قصي غريب
الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 07:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الآونة الأخيرة، أثار الحديث عن الأهمية الاقتصادية لمحافظات الحسكة ودير الزور والرقة جدلاً واسعاً بين السوريين، خاصة لدى المهتمين بالشأن العام، بمن فيهم أبناء منطقة الجزيرة. فقد رأى البعض في هذا الخطاب تسليطاً للضوء على دور هذه المحافظات كعصب الاقتصاد السوري، بينما اعتبره آخرون تجاهلاً للبعد الإنساني، واختزالاً لقيمة سكانها في مواردهم الطبيعية، كالنفط والقمح والقطن.
يؤكد المحتجون من أبناء المحافظات الثلاث أن سكانها هم في المقام الأول بشر سوريون، يمتلكون كفاءات وطاقات وطموحات قبل أن يكونوا مجرد أرقام في معادلة اقتصادية. ويرى الكثيرون منهم أن التركيز على العامل الاقتصادي يُغفل الغبن الذي لحق بالمنطقة وأهلها منذ استقلال الجمهورية العربية السورية، حيث عانت من تهميش متواصل في البنية التحتية والتنمية البشرية. هذا الشعور بالإجحاف يغذي احتجاجاتهم، التي يقودها في الغالب دافع وطني صادق، رغم أن قلة قليلة منهم قد استغلت هذا الجدل لأغراض استعراضية لا تخدم المنطقة أو الوطن.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الأهمية الاقتصادية لهذه المحافظات تمثل ميزة إيجابية، وليست نقيصة أو سبة بحق أهلها، فكما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجمهورية العربية السورية - الواقعة عند ملتقى آسيا وأفريقيا وأوروبا - ميزة إيجابية يجعلها جسراً حضارياً لا غنى عنه، فإن دور المحافظات الثلاث كعمود فقري للاقتصاد الوطني يعزز مكانتها في المشهد السوري. وهذه الأهمية لا تقلل من شأن سكانها، بل تضعهم في قلب المعادلة الوطنية السورية، باعتبارهم قيمة اقتصادية وبشرية.
إن التحدي الحقيقي يكمن في تجاوز هذا الاستقطاب، فبدلاً من اختزال المحافظات الثلاث في إنتاجها الاقتصادي أو التركيز فقط على معاناة أهلها، يمكننا تبني خطاب شامل يجمع بين البعدين، فهذه المناطق ليست مجرد برميل نفط أو كيس قمح، أو شل قطن، بل هي أرض غنية بمواردها وأغنى بأبنائها، الذين يشكلون عنصراً حيوياً في المجتمع السوري.
في النهاية، يبقى السؤال: كيف يمكن لنا كسوريين أن نحول هذا إلى فرصة ؟ ربما يكون الجواب في الاستماع لصوت أبناء المحافظات الثلاث، وتسليط الضوء على كفاءاتهم وطموحاتهم، مع الاحتفاء بدور المنطقة الاقتصادي كمصدر قوة للجمهورية العربية السورية. إنها دعوة تعيد للمنطقة وأهلها اعتبارهم، وتضعهم في قلب المشروع الوطني الجديد.
#قصي_غريب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