نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8268 - 2025 / 3 / 1 - 11:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في صلب قضايا الصراع على سوريا في هذه المرحلة التاريخية النوعية،(التي يأتي في مقدّمتها مخاطر مشروع التقسيم، وسعي شبكة قواه الحامية والداعمة لقيادة "أقليم شمال وشرق سوريا" لتفشيل مسار الانتقال السياسي الجاري منذ اليوم التالي لإسقاط سلطة الأسد)، تأتي ضرورة إدراك طبيعة الأثار المباشرة التي يمكن أن تتركها على الصراع مع قسد دعوة زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبد الله أوجلان، "حزبه إلى التخلي عن السلاح وحل نفسه" ، مع تحمله "المسؤولية التاريخية" إزاء ذلك. (١).
اوّلا ،
على الصعيد التركي .
حَرصَ خطاب الزعيم الكردي عبد الله أوجلان على كشف أهمّ حقائق الصراع على تركيا. ١على الصعيد الخارجي:
طالما كان هدف حزب العمال الكردستاني التركي الرئيسي "تفكيك وحدة الأتراك والأكراد"،( وبالتالي تفكيك الدولة التركية التي قامت على أساس وحدتهم، وحماها نجاح "الأتراك والأكراد في الحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة "طيلة أكثر من قرنين)، فلم تكن دوافع قوى "الحداثة الرأسمالية" التي مكّنت حزّبه "من الحصول على القوة والدعم "،جعلت منه" أطول وأشمل حركات التمرد والعنف في تاريخ الجمهورية"، سوى تحقيق الهدف المركزي بتفشيل وتقسيم الدولة التركية.
٢على صعيد الداخل التركي، اتسمت طبيعة الصراع ب "إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية". (٢).
ثانيا،
على الصعيد السوري.
لمعرفة الأهمية القصوى لما تضمّنه نداء الزعيم أوجلان على مآلات الصراع على سوريا، دعونا نوضح طبيعة خارطة السيطرة والنفوذ على الساحة السياسية الكردية في هذه المرحلة التاريخية الممتدّة منذ ٢٠١١.
يتنازع السيطرة على السوريين الكرد قوى مشروعين سياسيين رئيسيين، تتناقض فيهما الأهداف والأدوات والرؤى لحل ما بات في الصراع على سوريا بعد ٢٠١١ "قضية سياسية قومية كردية"- الحركة السياسية القومية الكردية و حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تسيطر قياداته على مؤسسات إقليم" شمال وشرق سوريا الديمقراطية".
١ يرى طيف واسع من قيادات الأحزاب السياسية القومية الكردية التي يأتي في مقدمتها أحزاب "المؤتمر الوطني الكردي" أنّ التحدّيات الأساسية التي تواجه الكرد اليوم تتمثل في عدم وجود ضمانات دستورية لحقوقهم، واحتمالية تهميشهم في أي ترتيبات سياسية مستقبلية، بسبب التدخلات الإقليمية وخاصة تركيا التي قد تقف في وجه مطالبهم القومية، فضلاً عن الانقسامات الداخلية الكردية التي تضعف موقفهم التفاوضي مع القيادة الجديدة".
يرى ممثلو هذا الطيف السياسي أنّه يمكن التغلّب على هذه التحديات في مرحلة ما بعد الأسد عبر توحيد الصف الكردي وتشكيل رؤية سياسية واضحة، والانخراط بفاعلية في العملية السياسية السورية الجديدة، وتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية التي تدعم حقوق الكرد، إلى جانب السعي لتوفير ضمانات دولية تكفل عدم تكرار سياسات التهميش والإقصاء.
يعتقد ممثلو الحركة السياسية الكردية أنّه "يمكن للكرد تحقيق التوازن بين الهوية القومية والانخراط في بناء دولة سورية جامعة من خلال تبني رؤية سياسية تقوم على الشراكة الوطنية الحقيقية في إطار دولة ديمقراطية لا مركزية إدارية، وهذا يتطلب العمل على تثبيت الحقوق القومية الكردية في الدستور، بما يشمل الاعتراف باللغة والثقافة الكردية، وضمان الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية، مع التأكيد على وحدة سوريا وسيادتها، مما يحقق معادلة المواطنة المتساوية ويمنع تكرار سياسات الإقصاء والتهميش. تُقيم قوى وتيارات هذه الجبهة علاقات جيدة مع تركيا، و متميّزة مع القيادة التاريخية الكردية التي يمثّلها السيد مسعود بارزاني وقيادة حزبه الديمقراطي الكردستاني.
٢ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني PYD الذي تهيمن قيادته على قسد، وتقود مؤسسات الإدارة الذاتية ومسد، وترتبط بشكل مباشر بقيادة قنديل.
لمعرفة جوهر سياسات ومواقف قيادة قسد، القوّة العسكرية والأمنية المهيمنة على مؤسسات إقليم شمال وشرق سوريا، دعونا نتابع الافكار الرئيسيّة في خطاب الجنرال مظلوم عبدي قائد قسد في آخر إطلالة إعلامية يوم الأربعاء، ٢٦ فبراير الجاري، بمناسبة انعقاد "المنتدى السوري للحوار الوطني"، الذي نظّمه "مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية" في مدينة الرقة.(٣).
