|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 14:09
المحور:
الادب والفن
الجمعة 1 . 1 . 1999 ها هو ذا عام جديد يطل علينا. بقيت طوال هذا اليوم في البيت، لم أسهر خارج البيت بمناسبة العام الجديد. كنت أرقب زحف الدقائق الأخيرة من العام الماضي وأنا أشتغل على الإيميل. كنت أرسل رسالة تهنئة بالعام الجديد، للطالبة الأمريكية من أصل يهودي التي ترجمت قصصي القصيرة جداً إلى اللغة الانجليزية. لو كان ثمة مزاج لسهرت، لكنني أفتقر إلى المزاج الجيد في مثل هذه الظروف البائسة التي تظلل حياتي، وربما حياة أناس كثيرين في هذا الجزء المنكوب من العالم. قرأت كتاباً لليانة بدر، وهو نصوص شعرية ممتعة بعنوان "زنابق الضوء". وبدأت في قراءة رواية ابراهيم نصر الله "حارس المدينة الضائعة"، وفيها قدر جيد من السخرية، المدهش في الأمر أنني كنت أفكر بعد سهرة المسرح الوطني قبل ليلتين، أن أضمن روايتي القادمة "فرس العائلة" بعض الأغاني الهابطة التي ظهرت في العقود الأربعة الماضية، وبعض المشاهد التي تعبر عن سخريتي من بعض شخوص هذا الزمان، وقد وجدت ابراهيم نصر الله قد فعل ذلك باقتدار في روايته.
الجمعة 8 . 1 . 1999 لم أغادر البيت طوال هذا اليوم، لكنني لم أقرأ جيداً، كان مزاجي سيئاً بسبب عدم توقف الألم في قدمي اليسرى، يوم أمس ذهبت إلى الطبيب، جدد لي الدواء المضاد للالتهاب، وكتب لي رسالة إلى مركز التأمين الصحي في جبل المكبر لعمل مساجات لقدمي. يوم أمس زرت محمود درويش في مكتبه في مركز خليل السكاكيني. تحدثت معه حول إمكان قيام الوزارة بإعادة نشر ديوانه الأخير "سرير الغريبة"، كان ذلك بناء على حديث دار بيني وبين الوزير ياسر عبد ربه، فاقترح علي أن أقوم بزيارة لمحمود من أجل هذه الغاية. قال محمود إنه سيهاتف الناشر ويقترح عليه السماح للوزارة بإعادة النشر. بعد ذلك لاحظ محمود أنني متعكر المزاج، بسبب الألم الذي أعاني منه في قدمي، نصحني أن أذهب إلى طبيب متخصص في أمراض القلب، قال إنه قبل أن يجري عملية القلب المفتوح، ظل يشكو من ألم في ساقه، ولم يكن يكترث به، ثم تبين له فيما بعد أن ذلك كان بسبب انسداد في شرايين القلب. ثمة سبب آخر لتعكر مزاجي، وهو ضيقي من العمل الوظيفي الذي لا يترك لي وقتاً كافياً للقراءة والكتابة. كذلك فإنني أضيق ذرعاً بكثرة الواجبات الاجتماعية التي يتعين علي القيام بها. قبل يومين ذهبنا، سليمان النجاب وأخوه عبد الرحمن وأنا، لأداء واجب اجتماعي، وقد أخذ منا هذا الأمر وقتاً غير قليل.
الجمعة 15 . 1 . 1999 تبلورت لدي هذا اليوم فكرة مونودراما سأشرع في كتابتها قريباً. قرأت حوالي أربعين صفحة في رواية ميلان كونديرا "الخلود". إنه روائي بارع، يبدأ من لحظة انسانية غاية في البساطة، ثم يتفرع متطرقاً للكثير من التفاصيل المستقاة من الصحف ومن الإذاعة والتلفاز. منذ أيام تؤلمني عيني اليسرى أثناء القراءة، وينزل منها الدمع، وقد أضطر الى مراجعة طبيب العيون إن لم يتوقف الألم. آه كم تزعجني هذه الآلام التي تصيب جسمي بين الحين والآخر، أعرف أنها في جانب كبير منها ناتجة عن الإجهاد الذي تسببه لي القراءة والكتابة، فهل تستحق الكتابة والقراءة كل هذا العناء! حينما أتذكر صراع إدوارد سعيد مع مرض السرطان، واستمراره في نشاطه الثقافي رغم المرض، فإنني أستمد شجاعة من موقفه، وأوطد العزم على الاستمرار في هذا الجهد النبيل دون تردد. أخيراً ذهبت الى قسم العلاج الطبيعي في العيادة التابعة لصندوق المرضى في جبل المكبر، تولت معاينة قدمي فتاة شابة اسمها اليزابيث، وهي من يهود كندا، قالت لي إنها تفكر بالعودة إلى كندا من جديد. توصلت إليزابيث إلى قناعة مفادها أن قدمي قد تعرضت لإرهاق من كثرة المشي، علمتني بعض تمارين رياضية، استفدت منها وتحسن وضعي، وأنا ما زلت أواصل الذهاب إلى العيادة لاستكمال العلاج.
