|
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8268 - 2025 / 3 / 1 - 15:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق، مُحْدِدات مَفَاهِيمِيَّة : الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ جَدَل فَلْسَفِيّ وَ أَكَادِيمي مُسْتَمِرٌّ مُنْذُ الْقِدَمِ. يَرَى البَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُنْفَصِلَان تَمَامًا، بَيْنَمَا يُرَى آخَرُونَ أَنَّ هُنَاكَ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بَيْنَهُمَا. هَذِهِ الخِلَافَاتِ تَنْبُعُ مِنْ إخْتِلَافِ الْمُنْطَلَقَات وَالْمَقَارَبَات الْفَلْسَفِيَّة فِي تَنَاوُلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ، يَرَى البَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مُجَرَّدُ وَصْفٍ لِلْوَاقِع وَتَفْسِيرٌ لَهُ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق هِيَ مَجَالُ الْأَحْكَام وَالْقِيَمِ الَّتِي تُحَدِّدُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ. فَالْعِلْم بِطَبِيعَتِه لَا يَسْتَطِيعُ إصْدَار أَحْكَام قِيَمِيَّةٌ أَوْ أَخْلَاقِيَّة، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى شَرْحِ الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ كَمَا هِيَ. أمَّا الْأَخْلَاق فَتَتَعَلَّق بِمَنْظُومة القِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الَّتِي تُحَدِّدُ سُلُوكَ الْإِنْسَانِ وَمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِ فِعْلُهُ. لِذَا يَرَى هَؤُلَاءِ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاق مَجَالَان مُنْفَصِلَان وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلْمِ دُورٍ فِي تَحْدِيدِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. مِنْ مَنْظُورٍ آخَرُ، يَرَى البَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاق مُتَرَابِطَان إرْتِبَاطًا وَثِيقًا، فَالْعِلْمُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ السِّيَاقِ الْأَخْلَاقِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ الَّذِي يَنْشَأُ فِيه. فَالْأَخْلَاق تُحَدِّد غَايَات الْعِلْم وَتَوَجَّه إسْتِخْدَامُه، بَيْنَمَا الْعِلْم يُوَفِّر الْأَدَوَات وَ الْمَعَارِف اللَّازِمَة لِتَطْبِيق الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. فَمَثَلًا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ فِي مَجَالِ الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة قَدْ آثَار إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة حَوْل حُدُود التَّدَخُّلِ فِي الْجِينُومِ الْبَشَرِيِّ وَأَخْلَاقِيَّات الِإسْتِنْساخ. وَبِالتَّالِي لَايُمْكِنُ فَصْلُ الْعِلْمِ عَنْ الْبُعْدِ الْأَخْلَاقِيّ وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ يُعْتَبَرُ الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاق يُشَكِّلَان رُكْنَيْن أُسَاسِيِّين فِي الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَفِي حِينِ أَنَّ الْعِلْمَ يُوَفِّر الْأَدَوَات الْمَادِّيَّة وَالتِّقْنِيَة لِتَحْسِينِ ظُرُوفِ الحَيَاةِ، تَقُوم الْأَخْلَاق بِتَوْجِيه هَذِهِ الْأَدَوَاتِ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَالرِّفَاه لِلْإِنْسَانِيَّة. فَالْعِلْم بِدُون الْأَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى إسْتِخْدَامَات مُدَمِّرَة وَ خَطِيرَة، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِدُونِ الْعِلْمِ تَبْقَى مُجَرَّد نَظَرِيَّات وَ أَفْكَار دُون تَطْبِيقٌ عَمَلِيٌّ. وَبِالتَّالِي فَالْعِلْم وَالْأَخْلَاق يُكْمِلَان بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ وَ يُشْكْلَان مَعًا الْأَسَاس لِلتِّطور الْحَضَارِيّ. إضَافَةُ إلَى ذَلِكَ، يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ غِيَاب الْأَخْلَاقِ أَوْ تَدْهُورِهَا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ سَيُؤَدِّي حَتْمًا إِلَى إنْهِيَارِ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَ تَصِدَعْهَا. فَالْأَخْلَاق تُشْكِل النَّسِيج الْحَيَوِيّ لِلْمُجْتَمَع وَ تَضْمَنُ لَهُ التَّمَاسُكُ وَ الِإسْتِقْرَار، وَ بِالتَّالِي فَإِنَّ الْمُجْتَمَعَات لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ وَ تَسْتَمِرُّ مِنْ دُونِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. لِذَلِك، يُؤَكِّد هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى ضَرُورَةِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق لِتَحْقِيق التَّنْمِيَةِ الشَّامِلَةِ لِلْإِنْسَان وَ الْمُجْتَمَع. مِنْ جَانِبِ آخَرَ، هُنَاكَ فَلَاسِفَة مُعَاصِرُون الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ مُخْتَلَف. فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ لِلْأَخْلَاق مَصْدَرُهَا الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ الْوُجْدَانُ الْعَقْلِيّ، وَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ نِتَاج لِلْوَحْي أَوْ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ سَائِدًا فِي الْمَاضِي. وَ بِالتَّالِي فَالْأَخْلَاق لَهَا مَكَانَتَهَا الْمُسْتَقِلَّة عَنْ الْعِلْمِ، وَ هِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ إنْعِكَاس لَهُ أَوْ تَوَابِعُ لَهُ. بَلْ تُؤَدَّي الْأَخْلَاق دُورًا رِيَاديا فِي تَوْجِيهِ الْعِلْمِ نَحْوُ الْخَيْرِ وَالنَّفْع لِلْإِنْسَانِيَّة. وَ هَذَا يَتَطَلَّب الِإعْتِنَاء بِالْجَانِب الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيُّ فِي جَمِيعِ مَنَاحِي الْحَيَاةِ وَ الْعَمَلُ عَلَى رَبَطَه بِالْعِلْم وَ التَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ. يَتَّضِحُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق مَا زَالَ مَوْضِعُ جَدَل وَ خِلَاف بَيْن الْفَلَاسِفَة وَ الْمُفَكِّرِين. فَهُنَاكَ مَنْ يَرَى الِإنْفِصَالِ بَيْنَهُمَا وَ آخَرُون يُؤَكِّدُون عَلَى ضَرُورَةِ الرَّبْطِ وَ التَّكَامُل بَيْنَهُمَا. وَ لَعَلَّ هَذَا الْخِلَافِ يَنْبُعُ مِنْ إخْتِلَافِ الْمُنْطَلَقَات الْفَلْسَفِيَّة وَ النَّظْرَة الشُّمُولِيَّة لِطَبِيعَة الْوُجُودِ الْإِنْسَانِيِّ وَ الْمُجْتَمِعِي. وَ مَعَ ذَلِكَ، يَبْقَى الْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ذَا أَهَمِّيَّةٍ كَبِيرَةً فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَات المُتَسَارِعَة لِلْعِلْم وَ التِّقْنِيَة وَ الْحَاجَةُ إلَى رَبَطَهَا بِالْأخْلاقِ وَ الْقِيَّمِ الْإِنْسَانِيَّة. _ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق ، مُقَارَنَة فَلْسَفِيَّة : الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ جَدَلِيّ وَمَعْقِد، إذْ تَخْتَلِف الْفَلْسَفَات وَالْأَنْظِمَة الْمَعْرِفِيَّة فِي تَفْسِيرِهَا وَتَحْدِيدُهَا. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُمْكِنُنَا إجْرَاء مُقَارَنَةً بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْظِمَة مَعْرِفِيَّة رَئِيسِيَّةٍ فِي تَنَاوُلِهَا لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ: الْفَلْسَفَة الْمَشَائيَّة الْأَرِسْطِية، وَعُلِمَ الْأُصُول (الْكَلَامِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ)، وَ الْعِلْمِ الْحَدِيث. فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَشَائيَّة الْأَرِسْطِية، يُنْظَرُ إلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صُورَةُ ذِهْنِيَّة مُجَرَّدَة لِلْوَاقِعِ، فِي حِينِ تَرَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا أَحْكَامُ تَدْبِيرِية تُنْظَمُ السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ. هُنَا، يُوضَع الْعَقْلِ فِي مَرْكَزِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، إذْ يُعْتَبَرُ مَصْدَر الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالْأَحْكَام الْأَخْلَاقِيَّة. وَيَرَى أَرِسْطُو أَنَّ "السَّعَادَةَ الْإِنْسَانِيَّةِ الْعُلْيَا" تَكْمُنُ فِي الْحَيَاةِ الْعَقْلِيَّة وَالتَّأَمُّل، بَيْنَمَا تَأْتِي الْفَضَائِل الْأَخْلَاقِيَّة كَالشَّجَاعَة وَالْعَدَالَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. وَبِالتَّالِي، تَكُونُ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي هَذَا النِّظَامِ عَلَاقَة تَكَامُلِيٍّة، حَيْثُ يَسْمُو الْعِلْم الْمَنْطِقِيّ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَيَقُودُهُا. فِي حِينِ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ الْمَشَائيَّة تَرَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صُورَةُ ذِهْنِيَّة، ينْظَر عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إلَى الْعِلْمِ بِإعْتِبَارِه "صِدْقًا وَأَحْكَامًا". أَمَّا الْأَخْلَاق عِنْدَهُمْ فَهِي مَعَايِير فِطْرِيَّة تَحَكُّم السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ. هُنَا، يَتِمُّ إقَامَةُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق عَلَى أَسَاسِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ وَالمَصَادِر الدِّينِيَّة، حَيْثُ يَرْتَبِطُ الْعِلْم بِالْأَخْلَاق إرْتِبَاطًا وَثِيقًا مِنْ خِلَالِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَأُصُولِ الدِّينِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ هُوَ عِلْمُ آدَابِ الْبَحْثِ الَّذِي يَضَعُ قَوَاعِدِ وَضَوَابِطِ لِلْبَحْث الْعِلْمِيّ مُنْطَلِقًا مِنْ الْمَبَادِئِ وَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْمُقَابِلِ ينْظَر الْعِلْمُ الْحَدِيثَ إِلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إدْرَاكٌ حِسِّيّ لِلْوَاقِعِ، فِي حِينِ يَرَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا أَحْكَامُ وَصَفِيَّة تُنَظِّم السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ. هُنَا، تَنْفَصِل الْأَخْلَاقِ عَنْ الْعِلْمِ، وَتُصْبِح مُجَرَّد قَيِّم إجْتِمَاعِيَّة مُتَغَيِّرَة تُفْرَضُ عَلَى الْفَرْدِ مِنْ الْخَارِجِ. وَ بِالتَّالِي، لَا يَكُونُ لِلْأَخْلَاق أَيَّ دَوْرٍ فِي تَوْجِيهِ الْمَسَار الْعَلَمِيِّ أَوْ تَقِيُّيمه، بَلْ تُصْبِح الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ إنْفِصَال وَتَنَافُر، حَيْثُ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَتَطَوَّر بِمَعْزِلٍ عَنْ الْأَخْلَاقِ وَقَدْ يَسْتَخْدِم لِأَغْرَاضٍ غَيْرِ أَخْلَاقِيَّة. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذِهِ الِإخْتِلَافَاتِ الْمَنْهَجِية الْجَوْهَرِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الأَنْظِمَة الْمَعْرِفِيَّة فِي تَنَاوُلِهَا لِعَلَاقَة الْعِلْم بِالْأَخْلَاق، إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ إيجَاد رُؤْيَة شُمُولِيَّة تَجْمَعُ بَيْنَ مَزَايَا هَذِهِ الْمَنَاهِج دُونَ أَنْ تَخْسَر أَيًّا مِنْهَا. ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْهَجٍ لَه مَسْاهمَّتُه اَلثَّرِيَّة فِي فَهْمِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ الْمُعَقَّدَة، وَ يُمْكِن وَضْعِ كُلِّ مَنْهَجٍ فِي مَكَانِهِ الصَّحِيحِ ضَمِنَ رُؤْيَة تَكَامُلِيٍّة تُرَاعي خُصُوصِيَّةُ كُلِّ نِظَام مَعْرِفِيّ. فَالْفَلْسَفَةُ الْمَشَائيَّة تُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ العَقْلُ وَالحِكْمَةُ فِي إرْتِقَاءِ الْأَخْلَاق، بَيْنَمَا يُؤَكِّد عِلْمِ الْأُصُولِ عَلَى إرْتِبَاطِ الْعِلْم بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة الْفِطْرِيَّة وَ الشَّرْعِيَّة. أَمَّا الْعِلْمُ الْحَدِيثَ فَيَسْاهم بِإِدْرَاكِ الوَاقِعِ الحِسِّيِّ وَ التَّجْرِيبِيّ لِلظَّوَاهِر. وَبِجَمْع هَذِه الْمُسَاهَمات الْمُخْتَلِفَةِ، يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى رُؤْيَةِ شَامِلَة تُقِرُّ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْأَخْلَاقِ، وَإِنْ الْأَخْلَاق تَسْتَفِيدُ مِنْ الْعِلْمِ فِي إرْتِقَائِهَا وَ تَطَوُّرِهَا، وَأَنَّ العَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة تُرَاعي خُصُوصِيَّةُ كُلِّ مِنْهُمَا. _ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق، تَحْلِيل فَلْسَفِيّ : الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق طَالَمَا كَانَتْ مَوْضُوعًا لِلْجَدَل وَ النَّقَّاش الْفَلْسَفِيّ عَلَى مَرَّ الْعُصُور. يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاقُ هُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَةً، لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا عَنْ بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ. بَيْنَمَا يُرَى آخَرُونَ أَنْ هُنَاكَ تَعَارُضًا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْعِلْمُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إنْحِلَالِ الْأَخْلَاقِ أَوْ إنْتِهَاكِهَا. لَقَدْ إخْتَلَفْتُ وَجِهَات نَظَر الْفَلَاسِفَة حَوْل طَبِيعَة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. تجَسَّدَ هَذَا الِإخْتِلَافِ في الرُّؤْيَة العَقْلَانِيَّة الْمِثَالِيَّة لَدَى فَلَاسِفَة هَذَا الِإتِّجَاهَ، مِثْل أَفْلَاطُونْ وَأَرِسْطُو وَكَانط، إذْ يَنْظُرُونَ إلَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَالْأَخْلَاق عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قَوَاعِد سُلُوكِيَّة إجْتِمَاعِيَّة، بَلْ هِيَ نِتَاجُ تَأَمَّلْ الْعَقْلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْفَضِيلَةُ وَالرَّذِيلَةُ. لِذَلِك يَرَوْنَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُتَرَابِطَان إرْتِبَاطًا وَثِيقًا، فَالْعِلْم يُزَوِّدُ الْعَقْلَ بِالْحَقَائِق وَالْمَعَارِف الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِنْ إدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ الْأَخْلَاقِيَّة. فِي حِينِ تَمَسَّكْت الرُّؤْيَة التَّجْرِيبِيَّة الْوَضْعِيَّة عِنْد فَلَاسِفَة هَذَا الِإتِّجَاهَ، مِثْل دِيفِيد هَيُوم وَأَوْغست كوّنَت، فَيَنْظُرُونَ إِلَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا مُجَرَّدُ قَوَاعِد إجْتِمَاعِيَّة نِسْبِيَّةٌ، لَا أَسَاسَ لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّة. فَالْأَخْلَاق عِنْدَهُمْ لَا تَنْبُعُ مِنْ الْعَقْلِ، بَلْ مِنْ الْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيد السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. لِذَلِك يَرَوْنَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُنْفَصِلَان تَمَامًا، وَإِنْ الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَسِّسَ لِلْأَخْلَاق أَوْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهَا قَوَاعِد، ثُمَّ يَأْتِي هِنَرِي بِرَجُسون الَّذِي كَانَ لَهُ رُؤْيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ. فَهُوَ يَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ وَ الْعِلْم يَخْتَلِفَانِ فِي طَبِيعَةِ مَوْضُوعُهُمَا، فَالْعِلْم يَتَعَامَلُ مَعَ الْمَكَانِ وَالْكُمّ وَالْجُمُود، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَتَعَامَلُ مَعَ الزَّمَانِ وَ الْكَيْف وَالْحَرَكَة. لِذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، بَلْ كُلُّ مِنْهُمَا لَهُ مَجَالَه الْخَاصّ وَوَظِيفَتُه الْمُمَيِّزَة. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذِهِ الِإخْتِلَافَاتِ الْفَلْسَفِيَّة، هُنَاك مُحَاوَلَات لِإِيجَاد تَوَافَقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَفِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ بَرَزَتْ مَجَالَات جَدِيدَة مِثْل أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَأَخْلَاقِيَّات الْبُيُوتِكْنُولُوجْيَا، الَّتِي تَسْعَى لِوَضْع ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة لِمُمَارَسَات الْعِلْمُ وَالتِّقْنِيَة، بِمَا يَحْفَظُ كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ وَ حُقُوقِهِ. كَمَا ظَهَرَتْ إتِّجَاهَات فَلْسَفِيَّة حَدِيثة تُحَاوِل الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، مِثْل الوَظِيفِيَّة الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي ترَى أَنْ الْأَخْلَاقِ لَا تَتَعَارَضُ مَعَ الْعِلْمِ، بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ لِتَوْجِيه الْعِلْمِ نَحْوُ تَحْقِيق الْخَيْرِ لِلْإِنْسَانِيَّةِ. وَأَيْضًا الْمَذْهَبُ الْبَرَاجِمَاتِي الَّذِي يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُومَ عَلَى أَسَاسِ تَجْرِيبِيّ، بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ بِإخْتِصَارٍ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مُعَقَّدَة وَشَائكة، وَلَا يُوجَدُ حَلّ جَاهِز لَهَا. فَالْحُفَّاظ عَلَى توَازِن بَيْنَهُمَا يَتَطَلَّب جُهُودًا مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْعُلَمَاء وَالْمُجْتَمَع كَكُلّ، بِمَا يُحَقِّقُ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ مَعَ الِإلْتِزَامِ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. _ أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق : أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَعِلْمِيَّة الْأَخْلَاق هِيَ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَتَكَامَلَية. مِنْ وَجْهِة نَظَر فَلْسَفِيَّة، يُمْكِنُ إعْتِبَارُ الْأَخْلَاق جُزْءًا مِنْ الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة، حَيْثُ إنَّهَا تَخْضَع لِلدِّرَاسَة وَالتَّحْلِيل الْعِلْمِيّ. عِلْمُ الْأَخْلَاقِ (أَوْ الْأَخْلَاقَيَّات) هُوَ أَحَدُ فُرُوعِ الْفَلْسَفَةِ الَّتِي تَبْحَثُ فِي الْأُسُس وَ الْمَعَايِير الَّتِي تَحْكُمُ السُّلُوكِ الْأَخْلَاقِيِّ لِلْإِنْسَان. وَيَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لَهُ مَنَاهِجَه وَأَدَوَاتِهِ وَقَوَاعِدِه الْمُحَدَّدَة. مِنْ خِلَالِ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ، يُمْكِن دِرَاسَة الْأَخْلَاق وَ السَّلْوَكَيَّات الْأَخْلَاقِيَّة بِطَرِيقِة مَوْضُوعِيَّة وَعِلْمِيَّة. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ التَّحْلِيلَ الْمَنْطِقِيّ لِلْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة، وَدِرَاسَة الْأُسُس الْفَلْسَفِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ لِلْأَخْلَاق، بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَحْثِ التَّجْرِيبِيّ فِي السُّلُوكِيات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْعَوَامِل الْمُؤَثِّرَة فِيهَا. وَيُسَاعِد ذَلِكَ عَلَى تَطْوِير نَظَرِيَّات أَخْلَاقِيَّة عِلْمِيَّة وَ مَوْضُوعِيَّة. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تُشِير "أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ" إلَى الْقَوَاعِدِ وَالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْعُلَمَاءِ وَ الْبَاحِثِين الِإلْتِزَامَ بِهَا فِي مُمَارَسَةِ الْعِلْمِ وَالْبَحْثِ الْعِلْمِيّ. وَ تَشْمَلُ هَذِهِ الْأَخْلَاقَيَّات مَبَادِئُ مِثْلَ الْأَمَانَةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَ الْمَوْضُوعِيَّة، وَالنَّزَاهَة، وَإحْتِرَام حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَعَدَمُ الْإِضْرَارِ بِالبِيئَةِ أَوِ الْمُجْتَمَعِ. يُعْتَبَر إلْتِزَام الْعُلَمَاء بِأَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ أَمْرًا بَالِغَ الْأَهَمِّيَّةِ، حَيْثُ إنَّ مُخَالَفَتِهَا قَدْ تُؤَدِّي إلَى عَوَاقِب وَخِيمَةٌ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَمِنْ أَبْرَزِ الْمُشْكِلَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْعِلْمِ: التَّزْوِير الْعِلْمِيّ، وَالِإنْتِحَال، وَإِسَاءَةِ إسْتِخْدَام التَّجَارِبُ عَلَى الْبَشَرِ وَالْحَيَوَانَاتِ، وَإنْتِهَاك الْخُصُوصِيَّة، وَتضَارِب الْمَصَالِح. يَجِبُ أَنْ نُؤَكِّدَ أَنَّ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق وَ أَخْلَاقِيَّات الْعِلْم تَتَكَامَل بِشَكْل وَثِيق. فَمِنْ نَاحِيَةِ، يُسَاعِد الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي الْأَخْلَاقِ عَلَى تَطْوِير وَتَعْزِيز الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَجَعَلَهَا أَكْثَر مَوْضُوعِيَّة وَعِلْمِيَّة. وَمِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تُسَاهِم أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ فِي ضَبْطِ مُمَارَسَات الْعُلَمَاءُ وَضَمَان إلْتِزَامِهِمْ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة أَثْنَاء إجْرَاء الْبُحُوث وَالتَّجَارِب الْعِلْمِيَّة. وَبِالتَّالِي يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق وَجْهَان لِعَمَلة وَاحِدَة، فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج كَارْثية، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِدُون أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ قَدْ تُصْبِحُ مُجَرَّد شِعَارَات جَوْفَاء. لِذَا، مِنَ الضَّرُورِيِّ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مِنْ خِلَالِ تَطْوِير أَطُرْ أَخْلَاقِيَّة عِلْمِيَّة تَحْكُّم مُمَارَسَات الْعُلَمَاءُ وَ الْبَاحِثِين. _ هَلْ يُشْكِلُ الْعِلْمُ جَوْهَر الْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ ؟ إلَى حَدِّ الْآن لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ جَوْهَرٌ الْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ. بِحَيْثُ لَا تَزَالُ هُنَاك عَوَامِل أُخْرَى أَكْثَرَ أَسَاسِيَّة وَ جَوْهَرِيَّة فِي تَشْكِيلِ الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْإِنْسَان. الْأَخْلَاق هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْمَبَادِئ السُّلُوكِيَّة الَّتِي تُنَظِّمُ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ وَتَوَجَّه سُلُوكِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ نَحْوَ الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ. وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ وَالْمَبَادِئ لَا تُشْتَقُّ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّةِ أَوِ مِنْ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. فَالْأَخْلَاق تسْتَمَدّ جُذُورُهَا الْأَسَاسِيَّةَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْقَيِّم الرُّوحِيَّة وَالتُّرَاث الثَّقَافِيّ وَ الِإجْتِمَاعِيّ لِلْإِنْسَان. فِي الْعَدِيدِ مِنَ الثَّقَافَات وَالْحَضَارَات، نَجِدُ أَنَّ الْأَخْلَاقَ تسْتَمَدّ جَوْهَرُهَا وَأَسَاسُهَا مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ الدِّينِيَّة وَالْقَيِّم الرُّوحِيَّة وَالتُّرَاث الثَّقَافِيّ لِلشُّعُوب، وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة. فَهُنَاك أَنْظِمَة أَخْلَاقِيَّة مُتَنَوِّعَة وَمُتَعَدِّدَة عَبْرَ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ تَعْكِس هَذَا الطَّابَع الرُّوحِيّ وَالثَّقَافِيّ لِلْأَخْلَاق. إنْ الْعِلْمِ فِي شَكْلِهِ الْحَالِيّ و مُسْتَوَى تَطَوُّرَه الْحَاصِل يَبْقَى فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يَكْفِي لِتَحْدِيد جَوْهَر الْأَخْلَاقِ أَوْ قِيَادَتُهَا. فَالْعِلْمُ هُوَ مُجَرَّدُ وَسِيلَةٍ لِإكْتِسَاب الْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ لِلظَّوَاهِر الطَّبِيعِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا زَالَ لَا يَمْلِكُ فِي ذَاتِهِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ أَخْلَاقِيّ وَمَا هُوَ غَيْرُ أَخْلَاقِيّ. فَالْأَحْكَام الْأَخْلَاقِيَّة طَالَمَا كَانَتْ تُفْرَض سَطْوَتها مُسْتَنَدة إلَى مَجْمُوعِة مِنْ الْقَيِّمِ وَالْمَعَايِير الَّتِي تَنْحَصِرُ فِي الْمُعْتَقَدَاتِ الْخُرَافِيَّة و الْأَوْهَام الْكَامِنَةِ فِي الْعَقْلِ الْجَمْعِيّ وَ لَا تُمِتْ بِأَيّ صِلَة إلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة الْبَحثة، فَفِي الْوَاقِعِ، قَدْ يُنْتِجُ عَنِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ أُمُورٌ تَتَعَارَضُ مَعَ الْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْأَسْلِحَةِ الْفَتَّاكَة أَوْ التَّجَارِبِ الطِّبِّيَّة الْمَشْكُوكِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِهَا. لِذَلِكَ فَإِنْ مُجَرَّد إمْتِلَاك الْمَعْرِفَة الْعَلَمِيَّةِ لَا يَكْفِي لِتَحْدِيد مَا هُوَ أَخْلَاقِيٍّ أَوْ غَيْرَ أَخْلَاقِيّ، بَلْ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى مَنْظُومَة قِيَمِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة مُسْتَقِلَّةً عَنْ الْعِلْمِ و الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة - الْفَلْسَفَة - تُحَدِّد الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ الْأَخْلَاقِيَّة لِإسْتِخْدَام الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة. هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً عَلَى تَطَوُّرِ الْعِلْمِ فِي شِقِّهِ الْإِيجَابِيُّ الَّذِي يَسْعَى إلَى تَطَوُّرِ الْإِنْسَانِ و الِإرْتِقَاء بِه وَفْق مَنْظُومَة أَخْلَاقِيَّة ذَات التَّوَجُّهِ الْعِلْمِيِّ عَلَى مُسْتَوَى الْأُسُس وَ الْمَعَايِير الْبِنْيَوِيَّةِ بِمَا يَنْسَجِمُ مَعَ مَفْهُومِ الْفَضِيلَة و الْخَيْرَ وَ الْمَنْفَعَة الْمَادِّيَّة الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَشْبَع الوَعْيِ الإِنْسَانِيِّ بِأَخْلَاقِيَّات التِّقْنِيَّة وَتَأْثِيرُاتِهَا الْقَادِمَةِ. يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاقُ هُمَا مَجَالَان مُخْتَلِفَانِ وَلَكِنَّهُمَا مُتَكَامِلَان وَ مُتَدَاخِلَان. فَالْعِلْم يُوَفِّر الْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ اللَّازِمَيْن لِاِتِّخَاذ قَرَارَات أَخْلَاقِيَّة سَلِيمَةً، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ تَوَجَّه إسْتِخْدَام الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَ تَضَع الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة لِتَطْبِيقِاتِهَا. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَلَيْسَتْ عَلَاقَةَ تَبَعِيَّةٌ أَوْ إحْتِوَاء. الْخُلَاصَةُ، يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْعِلْمِ جَوْهَر الْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَالْأَخْلَاق يَجِبُ أَنْ تسْتَمَدُّ أَسَاسهَا مِنْ الْعَقِيدَة الْعِلْمِيَّة وَالْقَيِّم التِّقْنِيَّة وَالتُّرَاث المَعْرِفِيّ لِلْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَقَائِدِ و الْقِيَمِ الْخُرَافِيَّةِ بِحَدِّ ذَاتِهَا. وَالْأَخْلَاق التِّقْنِيَّة يَجِبُ أَنْ لَا تَتَجَاوَزُ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِتَشَكُّل مَنْظُومَة قِيَمِيَّة وَمِعْيَارُيَّة تَحَدُّدِ مَا هُوَ صَوَابٌ وَ مَا هُوَ خَطَأٌ فِي سُلُوكِ الْإِنْسَانِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْعَلَاقَةِ التَّكَامُلِيَّة بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، إلَّا أَنْ الْأَخْلَاق يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُجَرَّد نِتَاج لِلتِّطور الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ الْمَحْض. كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَرْتَقِيَ بِالْأَخْلَاق ؟ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَلَيْسَتْ تَعَارِضَيْة، فَالْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق وَجْهَان لِعَمَلة وَاحِدَةً وَلَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا عَنْ بَعْضِهِمَا. فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج كَارْثية، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ بِدُونِ عِلْمِ قَدْ تَبْقَى سَطْحِيَّة وَغَيْر فَعَّالَة. كَمَا يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَرْتَقِيَ بِأَخْلَاقِنَا، إنْ غَرَسَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي التَّعْلِيمِ الْعِلْمِيِّ وَ تَضْمِين الْمَنَاهِج التَّعْلِيمِيَّة فِي الْمَجَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة بِمَوَادّ تَتَنَاوَل الْأَخْلَاقَيَّات وَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْمُجْتَمَعِيَّة يُسَاعِدُ عَلَى تَنْمِيَةِ الْوَعْي الْأَخْلَاقِيّ الْعِلْمِيّ لَدَى الطُّلَّاب. هَذَا التَّكَامُلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مُنْذ الْمَرَاحِل الْمُبَكِّرُة مِنْ التَّعْلِيمِ سَيُسَاهم فِي تَخْرِيجِ أَجْيَال مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمِهْنَيين مُلْتَزِمِين بِالْمُمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّة الْمُنْسَجِمة مَعَ رَوْحِ الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة وَالتِّقْنِيَة، فِي نَفْسِ الْوَقْتِ يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِير مُدَوَّنات السُّلُوكِ الْأَخْلَاقِيِّ الْعِلْمِيّ لِلْمُهن الْعِلْمِيَّةِ. الْعَدِيدِ مِنَ الْمُنَظَّمَاتِ وَالْهَيْئَات الْعِلْمِيَّةِ قَدْ وَضَعَتْ مُدَوَّنات أَخْلَاقِيَّة تُنَظِّم مُمَارَسَات أَعْضَائِهَا وَفْق مَنْظُورًات قِيَمِيَّةٌ وَ مِعْيَارُيَّة مُتَجَاوِزَة تُحَدِّد الْمَعَايِير السُّلُوكِيَّة الْمُتَوَقَّعَة مِنْهُمْ. هَذِهِ الْمُدَوَّنَات تَحدُّ مِنْ تَطْلُعات الْمُجْتَمَعُ الْعِلْمِيِّ الَّذِي يَسْعَى إلَى الِإبْتِكَار و التَّطْوِير لِلنُّهُوض الْعِلْمِيّ بِالْإِنْسَانِيَّة، بِحَيْثُ لَا تَزَالُ الْقَوى الْمُحَافَظَة وَ أَصْحَابُ النَّزَعَات التَّقْلِيدِيَّة يُحَاوِلُون تَرْسِيخ الْأَخْلَاقَيَّات الْعَقَائِدية دَاخِلٌ الْمُجْتَمَعَات الْعِلْمِيَّة وَالَّتِي تفْرَض عَلَى الْبَاحِثِينَ وَالْعُلَمَاءُ الِإلْتِزَامِ بِهَا، أَنْ إجْرَاء البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ وَفْق مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مُنْسَجِمَة مَعَ رَوْحِ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ، هُنَاك لَوَائِح تَنْظُيمِيَّة وَأَطْر أَخْلَاقِيَّة دَوْلِيَّة تَحَكُّم البُحُوثِ الَّتِي تَشْمَلُ التَّجَارِبُ عَلَى الْبَشَرِ أَوْ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ. هَذِهِ الضَّوَابِطَ الْأَخْلَاقِيَّة تَضَمَّن إسْتِمْرَارِيَّة التَّخَلُّف وَ إنْحِطَاطِ الْجِنْسَ الْبَشَرِيَّ تَحْت الْمُسَمَّى "إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ وَ حُقُوقِهِ"، وَ"تَجَنُّب الْأضْرَار غَيْرِ الضَّرُورِيَّةِ". تَطْبِيقُ هَذِهِ الْمَعَايِيرَ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَجَاوِزَة فِي الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ يُسَاهِمُ فِي تَعْزِيزِ الرِّقَابَة وَفَرْضُ السَّيْطَرَةَ عَلَى الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة بِالتَّالِي الْحفَّاظُ عَلَى الْوَضْعِ الْإِنْسَانِيّ الْحَالِيّ، الْمَأَزُوم بِفِعْلِ سَيْطَرَة