|
نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 16:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ تَارِيخًانية الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق
أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ نَقَّاش وَجَدَل طَوِيلٌ بَيْنَ الْمُفَكِّرِين وَالْفَلَاسِفَة عَبْرَ التَّارِيخِ. هُنَاكَ مَجْمُوعَةً مِنْ الْأَفْكَارِ وَالْمُنَاقَشَات الَّتِي تَنَاوَلَتْ مَوْضُوعِ تَارِيخًانية الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق، فِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ عَشَرَ، كَانَ هُنَاكَ نَقَّاش حَوْل الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَقَدْ ظَهَرَتْ أَفْكَار الفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ حَاوَلُوا إيجَاد أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ لِلْأَخْلَاق، مِثْل الْفَيْلَسُوف الْأَسْكَتَلَنْدَي دِيفِيد هَيُوم (David Hum (1711-1776. هَيُوم شَكَّك فِي إِمْكَانِيَّة إسْتِنْتَاج القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ مِنْ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّة، وَأَكَّد عَلَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ تَنْبُعُ مِنْ المَشَاعِرِ وَ العَوَاطِف الْبَشَرِيَّة بَدَلًا مِنْ الْحَقَائِقِ الْمَوْضُوعِيَّة. كَمَا نَاقَشَ الْفَيْلَسُوفُ الْأَلْمَانِيُّ إيمَانْوِيل كَانَتْ Immanuel kant (1724-1804) طَبِيعَةً الْأَخْلَاق وَعَلَاقَتِهَا بِالْعِلْم، مُؤَكَّدًا عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْأَخْلَاقِ عَنْ الْعِلْمِ وَضَرُورَة أَسَاسُهَا الْعَقْلِيّ. فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، بَرَزَتْ مُنَاقَشَات جَدِيدَة حَوْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْمُفَكِّرِين، مِثْل الْفَيْلَسُوف الْإِنْجِلِيزِيّ هَرَبَرت سِبِنْسِرُ Herbert Spencer (1820-1903)، رَبَط التَّطَوُّرُ الِإجْتِمَاعِيُّ وَالْأَخْلَاقِيّ بِالتَّطَوُّر الْبَيُولُوجِيّ وَالتَّطَوُّر الْعِلْمِيّ. وَذَهَب سِبِنْسَرْ إلَى أَنْ الْأَخْلَاق يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَنِدَ إلَى الْعِلْمِ التَّجْرِيبِيِّ. بَيْنَمَا إنْتَقَد آخَرُون، مِثْل الْفَيْلَسُوف النَّمْسَاوِيّ فَرَانز بَرْنَتانو Franz Brentano (1838-1917)، مُحَاوَلَات رَدّ الْأَخْلَاقِ إِلَى الْعِلْمِ وَأَكَّدُوا عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْأَخْلَاق كَمَجْال مَعْرِفِيّ مُسْتَقِلّ. فِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، شَهِدَتْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ مُوَجَّة جَدِيدَة. فَقَدْ ظَهَرَ إتِّجَاه يَدْعُو إلَى تَأْسِيس "عِلْمُ الْأَخْلَاقِ" كَعِلْم تَجْرِيبِيّ، يَسْتَنِدُ إلَى الْعُلُومِ السُّلُوكِيَّة وَالعَصَبِيَّةُ لِفَهْم أَسَاس الْأَخْلَاق. وَ كَانَ مِنْ رُوَّاد هَذَا الِإتِّجَاهَ الْعَالِم الْأَمْرِيكِيّ أَيْ أَوْ وَيَلْسون Edward Osborne Wilson (1929-2021)، الَّذِي دَعَا إلَى "إخْتِزَال" الْأَخْلَاقِ إِلَى أَسَاس بَيُولُوجِيّ وَ عَصَبِي. كَمَا ظَهَرَ إتِّجَاهٍ آخَرَ مَعَ الْفَيْلَسُوف الْأَمْرِيكِيّ جَوْن رُولز John Rawls (1921-2002)، الَّذِي حَاوَلَ إعَادَة تَأْسِيس الْأَخْلَاقِ عَلَى أُسُسٍ عَقْلَانِيَّة مُسْتَقِلَّةً عَنْ الْعِلْمِ التَّجْرِيبِيِّ. فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، لَا يَزَالُ مَوْضُوع الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مَحَلَّ جَدَلٍ وَإخْتِلَاف. فَهُنَاكَ مَنْ يَرَى إِمْكَانِيَّة تَأْسِيس الْأَخْلَاقِ عَلَى أُسُسٍ عِلْمِيَّةٍ، وَهُنَاكَ مَنْ يُؤَكِّدُ عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْأَخْلَاق كَمَجْال مَعْرِفِيّ. كَمَا ظَهَرَتْ مُحَاوَلَات لِإِيجَاد "أَخْلَاق عِلْمِيَّة" تَدْمَج الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق، مَثَلُ أَعْمَالِ الْفَيْلَسُوف الْأَمْرِيكِيّ سَام هَاريس. Samuel Benjamin Harris وَيَظَلُّ هَذَا الْمَوْضُوعِ مِنْ أَهَمِّ الْقَضَايَا الَّتِي تُوَاجِهُ الْفَلْسَفَة الْمُعَاصِرَة وَاَلَّتِي لَا يُوجَدُ إتِّفَاقٌ حَوْلَهَا بَعْد.