الإثنين 18 . 1 . 1999 اليوم هو أول أيام عيد الفطر. الطقس ماطر وبارد. العلاقات بين الناس فاترة، والزيارات بمناسبة العيد قليلة. تتحلل العشيرة وتضعف الروابط بين أفرادها، وتعاني الأسرة الممتدة من وهن. التباغض بين الأقارب يتزايد على نحو مرضي. ثمة ما هو إيجابي في تقليص نفوذ العشيرة والأسرة الممتدة على الأفراد، لكن ولادة الجديد تمر عبر مخاض صعب، بسبب وجود الاحتلال الاسرائيلي الذي جمد التطور الاجتماعي ضمن سياق طبيعي وصحيح، وبسبب التخلف في الوعي الذي يعاني منه الناس، وبسبب رواسب البيئة الاجتماعية التي تحكم مزاج الجميع، ومن بينهم المثقفون. يبدو الناس، بوعي وبغير وعي، راغبين في التحلل من وطأة علاقات العشيرة والأسرة الممتدة، بحثاً عن ذواتهم الفردية الضائعة في إطار المجموع، وفي الوقت نفسه يستبد بهم العتب حيناً، والغضب حيناً آخر، بضغط من ذواتهم المجروحة، حينما تمر بهم المناسبات الاجتماعية المختلفة، فلا يجدون من حولهم إلا قلة قليلة من الأقارب الذين ما زالوا محافظين على أصول اللياقة الاجتماعية التقليدية. حاولت ليلة أمس الشروع في كتابة مونودراما أعددت لها خلال الأيام القليلة الماضية، لكنني اصطدمت بلحظة البداية التي لم أعثر عليها حتى الآن، سأحاول خلال اليومين القادمين مواصلة الكتابة. الساعة الآن تتجاوز الثانية بعد الظهر، أحاول أن أستفيد من الوقت بالرغم من العيد الذي يفترض فيه أنه استراحة من العمل، وتفرغ لزيارة ذوي القربى، ولتناول شتى الأطعمة والحلويات.
السبت 23 . 1 . 1999 لم أذهب إلى الوظيفة هذا اليوم، كنت أنوي البدء في كتابة المونودراما، لكنني أجلت ذلك إلى أن أقرأ المزيد في كتاب " ألف ليلة وليلة"، وذلك لأنني سأعتمد بعض قصص الكتاب في النص الذي سأكتبه. في المساء شعرت بألم في أحد أسناني. ذهبت إلى طبيب الأسنان بعد اتصال هاتفي. عيادة الطبيب تقع في الحد الفاصل بين القدس وبيت لحم. قريباً من قبة رحيل على وجه التحديد. قالت لي الموظفة في العيادة، بعد أن استشارت الطبيب حول قدومي إلى العيادة دون حجز مسبق، إن بوسعي القدوم. ذهبت إلى العيادة، كان هناك عدد من الرجال والنساء في غرفة الانتظار. جاءت موظفة العيادة. قلت لها أنا الذي اتصلت هاتفياً قبل ساعة، أخبرت الطبيب بأمر وصولي ثم دعاني إلى الدخول. كان الطبيب قد أخبرها أنني كاتب، وكانت معنية بالتعرف علي. أخبرتني أنها طالبة في جامعة بيت لحم، واسمها جيزيل، وهي تعمل في العيادة مؤقتاً. قلت لنفسي: ما زال للكتابة من يهتم بأمرها، وهذا أمر إيجابي. قالت إنها تدرس الأدب الانجليزي . غادرت العيادة وأنا متخفف من الألم. تمشيت في شوارع الحي بعض الوقت. تذكرت أنني كنت هنا قبل سنوات طويلة، حينما عملت مع أبي في صيف تلك السنة التي أنهيت فيها دراستي الثانوية، في ورشة لشق الطرق في هذه المنطقة بالذات. تذكرت بنتاً مراهقة في الحي تركب دراجة هوائية بالقرب من بيت أهلها. طويت صفحة الذكريات ثم عدت إلى البيت.
