أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 22:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(عنصري يكره الإسلام والمسلمين، عنصري يكره العرب، عنصري يكره اليهود، عنصري يكره السود، عنصري يكره المهاجرين، عنصري يكره المثليين وبقية الحروف، عنصري يكره النساء، عنصري يكره السمينات...): القاسم المشترك في كل هذه الاتهامات أن هدفها واحد: إسكات من يتكلم، قطع لسانه ومنع أي مجال لأن يُسمع له. أحيانا تصدق هذه الاتهامات، لكن ذلك قليل جدا.
كل الاتهامات المذكورة وغيرها، سمعتُها في حقي، ولا أذكر ولو مرة واحدة أن أجاب المتّهِم عن سؤال "كيف ذلك؟"، وأقنع! وإحقاقا للحق كانت كلها أدلة على أني "عرفتُ الطريق القويم" أو اقتربت منه... اتهام كراهية الإسلام والمسلمين دليل على أن المتَّهَم قد خرج من سجن عظيم، مع وجوب التثبت من صحة كراهية المسلمين ورفض ذلك إن صح وصعب جدا أن يصح، وكيف يُعقل أن يكره ذلك المتَّهَم "كل" المسلمين؟ ربما يصدر منه شعور شبيه في الفترة التي تلت خروجه من السجن مباشرة، وذلك يُمكن ألا يُحاسب عليه، فهو مجرد ردة فعل قد تصدر من البعض بعد اكتشاف أنهم خُدعوا، لكن أن يستمر ذلك فهو تقريبا مستحيل. ولذلك يكون الاتهام مجرد ردة فعل من متدين عامي لا يستطيع التدليل على كلامه بسبب جهله بدينه ككل العوام، أو لإسكات المحاور أو المناظر إذا ما كان فاهما عارفا بدينه كحال إرهاب المشايخ في الإعلام. وفي الحالتين لا يجب بأي حال أن ننسى أن المتهِم مفلس فكريا ولا يملك الدليل على اتهامه...
أهم تهمة بالنسبة لي، هي تهمة معاداة السامية، ووفق الكتب الصفراء العبرانية التي صادق عليها الإسلام، اليهود والعرب ساميون، والتهمة لا تقتصر على اليهود كما في الغرب، بل تشمل اليهود والعرب، أي يقول المتهِم أني أكره اليهود وأتمنى إبادتهم بما أني "أُنكر" محرقتهم، ولا يكفيني ذلك لأزيد عليه كراهية العرب ولم لا إبادتهم حتى هم! أي أنا أتعس حالا من كل معادي السامية الغربيين، بل هتلر نفسه تلميذ صغير عندي! والحقيقة أن هذا الاتهام أعظم وسام يُمكن أن يُمنح لبشر يعيش تحت سلطة العالم العبراني، أي الغرب والمنطقة المقدسة.
تحكم أيديولوجيا محاربة العنصرية/ ضد العنصرية، الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وككل أيديولوجيا، الحقيقة نجدها مخالفة للشعارات البراقة الكبيرة المرفوعة... محاربة العنصرية التي تلتْ أكذوبة المحرقة اليهودية، كان هدفها الأول والأخير، القضاء على كل حس وطني قومي قد يُهدد إرساء النظام العالمي المنشود، وهذا النظام لا يعترف لا بحدود ولا بثقافات ولا بأوطان: أي شخص سيرفض ذلك، يجب اتهامه بالعنصرية وبالنازية التي نعرف أين أوصلتْ الألمان! لذلك، ترسخ في قوانين الدول الغربية وفي وعي شعوبها ردع أي عنصرية خوفا من أن تعود البشرية لأبشع عصور ظلامها الحديثة!
إقصاء كل حس وطني، كان مواصلة للحرب العالمية الثانية التي لم تنته بخسارة النازية، بل لا تزال متواصلة إلى اليوم، وحلفاء الأمس، الليبراليون واليساريون، لا يزالون يستعملون نفس الأساليب لإقصاء عدوهم الوطني/ القومي، وهي أساليب تُرجع الشعوب المغيَّبة دائما إلى نفس الأكذوبة: الهولوكوست! ولذلك، يستحيل أن تقوم قائمة لليمين في الغرب والهولوكوست يحكم القوانين والوعي الجمعي، وكل تخويف من الغول البني سيبقى مجرد أكذوبة يستعملها كل من اليساريين والليبراليين للضحك على الشعوب!
استحالة أن يوجد لليمين القوة والتأثير ليصل إلى الحكم، تأتي من الدين الهولوكوستي كما أسلفتُ، وتضاف إليه صهينة هذا اليمين... اليمين من المفروض يزعم الوطنية، لكن الصهينة استعمار للبلدان والشعوب الغربية، ومن ذلك نفهم جيدا كيف تحكم اليهودية والليبرالية واليسارية معا الغرب: مصالح الثلاثة تقتضي إقصاء العدو المشترك! افهم اللعبة عزيزي القارئ، ولا تواصل تغييب عقلكَ وراء خرافة اليمين "المتطرف" الغول الذي يهدد الجميع!