_ دَيْنٌاميكية الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ وَالظَّوَاهِر الْأَخْلَاقِيَّة
أَنْ الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ هِي نَمَاذِج تَفْسِيرِيَّة لِلظَّوَاهِر الطَّبِيعِيَّة، تَسْتَنِدُ إلَى الْمَنْهَج التَّجْرِيبِيّ وَمُلَاحَظَة الظَّوَاهِر الْمَلْمُوسَة. وَ هَذِه الْقَوَانِين تَتَمَيَّز بِالشُّمُول وَالثَّبَات، حَيْثُ يَتِمُّ التَّحَقُّق مِنْهَا تَجْرِيبِيِّا وَإِثْبَاتُهَا رِيَاضِيَّا. وَتُشَكِّلُ الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ إِطَارًا ثَابِتًا وَ مُطْردا يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهِ تَفْسِير الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَتَوَقُّع مَسَارَهَا الْمُسْتَقْبِلِي. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، الظَّوَاهِر الْأَخْلَاقِيَّة تَخْتَلِفُ عَنْ الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي كَوْنِهَا تَتَشَكَّلُ فِي سِيَاقِ إجْتِمَاعِيّ وَثَقَافِيّ مُتَغَيِّرٌ. فَالْأَخْلَاق هِيَ مَجْمُوعَةٌ الْمَبَادِئِ وَ الْقِيَمِ الَّتِي تُنَظِّمُ سُلُوك الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ وَتَوَجُّهِهِمْ نَحْوَ الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ. وَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ لَيْسَتْ ثَابِتَةً، بَلْ تَتَأَثَّر بِعَوَامِل إجْتِمَاعِيَّة وَتَارِيخُية وَحَضَارِيٍّة مُتَنَوِّعَة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَجِدُ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ قَدْ تَغَيَّرَ تَارِيخِيًّا مِنْ مُجْتَمَعٍ إِلَى آخِرِ. فَمَا كَانَ يُعْتَبَرُ شَرَفًا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِقْطَاعِيَّة لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ مَا يُعْتَبَرُ شَرَفًا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَة. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ مَفْهُومَ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ قَدْ تَطَوَّرَ عَبْرَ التَّارِيخِ بِتَطْور الْمَعَايِير الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، هَذَا التَّبَايُنَ بَيْن دَيْنٌاميكية الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ وَدِيناميكَيْة الظَّوَاهِرُ الْأَخْلَاقِيَّة آثَار الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة حَوْل إِمْكَانِيَّة إِخْضَاع الْأَخْلَاق لِقَوَانِين عِلْمِيَّة مَوْضُوعِيَّة. فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأَخْلَاق مَوْضُوعِيَّة بِالْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ، أَمْ إِنَّهَا نِسْبِيَّة تَتَأَثَّر بِالسِّيَاق الثَّقَافِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ تَطْبِيقُ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ عَلَى دِرَاسَة الظَّوَاهِر الْأَخْلَاقِيَّة كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ؟ فِي هَذَا السِّيَاقِ، بَرَز إتِّجَاهًان فَلْسَفِيًّان رَئِيسِيًّان؛ الِإتِّجَاهُ الْأَوَّلَ يَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعِيَّة وَ تَخْضَع لِقَوَانِين عِلْمِيَّة عَامَّةٌ، مِثْلُ نَظَرِيَّة الْأَخْلَاق الْكِانطية الَّتِي تُؤَكِّدُ عَلَى الطَّابَع الْعَقْلَانِيّ وَالْعَالَمِيّ لِلْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة. أَمَّا الِإتِّجَاهُ الثَّانِي فَيَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ نِسْبِيَّة وَتَتَأَثَّر بِالسِّيَاق الِإجْتِمَاعِيّ وَالثَّقَافِيّ، مِثْل نَظَرِيَّة الْأَخْلَاق التَّوَاصُلِيَّة لَهَابرماس Jürgin Habermas وَاَلَّتِي تُؤَكِّدُ عَلَى الْبُعْدِ التَّارِيخِيّ وَالتَّفَاعُلِيّ لِلْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة. وَمَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ مُحَاوَلَات لِتَوْفِيق بَيْنَ هَذَيْنِ الِإتِّجَاهَيْن، بِحَيْثُ يَتِمُّ الِإعْتِرَاف بِالْبُعْد النِّسْبِيّ لِلْأَخْلَاق مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى إِمْكَانِيَّة تَعْمِيمُهَا وَ إِخْضَاعِهَا لِمَعَايِير مَوْضُوعِيَّة عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَرَى الْفَيْلَسُوفُ الْإِسْلَامِيُّ مُحَمَّد إقْبَال أَنَّ الْأَخْلَاقَ تَتَأَثَّر بِالسِّيَاق الثَّقَافِيّ وَالتَّارِيخِيّ، لَكِنْ هُنَاكَ مَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ كُلِّيَّة تَنْبُعُ مِنْ الدَّيْنِ الْإِسْلَامِيّ وَاَلَّتِي يُمْكِنُ الِإعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي تَنْظِيمِ المُجْتَمَعِ. إذَنْ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ دَيْنٌاميكية الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ وَ الظَّوَاهِر الْأَخْلَاقِيَّة تَخْتَلِف بِشَكْلٍ كَبِيرٍ. فَالقَوَانِين الْعِلْمِيَّة تَتَمَيَّز بِالشُّمُول وَالثَّبَات، بَيْنَمَا الظَّوَاهِر الْأَخْلَاقِيَّة مُتَغَيِّرَة وَ تَتَأَثَّر بِسَيْاقَات إجْتِمَاعِيَّة وَثَقَافِيَّة مُتَنَوِّعَة. وَمَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ مُحَاوَلَات لِإِيجَاد تُوَازِنُ بَيْنَ الطَّابَع النِّسْبِيّ لِلْأَخْلَاق وَالْحَاجَةُ إلَى مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مَوْضُوعِيَّة. وَ هَذَا التَّوَازُنُ يُعْتَبَر تَحَدِيا فَكَرِيا مُهِمَا فِي مَجَالِ الْفَلْسَفَة الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَاصِرَة.
_ تَحْقِيقُ التَّوَازُنِ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة
الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَادَّةُ جَدَلِيَّة مُسْتَمِرَّة مُنْذ أَوَاسِطِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ عَلَى الْأَقَلِّ. وَقَدْ زَادَتْ إشْكَالَيْات هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ مَع التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَ التِّكْنُولُوجِيَّة الْهَائِلَة، لَا سِيَّمَا فِي مَجَالَاتِ الطِّبّ وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ مِنْ جَانِبِ، هُنَاك تَيَّارَات فَلْسَفِيَّة تَفْضُل الْأَخْلَاقِ عَلَى الْعِلْمِ، مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ الْقَيِّمَ الْأَخْلَاقِيَّة يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْمُنَجَّزِات الْعِلْمِيَّةِ. وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الِإعْتِبَارَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي سَعْيِهِ لِلْكَشْفِ عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْوُصُولُ إلَى الْمَزِيدَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنْ هُنَاكَ رَأْيُ ثَالِث يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُتَكَامِلَين وَ مَتَناغمين، بِحَيْثُ يُسَاعِد كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَيُمَهِّد لَهُ سُبُلُ التَّكَامُل وَالِإرْتِقَاء. وَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ التَّارِيخِيَّة الْبَارِزَةُ عَلَى التَّوَتُّر بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، مَا قَامَ بِهِ النَّازِيَون الْأَلْمَان خِلَال الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَجَارِبِ طِبِّيَّة وَبَيْولُوجِيَّة عَلَى السَّجِنَاء فِي الْمُعْتِقِلات. وَبِالرَّغْمِ مِنْ إدِّعَاءِ الْأَطِبَّاء النَّازِيَيْن إنْ هَذِهِ التَّجَارِب كَانَتْ لِأَغْرَاض عِلْمِيَّة، إلَّا أَنْ كَثِيرًا مِنْ الْمُؤَرِّخِينَ يَرَوْنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُجَرَّدَ مَذْبَحَة إِنْسَانِيَّة وَ لَيْس إخْتِرَاقَا عَلْمِيًّا، حَيْثُ لَقِيَ الْآلَاف حَتْفَهُمْ وَ بَعْدَ الْحَرْب، أَدْرَك المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ ضَرُورَةِ وَضْعِ قَوَاعِد وَتَشْرِيعَات صَارِمَة لِتَنْظِيم الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ عَلَى الْبَشَرِ، مِثْل ضَرُورَة الْحُصُولِ عَلَى مُوَافَقَةِ طَوْعًيَّة مِنْ الْمَرْضَى وَالْحَدُّ مِنْ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاة غَيْر الضَّرُورِيَّة. وَ أَثَارَتْ التَّطَوُّرَات الْهَائِلَة فِي مَجَالَاتِ الطِّبّ وَالتِّقْنِيَة الْحَيَوِيَّة وَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ مَخَاوِف جَدِيدَة بِشَأْنِ مَا قَدْ يُهَدِّدُ الإِنْسَانَ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة. فَظَهَرَتْ مَجَالَات جَدِيدَة مِثْل "الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة وَالْحَيَوِيَّة" (الْبَيوإثيقا) الَّتِي تُحَاوِلُ وَضْعَ ضَوَابِطَ أَخْلَاقِيَّة لِلْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّةِ فِي هَذِهِ المَجَالَاتِ الْحَيَوِيَّة وَ بِالتَّالِي أَصْبَحَ مِنْ الضَّرُورِيِّ إيجَاد تَوَازنُ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ مِنْ نَاحِيَةِ، وَالْقَيِّم وَالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى. فَالْعِلْم بِحَاجَةٍ إِلَى الْأَخْلَاقِ لِكِبَح جِمَاح التَّجَاوُزَات وَ حِمَايَة الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْأَخْلَاق بِدَوْرِهَا بِحَاجَةٍ إِلَى الْعِلْمِ لِتَوَاكب التَّطَوُّرَات وَ تَضَع ضَوَابِط فَعَّالَة لَهَا. وَ لِتَحْقِيق هَذَا التَّوَازُنِ، لَا بُدَّ مِنْ مُسَاهَمَة مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ قِبَلِ التَّخَصُّصَات وَ الْجِهَات الْمعْنِيَة، بِمَا فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَالْفَلَاسِفَة وَالْمُفَكِّرِين وَ المُؤَسَّسَات السِّيَاسِيَّة وَالْمُجْتَمَعِيَّة. فَالْحُفَّاظُ عَلَى إِنْسَانِيَّةِ الْإِنْسَانِ فِي مُوَاجَهَةِ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ المُتَسَارِعَة هُو مَسْؤُولِيَّة الْجَمِيع. تَبْقَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ جَدَلِيَّة مُعَقَّدَة تَتَطَلَّب التَّفْكِير النَّاقِد والْحِوَار الْمُسْتَمِرّ لِإِيجَاد التَّوَازُن الْمَنْشُود. فَالْعِلْمُ بِمُفْرَدِهِ لَا يَكْفِي لِتَحْقِيق الرَّفَاهِيَة الْإِنْسَانِيَّةِ، بَلْ لَابُدّ مِنْ دَمجِه مَعَ الْقِيَمِ وَالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَضْمَنُ تَطْوِير الْعِلْمِ بِمَا يَخْدُم الْإِنْسَان وَيَحْمِي كَرَامَتَهُ
_ طَبِيعَة الْخَطَّاب الْعِلْمِيّ وَ الْخَطَّاب الْأَخْلَاقِيّ
الْخَطَّاب الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ هُمَا مَفْهُومَانِ مُتَشَابِكَان وَلَهُ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة بَيْنَهُمَا. الْخَطَّاب الْعِلْمِيّ هُو مُمَارَسَة أَخْلَاقِيَّة فِي جَوْهَرِهَا، حَيْثُ إنَّهُ يَخْضَع لِمَعَايِير وَقِيَم أَخْلَاقِيَّة تُنَظِّم عَمَلِيَّةِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَوَجَّه مَسَارِه. تَبْرُز أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ فِي كَوْنِهَا تَضَمَّن جَوْدَة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَسَلَامَتِهِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّة. فَأَخَلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ تُشْكِل مَدْخَلًا هَامًا لِتَحْقِيق جَوْدَة البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ وَعَالَمِيَّا. إذْ لَا تَقَعُ مَسْؤُولِيَّة التَّحَلِّي بِأَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ عَلَى عَاتِقِ الْبَاحِث وَحْدَهُ، بَلْ تَمْتَدّ لِتَشْمَل الْمُشْرِف الأَكَادِيمِيّ وَمُؤَسَّسَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَجَلَّات وَالدُّورِيَّات الْعِلْمِيَّةِ أَيْضًا. تَتَمَثَّل هَذِه الْأَخْلَاقَيَّات فِي مَجْمُوعِة مِنْ الْمَبَادِئِ وَالضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَلْتَزِمَ بِهَا الْبَاحِث وَالْجِهَات الْمُعْنِيَة بِالْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، وَمَنْ أَهَمُّهَا أَنْ يُسْهِمَ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي التَّنْمِيَةِ الْبَشَرِيَّة وَالْمَعْرُفِيَّة وَتَحْسِينُ نَوْعَيْة الْحَيَاة وَالرِّعَايَة الشَّامِلَة لِلْحِفَاظِ عَلَى كَرَامَةٍ الْإِنْسَانِ. أَنْ يَكُونَ الْبَحْث مَوْضُوعِيًّا وَ دَقِيقًا فِي جَمْعِ الْبَيَانَات وَالتَّحْلِيل وَالتَّفْسِير، بَعِيدًا عَنْ التَّحَيُّز وَالتَّلَاعُب. إحْتِرَامُ حُقُوقِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْبَحْثِ وَإسْتِحْصَال مُوَافَقَتِهِمْ الْمُسَبَّقَة، مَعَ ضَمَانِ سَرِيَّة الْمَعْلُومَات وَحِمَايَة خُصُوصِيَّتِهِمْ. عَدَم إنْتِحَال أَعْمَال الْآخَرِينَ أَوْ السَّرِقَةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَإحْتِرَامِ حُقُوق الْمِلْكِيَّة الْفِكْرِيَّة. نَشْر نَتَائِجِ الْبَحْثِ بِمَوْضُوعِيَّة وَشَفِافِيَة دُونَ تَزْوِير أَوْ تَحْرِيف. تَجَنُّب التَّضَارُب فِي الْمَصَالِحِ أَوْ الْمُحَابَاةُ وَالْمُحْسِوبِيَّة فِي إجْرَاءِ الْبُحُوث وَ التَّحْكِيم الْعِلْمِيّ. عَدَمِ إسَاءَةِ إسْتِخْدَام السُّلْطَة أَوْ النُّفُوذِ فِي التَّأْثِيرِ عَلَى نَتَائِجَ الْبُحُوث. وَ حَدِيثًا، كَان لِلتَّدَاوليَّات دُورٌ مُهِمٌّ فِي تَوْسِيعِ دَائِرَة الِإشْتِغَال بِمُصْطَلَح الْخَطَّابِ إلَى جَانِبِ الْأَخْلَاق، حَيْث إزْدَادَتْ أَهَمِّيَّة الْأَخْلَاق وَالْمَبَادِئ وَالْجَمَالُ فِي مَجَالِ الْخَطَّابِ، مِنْ دَاخِلِ إِطَار الْمُقَارَبَة التَّدَاوِلية، كَمَا أَنَّ هُنَاكَ إهْتِمَامًا مُتَزَايِدًا بِتَحْلِيل الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مَفْهُومِ الطَّبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ وَ مَجَالَات تَأْوِيلِهَا أَخْلَاقِيًّا، وَمُحَاوَلَة رَصَد التَّحَوُّل الْجِذْرِيّ فِي مَفْهُومِ الطَّبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ، تَارَة تَحْتَ وَقْعِ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، وَتَارَةً أُخْرَى تَحْتَ وَقْعِ التَّأَمُّل الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ، وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُشِير هَابَرْمَاس إلَى أَنْ أَخْلَاق الْخَطَّاب تُعَبِّرُ عَنْ مَعْرِفَةِ أَخْلَاقِيَّة، بِمَعْنَى أَنَّ قَوَاعِدَ أَوْ مَبَادِئ الْعَدَالَةُ الَّتِي تَبَرُّر أَنَّهَا صَالِحَةٌ وَفَقَأ لِإخْتِبَارِهَا الْخَطَّابِيّ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الْخَطَّاب الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ لَا يَنْفَصِلَانِ، بَلْ يُشَكِّلَان وَحْدَة مُتَكَامِلَة تَضَمَّن جَوْدَة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَسَلَامَتِهِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّة. وَهَذَا مَا يُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ التَّحَلِّي بِأَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيِّ مِنْ قِبَلِ جَمِيعِ الْجِهَاتِ الْمُعْنِيَة، بِمَا يُحَقِّقُ المَوْضُوعِيَّةَ وَ النَّزَاهَة الْعِلْمِيَّة. مِنْ هُنَا يَبْدُوَا جَلِيًّا أَنَّ الْخِطَابَ الْعِلْمِيّ وَالْخِطَاب الْأَخْلَاقِيّ هُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ لَكِنَّهُمَا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ مُتَرَابِطَان وَمُتَدَاخِلَان إلَى حَدِّ كَبِير. لَا شَكَّ أَنَّ الْخِطَابَ الْعِلْمِيّ هُو نَمَطٍ مِنَ أَنْمَاط الْخِطَابِ الَّذِي يَهْدِفُ إِلَى نَقْل الْمَعْرِفَة وَ الْمَعْلُومَات الْعِلْمِيَّة بِطَرِيقِة مُنَظَّمَة وَمَنْهَجِيَّة. هَذَا الْخِطَابِ يَتَمَيَّز بِالمَوْضُوعِيَّة وَ الْحَيَاد وَالْبُعْدِ عَنْ العَوَاطِفِ وَالمَشَاعِرِ الذَّاتِيَّة. وَيَرْتكز عَلَى عَرَض الْوَقَائِع وَالْبَيَانَات وَ الْأَرْقَام وَالْإِحْصَاءَات بِطَرِيقِة دَقِيقِة وَمُوثوقة. كَمَا يَتَمَيَّزُ بِإسْتِخْدَام الْمُصْطَلَحَات الْعِلْمِيَّة الدَّقِيقَة وَالْأَسَالِيب التَّحْلِيلية الْمَنْطِقِيَّةِ. وَ يَسْعَى إِلَى التَّعْمِيمِ وَالتَّنْظِير وَالْوُصُولُ إلَى قَوَانِينَ وَقَوَاعِد عَامَّة. وَ يَتَجَلَّى الْخَطَّاب الْعِلْمِيّ بِشَكْل خَاصٌّ فِي المَجَالَاتِ العِلْمِيَّةِ وَ الْأَكَادِيمِيَّة مِثْلُ الْمَقَالَات وَالْبُحُوث وَ الرَّسَائِل الْجَامِعِيَّة وَ الْكُتُب الْمُتَخَصِّصَة. كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَ التَّوَاصُل الِإجْتِمَاعِيّ عَبَّر تَقَارِير وَمَقَالَات عِلْمِيَّة مُوثَقَة. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، يُمْكِنُ تَعْرِيفُ الْخَطَّاب الْأَخْلَاقِيّ بِإعْتِبَارِه نَمَطٍ مِنَ أَنْمَاط الْخِطَابِ الَّذِي يُرَكِّزُ عَلَى الْقَيِّمِ وَالْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة وَالسَّلْوَكَيَّات الْمَرْغُوبَة وَالْمَرْفُوضَة. هَذَا الْخِطَابِ يَسْتَمِدّ مَرْجُعِيَّتِه مِنْ الْأَدْيَانِ وَالْفَلْسَفَات وَالتُّرَاث الْأَخْلَاقِيّ لِلْمُجْتَمَعَات وَيَهْدِف إلَى تَوْجِيهِ السُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ نَحْو الْفَضَائِلِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ كَالْعَدْل وَالْإِحْسَان وَالصِّدْقِ وَ الأَمَانَةِ. وَيَتَمَيَّزُ الْخَطَّاب الْأَخْلَاقِيّ بِالطَّابَع الْوَعظي وَ الْإِرْشَادِيّ وَالتَّوَجُّيهَيْ. كَمَا يَمْتَاز بِالْقُدْرَةِ عَلَى إيْقَاظٍ الْمَشَاعِر وَالْوِجْدَان وَالْحَثِّ عَلَى تبني الْقَيِّم الْمَرْغُوبَة. وَيَظْهَرُ هَذَا الْخِطَابِ بِوُضُوح فِي النُّصُوصِ الدِّينِيَّة وَالْأَدَبِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة الَّتِي تَتَنَاوَلُ الْأَخْلَاق وَالسُّلُوك الْإِنْسَانِيّ. كَمَا يَنْعَكِسُ فِي الْأَعْمَالِ الفَنِّيَّة وَالْأَدَبِيَّة ذَاتِ الطَّابَعِ الْأَخْلَاقِيّ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ التَّمَايُزَ بَيْنَ الْخِطَابِ الْعِلْمِيّ وَالْخِطَاب الْأَخْلَاقِيّ، إلَّا أَنَّهُمَا يَرْتَبِطَانِ بِبَعْضِهِمَا الْبَعْضُ بِعَلَاقَة وَثِيقَة. فَالْخِطَاب الْعِلْمِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ تَمَامًا عَنْ الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة. فَالْعِلْمُ وَالْبَحْث الْعِلْمِيّ مُرْتَبِطَان بِمَجْمُوعَةٍ مِنْ الْقَيِّمِ كَالْمُوضِوعِيَّة وَ النَّزَاهَةُ وَالدِّقَّة وَالْحَيَاد. كَمَا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعَلَمِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ تُرَاعي الْجَوَانِب الْأَخْلَاقِيَّة فِي تَطْبِيقَاتِهَا وَمُمَارَسَاتِهَا. فِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْخَطَّاب الْأَخْلَاقِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْأَسَاسِ المَعْرِفِيّ وَالْعِلْمِيّ. فَالْأَخْلَاق وَالْقَيِّمُ لَا بُدَّ أَنْ تَسْتَنِدَ إلَى فَهْمِ دَقِيق لِلْوَاقِع وَلِلطَّبِيعَة الْبَشَرِيَّة وَلِلْمُعْطِيَات الْعِلْمِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ تَحْتَاجُ إلَى التَّأْصِيل المَعْرِفِيّ وَالتَّبَرُّير الْعَقْلَانِيّ لِتَكُون أَخْلَاقًا قَوِيمَة وَمَقْبُولَة فِي الْوَاقِعِ، إنَّ الْخِطَابَيْنِ الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ يَتَكَامَلَان وَيَتَدَاخَلَان فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَجَالَات. فَالْعُلُوم الْإِنْسَانِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة مَثَلًا تَجْمَعُ بَيْنَ الْجَانِبِ الْعِلْمِيّ وَالْجَانِب الْأَخْلَاقِيّ. كَمَا أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ يطْرَحُ تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَة تَسْتَدْعِي تَفَاعُلًا بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ وَفِي النِّهَايَةِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْخِطَابَ الْعِلْمِيّ وَ الْخِطَاب الْأَخْلَاقِيّ هُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَةٍ فِي إِطَارِ الْخَطَّاب الْإِنْسَانِيّ الشَّامِل. فَالْمَوْضِوعِيَّة وَالدِّقَّةِ الْعِلْمِيَّة مَطْلُوبَة لِتَحْقِيق الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ ضَرُورِيَّة لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ نَحْو خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ.
