه ليس ثمة فرصة للحسم العسكري في السودان مثلما صار في حرب الجنوب لذلك لا نرى انتصارا عسكريا حاسما لهذا الطرف أو ذاك، فكل ذرف يعمل على الحفاظ على مصالحه بهذا الشكل أو ذاك.
2- قطبي الصراع المسلح مسنودان من قوى إقليمية ودولية. هل يسهل ذلك عملية الحسم العسكري ام العكس بما يعني استمرار الاقتتال؟
الجواب:
ارتباط كلا الطرفين بأطراف إقليمية ودولية هذه حقيقة واقعة والحقيقة لا يمكن إنكارها واستمرار الحرب لقرابة سنتين ما كان ممكنا فقط بمقدرات داخلية أو محلية، واضح جدا ارتباذ استمرار الحرب بالتدخل الخارجي وبالتالي فان الحديث عن الحسم العسكري يرتبط باستمرار التدخل لفائدة الطرفين بما يعني فعليا استمرار الحرب وبالتالي هذا لا يساعد في الوصول إلى حسم عسكري ،فنحن نتحدث عن بلد واسع ومترامي الأطراف لذلك فلا الجيش ولا الدعم السريع و ميليشياتهما المختلفة السيطرة على السودان أو القيام بعمل عسكري حاسم،لذلك فالأسهل اليوم هو استمرار القتال.واضح التدخل الإقليمي والدولي، فالولايات المتحدة هي الماسكة بكل الخيوط إذ لها علاقات واسعة بما نسميه الأنظمة العسكرية في المنطقة مثل النظام المصري وأنظمة الحليج المختلفة التي تدير الصراع في السودان فالإمارات بشكل خاص هي إلى جانب الدعم السريع والنظام المصري هو الذي يدعم نظام الإخوان المسلمين، ومن المفارقات إن النظام المصري يستضيف قيادات الإخوان في بلده وهي تدعم الجيش وتتدخل إلى جانبه من خلال الأسلحة والمسيرات. المعطى الآخر هو الاعتماد الكلي لقوات الدعم السريع على ارتباطاتها القبلية وأساسا القبائل العربية الموجودة في مالي وتشاد والنيجر وهي تساعد المليشيات في استمرار القتال.
3- يبدو ان العسكر مسنود بفلول النظام المخلوع وحزب المؤتمر الإخواني. كيف يتعاطى الشعب السوداني مع هذا الأمر؟
الجواب:
تماما، العسكر مسنود بفلول النظام المخلوع وجماعات الإخوان. وجد الوعي بالفارق بين الجيش النظامي والمليشيات التي حوله وهي مجموعات تشابه في تنظيمها العام المجموعات العسكرية، إما مجموعات الدعم السريع ففي اغلبها غير سودانية وفي تنظيمها لا تعتمد على مقدرات الدولة بل أساسا على عمليات النهب والسلب، لذلك تحتكم في المناطق التي تسيطر عليها على الوحشية مما يدفع السكان إلى النزوح، لذلك فالنزوح في السودان عموما مرتبط بالأماكن التي يسيطر عليها الدعم السريع ويهم الأمر المناطق التي سيطروا عليها في العاصمة أو خارجها علما وأننا نتحدث عن ما بين 10 و12 مليون نازح داخلي، وهو وضع مزعج جدا هز كل أركان الحياة في السودان، إضافة إلى وجود 2مليون سوداني خارج البلد زانها كارثة حقيقية، لذلك فاستمرار الحرب لا يقود إلى كارثة إنسانية فحسب بل أيضا إلى تفتيت البلد وتقسيمه. الحسم العسكري غير ممن لأنه لا يمكن لطرف لوحده حكم البلد ككل، لذلك فان إيقاف الحرب يتطلب إيقاف الدعم للقوى المتحاربة محليا وهو ما يتطلب بدوره اتفاقا دوليا وضغطا خارجيا، والمرشح للقيام بهذا الدور هو تركيا لأنها تقود مفاوضات بين الإمارات ومصر، وإذا نجحت في ذلك فتكون الخطوة الموالية تقريب وجهات النظر بين ذرفي الصراع لإيقاف الحرب . الحرب هي تعبير عن تناقضات موجودة جول السلطة والثروة، والثروة هي الأساس بالنسبة للقوى الخارجية وخاصة الذهب والموقع الجغرافي وخاصة الانفتاح على البحر الأحمر الذي يربط بين أروبا وإفريقيا واسيا في مثل ظروف اليوم في الشرق الأوسط وما يلعبه البجر الأحمر من دور بما في ذلك في صراع حركة التحرر الوطني مع إسرائيل، لذلك فالحرب في السودان ليست معزولة عن قضايا المنطقة
4- تعرف المعارضة المدنية والسياسية انقساما حادا عبر عنه حل جبهة تقدم. ان يتموقع الحزب الشيوعي وكيف يقوم بدوره؟
الجواب:
المعارضة لم تنقسم الآن، فهي توحدت في 2013 على أساس النضال ضد السلطة وأرسلت وفودا إلى الخارج للحوار خاصة مع الاتحاد الأروبي خاصة فيما يهم مشاكل الهجرة الغير نظامية التي أصبح السودان ممرا لها انطلاقا من عديد البلدان الإفريقية للاتجاه نحو ليبيا ثم اروبا، حاولت المعارضة إقناع الاتحاد الأروبي ودوله لإيقاف الدعم لنظام البشير، ولم يتم إقناع الذرف الأروبي وخاصة فرنسا وألمانيا التي كانت في 2016/2017 تعتبر إن مصلحة أروبا وألمانيا هي في توسيع قاعدة نظام الإخوان المسلمين وهي نفس مقاربة الاتحاد الإفريقي الذي دفع نحو تحالف نظام الإخوان مع القوى السياسية مع ضمان استمرار البشير على راس النظام. بعض القوى السياسية وافقت مثل حزب الأمة وحزب المؤتمر. وهو ما فرض انقسام القوى المدنية والسياسية بحكم التناقضات والاختلافات الكبيرة في المصالح الاقتصادية والاجتماعية التي يعبر عنها كل طرف بما فيها مصالح القوى الخارجية، من هنا الحزب الشيوعي ولجان المقاومة اتجهنا إلى طرح مهمة بناء قوة جماهيرية وهو ما أدى في 2018 إلى بروز تيار قوي داخل العاصمة بدأ بمظاهرات ثم حدث انفجار ثوري عجز أمامه النظام الذي لم يقدر على الاستمرار، في خصم ذلك عادت أهم القوى السياسية إلى الوحدة من خلا تنظيم "قوى الحرية والتغيير"لكن في أول منعرج بعد إسقاط رأس النظام اكتفت بعض القوى بت إلى تحقيق ما أنجزنا ودعت إلى "حقن الدماء والتعاون وإقامة شراكة مع قيادة الجيش" مما أدى إلى انقسام آخر داخل المعارضة حيث خرج الحزب الشيوعي وبعض القوى الوطنية الأخرى، وبالتالي فالانقسام الحالي هو انعكاس لمسار متواصل، والانقسام الحالي جرى على خلفية تشكيل حكومة ظل في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع مقابل الحكومة الأخرى الموجودة في "بورسوادان". الحزب الشيوعي يدعو إلى إسقاط النظام رغم التراجع الحاصل منذ بداية الحرب، فالنضال من اجل إسقاط النظام أي القطع مع طرفي الحرب مهمة معقدة مما فاقم الهجوم علينا (اعتقالات،ترويع..) وهو ما أدى إلى تراجع الحركة الجماهيرية لكننا نصر على لعب دورنا واليوم نواجه كيفية بناء الحياة الإنسانية وتوفير الدواء والماء والكهرباء.. وقد تحول الشيوعيون إلى لجان طوارئ تهتم بشؤون الناس مثل بعث "التكايا" وهي نوع من المطاعم الشعبية تجسد التكاتف والتعاون، وتدريجيا تحول العمل الثوري إلى عمل إنساني مباشر مما خلق صلات جديدة بين القوى السياسية والجماهير الشعبية ومن هنا نجحنا تدريجيا في بعض المناطق أن تتحول هذه اللجان مرة أخرى إلى لجان مقاومة تستطيع إن يكون لها دور في حياة الناس بما وسع الممارسة النضالية.نحن نعمل من اجل استعادة الحركة الجماهيرية، لذلك تقدمنا بمبادرة موجهة إلى كل القوى السياسية من أجل تجاوز الأخطاء الماضية وبناء وحدة جديدة لوقف الحرب واستمرار الثورة وهو ما يجري الآن.
5- تعرف المنطقة تحولات عميقة عرفت ذروتها في الساحة السورية واللبنانية والفلسطينية. كيف تقدرون تداعيات ذلك على بقية الإقليم بما فيه شمال أفريقيا؟
الجواب:
ما يجري في السودان هو جزء من وضع جيو استراتيجي و إقليمي ولا يمكن عزل ما يجري عندنا عما يجري حولنا لذلك يجب إن يكون لدينا موقف مما جرى ويجري في بلدنا وفي محيطنا العربي.السودان بلد عني من الناحية الطبيعية (النيل،الأراضي الخصبة...)،السودان ليس سلة العرب بل سلة العالم. وجود السودان في البحر الأحمر الممر المائي الذي يربط اروبا وافريقيا واسيا وارتباط هذا الممر بما يجري في الشرق الأوسط والحرب على غزة والضفة الغربية ودور اليمن وما يجري فيها،السودان مرتبط ارتباطا وثيقا بما يجري في المنطقة. ما يجري في سوريا ولبنان وفلسطين كله مترابط،نحن في وضع ردة جديدة في المنطقة العربية وحركة التحرر العربية لم تشهد في تاريخها القريب وضعا أسوأ.الذي يتسيد المنطقة اليوم هو دول الخليج التي تتدخل في غزة وفي لبنان. الوضع في سوريا يتمثل في سقوط نظام كنا نشتكي منه لكن عوضه نظام من بقايا جبهة تحرير الشام وهذا تراجع يعكس هيمنة القوى الرجعية في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
6- كيف ترون دور القوى الثورية في المنطقة وماهي رسالتكم إليها؟
الجواب:
هذا يفرض على القوى الثورية في المنطقة اتخاذ تكتيكات جديدة وفي مقدمتها بناء الجبهة الجماهيرية العريضة. رسالتنا هي أن ما نقترحه في السودان يمكن إن يكون شعارنا في مجمل المنطقة العربية سواء في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط. الجبهة الجماهيرية العريضة هي الشعار وهي المهمة التي يمكن إن تلجم القوى الرجعية والهجمة الامبريالية على المنطقة، لأجل ذلك على الأحزاب الشيوعية والقوى الوطنية والديمقراطية أن تلعب دورا طليعيا من اجل التعبير عن المطالب الملحة للجماهير الشعبية في كل بلد وهو ما يمكن إن يحلق حالة نهوض في مجمل المنطقة.
#علي_الجلولي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