طبعا، سيُفهم من كلامي أني أدافع عن اليمينيين، وأقول أن هدفي من المقال الكلام عن أكذوبة الاتهام بالعنصرية، وكشف أصولها، وطبيعة تفكير مستعملها، ومنها أبرهن على خرافة حرية التعبير في كل مكان على سطح الأرض... وهنا أقول بأن الهولوكوست هو الأصل الأول الذي دونه يستحيل أن نفهم كيف يسير العالم منذ نهاية الحرب الثانية، ويستحيل أن ننجو من الوقوع في مطب تهمة العنصرية. هل أدافع عن اليمينيين إذن؟ جوابي قيل مرات عديدة: من كل بستان أقطف ما يروقني، ولا آكل كل شيء يُقدّم لي، أختار، وأحاول ما استطعتُ ذلك... أرفض سياسة الهجرة في الغرب، وأقول أن اتهام الغربيين بالعنصرية مثلما يُصورها النظام الحاكم أكذوبة، وكيف سأصدق ذلك والمفتاح عندي؟ الهولوكوست أقصد... غير صحيح أن اليمين أجرم أكثر من اليساريين والرأسماليين أيام الحرب الثانية! كلهم أجرموا! انزع الهولوكوست المزعوم من المعادلة، سترى قنابل الأمريكان هي الأجرم، وهي ما لم يحدث قط منذ بداية الحياة على الأرض، وليس خزعبلات الأفلام اليهودية التي تشاهدها وربما أبكتكَ! الذي يُريد الإقناع عليه مخاطبة العقل، والعقل يلزمه الأدلة، لا مخاطبة العواطف التي تستطيع أن تجعلها ترى النملة ديناصورا! هل رأيتَ هذا مثلا؟ [https://www.effedupmovies.com/boy-in-the-striped-pajamas-2008/]... خرافة! أكذوبة! لم يحدث! كله خيال في خيال! من صنع الفيلم؟ من أنتجه؟ من رشحه للجوائز؟ العالم يعيش وهما عظيما... ذلك الفيلم لا يُسمى فنا سابعا، لا يُسمى إبداعا، بل اسمه الوحيد: بروباجندا النظام الحاكم! وكيف سيكون شخص ما معارضا أو مناضلا وهو يُصدق بروبجندا من يستعبده؟ (قوس صغير هنا، بعد حصول فيلم بسيط، عادي! إن لم أقل تافها على السنبلة الذهبية في كانAnora، يحصل فيلم EMILIA PÉREZ على سيزار أفضل فيلم وغيرها من الجوائز... ما قصته؟ ترانس!... كزوج ماكرون... أقصد زوجته... ويقولك فن وإبداع! ومعهما بالطبع أيديولوجيا الاتهام بكراهية المثليين وبقية الحروف! الفيلمان موجودان في مواقع كثيرة، ويُمكن مشاهدتهما، شخصيا عندما رأيتُ الأول، وكنتُ أعرف أنه حصل على السنبلة الذهبية، بعد خمس دقائق من بداية الفيلم إلى نهايته ونفس السؤال يدور في رأسي: كيف يحصل هذا الفيلم التافه على الجائزة؟! يُشاهد ربما قبل النوم ولا يستحق حتى أن يُركز معه... ممكن ذلك، أما سنبلة ذهبية فهذا هو المستحيل بعينه! وأغلق القوس بأن الهولوكوست لا يغيب عن الجوائز كما العادة! وThe Zone of interest يحصل على سيزار أحسن فيلم أجنبي: فن وإبداع أم أيديولوجيا وبروبجندا؟! وبالطبع تعليقي هذا، في الغرب، يرميني وراء الشمس، فهو هرطقة وكفر بأعظم الأديان أي الهولوكوست ولوبي الحروف المقطعة، وأنا "عنصري ونازي وجاهل ومريض نفسي ويميني متطرف" وووو! المنحرفون الذين يحكمون الغرب بصدد تدمير الحضارة الغربية، والذي يراه الكثيرون إبداعا وفنا، حقيقته لا تختلف في شيء عن جائزة أحسن قصيدة في مدح الحبيب أو فيلم الرسالة!)
علمنا إذن، أن في الغرب، تهمة العنصرية من أعظم التهم، وهي تقريبا تشبه حد الردة، ليس ذلك مبادئ كما قيل، لكن أيديولوجيا... حد الردة يخص فقط الهولوكوست، وبعده تأتي التلاقيح عند الأطباء، ثم اللوبيات كلوبي الحروف المقطعة. التهمة بالعنصرية، هدفها إقصاء المخالف مباشرة، لا مناظرته وتبيين خطئه، الهدف تطبيق الحد عليه وقطع لسانه؛ لا يوجد قتل مباشر وتعذيب جسدي بالطبع، لكن يوجد قتل اجتماعي، مالي، إعلامي، مهني إلخ... وهنا، يُفهم جيدا أن المتهِم أبعد الناس عن حرية التعبير واحترام المخالف بل هو في حقيقته مجرد دكتاتوري قاتل لا غير.
