هاني جرجس عياد
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 03:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الذَّكَاءُ يُقْصَدُ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّفْكِيرِ، وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ الصِّفَاتِ الَّتِي تُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْحَيَوَانِ. وَيُعَرِّفُهُ عُلَمَاءُ النَّفْسِ عَلَى أَنَّهُ قُدْرَةُ الْفَرْدِ عَلَى فَهْمِ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِ الْمَوَاقِفِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالتَّكَيُّفِ مَعَهَا لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ. وَيُمْكِنُ تَحْلِيلُ الذَّكَاءِ فِي هَذَا السِّيَاقِ إِلَى مَجْمُوعَةٍ مِنْ الْقُدُرَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي تُحَدِّدُ قُدْرَةَ الشَّخْصِ عَلَى تَعْدِيلِ سُلُوكِهِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ التَّغَيُّرَاتِ الْبِيئِيَّةِ. وَأَبْرَزُ هَذِهِ الْقُدُرَاتِ تَشْمَلُ الْإِدْرَاكَ، التَّفْكِيرَ، التَّذَكُّرَ، وَالتَّخَيُّلَ.
يَتَفَاوَتُ نَصِيبُ الْفَرْدِ مِنْ الذَّكَاءِ، فَلَيْسَ الذَّكَاءُ الْعَامُّ مُتَمَاثِلًا بَيْنَ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ، كَمَا أَنَّ حَظَّ كُلِّ شَخْصٍ مِنْ عَنَاصِرِ الذَّكَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ لَيْسَ دَائِمًا عَلَى نَفْسِ الْمُسْتَوَى. فَبَعْضُ النَّاسِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِجَمِيعِ عَنَاصِرِ الذَّكَاءِ، بَيْنَمَا الْبَعْضُ الْآخَرُ قَدْ يَمْلِكُ ذَكَاءً خَاصًّا يَرْتَبِطُ بِعُنْصُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْمُكَوِّنَةِ لِلذَّكَاءِ الْعَامِّ. وَتَنْقَسِمُ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ مِقْدَارُ الذَّكَاءِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْعَبَاقِرَةِ النَّابِغُونَ وَهُمْ فِئَةٌ نَادِرَةٌ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَمُتَوَسِّطُو الذَّكَاءِ الَّذِينَ يُشَكِّلُونَ الْغَالِبِيَّةَ الْعُظْمَى مِنْ الْأَفْرَادِ، وَأَصْحَابُ الذَّكَاءِ الْمَحْدُودِ أَوْ ضِعَافِ الْعُقُولِ الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ أَيْضًا نِسْبَةً قَلِيلَةً. وَتَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ضِعَافَ الْعُقُولِ هُمْ الْأَفْرَادُ الَّذِينَ تَضْعُفُ لَدَيْهِمْ الْإِمْكَانِيَّاتُ الْعَقْلِيَّةُ، مِمَّا يَجْعَلُهُمْ غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى التَّكَيُّفِ مَعَ ظُرُوفِ الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ.
تَحْدِيدُ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ يُعَدُّ أَمْرًا مُهِمًّا فِي مَجَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلِذَلِكَ لَجَأَ الْبَاحِثُونَ إِلَى اسْتِخْدَامِ وَسَائِلَ لِقِيَاسِ الذَّكَاءِ لَدَى الْأَفْرَادِ. تَتَمَثَّلُ هَذِهِ الْوَسَائِلُ فِي مَجْمُوعَةٍ مِنْ الِاخْتِبَارَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا اخْتِبَارَاتُ الذَّكَاءِ. تَقُومُ فِكْرَةُ هَذِهِ الِاخْتِبَارَاتِ عَلَى مُرَاقَبَةِ نَوْعِ وَمَدَى اسْتِجَابَةِ الشَّخْصِ لِمَوَاقِفَ مُعَيَّنَةٍ، حَيْثُ تُقَدَّمُ الِاخْتِبَارَاتُ لِلْفَرْدِ بِطَرِيقَةٍ مُحَدَّدَةٍ تَسْمَحُ لِلْبَاحِثِ بِتَسْجِيلِ وَقِيَاسِ اسْتِجَابَاتِهِ بِدِقَّةٍ. تَشْمَلُ اخْتِبَارَاتُ الذَّكَاءِ مَجْمُوعَةً مِنْ الْعَنَاصِرِ الَّتِي تَقِيسُ مُخْتَلِفَ الْإِمْكَانِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ لِلْفَرْدِ مَحَلَّ الدِّرَاسَةِ، وَتُحَوِّلُ اسْتِجَابَاتِ الْفَرْدِ وَأَخْطَائِهِ إِلَى أَرْقَامٍ تُمَثِّلُ نِسْبَةَ الذَّكَاءِ، بِنَاءً عَلَيْهَا يُجْرَى الْمُقَارَنَةُ بَيْنَ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ لَدَى شَخْصَيْنِ أَوْ مَجْمُوعَتَيْنِ مِنْ الْأَفْرَادِ، مِثْلِ: الْمُجْرِمِينَ وَغَيْرِ الْمُجْرِمِينَ، أَوْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَوْ الشَّبَابِ وَالشُّيُوخِ.
