هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 22:14
المحور:
كتابات ساخرة
تحت الأرض، في العتمة الصامتة، كانت القبور تذوب في النسيان، تُمسَح شواهدها، وتُمحى أسماء من سكنوها كأنهم لم يكونوا يومًا. مرّت فوقها خطوات الغرباء، بُنيت عليها طرق وأحياء، وغرست جذور جديدة في تربتها، لكن الأرواح لم تندثر، لم تنطفئ تمامًا. كانت هناك، متوارية في صمت، تنتظر اللحظة التي تنمو فيها من جديد.
ليس الموت نهاية، بل تحوّل. الأرواح التي مُحيت قبورها لم تختفِ، بل تسلّلت عبر مسام الزمن، تشكّلت من جديد، اتخذت أجسادًا أخرى، وعادت تمشي فوق نفس الأرض التي ابتلعتها يومًا. تلك الأجساد الجديدة تحمل في أعماقها صدى الذكريات القديمة، نبض الحياة التي كانت، لكنها لا تذكر، لا تعرف مَن كانت سابقًا.
وربما، في لحظة ما، وسط حلم غامض أو شعور غريب بالانتماء إلى مكان لم تزره من قبل، ترتعش الروح، تستيقظ ذاكرة مدفونة، وتتردّد همسة قديمة: "لقد كنا هنا من قبل... وسنكون هنا من جديد."
وفي تلك اللحظات العابرة، حين يمرّ شخص ما في شارع قديم أو يجلس تحت شجرة نمت فوق أرض منسية، يشعر بنبضة غير مفهومة، كأن المكان يهمس له بأشياء لا يدركها تمامًا. يتوقف لوهلة، يتنفس بعمق، ويكاد يسمع صوتًا خافتًا في أعماقه، صوتًا لا ينتمي لهذا الزمن وحده.
إنها الأرواح التي عادت، ليست كما كانت، بل متخفية في أجساد جديدة، تسير بين الناس دون أن تعلم أنها كانت هنا من قبل، أنها عاشت وماتت، ثم نبتت من جديد في جسد آخر. ربما في ابتسامة غريبة، أو في خوف غير مبرر من طريق مهجور، أو في انجذاب غير مفهوم لمكان معين—هناك، في تلك اللحظات الصغيرة، تلوّح الذكريات القديمة كظل عابر.
لا أحد يختفي حقًا. الموت ليس إلا عبورًا، ليس إلا ذوبانًا مؤقتًا في نسيج الزمن، قبل أن تعود الأرواح، قبل أن تبدأ دورة أخرى، تمشي فوق نفس الأرض التي احتضنتها يومًا، وتعيش حياة جديدة، غير مدركة أن خطواتها الآن تتقاطع مع آثار أقدامها القديمة.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