المنطقة المقدسة تتنفس عنصرية وكراهية، لكنها تأثرت بالعصر وبثقافة الغرب التي يظهر منها الشعارات الجميلة الرنانة، وعليه أصبح المسلم لا يُطالب بإلقاء المثليين من الجبال والعمارات بل يحترم وجودهم نوعا ما، لا يتنازل عن بند الإسلام دين الدولة لكنه لا يطالب بتطبيق أحكام الذمة والحدود على الكفرة وعباد الصليب وعزير، يضحك من قصة اغتصاب الزوج لزوجته لكنه يتأفف من ضربها، وهكذا... أي تلك الشيزوفرينيا التي تجمع عند المسلمة بين الخمار والنسوية، وعند المسلم بين حب الحبيب وتقديس القرآن ورفض البيدوفيليا والتفجيرات وقطع الأيادي والرؤوس... وهكذا شيئا فشيئا، أصبحت المنطقة المقدسة بدورها تتأفف نوعا ما من العنصرية في كثير من الأماكن في بلدانها... أما المثقفون وأهل الفكر، فهم أكثر حتى من الغربيين في تأففهم ورفضهم للعنصرية...
سهولة إطلاق التهمة، يعني مثلما قيل، غياب الإيمان بالحريات، يعني الأيديولوجيا والحق المطلق، يعني التحريض والدعوة إلى الإقصاء... موقع الحوار كمثال يقول: (أنه يرفض العنصرية والتمييز العنصري والديني والمذهبي والفكري والتمييز ضد المرأة وكل أشكال التمييز الأخرى.)، وهذا يعني أن الموقع لن ينشر أي مقال أو تعليق عنصري، وبذلك يكون الاتهام بالعنصرية دعوة لمحرري الموقع ليطبقوا على العنصري ما قالوه وليلتزموا بما ألزموا به أنفسهم. منع نشر الفكرة، المقال، التعليق، يعني قتلها، وبصفة غير مباشرة قتل قائلها، فهو في الموقع فكر فقط، ولا أحد يهتم لأموره الشخصية... التهمة إذن تدعو إلى الاعدام، ومن المفروض أن يتثبت مطلقها جيدا وأن يكون عنده الأدلة الدامغة عليها، لكن ذلك لا يحدث أصلا مع من لا يؤمن بالآخر المختلف، حيث يكون هدفه الأول والأخير إسقاطه لا سماعه ومحاجته، وهو سلوك أصحاب الحق المطلق في الأديان والأيديولوجيات...
عندما تكون ثقافة حريات، تتجاوز وهم المطلق، نستطيع أن نفهم مباشرة أن مطلِق التهمة لا يُأبه به، فهو في أغلب الأوقات سيكون صاحب سلوك متدينين، كقول المسلم في كل من انتقد دينه ورسوله أنه حاقد على الإسلام وكاره للمسلمين، أو كقول اليهودي بمعاداة السامية وكراهية اليهود عن كل من رفض الهولوكوست أو نفوذ الأنتلجنسيا اليهودية في الغرب أو انتقد إسرائيل. هذا لا يعني عدم التثبت من صحة اتهامه، لكن غالبا لن يكون إلا مجرد رفض للآخر ودعوة إلى منع صوته.
كلما وُجد دين واستفحل في عقول المؤمنين به، كلما تعاظمت القداسة، وكلما صُدِّقتْ واعتُمدتْ دعاوى العنصرية والكراهية؛ نرى ذلك جليا مع الدين الهولوكوستي في الغرب، ومع الدين العروبي والإسلامي في المنطقة المقدسة...
الذي يكون من "شذاذ الآفاق" في موضوعات كثيرة، يعلم جيدا أن الخروج عن القطعان يُرافقه الرفض وإصدار الاتهامات الكثيرة، وأولها العنصرية... المؤمنون كثيرون، والأديان كثيرة، وكذلك الاتهامات... وقع تفنيد معتقدات الآخرين عليهم معلوم، ولذلك لن تتأخر الاتهامات، التي عادة ما تصدر من عوامهم، والعامي هو الذي يجهل موضوع النقاش... ليست مسبة بالمناسبة، فكلنا عوام في مواضيع ما، ولا أحد سيلم بكل شيء.
يبقى الفيصل في كل هذا، الإيمان بحق الآخر في الوجود، في قول رأيه والبرهنة عليه، وهو وهم عظيم يتشدق به الجميع، وفي كل مكان على سطح الأرض: حرية التعبير!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