_ النَّقْدُ الْعِلْمِيّ لِلْأَخْلَاق
عَلَاقَة الْعِلْم بِالْأَخْلَاق هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَمُتَشَابِكَة، حَيْثُ إنَّهُمَا مَجَالَان مُخْتَلِفَان لَكِنَّهُمَا مُتَدَاخِلَان بِشَكْلٍ كَبِيرٍ. فَالْأَخْلَاق تَهْتَمُّ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَالْعِلْم يَهْتَمُّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، إلَّا أَنْ هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ حَاسِمًا. مِنْ النَّاحِيَةِ التَّأْرِيخِيَّةِ، هُنَاك تَيَّارَات فَكَرْية مُتَبَايِنَة حَوْل الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَهُنَاكَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأثْمُن مِنْ الْأَخْلَاقِ (كَتَصْرِيح كُوفِييه .G .Cuvier الْعَالِمُ الطَّبِيعِيِّ "أَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي يَتْرُكُهَا الْإِنْسَان تَبْقَى عَلَى مَدَى الدَّهْرِ، بَيْنَمَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي يُسْدِيه يَنْدَثِر سَرِيعًا"). وَهُنَاكَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ الْأَفْضَلُ وَ الْأثْمُن مِنْ الْعِلْمِ (كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بَاسْكَال Blaise Pascal "لَوْ إجْتَمَعَتْ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّهَا لَمَا سَاوَتْ أَحْقَر فَكَرة مِنْ الْأَفْكَارِ"). وَهُنَاكَ مَنْ رَأَى أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلَا يُمْكِنُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَشَارَ الْبَعْضِ إلَى أَنْ كُلَّ مِنْهُمَا يُسَاعِدْ الْآخَرَ وَيُمَهِّد لَهُ سُبُلُ التَّكَامُل وَ الِإرْتِقَاء. وَلَكِنْ مَا يَهُمُّنَا هُنَا هُوَ النَّقْدُ الْعِلْمِيّ لِلْأَخْلَاق أَوْ الزَّاوِيَةِ الَّتِي يُنْظَرُ بِهَا الْعِلْمُ إلَى الْأَخْلَاقِ. فَهُنَاك تَيَّار فِكْرِي يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ يُعَارِض الْأَخْلَاق وَ يَحِلّ مَحَلِّهَا. وَ قَدْ بَرَزَ هَذَا التَّصَوُّرِ بِشَكْل وَاضِحٌ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَ أَوَاسِط الْقَرْنُ الْعِشْرِينَ مَعَ ظُهُورِ مُفَكِّرِين مِثْل نِيتْشَهْ Friedrich Nietzsche الَّذِي اُعْتبِرَ أَنْ "الْعِلْم يَجْهَل الْقَيِّمِ" وَ"إِنْ مُتَصَوَّر الْكَوْن الْمَفْرُوض عَلَيْنَا الْيَوْم فَارِغٌ مِنْ الْأَخْلَاقِ كُلِّهَا". فَوَفَقَا لِهَذَا التَّصَوُّر الْعِلْمِيّ، فَإِنَّ الْعِلْمَ ينْظَرُ إلَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا مُجَرَّدُ تَعْوِيذَات أَوْ إيمَّاءَات لَا أَسَاسَ لَهَا فِي الْوَاقِعِ الْعِلْمِيّ. فَالْأَخْلَاق مِنْ هَذِهِ الزَّاوِيَةِ هِيَ مُجَرَّدُ إنْعِكَاس لِلتِّقَالِيد وَالْعَادَاتِ وَ الْمُعْتَقَدَات السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَلَيْسَتْ لَهَا أَيْ أَسَاس مَوْضُوعَيْ أَوْ عِلْمِي. وَيَرَى أَصْحَابُ هَذَا الِإتِّجَاهَ أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ مُجَرَّدُ أَوْهَام أَوْ خُرَافَات يَجِب التَّخَلُّصِ مِنْهَا بِإسْمٍ الْعِلْم وَالْمَوْضُوعِيَّة. كَمَا يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إلَى أَنْ الْأَخْلَاق تَتَعَارَضُ مَعَ الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْوَاقِع الْمَادِّيّ لِلْكَوْن. فَالْعِلْم يَكْشِفَ أَنَّ الْكَوْنَ خَاضِع لِقَوَانِين طَبِيعِيَّة صَارِمَة لَا مَجَالَ فِيهَا لِلْحُرِّيَّةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ أَوِ الْمَسْؤُولِيَّةِ. وَيَرَوْنَ أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إِنْسَانِيّ نَاتِجٍ عَنْ الْجَهْلِ وَالْخَوْف وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى مُوَاجَهَةِ الْحَقَائِقَ الْعِلْمِيَّةَ الْمُجَرَّدَة، وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَنْتَقِدْ الْعُلَمَاء وَالْفَلَاسِفَة الْمُلْحِدُون فَكَرة الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ الْأَخْلَاقِيَّة، وَإعْتِبَارُهَا أُمُورًا مَوْضُوعِيَّة ثَابِتَة. فَالْعِلْم يَكْشِفَ أَنَّ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ الْأَخْلَاقِيَّة هِيَ مُجَرَّدُ إخْتِرَاعَات إِنْسَانِيَّة نِسْبِيَّة تَخْتَلِفُ مِنْ ثَقَافَةِ إلَى أُخْرَى وَمِنْ زَمَنُ إلَى آخِرِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَرْفُضُون وُجُودِ أَيْ مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مُطْلَقَةً أَوْ عَالَمِيَّة، وَيُنَادُون بِنِسْبية الْأَخْلَاقِ وَخُضُوعِهِا لِلتِّطور التَّارِيخِيّ وَالثَّقَافِيّ. وَمِنْ هُنَا يَأْتِي التَّحْذِير الْعِلْمِيِّ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَ الْمُطَالَبَة بِتَجَاوُزِهَا بِإسْمِ الْعَلَمِ وَالْمَوْضُوعِيَّة. فَالْعِلْمُ بِهَذَا الْمَنْظُور يَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ مُجَرَّدُ خُرَافَات