يُعَبَّرُ عَنْ مُعَدَّلِ الذَّكَاءِ بِاسْتِخْدَامِ الْمُعَادَلَةِ الرِّيَاضِيَّةِ التَّالِيَةِ: مُعَدَّلُ الذَّكَاءِ = الْعُمْرُ الْعَقْلِيُّ ÷ الْعُمْرُ الْفِعْلِيُّ × 100.
يُحَدَّدُ الْعُمْرُ الْعَقْلِيُّ لِلْفَرْدِ بِنَاءً عَلَى عَدَدِ الدَّرَجَاتِ الَّتِي يَحْصُلُ عَلَيْهَا فِي اخْتِبَارَاتٍ تَتَنَاسَبُ مَعَ سِنِّهِ، حَيْثُ يَتِمُّ تَحْدِيدُ الدَّرَجَةِ اسْتِنَادًا إِلَى الْإِجَابَاتِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الشَّخْصُ عَلَى عَنَاصِرِ الِاخْتِبَارِ الْمُخَصَّصَةِ لِسِنٍّ مُعَيَّنٍ. لِتَحْدِيدِ الْعُمْرِ الْعَقْلِيِّ لِشَخْصٍ مَا، يُقَدِّمُ لَهُ مَجْمُوعَةً مِنْ الِاخْتِبَارَاتِ، وَيَتِمُّ تَحْدِيدُ دَرَجَاتِهِ وَفْقًا لِلِاخْتِبَارَاتِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِجَابَةِ عَلَيْهَا. بَعْدَ تَحْدِيدِ الْعُمْرِ الْعَقْلِيِّ، يُحْسَبُ مُعَدَّلُ الذَّكَاءِ عَنْ طَرِيقِ الْمُقَارَنَةِ مَعَ الْعُمْرِ الزَّمَنِيِّ لِلْفَرْدِ.
عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، لِتَحْدِيدِ مُسْتَوَى ذَكَاءِ طِفْلٍ فِي الْعَاشِرَةِ مِنْ عُمْرِهِ، تُقَدَّمُ لَهُ اخْتِبَارَاتٌ تَتَنَاسَبُ مَعَ أَعْمَارٍ مُخْتَلِفَةٍ تُقَارِبُ سِنَّهُ. إِذَا أَجَابَ عَلَى الِاخْتِبَارِ الْمُخَصَّصِ لِسِنِّ خَمْسِ سَنَوَاتٍ وَعَجَزَ عَنْ الْإِجَابَةِ عَلَى اخْتِبَارَاتِ الْأَعْمَارِ الْأَكْبَرِ، يُحَدَّدُ عُمْرُهُ الْعَقْلِيُّ بِخَمْسِ سَنَوَاتٍ، وَبِالتَّالِي يُحْسَبُ مُعَدَّلُ ذَكَائِهِ كَمَا يَلِي: الْعَمْرُ الْعَقْلِيُّ ÷ الْعُمْرُ الْفِعْلِيُّ × 100 = 5 ÷ 10 × 100 = 50%.
وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ نِسْبَةَ ذَكَائِهِ هِيَ 50% مُقَارَنَةً بِمَنْ هُمْ فِي مِثْلِ سِنِّهِ. أَمَّا إِذَا أَجَابَ عَلَى اَلِاخْتِبَارِ الْخَاصِّ بِسِنِّ 12 سَنَةً، فَإِنَّ مُعَدَّلَ ذَكَائِهِ يُحْسَبُ كَمَا يَلِي: 12 ÷ 10 × 100 = 120%.
وَيَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ عُمْرَهُ الْعَقْلِيَّ يُعَادِلُ 12 سَنَةً، وَأَنَّ مُعَدَّلَ ذَكَائِهِ يَزِيدُ بِنِسْبَةِ 20% عَنْ مُعَدَّلِ ذَكَاءِ مَنْ هُمْ فِي مِثْلِ سِنِّهِ، أَيْ أَنَّ عُمْرَهُ الْعَقْلِيَّ يَتَفَوَّقُ عَلَى عُمْرِهِ الزَّمَنِيِّ.
إِذَا أَجَابَ عَلَى الِاخْتِبَارِ الْمُخَصَّصِ لِسِنِّ 10 سَنَوَاتٍ فَقَطْ وَعَجَزَ عَنْ الْإِجَابَةِ عَلَى الِاخْتِبَارِ الْخَاصِّ بِالسَّنَةِ التَّالِيَةِ، فَإِنَّ عُمْرَهُ الْعَقْلِيَّ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِعُمْرِهِ الزَّمَنِيِّ، وَيُحْسَبُ مُعَدَّلُ ذَكَائِهِ كَمَا يَلِي: 10 ÷ 10 × 100 = 100%.
يُحَدِّدُ عُلَمَاءُ النَّفْسِ الذَّكَاءَ الْعَادِيَّ بِأَنَّهُ ذَلِكَ الَّذِي تَتَرَاوَحُ نِسْبَتُهُ بَيْنَ 90% وَ110%. أَمَّا ذَكَاءُ ضِعَافِ الْعُقُولِ، فَتَتَرَاوَحُ نِسْبَتُهُ بَيْنَ 0% وَ80%. فِي حِينِ أَنَّ ذَكَاءَ النَّوَابِغِ وَالْمَوْهُوبِينَ يَكُونُ عَادَةً أَعْلَى مِنْ 120%.
كَمَا لَاحَظْنَا، يَتَرَاوَحُ الذَّكَاءُ الْأَقَلُّ مِنْ الْعَادِيِّ أَوْ ذَكَاءُ ضِعَافِ الْعُقُولِ بَيْنَ 0% وَ80% ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الضَّعْفَ الْعَقْلِيَّ لَيْسَ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ هِيَ: الْعَتَهُ، الْبَلَاهَةُ، وَالْحُمْقُ. وَيُمْكِنُ اسْتِعْرَاضُ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
1- الْمُعْتُوهُ هُوَ مَنْ يُعَادِلُ عُمْرُهُ الْعَقْلِيُّ عُمْرَ طِفْلٍ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ عُمْرِهِ، وَيَتَرَاوَحُ مُسْتَوَى ذَكَائِهِ بَيْنَ 0% وَ25%. وَيُعْتَبَرُ الْعَتَهُ مَانِعًا مِنْ مَوَانِعِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجِنَائِيَّةِ، وَيُعَامَلُ الْمَعْتُوهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ كَمَا يُعَامَلُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ السَّابِعَةَ.
2- اَلْأَبَلُهُ يَتَرَاوَحُ مُسْتَوَى ذَكَائِهِ بَيْنَ 25% وَ50%. وَلَا يُعَدُّ اَلْبَلَهُ مَانِعًا مِنْ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجِنَائِيَّةِ وَفْقًا لِلْقَانُونِ الْمِصْرِيِّ، لَكِنْ لَهُ أَثَرٌ قَانُونِيٌّ يَتَمَثَّلُ فِي اعْتِبَارِهِ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ تَخْفِيفِ الْعُقُوبَةِ.
3- الْأَحْمَقُ هُوَ مَنْ تَتَرَاوَحُ نِسْبَةُ ذَكَائِهِ بَيْنَ 50% وَ80%. وَالْحُمْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجِنَائِيَّةِ.