أعادت أطروحات الجنرال مظلوم عبدي التأكيد على ما يروّجه إعلاميّا حول " الإلتزام بوحدة سوريا ومؤسسات الدولة... في إطار اللامركزية".
في جوهر هذه الأطروحة، تتكشّف طبيعة المعادلة السياسية يعلن وفقها عن استعداده للمشاركة في العملية السياسية التي تسعى إلى إعادة توحيد الجغرافيا السورية في سياق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الموحّدة، شريطة أن تأتي في إطار الدولة اللامركزية؛ وهو ما يبدو كلام حق ومطلب مشروع، على الصعيدين السوري والكردي!!
لكن، اذا بحثنا في التفاصيل التي يتجنّب الحديث عنها، وأوضحها في لقاءات صحفية سابقة، خاصة مع العربية الحدث و " الشرق نيوز"، نجد أن تطبيق اللامركزية، كما يريدها وتحافظ على مصالح قسد ( وقوى مظلّة الحماية والدعم الدولية التي تسعى " لاحتواء" تركيا )، تؤدّي عمليا إلى تفكيك سوريا، وتفشيل مؤسسات الدولة، بعكس ما يحاول ، وواجهته السياسية مسد، تسويقه إعلاميا .
في مقابلة خاصة مع "الشرق نيوز"، يقول الجنرال:
نحن نرى أنّ اللامركزية لا تتعارض مع وحدة الأراضي السورية. ونعتقد انّها السبيل الأفضل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا ".
لماذا يرى في اللامركزية الحل ؟
" في شرق سوريا، لدينا مؤسسات موجودة من عشر سنين ... عسكرية ومدنية وتعمل بشكل طبيعي... نحن نتفق مع الإدارة الجديدة أن يتم ربط تلك المؤسسات والوزارات مع المؤسسات المركزية ، بشكل يحافظ على خصوصية هذه المؤسسات في المنطقة".
يوافق الجنرال على ربط مؤسسات الإقليم بمؤسسات الدولة السورية بشرط الحفاظ على خصوصية مؤسساته. ما هي طبيعة تلك الخصوصية التي يريد قائد قسد الحفاظ عليها؟
"نحن منفتحون لربط قسد بوزارة الدفاع السورية، ومطالبنا أن يكون ربطها ككتلة عسكرية موجودة.... وليس اندماج على شكل أفراد. موضوع انضمام قسد كأفراد غير مقبول من طرفنا."!
لكي يضمن الجنرال استمرار السيطرة العسكرية على الإقليم الديمقراطي، يريد أن تبقى قسد كما هي، ككتلة عسكرية، في هياكلها وقياداتها وافرادها ومواقع تمركزها، ولا مانع أن تكون تابعة قانونيا إلى "وزارة الدفاع السورية"، وهذا ينطبق على موقفه من سلطة "الإدارة الذاتية":
"مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية". يريد الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية الخاصة التي تمّ اعتمادها بشكل منفصل في دستور خاص، سُميّ "العقد الاجتماعي"، وقد بدؤوا في تطبيقه خلال ٢٠٢٤.
ليس هذا فحسب، بل هو يشترط على السلطة السورية الجديدة ضمان تلك الحقوق/ التحاصص دستوريّا.
ثالثا،
في الاستنتاجات.
يبدو جليّا تعارض نهج أطروحات الزعيم أوجلان مع رؤية ومواقف وسياسات الجنرال.(٤)
إذ يتوجّه زعيم حزب العمال الكوردستاني التركي
"بالدعوة إلى التخلّي عن السلاح" محمّلا نفسه "المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة"، ويؤكّد انّه
"يجب على جميع المجموعات التخلي عن السلاح، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه"، فإنّه يرفع غطاء الشرعية الكردستانية ، ويسقط قناع " القومية السياسية " الكردية عن الجنرال؛ طالما يرفض تفكيك قسد، ودمجها كأفراد في هياكل ومؤسسات وزارة الدفاع السورية الجديدة، وطالما يريد الحافظ على سلطة إدارة ذاتية خاصة، من منظور قومي(٥). في ضوء الاستنتاجات، التساؤل الرئيسي الذي يطرح نفسه:
ما هي التغيّرات المتوقّعة في رؤى وسلوك قيادة قسد تجاه الصراع على سوريا؟
من الأرجح انّ لا تترك التغييرات الجديدة أثرا مباشرا ، طالما ترتبط قيادة قسد بحزب مستقل عن حزب العمال الكردستاني التركي، هو " حزب الاتحاد الديمقراطي " PYD "، وطالما ترتبط بقيادة عسكرية لا تخضع بالضرورة لأوامر الزعيم التركي ، وتحظى بمظلّة حماية إيرانية في جبال قنديل. الأهمّ من ذلك كلّه، هو ارتباط وجودها ومصيرها بوجود ومصير مشروع السيطرة الأمريكية(٦)، وما وجبّته في الصراع على سوريا من ضرورة إقامة قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة على مثلث التخوم العراقية التركية والسورية.
