حسنين مصطفى العلي
الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 23:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكل فكرة إنشاء إقليم درزي في سوريا مرتبط بإسرائيل ويحد العراق من الشرق موضوعًا معقدًا يتطلب تحليلاً عميقًا للأوضاع الديموغرافية والسياسية والجيوسياسية في المنطقة. يعيش الدروز في سوريا، وهم أقلية دينية عربية تتبنى مذهب التوحيد، بشكل رئيسي في مناطق محددة مثل محافظة السويداء (جبل الدروز)، وبعض المناطق في ريف دمشق، وجبل الشيخ، والجولان. لكن إقامة كيان سياسي مستقل أو شبه مستقل لهذه الطائفة، مع ارتباط بإسرائيل وحَدٍّ مع العراق، تثير تساؤلات حول الجدوى الجغرافية والسياسية والاجتماعية لهذا المشروع. في هذا المقال، سنناقش هذه الفكرة من جوانب متعددة، مستعرضين السياق التاريخي، والدوافع المحتملة، والتحديات التي قد تواجهها.
السياق التاريخي والديموغرافي
يشكل الدروز في سوريا حوالي 3.2% من السكان، أي ما بين 700,000 إلى 800,000 نسمة بحسب التقديرات الحديثة قبل الحرب الأهلية التي بدأت في 2011. تتركز غالبيتهم في محافظة السويداء، حيث يشكلون حوالي 90% من سكانها، بالإضافة إلى تواجد ملحوظ في ضواحي دمشق مثل جرمانا وصحنايا، وفي جبل الشيخ، وجبل السماق بمحافظة إدلب. تاريخيًا، حظي الدروز بنفوذ عسكري وسياسي في فترات معينة، كما في عهد السلطان باشا الأطرش الذي قاد ثورة ضد الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، وأسس دولة جبل الدروز تحت الإشراف الفرنسي بين 1921 و1936.
ومع ذلك، فإن توزعهم الجغرافي لا يوفر أساسًا متصلًا لإقامة إقليم متسع يصل إلى الحدود العراقية من الشرق، حيث تقع السويداء في جنوب غرب سوريا، بينما الحدود مع العراق تمتد في الشرق والجنوب الشرقي عبر محافظات مثل دير الزور والحسكة، وهي مناطق ذات غالبية عربية سنية وكردية، مع وجود أقليات أخرى، لكن بدون حضور درزي كبير.
الدوافع المحتملة وراء الفكرة
يمكن أن تكون فكرة إنشاء إقليم درزي مرتبط بإسرائيل نتاج اعتبارات استراتيجية، خصوصًا من وجهة نظر إسرائيلية. منذ احتلالها للجولان في 1967، سعت إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع الدروز في المنطقة، سواء في الجولان المحتل أو في سوريا المجاورة. بعد حرب 1967، ظهرت أفكار لدعم الدروز السوريين للتمرد على حكم البعث وإقامة منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا. هذا الإقليم المفترض قد يخدم مصالح إسرائيل بتوفير حاجز أمني يحمي حدودها الشمالية الشرقية من تهديدات محتملة، سواء من النظام السوري السابق أو من فصائل مسلحة.
أما بالنسبة للحدود مع العراق، فقد تكون الفكرة مرتبطة بمحاولة إعادة رسم خارطة المنطقة لتشمل منطقة عازلة أوسع، تضم أجزاء من الأراضي السورية الشرقية، مما يعزز النفوذ الإسرائيلي غير المباشر في مواجهة إيران، التي كانت تسيطر على ممرات عسكرية تربط العراق بسوريا عبر هذه المناطق قبل سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
من جانب الدروز أنفسهم، قد يرى البعض في هذا المشروع فرصة للاستقلال الذاتي أو الحماية في ظل الاضطرابات التي شهدتها سوريا. لكن هذا الافتراض يصطدم بتاريخ الدروز السوريين كجزء من النسيج الوطني، حيث حافظوا على ولائهم لسوريا رغم توترات مع النظام في مراحل معينة.