الضَّعْفُ الْعَقْلِيُّ يُعَدُّ ظَاهِرَةً مُتَزَايِدَةَ الِانْتِشَارِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُعَاصِرَةِ، مِمَّا يُثِيرُ الْقَلَقَ بِشَكْلٍ خَاصٍّ. وَتَظْهَرُ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ بِوُضُوحٍ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الَّتِي تُقَدِّمُ الرِّعَايَةَ الصِّحِّيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ لِضِعَافِ الْعُقُولِ، حَيْثُ يُصْبِحُ مِنْ اَلْمُمْكِنِ تَحْدِيدُ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ بِدِقَّةٍ أَكْبَرَ، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الذَّكَاءِ وَالسُّلُوكِ الْإِجْرَامِيِّ. فَفِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَأَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، كَانَ الِاعْتِقَادُ السَّائِدُ بَيْنَ الْبَاحِثِينَ هُوَ وُجُودُ عَلَاقَةٍ وَثِيقَةٍ بَيْنَ نَقْصِ الذَّكَاءِ وَالسُّلُوكِ الْإِجْرَامِيِّ. فَقَدْ كَانَ يُعْتَبَرُ نَقْصُ الذَّكَاءِ عَامِلًا يَدْفَعُ ضِعَافَ الْعُقُولِ إِلَى طَرِيقِ الْجَرِيمَةِ. بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْبَاحِثِينَ ذَهَبُوا إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْمُجْرِمِينَ وَالْمُنْحَرِفِينَ هُمْ مِنْ ضِعَافِ الْعُقُولِ، وَأَنَّ مَا يُعَانُونَ مِنْهُ مِنْ ضَعْفٍ عَقْلِيٍّ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يَدْفَعُهُمْ إِلَى الْإِجْرَامِ أَوْ الِانْحِرَافِ.
لَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَمْ يَعُدْ مَقْبُولًا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، حَيْثُ لَا يُوجَدُ بَيْنَ الْبَاحِثِينَ مَنْ يُقِرُّ بِوُجُودِ عَلَاقَةٍ حَتْمِيَّةٍ بَيْنَ الضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ وَالسُّلُوكِ الْإِجْرَامِيِّ، أَوْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْرِمِينَ هُمْ مِنْ ضِعَافِ الْعُقُولِ الَّذِينَ يَقِلُّ مُسْتَوَى ذَكَائِهِمْ عَنْ مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ الْعَادِيِّينَ.
بَلْ إِنَّ بَعْضَ الدِّرَاسَاتِ الْإِحْصَائِيَّةِ قَدْ أَثْبَتَتْ عَدَمَ وُجُودِ فُرُوقٍ ذَاتِ دَلَالَةٍ بَيْنَ مُسْتَوَى ذَكَاءِ الْمُجْرِمِينَ وَمُسْتَوَى ذَكَاءِ الْأَفْرَادِ الْعَادِيِّينَ. بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الدِّرَاسَاتِ، يُؤَكِّدُ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ عَدَمَ وُجُودِ عَلَاقَةٍ ثَابِتَةٍ بَيْنَ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ الْعَامِّ وَالسُّلُوكِ الْإِجْرَامِيِّ، رَغْمَ أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنْتَاجُ وُجُودِ عَلَاقَةٍ وَثِيقَةٍ بَيْنَ أَنْوَاعٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْجَرَائِمِ وَبَعْضِ عَنَاصِرِ الذَّكَاءِ.
يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تُوجَدُ عَلَاقَةٌ مَا بَيْنَ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ وَالسُّلُوكِ الْإِجْرَامِيِّ، عَلَى الْأَقَلِّ فِي بَعْضِ أَشْكَالِ هَذَا السُّلُوكِ، وَهُوَ مَا يَسْتَدْعِي الْبَحْثَ عَنْ تَفْسِيرٍ لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ.
فَلَئِنْ كَانَتْ عَلَاقَةُ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ بِكَمِّيَّةِ الْإِجْرَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَصْعُبُ تَحْقِيقُهَا عِلْمِيًّا، فَإِنَّ عَلَاقَةَ نَوْعِ الْجَرَائِمِ بِمُسْتَوَى الذَّكَاءِ هِيَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَكْشِفُهَا الدِّرَاسَاتُ الْإِحْصَائِيَّةُ الَّتِي أَجْرَاهَا عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ الْبَاحِثِينَ فِي أُورُوبَّا وَأَمْرِيكَا.