يَجِب التَّخَلُّصِ مِنْهَا لِكَيْ يَنْتَصِر الْعِلْم وَالْحَقِيقَة الْمَادِّيَّة. وَهُنَاكَ مِنْ الْمُفَكِّرِين مَنْ ذَهَبٍ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، مِثْلُ نِيتْشَهْ الَّذِي اُعْتَبَرَ أَنْ الْأَخْلَاق هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إنْعِكَاس لِضَعْف الْإِنْسَانِ وَعَجْزَهُ أمَام الطَّبِيعَة، وَأَنَّهَا تَحْجُب الْحَقِيقَة الْأَعْلَى لِلْقُوَّة وَالسُّلْطَة. إلَّا أَنْ هُنَاكَ تِيَارًا فَكَرِيا آخَرَ ينْظَرُ إلَى الْأَخْلَاقِ بِزَاوِيَة مُخْتَلِفَة فَهُنَاكَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْلَاقِ وَلَا يَحِلُّ مَحَلِّهَا، بَلْ إنَّهُ يَتَطَلَّبُهَا وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا. فَالْبَحْث الْعِلْمِيّ نَفْسِه يَتَطَلَّب مُوَاصَفَات أَخْلَاقِيَّة كَالصِّدْق وَالنَّزَاهَة وَالْمَوْضُوعِيَّة وَ الْحَيَاد. كَمَا أَنَّ تَطْبِيقَات الْعِلْمِ فِي الْمَجَالَاتِ الْمُخْتَلِفَة تَطْرَح إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة مُهِمَّةً يَجِبُ الْبَحْثُ فِيهَا وَالتَّصَدِّي لَهَا. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا مُتَكَامِلَان وَمَتَلَازِمَان، وَإِنْ كُلُّ مِنْهُمَا يُدَعِّم الْآخَر وَيُمَهِّد لَهُ سُبُلُ التَّطَوُّر وَالتَّقَدُّم. فَالْعِلْم بِدُون الْأَخْلَاق قَدْ يُنْتِجُ آثَارًا سَلْبِيَّةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْبِيئَة، وَالْأَخْلَاق مِنْ دُونِ الْعِلْمَ قَدْ تَقَعُ فِي مُطْبِات الْخُرَافَة وَالتَّعَصُّب. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِتَحْقِيق التَّقَدُّم الْحَقِيقِيّ لِلْإِنْسَانِيَّة. لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ نَقْدَ الْعِلْم لِلْأَخْلَاق أَوْ مُحَاوَلَةِ إسْتِبْعَادها بِإسْمِ الْمَوْضُوعِيَّة الْعِلْمِيَّة يَنْطَوِي عَلَى مُغَالطَات كَبِيرَةٌ. فَالْأَخْلَاق لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَقَالِيد أَوْ عَادَات إجْتِمَاعِيَّة، وَلَا هِيَ خُرَافَات أَوْ أَوْهَامٌ يَجِبُ التَّخَلُّصِ مِنْهَا. بَلْ إنْ لَهَا أَسَاسًا عَقْلِيًّا وَمَنْطِقِيٌّا وَ وُجُودِيا عَمِيقًا كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ نَفْسَهُ لَايُمْكِنُ أَنْ يَنْأَى عَنْ الْأَخْلَاقِ أَوْ يَتَجَاوَزُهَا، فَهُو بِحَاجَة إلَيْهَا كَمَا هِيَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، الْحَقِيقَةِ هِيَ أَنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق مَجَالَان مُتَكَامِلَان وَمُتَرَابِطان, فَالْأَخْلَاق تُسْتَمَدُّ مِنْ الْعِلْمِ مَرْجُعِيَّتِهَا الْمَوْضُوعِيَّة وَالْوَاقِعِيَّة، وَالْعِلْم بِدَوْرِه يَسْتَمِدُّ مِنْ الْأَخْلَاقِ مُنْطَلِقًاتِه الْقِيَمِيَّة وَالْمُعَيَّارِيَّة وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَيَّ مُحَاوَلَة لِفَصْل أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَوْ تَفْضِيلٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُحَاوَلَة لِتَشْوِيه الْحَقِيقَة وَتَجَاهُل التَّكَامُل الضَّرُورِيّ بَيْنَهُمَا فِي مَسِيرِة التَّقَدُّمِ الْإِنْسَانِيِّ لِذَلِكَ، فَإِنْ الرُّؤْيَة الصَّحِيحَةُ هِيَ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلِة وَاحِدَةً، فَكِلَاهُمَا ضَرُورِيّ لِتَحْقِيق الرَّقِّيّ وَالِإزْدِهَار الْحَقِيقِيّ لِلْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع. وَإِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِلتَّعَامُلِ مَعَ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَطْرَحُهَا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ فِي عَالَمِنَا الْمُعَاصِرِ.
_ النَّقْد الْأَخْلَاقِيّ لِلْعِلْم
الْعِلْم يَتَعَرَّضْ لِإنْتِقَادَات أَخْلَاقِيَّة مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ قِبَلِ الْفَلَاسِفَةِ وَ الْمُفَكِّرِينَ عَلَى مَرَّ التَّارِيخ. هَذِه الِإنْتِقَادَات تَتَنَاوَل مُخْتَلَف الْجَوَانِب وَالْآثَار الْمُحْتَمَلَة لِلْعِلْمِ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْمُجْتَمَع. أَحَدَ أَبْرَزِ الْمُنْتَقَدين لِلْعِلْمِ هُوَ الْفَيْلَسُوف الْفَرَنْسِيّ بَوْل فَيْيرآبند (Pual Feyerabend ) (1924-1994) الَّذِي طَرَحَ فِي كِتَابِهِ "ضِدّ الْمَنْهَج" (1975) فَكَرِة أَنْ جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمَنْهَجِية، حَتَّى أَكْثَرُهَا وُضُوحًا، لَهَا حُدُودِهَا الْخَاصَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِمَعْايِير مَوْضُوعِيَّة ثَابِتَة. فَيْيرآبند يَرَى أَنَّ فِكْرَةَ أَنَّ الْعِلْمَ يُمْكِنُ أَوْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ وَفَقَأ لِقَوَاعِد عَالَمِيَّة ثَابِتَة هِيَ فَكَرِة غَيْرَ وَاقِعِيَّةً وَ خَبِيثة وَ تَضُرّ بِالْعِلْمِ نَفْسِهِ، بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، يَدْعُو