الْمُنَظَّمومة الرَّأْسِمَالِيَّةُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي تَسْعَى إِلَى الرِّبْح دَائِمًا عَلَى حِسَابِ الْإِنْسَانِ، أَنْ الرَّأْسِمَالِيَّة لاَ يَهُمُّهَا التَّقَدُّم وَ الِإزْدِهَار الْعِلْمِيّ بِقَدْرِ مَا يَهُمُّهَا السَّعْيِ وَرَاءَ الرِّبْحِ وَ الثَّرَاء الْأَمْرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ مُسَاءَلَة مِنْ قِبَلِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ عَلَى الْعُمُومِ. كَمَا يَجِبُ التَّنْوِيه إلَى تَشْجِيع الْبُحُوث الْمُوَجَّهَة نَحْوِ حِلِّ الْمُشْكِلَات الْأَخْلَاقِيَّة مَا دَامَ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُسَاهِمَ فِي إيجَادِ حُلُول لِلْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ المُعَاصِرَةُ، كَالْبْحُوث فِي مَجَالَاتِ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَالْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَأَخْلَاقِيَّات الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. هَذَا النَّوْعِ مِنْ البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ الْمُوَجَّهَة نَحْو قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة يُعَزِّز دُور الْعِلْمِ فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَع وَتَحْسِين نَوْعَيْة الْحَيَاة، كَمَا يُعَدُّ نَشْرُ الْوَعْيِ الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ فِي الْمُجْتَمَعِ إِلَى جَانِبِ نَشْر الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالتَّرْبِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْعِلْمِيَّة بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ خِلَالِ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَالمُؤَسَّسَات التَّعْلِيمِيَّة وَالثَّقَافِيَّة يُسَاهِمُ فِي تَعْزِيزِ الْفَهْم الْمُتَبَادَل بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. هَذِه التَّوْعِيَة تُسَاعِدُ عَلَى إيجَادِ جُمْهُور مُثَقَّف عِلْمِيًّا وَمُتَمَسِّك بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة الْعِلْمِيَّة الْحَدِيثَة، مِمَّا يَنْعَكِس إيجَابًا عَلَى الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة وَ التَّطْبِيقَات التِّكْنُولُوجِيَّة، فِي الْخِتَامِ، أَنْ إِرْسَاء رَوَابِط وَثِيقَةٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق الْعِلْمِيَّة وَالتِّقْنِيَة هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِتَحْقِيق التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ الْمَسْؤُولِ وَالْمَنْسُجِم مَعَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَالْعِلْم التِّقَنِيّ المِثَالِيّ وَالْأَخْلَاق الْمِثَالِيَّةَ التِّقْنِيَّة هُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَةً، وَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ دُونَ أَنْ يَنْعَكِسَ ذَلِك سَلْبًا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَع
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
-
جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
-
جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
-
السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
-
إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
-
سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
-
مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
-
ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت
...
-
جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف
المزيد.....
-
العراق يعلن منع بث مسلسل -معاوية- ويكشف السبب
-
مستشار ترامب يروي كواليس ما حدث خلال الاجتماع -العاصف- مع زي
...
-
كتائب القسام تعرض تسجيلات مصورة حديثة لرهائن إسرائيليين في غ
...
-
الأمن السوري ينفذ عمليات ملاحقة في جرمانا وطرطوس بعد هجمات م
...
-
مصر.. ضوابط جديدة للبرامج الرياضية في رمضان
-
ماسك: ترامب أصر على وقف إطلاق النار بينما زيلينسكي ركز على ط
...
-
تحقيق لـ-الغارديان- يوثق لحظات مقتل الطفل أيمن الهيموني برصا
...
-
جاكارتا: صلاة المغرب وإفطار جماعي في أول أيام شهر رمضان بأكب
...
-
-فشل سياسي لأوكرانيا-.. هكذا علّقت روسيا على المشادة الكلامي
...
-
برلماني أوروبي: بعد خلاف ترامب وزيلينسكي من الممكن حل النزاع
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|