تُشِيرُ الْإِحْصَاءَاتُ إِلَى أَنَّ نَوْعَ الْجَرَائِمِ يَرْتَبِطُ بِمُسْتَوَى الذَّكَاءِ، حَيْثُ إِنَّ بَعْضَ الْجَرَائِمِ تَجْذِبُ ضِعَّافَ الْعُقُولِ، بَيْنَمَا قَدْ يَدْفَعُ ارْتِفَاعُ مُسْتَوَى الذَّكَاءِ الْأَذْكِيَاءِ مِنْ الْمُجْرِمِينَ إِلَى ارْتِكَابِ أَنْوَاعٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْجَرَائِمِ. وَبِالتَّالِي، يُمْكِنُنَا التَّحَدُّثُ عَنْ "جَرَائِمِ الذَّكَاءِ" وَ "جَرَائِمِ الْغَبَاءِ". وَفِيمَا يَلِي تَوْضِيحٌ لِذَلِكَ:
ا- جَرَائِمُ الذَّكَاءِ: قَدْ يَكُونُ الْمُسْتَوَى الْمُرْتَفِعُ مِنْ الذَّكَاءِ نِعْمَةً إِذَا اسْتُغِلَّ بِشَكْلٍ إِيجَابِيٍّ، وَلَكِنْ قَدْ يُصْبِحُ نِقْمَةً عِنْدَمَا يُسَاءُ اسْتِغْلَالُهُ فِي ارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ. فَبَعْضُ الْجَرَائِمِ تَتَطَلَّبُ قَدْرًا كَبِيرًا مِنْ الذَّكَاءِ؛ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، النُّصْبُ يَتَطَلَّبُ قُدْرَةً خَاصَّةً عَلَى اسْتِغْلَالِ الْمَوَاقِفِ وَاخْتِيَارِ الضَّحَايَا وَالتَّعَامُلِ مَعَهُمْ بِأُسْلُوبٍ يُقْنِعُهُمْ. كَمَا يَحْتَاجُ الشَّخْصُ الْمُجْرِمُ فِي هَذِهِ الْجَرَائِمِ إِلَى مَعْرِفَةٍ جَيِّدَةٍ بِظُرُوفِ الْحَيَاةِ وَأَسَالِيبِ التَّعَامُلِ وَنَفْسِيَّاتِ النَّاسِ وَطَبَائِعِهِمْ، وَهِيَ جَمِيعُهَا مَهَارَاتٌ لَا تَتَوَافَرُ إِلَّا لِمَنْ يَمْتَلِكُ إِمْكَانِيَّاتٍ عَقْلِيَّةً تَتَجَاوَزُ الْمُتَوَسِّطَ الْعَامَّ. وَمِنْ الْجَرَائِمِ الَّتِي تَتَطَلَّبُ ذَكَاءً عَالِيًا أَيْضًا: التَّزْوِيرُ، الِاخْتِلَاسُ، التَّجَسُّسُ، وَبَعْضُ الْجَرَائِمِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ.
2- جَرَائِمُ الْغَبَاءِ: يُقْبِلُ ضِعَافُ الْعُقُولِ عَلَى ارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لَا تَتَطَلَّبُ قَدْرًا كَبِيرًا مِنْ الذَّكَاءِ، بَلْ إِنَّ هَذِهِ الْجَرَائِمَ قَدْ تَكُونُ مُؤَشِّرًا عَلَى ضَآلَةِ الْإِمْكَانِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ لِلْمُجْرِمِ. مِنْ أَهَمِّ الْجَرَائِمِ الَّتِي تَسْتَهْوِي ضِعَافَ الْعُقُولِ وَتَزْدَادُ نِسْبَةُ ارْتِكَابِهَا بَيْنَهُمْ: اَلتَّسَوُّلُ، اَلتَّشَرُّدُ، اَلسَّرِقَةُ الْبَسِيطَةُ، اَلْجَرَائِمُ الْخُلُقِيَّةُ خَاصَّةً الْأَفْعَالَ الْمُخِلَّةَ بِالْحَيَاءِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَالْعَجَائِزِ مِنْ النِّسَاءِ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، تَشْمَلُ هَذِهِ الْجَرَائِمُ أَيْضًا جَرَائِمَ الْحَرِيقِ وَالْجَرَائِمَ غَيْرَ الْعَمْدِيَّةِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ.