التحديات الجغرافية والسياسية
إنشاء إقليم درزي يمتد من الجولان أو السويداء إلى الحدود العراقية يواجه عقبات جغرافية هائلة. محافظة السويداء، التي تعد معقل الدروز، تفصلها مئات الكيلومترات عن الحدود العراقية، مع وجود مناطق واسعة مثل بادية الشام ومحافظتي درعا ودير الزور بينهما. هذه المناطق ذات طابع ديموغرافي مختلف تمامًا، مما يجعل فكرة ضمها إلى إقليم درزي غير واقعية بدون تغيير ديموغرافي جذري أو نزوح سكاني واسع النطاق.
سياسيًا، فإن ارتباط مثل هذا الإقليم بإسرائيل سيثير معارضة شديدة من مختلف الأطراف في سوريا والمنطقة. الدروز السوريون أنفسهم، رغم بعض التوترات مع نظام الأسد، لم يظهروا تاريخيًا ميلًا للانفصال أو التعاون مع إسرائيل بشكل علني، خوفًا من اتهامات بالخيانة قد تعرضهم للعزلة أو الانتقام. كما أن القوى الفاعلة في سوريا ما بعد الأسد، مثل هيئة تحرير الشام التي تسيطر على الحكم حاليًا، أو الأكراد في الشمال الشرقي، أو حتى تركيا والأردن، سترى في هذا المشروع تهديدًا لمصالحها، مما قد يؤدي إلى صراعات مسلحة.
على الصعيد الإقليمي، إيران، التي خسرت نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد، قد تعارض هذا الإقليم بشدة، معتبرة إياه جزءًا من مشروع إسرائيلي-أمريكي لتقسيم المنطقة. كذلك، العراق، الذي يعاني من انقسامات داخلية، قد لا يرحب بكيان جديد على حدوده قد يعزز عدم الاستقرار في المناطق الغربية.
السيناريو المفترض والتداعيات
لنفترض أن إقليمًا درزيًا أُنشئ فعلاً، يبدأ من السويداء ويمتد شرقًا عبر درعا وصولاً إلى دير الزور على الحدود العراقية، مع دعم إسرائيلي. هذا الإقليم سيحتاج إلى قوة عسكرية كبيرة للسيطرة على مساحة شاسعة تضم تنوعًا سكانيًا كبيرًا، وهو أمر يتجاوز قدرات الدروز وحدهم. كما أن ارتباطه بإسرائيل سيجعله هدفًا لمقاومة شعبية وعسكرية من السكان المحليين والفصائل السورية.
على المدى الطويل، قد يؤدي هذا المشروع إلى تعميق الانقسامات في سوريا، وربما يشجع على ظهور كيانات أخرى، مثل إقليم كردي في الشمال الشرقي أو مناطق تحت سيطرة تركيا في الشمال. لكنه سيضعف فكرة الدولة السورية الموحدة، وهو ما قد يتعارض مع تطلعات السوريين بعد عقود من الحرب.
الخلاصة
فكرة إنشاء إقليم درزي في سوريا مرتبط بإسرائيل ويحد العراق من الشرق تبدو، في الوقت الحالي، أقرب إلى التكهنات الجيوسياسية منها إلى مشروع قابل للتنفيذ. التحديات الجغرافية، والرفض الشعبي المحتمل، والمعارضة الإقليمية تجعل من الصعب تصور نجاح هذا السيناريو دون تدخل خارجي هائل. ورغم أن الدروز يمتلكون تاريخًا من المقاومة والنفوذ، فإن تطلعاتهم تبدو أكثر انسجامًا مع الحفاظ على هويتهم ضمن إطار سوري موحد بدلاً من السعي لكيان منفصل قد يعزلهم عن محيطهم العربي. في النهاية، يبقى استقرار سوريا مرهونًا بقدرة القوى الفاعلة على تحقيق توازن بين التنوع الداخلي والوحدة الوطنية، بعيدًا عن مشاريع التقسيم التي قد تفاقم الصراعات بدلاً من حلها.
حسنين العلي
#حسنين_مصطفى_العلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