الجمعة 29 . 1 . 1999 أوضاعي الصحية تشكل لي هاجساً يومياً مقلقاً. يوم أمس ذهبت إلى عيادة العيون في مستشفى هداسا الشرقية. قال لي الطبيب بعد أن فحص عيني: لا يوجد شيء مقلق، كتب لي روشيتة فيها قطرة للعينين. داومت على استعمال القطرة منذ يوم أمس، لكن عيني اليسرى ظلت تدمع، وكذلك عيني اليمنى، ولكن على نحو أخف. ذهبت إلى شارع صلاح الدين، وذلك لشراء القطرة، ولزيارة المكتبات التي تبيع كتابي الأخير، شعرت بتعب في ساقي الاثنتين بعد أن مشيت قليلاً في الشارع، وشعرت بقلق شديد، ففي هذه السن، ما زال الوقت مبكراً كما أعتقد على مثل هذا التعب. حتى الآن ما زال أمر المونودراما متعثراً، ولم أبدأ الكتابة بعد، والأفكار التي حضرتها اعتماداً على كتاب "ألف ليلة وليلة" لم تقنع المخرج مازن غطاس، أفكر بالانسحاب من كل هذا الموضوع، لكنني سأبذل محاولة أخيرة. هذا اليوم لم أتمكن من القراءة إلا على نحو محدود بسبب الانشغال في المناسبات الاجتماعية. المزاج سيء تماماً. الساعة الآن التاسعة والربع ليلاً. في تمام العاشرة سأقرأ بعض المواد الثقافية على الإنترنت.
السبت 30 . 1 . 1999 لم أذهب إلى عملي في الوزارة هذا اليوم. داومت في مكتب الحزب لكي أشرف على إخراج الصفحات الثقافية في مجلة "صوت الوطن" التي قرر الحزب إعادة إصدارها في رام الله من جديد (في السابق كانت تصدر في نيقوسيا). سيصدر العدد الأول بعد أيام، وهو العدد 49 من حيث التسلسل الرقمي. استعداد الرفاق لإصدار مجلة ذات مستوى ليس متوفراً، لذلك أتوقع أن يكون العدد الجديد أقل مستوى مما هو مطلوب. التقيت اليوم في مكتب الحزب بالرفيق السابق علي حمودة ، سلم علي بحرارة ، وقد شعرت بالحرج لأن أمه ماتت قبل أسبوعين ، ولم أذهب لتقديم العزاء فيها . لاحظت كذلك أن الرفيق عبد المجيد حمدان عاتب لأنني لم أذهب إلى بيته للمباركة له في الزواج الجديد ، وإنما اكتفيت بالذهاب الى حفل العرس. أحاول التملص من الواجبات الاجتماعية الكثيرة ، لكن الأمر لا يتم دون إحراجات . يتبع...24
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
-
الأدب في زمن الحروب والأزمات
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
-
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
-
زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
-
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
المزيد.....
-
-قيصر- السوري يعلق على تصوير مسلسل باسمه وتوقيفه
-
فنانة سورية شهيرة تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة الأنباء عن علاقت
...
-
سينماتيك.. مجلة في خدمة السينما بالجزائر
-
العثور على مخرج تونسي شهير بعد اختفائه فجر اليوم الخميس
-
العثور على الممثل الأميركي جين هاكمان وزوجته متوفيين داخل من
...
-
عثر على جثتيهما الى جانب كلبهما.. غموض يلف وفاة الممثل جين ه
...
-
العثور على الممثل الأمريكي جين هاكمان وزوجته ميتين في منزلهم
...
-
فلسطين ذاكرة المقاومات.. محمد بنيس يقدم شهادة ثقافية إبداعية
...
-
حرب الصورة.. كيف تقاتل حماس بالكاميرا؟
-
العثور على نجم أمريكي شهير وزوجته ميتين في منزلهما (صور)
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|