وَقَدْ تَأَكَّدَ هَذَا التَّخَصُّصُ الْإِجْرَامِيُّ وَفْقًا لِمُسْتَوَى الذَّكَاءِ مِنْ خِلَالِ دِرَاسَاتٍ أَجْرَاهَا عَدَدٌ مِنْ الْبَاحِثِينَ، وَمِنْهَا دِرَاسَةٌ شَمِلَتْ عَدَدًا مِنْ مُرْتَكِبِي جَرَائِمِ النَّصْبِ وَآخَرِينَ مُرْتَكِبِي جَرَائِمِ السَّرِقَةِ. حَيْثُ تَمَّ إِجْرَاءُ مُقَارَنَةٍ بَيْنَ مُسْتَوَى ذَكَاءِ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ وَمُسْتَوَى ذَكَاءِ مَجْمُوعَةٍ ضَابِطَةٍ مِنْ رِجَالِ الشُّرْطَةِ.
وَقَدْ أَثْبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَارَنَاتُ أَنَّ مُسْتَوَى ذَكَاءِ مُرْتَكِبِي جَرَائِمِ النَّصْبِ كَانَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، يَلِيهِ مُسْتَوَى ذَكَاءِ رِجَالِ الشُّرْطَةِ، ثُمَّ جَاءَ مُسْتَوَى ذَكَاءِ اللُّصُوصِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ.
فِي هَذَا السِّيَاقِ، ذَهَبَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ فِي بِدَايَةِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ إِلَى اعْتِبَارِ الضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ سَبَبًا رَئِيسِيًّا لِلْإِجْرَامِ، حَيْثُ يَفْتَرِضُ هَذَا الرَّأْيُ وُجُودَ صِلَةٍ سَبَبِيَّةٍ مُبَاشِرَةٍ بَيْنَ الْخَلَلِ فِي التَّكْوِينِ الْعَقْلِيِّ وَارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ. وَقَدْ اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْإِحْصَاءَاتِ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَى أَنَّ نِسْبَةَ ضِعَافِ الْعُقُولِ بَيْنَ الْمُجْرِمِينَ تَفُوقُ نِسْبَتَهُمْ فِي مَجْمُوعِ السُّكَّانِ. إِلَّا أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ، لِأَنَّ إِحْصَاءَاتٍ أُخْرَى أَثْبَتَتْ أَنَّ بَعْضَ الْمُجْرِمِينَ يَمْتَلِكُونَ مُسْتَوَى ذَكَاءٍ أَعْلَى مِنْ الْمُعَدَّلِ الْمُعْتَادِ. وَأَكَّدَتْ إِحْصَاءَاتٌ حَدِيثَةٌ أَنَّ ضِعَافَ الْعُقُولِ لَا يُشَكِّلُونَ أَكْثَرَ مِنْ 10% مِنْ مَجْمُوعِ الْمُجْرِمِينَ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الضَّعْفَ الْعَقْلِيَّ لَيْسَ السَّبَبَ الْوَحِيدَ لِإِجْرَامِ جَمِيعِ الْمُجْرِمِينَ. كَمَا أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ لَا يُفَسِّرُ امْتِنَاعَ كَثِيرٍ مِنْ ضِعَافِ الْعُقُولِ عَنْ ارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ، فَلَوْ كَانَ الضَّعْفُ الْعَقْلِيُّ وَحْدَهُ هُوَ السَّبَبَ فِي الْإِجْرَامِ، لَكَانَ مِنْ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ضِعَافِ الْعُقُولِ مُجْرِمِينَ، وَهُوَ مَا يَتَنَاقَضُ مَعَ الْوَاقِعِ، حَيْثُ إِنَّ فِئَةً قَلِيلَةً مِنْهُمْ فَقَطْ تَرْتَكِبُ الْجَرَائِمَ، وَحَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْفِئَةِ، لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِأَنَّ الضَّعْفَ الْعَقْلِيَّ هُوَ السَّبَبُ الْوَحِيدُ وَرَاءَ إِجْرَامِهِمْ.