------------------------------------------------
(١)-
جاء ذلك في نداء قرأه باللغة الكوردية أحمد تورك، وباللغة التركية، بروين بولدان، عقب زيارة وفد إرمالي (دام بارتي) لأوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي، اليوم الخميس٢٧ شباط 2025.
أبرز ما جاء في النداء:
"على مدى أكثر من ألف عام، سعى الأتراك والأكراد إلى الحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة لهم.
لكن الحداثة الرأسمالية، على مدار المئتي عام الماضية، جعلت هدفها الأساسي هو تفكيك هذا التحالف...
أصبح من الضروري إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية، بروح الأخوة، مع مراعاة المعتقدات أيضًا.
إن تمكن حزب العمال الكردستاني، الذي كان أطول وأشمل حركات التمرد والعنف في تاريخ الجمهورية، من الحصول على القوة والدعم، كان نتيجة لإغلاق قنوات السياسة الديمقراطية.
لن يتمكن القرن الثاني للجمهورية من تحقيق الاستمرارية الدائمة والأخوية إلا إذا تُوّج بالديمقراطية. فلا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية في البحث عن أنظمة جديدة وتحقيقه".
(٢)-
نستطيع أن ندرك طبيعة دور مصالح وسياسات "الحداثة الرأسمالية" في العمل على تدمير مقوّمات بناء مشروع وطني ديمقراطيّ يضع أسس قيام الدولة الوطنية الموحّدة والقويّة، إذا فهمنا دور حكومات دول "الحداثة الرأسمالية" الرئيسي في محاربة القوى الديمقراطية، وقطع مسارات صيرورتها.
أ- في تركيا، استخدمت الولايات المتّحدة طيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية الجيش التركي للانقضاض على الحكومات التركية التي امتلكت أو سعت إلى بناء مؤسسات نظام ديمقراطي، وهو ما يفسّر طبيعة مسلسل الإنقلابات العسكرية التي دمّرت صيرورات التغيير، و كان آخرها محاولة الإطاحة بنظام وحكومة الرئيس رجب طيّب أردوغان٢٠١٦.
ب- في سوريا، تلك الحقائق تكشف طبيعة الصراع على سوريا. فتلك "الخدمات" التي قدّمتها سلطة حافظ أسد لخدمة سياسات خطط السيطرة الأمريكية، كان لها الدور الرئيسي في تمكينها داخليا، وأتاحت "للقائد الخالد" استخدام جميع وسائل التأبيد والتوريث!!
كان لتبنّي الأسد الأب "حزب العمال الكردستاني " الساعي لتفكيك تركيا (وربما تأسيسه)، توافقا مع مصالح وسياسات الولايات المتّحدة بالدرجة الأولى، وكان لدوره في قطع مسار انتقال سياسي في لبنان، وتفكيك الدولة، وكان لدوره في إنجاح أهداف خطط واشنطن تجاه العراق، العامل الحاسم في نجاح جهود تثبيت سلطته بجميع الوسائل التي تؤدّي في سياسات تقدّم خطوات المشروع الأمريكي إلى تفكيك سوريا ...
(٣)-
مما جاء في خطاب الجنرال:
"... يجب إشراك ممثلين حقيقيين لكلّ المكوّنات والفئات الاجتماعية، وجميع المناطق في كتابة الدستور الجديد. وفي الحكومة الانتقالية التي يتم العمل على تشكيلها.
من جهتنا ، نؤكّد التزامنا باستمرار عملية التفاوض مع الإدارة الجديدة، وعلى العمل المشترك مع جميع الأطياف السورية ، في جميع المناطق ، من دون تمييز.
جميعنا متفقون على الثوابت الوطنية السورية، فيما يتعلّق بوحدة الأراضي السورية، ووحدة مؤسسات الدولة ، المدنية والعسكرية في إطار سوريا لامركزية ...
(٤)- وهو ما يُفسّر طبيعة ردّة الفعل:
نقلت رويترز عن الجنرال عبدي قوله أنّ "أوجلان أرسل لنا بشأن إعلانه وكان إيجابيا ويؤكد أهمية السلام والأمن بالمنطقة"، وأكد أنّ إعلان أوجلان المسجون منذ فترة طويلة لا ينطبق إلا على حزب العمال الكردستاني ولا "يتعلق بنا في سوريا". وأضاف "إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا".
(٥)-
" أما الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي،أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع.
إنّ احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقًا لأسسها الخاصة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية.
(٦)- ترحيب البيت الأبيض الخميس، بدعوة عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، واضحة الدلالة :
قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض بريان هيوز إن "هذا تطور مهم ونأمل أن يساعد في تطمين حلفائنا الأتراك بشأن شركاء الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش بشمال شرق سوريا".
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