محمد ارسلان علي
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محمد أرسلان علي
في ظل التحولات السياسية والجغرافية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبرز ملف القضية الكردية كواحد من أعقد الملفات التي تؤثر على استقرار المنطقة. الإعلان الأخير للقائد عبد الله أوجلان عن الانتقال من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي لحل القضية الكردية يمثل خطوة تاريخية قد تفتح آفاقًا جديدة لمعالجة هذا الصراع المستمر منذ عقود. ومع ذلك، فإن التجارب السابقة مع تركيا تشير إلى أن التزامها بالسلام غالبًا ما يكون مشروطًا بمصالحها القومية الضيقة، مما يجعل احتمالية تجدد الاشتباكات قائمة إذا لم يتم وضع ضمانات دولية وإقليمية قوية.
ويمكن اعتبار وقف إطلاق النار فرصة تاريخية للسلام بين شعوب المنطقة. إعلان حزب العمال الكردستاني عن وقف إطلاق النار والانتقال إلى النضال السياسي يمثل تحولاً مهماً في تاريخ القضية الكردية. هذا القرار يأتي في إطار فلسفة عبد الله أوجلان التي تدعو إلى "الأمة الديمقراطية" والتعايش السلمي بين الشعوب. ومع ذلك، ولنجاح هذه الخطوة ينبغي أن يكون ثمة تأييد دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار والضغط على تركيا لاحترام هذه الخطوة. وكذلك الدول الأوروبية يمكن أن تلعب دوراً في دعم الحلول السياسية من خلال تقديم ضمانات أمنية واقتصادية.
في هذا السياق، يصبح الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية حاسمًا في ضمان نجاح وقف إطلاق النار، وكبح جماح التدخلات التركية في سوريا والعراق، بما يعزز الاستقرار الإقليمي ويقلل من التوترات. العراق ومصر والسعودية، باعتبارها دولًا فاعلة في المنطقة، تمتلك مقومات مؤثرة يمكن أن تسهم في تحقيق هذه الأهداف.
إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) وقف إطلاق النار يعكس تحولًا استراتيجيًا في طريقة تعامل الأطراف الكردية مع القضية، حيث يتم الانتقال من الخيار العسكري إلى الخيار السياسي. هذا القرار يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تواجه تركيا تحديات داخلية وخارجية متزايدة، بما في ذلك الضغوط الاقتصادية والسياسية الدولية.
الدعم الدولي لهذا الإعلان، كما أبدته الولايات المتحدة وألمانيا والأمم المتحدة والعراق وغيرها، يعكس رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الصراع التركي-الكردي الذي يعتبر أحد أسباب زعزعة الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، فإن التجارب السابقة تشير إلى أن تركيا قد لا تلتزم بوقف إطلاق النار إلا إذا كانت هناك ضمانات قوية تحمي مصالحها وتمنع أي تصعيد محتمل.
نجاح وقف إطلاق النار أو فشله سيكون له تأثير مباشر على سوريا والعراق، اللتين تشهدان تداخلًا كبيرًا بين القضايا الكردية والتدخلات التركية. تركيا تعتبر وجود الكرد في شمال سوريا وشمال العراق تهديدًا لأمنها القومي، وهو ما دفعها إلى تنفيذ عمليات عسكرية متعددة في هاتين الدولتين.
إذا تمكنت الأطراف المعنية من ضمان استمرار وقف إطلاق النار، فقد يؤدي ذلك إلى:
1. تقليل التوترات في سوريا والعراق: حيث ستتمكن الحكومتان السورية والعراقية من التركيز على إعادة الإعمار والاستقرار بدلاً من الانشغال بالنزاعات المسلحة.
2. تعزيز الحوار السياسي: حيث يمكن للكرد أن يشاركوا بشكل أكبر في العملية السياسية في البلدين، مما يساهم في بناء نظام سياسي أكثر استقرارًا.
3. تقليص النفوذ الإيراني والتركي: حيث سيتيح ذلك فرصة لإعادة التوازن في المنطقة وتقليل التدخلات الخارجية.