وَالْوَاقِعُ أَنَّ ضَعْفَ التَّكْوِينِ الْعَقْلِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا كَافِيًا لِإِجْرَامِ بَعْضِ ضِعَافِ الْعُقُولِ بِمُفْرَدِهِ. فَرُبَّمَا لَا يَكُونُ إِجْرَامُهُمْ مُرْتَبِطًا أَسَاسًا بِانْخِفَاضِ مُسْتَوَى ذَكَائِهِمْ، بَلْ قَدْ يَكُونُ تَدَنِّي مُسْتَوَاهُمْ الْعَقْلِيِّ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُمْ إِلَى ارْتِكَابِ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْجَرَائِمِ دُونَ غَيْرِهِ. وَلَكِنْ، لَا يُمْكِنُ لِلضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ وَحْدَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَسْؤُولِيَّةَ انْزِلَاقِ بَعْضِ ضِعَافِ الْعُقُولِ إِلَى طَرِيقِ الْجَرِيمَةِ. وَعَلَاقَةُ الضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ بِالْجَرِيمَةِ لَا تَتَجَاوَزُ تِلْكَ الْعَلَاقَةَ الَّتِي تَرْبُطُ التَّكْوِينَ الْبَدَنِيَّ أَوْ النَّفْسِيَّ بِالْجَرِيمَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الضَّعْفَ الْعَقْلِيَّ لَا يُسَبِّبُ الْإِجْرَامَ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ، وَإِنَّمَا قَدْ يَرْتَبِطُ بِهِ أَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ظُرُوفٌ وَعَوَامِلُ أُخْرَى تَدْفَعُ الشَّخْصَ الضَّعِيفَ عَقْلِيًّا إِلَى ارْتِكَابِ الْجَرِيمَةِ. لِذَا، تَكُونُ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ نَتِيجَةَ نَقْصِ الذَّكَاءِ فَقَطْ، بَلْ هِيَ ثَمَرَةُ تَدَاخُلِ تِلْكَ الظُّرُوفِ وَالْعَوَامِلِ مَعَ ضَعْفٍ فِي الذَّكَاءِ حَالَ دُونَ تَمَكُّنِ الشَّخْصِ مِنْ التَّكَيُّفِ مَعَ هَذِهِ الظُّرُوفِ، مِمَّا دَفَعَهُ إِلَى الِانْزِلَاقِ فِي طَرِيقِ الْجَرِيمَةِ.
وَيُرْتَبِطُ بِالضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ مَجْمُوعَةٌ مِنْ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ الَّتِي تَتَفَاعَلُ مَعَهُ، وَيُشَكِّلُ اقْتِرَانُهَا بِنَقْصِ الذَّكَاءِ تَفْسِيرًا لِإِجْرَامِ ضِعَافِ الْعُقُولِ. وَمِنْ هَذِهِ الْعَوَامِلِ مَا هُوَ نَفْسِيٌّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ اجْتِمَاعِيٌّ، وَهُمَا الْعَامِلَانِ اللَّذَانِ سَنُوَضِّحُ تَأْثِيرَهُمَا فِيمَا يَلِي:
1- اَلْعَوَامِلُ النَّفْسِيَّةُ: غَالِبًا مَا يَرْتَبِطُ الضَّعْفُ الْعَقْلِيُّ بِخَلَلٍ نَفْسِيٍّ، فَضَعْفُ الْإِمْكَانِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ لِلْفَرْدِ يُؤَثِّرُ عَلَى قُدْرَتِهِ فِي التَّحَكُّمِ فِي غَرَائِزِهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَيَجْعَلُهُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى إِشْبَاعِهَا بِطَرِيقَةٍ تَتَّفِقُ مَعَ الْقِيَمِ وَالتَّقَالِيدِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ السَّائِدَةِ. فَضَعْفُ الذَّكَاءِ يَعْنِي ضَعْفَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِدْرَاكِ وَفَهْمِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِجَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَسَهْلَةٍ لِلْغَرِيزَةِ. كَمَا أَنَّ نَقْصَ الذَّكَاءِ يُعْجِزُ الشَّخْصَ عَنْ نَقْدِ ذَاتِهِ أَوْ الِاسْتِفَادَةِ مِنْ تَجَارِبِهِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ تَجَارِبِ الْآخَرِينَ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْخَلَلَ النَّفْسِيَّ الْمُصَاحِبَ لِلضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ لَهُ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي دَفْعِ ضَعِيفِ الْعَقْلِ نَحْوَ ارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ، خُصُوصًا أَنَّ الضَّعْفَ الْعَقْلِيَّ يَجْعَلُ الشَّخْصَ أَكْثَرَ تَأَثُّرًا بِالْمُؤَثِّرَاتِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ الْأَشْخَاصِ ذَوِي مُسْتَوَى الذَّكَاءِ الْمُتَوَسِّطِ.
2- اَلْعَوَامِلُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ: يُقَلِّلُ الضَّعْفُ الْعَقْلِيُّ مِنْ الْفُرَصِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُتَاحَةِ أَمَامَ ضِعَافِ الْعُقُولِ، حَيْثُ يُعَانُونَ مِنْ ظُرُوفٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ صَعْبَةٍ تُغْلِقُ أَمَامَهُمْ أَبْوَابَ النَّشَاطِ الْمَشْرُوعِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ ضَعِيفَ الذَّكَاءِ نَادِرًا مَا يَنْجَحُ فِي دِرَاسَتِهِ، إِلَّا فِي ظِلِّ نِظَامٍ تَعْلِيمِيٍّ ضَعِيفِ الْوَسَائِلِ، مِمَّا يَحُدُّ مِنْ فُرَصِهِ فِي الْحُصُولِ عَلَى عَمَلٍ مُنَاسِبٍ، لِيَقْتَصِرَ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَادِّيَّةِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي لَا تُوَفِّرُ لَهُ دَخْلًا كَافِيًا لِتَلْبِيَةِ احْتِيَاجَاتِهِ. وَفِي الْأَزَمَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، يَكُونُ ضِعَافُ الْعُقُولِ أَوَّلَ مَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُمْ، مِمَّا يَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّسَوُّلِ وَالتَّشَرُّدِ وَالسَّرِقَةِ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ ضَعْفَ الذَّكَاءِ قَدْ يَجْعَلُ الشَّخْصَ غَيْرَ جَذَّابٍ لِلْآخَرِينَ، مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ فُرَصِهِ فِي الزَّوَاجِ، مَا قَدْ يَدْفَعُهُ إِلَى ارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَجَرَائِمِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْعِرْضِ. كَمَا أَنَّ ضِعَافَ الْعُقُولِ قَدْ يَتَعَرَّضُونَ لِلسُّخْرِيَةِ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، مِمَّا يَدْفَعُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إِلَى ارْتِكَابِ أَفْعَالِ عُنْفٍ انْتِقَامًا أَوْ بِهَدَفِ جَذْبِ الِانْتِبَاهِ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ تَضَافُرَ هَذِهِ الظُّرُوفِ مَعَ الضَّعْفِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي لَا يُمَكِّنُ صَاحِبَهُ مِنْ التَّكَيُّفِ مَعَهَا أَوْ التَّغَلُّبِ عَلَيْهَا، قَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي إِجْرَامِ ضِعَافِ الْعُقُولِ. لِذَا، لَا يُمْكِنُ إِرْجَاعُ إِجْرَامِهِمْ إِلَى نَقْصِ الذَّكَاءِ وَحْدَهُ. وَمِنْ هُنَا، نَخْلُصُ إِلَى أَنَّ ضَعْفَ التَّكْوِينِ الْعَقْلِيِّ، مِثْلَ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلِيَّةِ الْأُخْرَى، لَيْسَ السَّبَبَ الْوَحِيدَ لِلْإِجْرَامِ. فَلَوْ تَمَّ تَوْفِيرُ الرِّعَايَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِضِعَافِ الْعُقُولِ، وَنَجَحَ الْمُجْتَمَعُ فِي خَلْقِ بِيئَةٍ تُنَاسِبُ مُسْتَوَى ذَكَائِهِمْ، لَكَانَ ضَعْفُ الْعَقْلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ غَالِبًا غَيْرَ مُحَفِّزٍ لِلْإِجْرَامِ.
#هاني_جرجس_عياد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