فَيْيرآبند إلَى إقَامَةِ مُجْتَمَع دِيمُقْرَاطِيّ يُتِمُّ فِيهِ التَّعَامُلُ مَعَ الْعِلْمِ بِطَرِيقِة مُسَاوِيَة لِمَوْسَّسَات أُخْرَى فِي الْمُجْتَمَعِ مِثْلَ الدَّيْنِ وَالسِّحْر، وَيَرَى أَنَّ هَيْمَنَة الْعِلْمِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ أَمْرٌ غَيْرُ مُبَرَّرٍ. فَيْلَسُوف آخَر، الْفَيْلَسُوف وَالْمُؤَرِّخ جَاك بارْزون (1907-2012)، Jacques Barzun وَصْفٌ الْعُلُوم بِأَنَّهَا "أَكْثَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ عَلَى مَرَّ الزَّمَان" وَحَذَّرَ مِنْ إسْتِخْدَامِ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ لِكِبَح إعْتِبَارَاتٌ أَخْلَاقِيَّة بِإعْتِبَارِهَا جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ مَعْنَى الْوُجُودِ. بِالْمِثْل، ذَكَر الْفَيْلَسُوف الْهِنغاري إمّري لاكاتوس Lakatos Imre (1922- 1974) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُمْكِنِ التَّمْيِيز بِشَكْل مَوْضُوعَيْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالشَّبَه-عَلَمٌ (pseudoscience) عَلَى أُسُسٍ مَوْضُوعِيَّة، مِمَّا يُشْكِلُ مُشْكِلَة رَئِيسِيَّة لِمَفْهُوم الْعِلْم وَفَقَأ لِلْقَوَاعِد الْعَالَمِيَّة. هَذِهِ الِإنْتِقَادَات تُشِيرُ إلَى أَنْ الْعِلْمَ لَيْسَ مُؤَسِّسَة مَحَايدة أَخْلَاقِيًّا كَمَا يَزْعُمُ، بَلْ هُوَ قَابِلٌ لِلتَّحَيُّز وَالتَّلَاعُب بِسَبَب عَوَامِل إجْتِمَاعِيَّة وَسِيَاسِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَشَارَتْ الْمُؤَرَّخَة وَ النَّاقِدة الأَمْرِيكِيَّة إنْجِيلًا سِينَيّ Angela Saini فِي كِتَابِهَا "عَوْدة السَّبَّاق الْعِلْمِيِّ" إلَى أَنْ "الْعِلْم يَظَلّ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ تَحْتَ رَحْمَةِ الْمُعْتَقَدَات السِّيَاسِيَّة الشَّخْصِيَّة لِمَنْ يُنَفِّذُونَه، حَيْثُ كَانَ الْعُلَمَاءُ النَّازِيَون الَّذِينَ إخْتَبِرُوا وَآرْتَكَبُوا الْفَظَائِع بِإسْمِ الْعَلَمِ قَادِرِينَ عَلَى إِنْتَاجِ علم جَيِّدٌ، لَوْ أَنَّهُمْ بَحَثُوا عَنْ مَعْنَى الْخَيْرِ فِي الْبَيَانَات عِوَضًا عَنْ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ".بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، يَرَى بَعْضُ الْمُنْتَقَدين إنْ الْعِلْمِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَأَنَّه بِالْأَحْرَى مُرْتَبِطٌ بِهَا إرْتِبَاطًا وَثِيقًا. فَالْعَالِم الْأَمْرِيكِيّ كَارْل سَاغَان Carl Sagan (1934-1996) أَشَارَ إلَى أَنْ "الْعِلْمَ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ مَجْمُوعَةِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَوَسِيلَة لِمُسْاءَلَة الْكَوْنُ مَعَ قَدْرِ كَبِيرٌ مِنْ التَّشْكِيكِ بِسَبَب قَابِلِيَّة الْخَطَأُ عِنْدَ الْإِنْسَانِ". وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَاضِعًا لِلنَّقْد الْأَخْلَاقِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ كَأَيّ نَشَاط بَشَرِي آخَر. هُنَاكَ أَيْضًا إنْتِقَادَات تُرْكَزُ عَلَى الْأثَارِ السَّلْبِيَّة الْمُحْتَمَلَة لِلْعِلْم و التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْبِيئَة وَالْمُجْتَمَعِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَنْتَقدْ الْعِلْم لِدُورِه فِي تَطْوِيرِ أَسْلِحَةِ الدَّمَارِ الشَّامِلِ وَ التَّلَوُّث البِيئِيّ وَالتَّجَارِب الْبَيُولُوجِيَّة الْمَشْكُوكِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِهَا. كَمَا أَنَّ الْبَعْضَ يَنْتَقِدْ تَرْكِيز الْعِلْمِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَادِّيَّةِ عَلَى حِسَابِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة. فِي الْمُقَابِلِ، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ لَهُ دُورٌ أَخْلَاقِيّ إِيجَابِيٍّ فِي تَحْسِينِ نَوْعَيْة الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْعَالَمِيَّة. فَالْعِلْم قَدْ سَاهَمَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الَّأوبِئة وَتَحْسِينُ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ وَالتَّنْمِيَةِ الِإقْتِصَادِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة. لِذَلِك، يَدْعُو هَؤُلَاءِ إلَى ضَرُورَةٍ تَوْجِيه الْعِلْمِ نَحْوُ أَهْدَاف أَخْلَاقِيَّة نَبِيلَة بَدَلًا مِنْ رَفَضَه أَوْ التَّشْكِيكِ فِيه بِشَكْل مُطْلَق. فِي النِّهَايَةِ، يَتَّضِحُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ نَقَّاش وَجَدَل فَلْسَفِيّ وَأَخْلَاقِيّ مُسْتَمِرّ. فَالْعِلْم لَهُ قُوَّةٌ هَائِلَة لِلتَّأْثِير عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْمُجْتَمَع، وَ لِذَلِكَ يَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَى تَوْجِيهِهِ نَحْوَ الْأَهْدَاف الْأَخْلَاقِيَّة النَّبِيلَة مَعَ الِإعْتِرَافِ بِحُدُودِه وَإِخْضَاعِة لِلنَّقْدِ وَالمُسَاءَلَة الْأَخْلَاقِيَّة.
_ نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
أَنْ الصِّرَاعِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هُوَ أَحَدُ أَهَمّ الْمُنَاقَشَات الْفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي شُغِلَتْ بَال الفَلَاسِفَةِ وَالمُفَكِّرِينَ عَلَى مَرَّ الْعُصُور. فَمِنْ نَاحِيَةِ، يُقَدِّمُ العِلْمَ الكَثِيرَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْقُدُرَات الَّتِي تُحْسِنُ مِنْ نَوْعَيْة حَيَاةُ الْإِنْسَانِ وَتُسَاعِدُه عَلَى التَّغَلُّبِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ وَالتَّحْدِيَات الَّتِي تُوَاجِهُه. وَمِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تَبْرُز التَّدَاعِيَات الْأَخْلَاقِيَّة السَّلْبِيَّة لِهَذَا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّقْنِيّ، مِمَّا يُثِيرُ التَّسَاؤُلَات حَوْلَ مَدَى تَوَافِقُ هَذَا التَّقَدُّمِ مَعَ القِيَمِ وَالمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّة لِلْإِنْسَان. يَتَنَاوَلُ هَذَا الْبَحْثِ هَذِه الْإِشْكَالية مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ، مُحَاوِلًا الْإِجَابَةِ عَنْ التَّسَاؤُلَات الْآتِيَةِ، مَا هِيَ طَبِيعَةُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق؟ وَهَلْ هُنَاكَ تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَمْ أَنَّهُمَا مُتَكَامِلَان؟ وَمَا هِيَ الْأُسُس الْفَلْسَفِيَّة لِنَقْد الْعِلْمِ مِنْ مَنْظُورٍ أَخْلَاقِيّ؟ وَمَا هِيَ الضَّوَابِطُ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَحْكُمَ مَسَار الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَ التِّقْنِيّ؟ لَقَدْ أَثَارَتْ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة الْهَائِلَة فِي مَجَالَاتِ مِثْل الطِّبّ وَالْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة خَطِيرَة تَتَعَلَّق بِقَضَايَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَ التَّحَكُّمُ فِي الْجِينَات الْبَشَرِيَّة، وَالِإسْتِنْسَاخ، وَغَيْرِهَا. فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ التِّقْنِيَّات قَدْ سَاعَدَتْ فِي عِلَاجِ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَ تَحْسِين نَوْعَيْة الْحَيَاةِ، إلَّا أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَثَارَتْ مَخَاوِف أَخْلَاقِيَّة تَتَعَلَّق بِالتَّدْخِل فِي صَمِيمِ الحَيَاةِ الإِنْسَانِيَّةِ وَمَا قَدْ يُنْتِجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ إنْتِهَاكِات لِكَرَامَةِ الْإِنْسَانِ وَحُقُوقِهِ. يَنْطَلِقُ النَّقْد الْفَلْسَفِيّ لِلْعِلْمِ مِنْ رُؤْيَةِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَايدا أَخْلَاقِيًّا، بَلْ هُنَاكَ قِيَمٍ وَمَعَايِيرَ أَخْلَاقِيَّة مُتَأَصِّلَةً فِي مُمَارَسَةِ الْعِلْم وَتَوْجِيه مَسَارَاتِه. فَالْعِلْمُ لَا يَنْمُو فِي فَرَاغِ، بَلْ هُوَ نِتَاجُ لِسِيَاق إجْتِمَاعِيّ وَثَقَافِيّ مُعَيَّنٍ وَمُوَجَّه بِمَصَالِح وَأَهْدَاف مُحَدَّدَة. وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ عَنْ السِّيَاقِ الْأَخْلَاقِيّ الَّذِي يَنْشَأُ فِيه وَيُؤَثِّرُ فِيهِ وَيَتَأثر بِهِ. يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ نُزُوع الْعِلْمِ نَحْوُ التَّخَصُّص وَالتَّجْزِئَة وَ تَجَاهُل الْبُعْد الْأَخْلَاقِيّ قَدْ أَدَّى إلَى فِقْدَان الرُّؤْيَة الشُّمُولِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ، مِمَّا نَتَج عَنْه أَزْمَة أَخْلَاقِيَّة تَتَجَلَّى فِي الِإنْفِصَالِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْقيِّم، وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَالْوِجْدَان. وَهَذَا مَا دَفَعَ الْبَعْضَ إلَى الْمُطَالَبَةِ بِضَرُورَة إعَادَة رَبَط الْعِلْم بِالْأَخْلَاقِ مِنْ خِلَالِ إِرْسَاء أُسِّس فَلْسَفِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة لِتَوْجِيه الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَالْعَدَالَة وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. هُنَاكَ حَاجَةٌ مُلِحَّةٍ إِلَى نَقْدٍ فَلْسَفِيّ لِلْعِلْم يَنْطَلِقُ مِنْ رُؤْيَةِ أَخْلَاقِيَّة شَامِلَة تَرْبِطُ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْقَيِّمِ. إنْ الِإنْفِصَالِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق قَدْ أَفْضَى إلَى تَأَزَّم الْوَضْع الْإِنْسَانِيّ وَإنْتِشَار الْأَزَمَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُعَاصِرَة. لِذَا، فَإِنَّهُ يَدْعُو إلَى ضَرُورَةٍ إعَادَة الِإعْتِبَار لِلْبُعْد الْأَخْلَاقِيَّ فِي مُمَارَسَةِ الْعِلْم وَ التِّقْنِيَة، مِنْ خِلَالِ وَضْعَ ضَوَابِطَ أَخْلَاقِيَّة تَحَكُّم مَسَار الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَحُولُ دُونَ إنْحِرَافُهُ عَنْ أَهْدَافِه الْإِنْسَانِيَّة. وَ يَتِمُّ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تبْنَي مَنْظُور أَخْلَاقِيّ يَتَجَاوَز الِإنْحِيَاز نَحْو العَقْلَانِيَّة الْمُجَرَّدَة أَوْ النَّفْعِيَّة الضَّيِّقَة، وَيَقُومُ عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْقَيِّم، بِمَا يَضْمَنُ تَوْجِيه الْعِلْمِ نَحْوُ تَحْقِيق الْخَيْر وَ الْعَدَالَة لِلْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع. وَفْق ضَرُورَة إشْرَاك نُخْبَة الْمُجْتَمَع الْفَلْسَفِيّ فِي وَضْعِ الْمَعَايِير وَالضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة لِلْبَحْث الْعِلْمِيّ، بِمَا يُحَقِّقُ التَّوَازُنَ بَيْنَ مَصَالِحَ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ وَبَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ، أَنَّ النَّقْدَ الْفَلْسَفِيّ لِلْعِلْمِ مِنْ مَنْظُورٍ أَخْلَاقِيّ يَهْدِفُ إِلَى إِرْسَاء أُسِّس فَلْسَفِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة لِتَوْجِيه الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَالصَّالِح الْعَامّ لِلْإِنْسَانِيَّة. وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ رَبَط الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة، وَإِشْرَاك الْمُجْتَمَع الْفَلْسَفِيّ كَكُلٍّ فِي وَضْعِ الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُمَارَسَة الْعِلْمِيَّةِ، بِمَا يَضْمَنُ حِمَايَةِ الإِنْسَانِ وَ كَرَامَتِهِ وَالْحِفَاظُ عَلَى البِيئَةِ وَالمُجْتَمَعِ. وَهَذَا بِدَوْرِهِ يَتَطَلَّب إصْلَاحًا جِذْرِيًّا فِي المَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّة وَالْبَحْثُيْة، بِمَا يُعَزِّز الْوَعْي الْأَخْلَاقِيّ لَدَى العُلَمَاءَ وَالبَاحِثِينَ.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي
...
-
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
-
حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
-
جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
-
جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
-
السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
-
إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
-
سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
-
مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
-
ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت
...
-
جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف
المزيد.....
-
قناة إسرائيلية: ما تم كشفه 10% فقط من فشل 7 أكتوبر
-
مجموعة -أصدقاء صهيون- تسعى لدفع ترامب لضم الضفة
-
القمة العربية الطارئة بالقاهرة: تبون وسعيّد يقرّران عدم المش
...
-
المغرب يتسلم رسميا 6 مروحيات هجومية من طراز أباتشي
-
تونس: دعوات لوقفة تضامنية تزامنا مع انطلاق محاكمة -التآمر عل
...
-
خلال المشادة الكلامية في البيت الأبيض: هل نعت زيلينسكي نائب
...
-
ترامب يرفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 20% ويرفض منح كندا
...
-
ترامب يوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من سجا
...
-
دُمرت أبراجه.. الموت يحاصر سكان حي الكرامة في غزة
-
فرنسا وبريطانيا تقترحان -هدنة جزئية- في أوكرانيا
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|