فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 09:16
المحور:
الادب والفن
في حضن النور السرمدي، حيث لا بداية للضياء ولا آخر للهمس، هناك جنتان تتهاديان كوشوشة ملكوتٍ، يتحاور فيه الضوء والماء، وينطق فيه الصمت بالسر الذي لا يُقال.
قالت الأولى، تهتز فيها الأغصان كنبضٍ لم يُخلق بعد، وتنسكب الأنهارُ من لجينٍ حيٍّ يتماوج في ضحكة خفية:
“أنا الفردوسُ الذي تتفتح فيه الأرواح كزهرٍ لا يذبل، نخيلي ليس نخيلًا، بل خيوطٌ من النور، تتشابك لتنسج ظلالًا من العطر الساري. كل ورقةٍ هنا تسبّح، كل جدولٍ ينشد، كل قطرةٍ هي نغمة، وأنا الغيمةُ التي لا تمطر إلا نورًا ممتزجًا برحيقٍ لا يُعرف له أول.”
هنا اهتزت أجنحة الطير، وانطلقت أصوات الطبيعة ، موسيقى الأبد، أنفاس النعيم، تعبر الجداول كما يعبر الفجر على أهداب المساء. ضحكت الجنة الأخرى، فتناثرت زهورٌ ليست زهورًا، بل نجومٌ ناعسة في حضن النسيم، وقالت:
“وأنا جنة القرب، حيث لا ظمأ لأن كل شيء هنا ماء، لا برد ولا حر لأن النعيم هو المناخ، لا مسافة بين الشوق والوصل، لا انتظار، لا سؤال، لا جواب… لأن كل ما كان مطلوبًا قد كان منذ الأزل.”
هبّ النسيم، لكن لم يكن هواءً، بل دفقة حياة، امتدادًا لنفسٍ لم يُعرف صاحبه، فاهتزت الحقول، وتمايلت الأشجار بغمزة أبدية، وانسكب على الأغصان مطرٌ ليس ماءً، بل صدى الصوت الأول، همسةُ النور قبل أن يُخلَق الوجود.
قالت الأولى، وتراقصت عناقيدها كنورٍ يضحك:
“هنا تُثمر الأشجار بلا موسم، تُنشد الأنهار بلا صوت، تطير الطيور بلا جناح، وكل ما هو حيٌّ، يزداد حياةً حتى يغمره النعيم.”
فقالت الأخرى، وهمستْ في عمق الغيب:
“لكن خلف هذا الجمال، هناك جنةٌ لم تخطر على قلب بشر، حيث لا بداية، لا نهاية، لا حدٌّ للبهاء، ولا انطفاءٌ للنشوة، حيث الوجود نفسه يذوب في حضن النور، ويظل السرُّ سرًّا، لأن كشفه يعني أن هناك شيئًا لم يُعرف… وأنا لا أترك للمعرفة فرصة أن تكتمل.”
وهنا، أزهر الصوتُ في الفضاء، ولم يبقَ إلا اللحن الذي لا يُسمع، والنور الذي لا يُرى، والفردوس الذي لا يزال يتحدث… في الحضور الذي لا يفنى.
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