بكل تأكيد أن الدول العربية، وعلى رأسها العراق ومصر والسعودية، تمتلك أدوات نفوذ يمكن أن تسهم في تعزيز فرص نجاح وقف إطلاق النار وتقليل التدخلات التركية في المنطقة. يمكن تقسيم هذا الدور إلى عدة محاور:
1. العراق: الجسر بين الأطراف
باعتباره الدولة التي تضم الجزء الجنوبي من كردستان، يلعب العراق دورًا محوريًا في هذا الملف. الحكومة العراقية، بالتعاون مع إقليم كردستان، يمكن أن تكون وسيطًا فعالًا بين تركيا والكرد. العراق يمكن أن:
- يستضيف محادثات مباشرة بين الأطراف المعنية لضمان استمرار وقف إطلاق النار.
- يعمل على تقديم ضمانات لتركيا بأن حقوقها الأمنية سيتم احترامها دون الحاجة إلى التدخل العسكري.
- يعزز التعاون الاقتصادي والسياسي مع تركيا لتقليل التوترات.
2. مصر: الدبلوماسية الإقليمية
مصر، باعتبارها واحدة من أقوى الدول العربية دبلوماسيًا، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الوساطة والضغط على الأطراف المعنية. مصر يمكن أن:
- تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف إطلاق النار.
- تقدم نفسها كوسيط موثوق به بين تركيا والكرد، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع كل من أنقرة وبغداد.
- تدعو إلى عقد مؤتمر إقليمي يجمع الأطراف المعنية لبحث سبل حل القضية الكردية بشكل شامل.
3. السعودية: القوة الاقتصادية والسياسية
السعودية، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، تمتلك موارد اقتصادية وسياسية يمكن أن تستخدمها لدعم الاستقرار. المملكة يمكن أن:
- تقدم دعمًا ماليًا وإنسانيًا لمناطق النزاع لتحسين الأوضاع المعيشية وتعزيز الثقة بين الأطراف.
- تضغط على تركيا عبر القنوات الدبلوماسية لضمان التزامها بوقف إطلاق النار.
- تعمل على تعزيز التعاون الخليجي-العربي لمواجهة التدخلات الخارجية في المنطقة.
لضمان نجاح وقف إطلاق النار وتحقيق استقرار إقليمي مستدام، ينبغي على الدول العربية أن تتبنى استراتيجية شاملة تقوم على:
1. التنسيق المشترك: العمل بشكل تكاملي بين العراق ومصر والسعودية لتقديم رؤية موحدة حول الملف الكردي.
2. الضغط الدبلوماسي: استخدام العلاقات الدولية والإقليمية للضغط على تركيا لالتزام السلام.
3. تعزيز التنمية: تقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية لمناطق النزاع لتحسين الأوضاع المعيشية وبناء الثقة.
4. الدعوة إلى الحوار: تشجيع جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل القضية الكردية بشكل شامل وعادل.
إن نجاح الدول العربية في لعب دور الضامن لوقف إطلاق النار ليس فقط سيحقق الاستقرار في المنطقة، بل سيؤكد دورها كقوة مؤثرة في صياغة مستقبل الشرق الأوسط. وإذا تمكنت هذه الدول من تكرار النجاح الذي حققته مع إيران في بعض الملفات، فقد يكون ذلك بداية لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي والسلام المستدام.
القضية الكردية ليست قضية محلية فقط، بل هي قضية إقليمية ودولية تحتاج إلى تعاون جميع الأطراف المعنية. وعلى الدول العربية أن تكون في طليعة هذا التعاون لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة. والدول العربية لديها الفرصة لتلعب دوراً محورياً في ضمان نجاح وقف إطلاق النار في كردستان، وكبح جماح تركيا وإيران في سوريا والعراق. من خلال الوساطة السياسية، والضغط الاقتصادي، ودعم الاستقرار، يمكن للدول العربية أن تسهم في نشر السلام والاستقرار في المنطقة. هذا الدور ليس فقط مسؤولية أخلاقية، بل أيضاً مصلحة استراتيجية، حيث أن استقرار سوريا والعراق يعزز الأمن القومي العربي ويقلل من النفوذ الخارجي.
#محمد_ارسلان_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