أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (2)















المزيد.....


المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (2)


محمد بركات

الحوار المتمدن-العدد: 8265 - 2025 / 2 / 26 - 20:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعريف الدين وماهيته
• المعنى اللغوي لكلمة دين في أكثر من لغة :
نرى أنّ كلمة (دين) العربية انحدرت من كلمة (دين) الأكدية، التي كانت
القضاء تعني والحساب والحقيقة أنّ هذه الكلمة الأكدية ترجمة لكلمة (أور) السومرية، التي كانت تعني (المدينة) ؛ لأن المدينة كانت مكان دار القضاء والعدالة وهكذا، فقد قفزت الكلمة الأكدية (دين) إلى معنى دلالي آخر، سرعان ما أخذ الكثير من المعاني في لغات العالم القديم.
فبالإضافة إلى المعنى العربي، الذي لم يأتِ من الأكدية مباشرة؛ بل من الآرامية (دينو)؛ أي : (الديان في العربية، وهو القاضي الذي أصبح دالاً على الله في الجهاز الاصطلاحي للدين..
والطريف أن هذه الكلمة احتفظت بمعناها السومري الأول ؛ أي: المدينة، عندما رحلت إلى الإغريق، وترجمت بلغتهم إلى بوليس (Polis) التي تعني المدينة وتعني السياسة (Politic)، والشرطة، والقضاء، (بوليس (Police). أما الدين عندهم فلا علاقة له بهذه الكلمة، واسمه (كريستيا). و(كريست) أتت من الكلمة اليونانية كريستوس، وتعني الشخص الممسوح». وكريستوس هي النسخة اليونانية لكلمة كريشنا الهندية، التي تعني انجذاب)، وتشير إلى الإله كريشنا، أو كريست، ويشير الاسم إلى جاد (God)، وتعني الإله الأب والابن؛ أي: المسيح الممسوح بالزيت.

ونرى أنّ عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، قد فتح إطلالة جديدة لتعريف الدين، عندما فصل بين عالمين مختلفين هما (المقدّس والدنيوي)، فقد عرف الدين، في كتابه (الأشكال الأساسية للحياة الدينية The Elementary forms of Religious life): «هو نظام متسق من المعتقدات التي تدور حول موضوعات مقدّسة يجري عزلها عن الوسط الدنيوي، وتحاط بشتى أنواع التحريم وهذه المعتقدات والممارسات تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في جماعة معنوية واحدة تدعى الكنيسة؛ أي: الملة».
وقد فتح تعريف دوركايم هذا الطريق إلى تعريف يقترب من الدقة؛ لأنه ميّز لأول مرة بين عالمين؛ الأول مقدس، والثاني دنيوي، وهذا هو أساس كل دين وكل نزعة دنيوية، وهو ما عمقه المفكر رودولف أوتو في كتابه (فكرة المقدّس، ثمّ تجلّى هذا التأثير على مؤرخ الأديان المعروف مرسيا إلياد الذي عرّف الدين في كتابه المقدس والدنيوي / The Sacred and the Profane) تعريفاً جديداً، عندما قال: يتجلى القدسي، دائماً، كحقيقة من صعيد آخر غير صعيد الحقائق الطبيعية... ويعلم الإنسان بالقدسي لأنّه يتجلّى، يظهر نفسه شيئاً مختلفاً كل الاختلاف عن الدنيوي. ويمكننا القول : إن تاريخ الأديان، من أكثرها بدائية إلى أكثرها ارتقاء، عبارة عن تراكم من تجليات الحقائق القدسية، ليس ثمة انقطاع لاستمرار الظهورات الإلهية، بدءاً من تجلّي القدسي في شيء ما، كحجر، أو شجر، وانتهاءً بالتجلي الإلهي الذي يُمثل لدى المسيحي في يسوع المسيح. إنّه الفعل الخفي نفسه : تجلّي شيء مختلف تماماً ؛ أي: حقيقة لا تنتـ في أشياء تشكّل جزءاً لا يتجزأ من عالمنا الطبيعي الدنيوي». وبشطر الوجود إلى عالم مقدّس، وعالم دنيوي، وحلول المقدس في الدنيوي، وتطلع الإنسان من الدنيوي إلى المقدس نكون قد وصلنا إلى تلمس ماهية الدين، بعد أن خضنا في تعريفات كانت تبدأ من النتائج ؛ مثل الآلهة عند وليم جيمس، أو اللانهائي عند ماكس مولر، أو العقل الخفي الذي يتحكم في الكون عند رافيل، أو تكامل العلم المدرك عند شلايرماخر، أو الكائنات الروحية عند تايلور، أو القوى الأعلى من الإنسان عند فريزر، وكان الذي يجمع كلّ ذلك حقاً هو التمايز بين عالم مقدّس صعب الإدراك، وعالم دنيوي مدنّس مدرك، أو قابل للإدراك، ويضع هذا التعريف السحر ضمن الدين ويجعله أول التجارب الدينية؛ لأنّ السحر يقوم على افتراض وجود قوة، أو طاقة تختلف عن العالم الدنيوي، حيث إن السيطرة عليها تمكن الساحر من السيطرة على العالم... لكن الدين بالمعنى الذي نعرفه، اختلف عن السحر بعد ذلك، فأصبح الإنسان خاضعاً لهذه القوة، متوسلاً إياها.

وتلخص المدرسة التكاملية لدراسة النظم الدينية التجربة الدينية بشكل عام، والعناصر التي ينطوي عليها النظام الديني، بالنقاط الآتية : (الخشّاب : (د.ت) : 169).
1 - الاعتقاد بوجود مجال، أو نطاق مقدّس (Sacred Sphere يمتاز عن النطاق العلماني الكوني العادي.
2- الاعتقاد بوجود نظام (Cosmos) يقابل المجال القدسي، ويكون مسرحاً لنشاط الآلهة، أو الإله، ما يستوجب ضرورة الخضوع لقانون عام أو ناموس (Nomus)، أو لوجوس (Logos) تسير وفقه الظواهر الطبيعية، والأحداث الاجتماعية؛ بل تتقيد به القوى الغيبية.
3- الاعتقاد بوجود تجاوب وتأثير متبادل بين النطاق القدسي والعلماني. وينعكس ذلك في اختيار الآلهة والمعبودات والكائنات المقدسة وتصويرها على هيئة الكائنات الأرضية العلمانية، كالطوطمية، أو تأليه الحيوان (Theromorphism)، أو تأليه الإنسان
4- القيام بمجموعة من الأعمال والطقوس بقصد التقريب بين الطبيعة الإنسانية، والطبيعة
القدسية، ومن ضمنها التصوّف والزهد.
5- ارتكاز الأعمال والطقوس على مجموعة من الأفكار والآراء النظرية، التي تُعرف باسم العقائد (Beliefs) ، وهي التي تحدّد الأسـ الفلسفية اللاهوتية والأسطورية للديانة.
6- انطواؤها على مجموعة النواهي ،الإلزامية، التي تستمد سلطانها من قداسة مصدرها.
7- تقديم القرابين والأضاحي للملكة القدسية.

عالجت هذه النقاط الدين بتشكلاته الواضحة وليس فحسب بالفكرة الدينية البدائية، لكنّ الدين يتبدى بأربعة أشكال يؤدي أحدها إلى الآخر، وتتدرج من واحد إلى آخر، وهذه الأشكال هي:
1- الدين الفردي، الذي هو الحسّ الفردي أو الخبرة الفردية الدينية، وهو أمر ذاتي لا يختص بفرد دون آخر؛ بل يتعرّض له الجميع بدرجات متفاوتة.
2- الدين الجمعي، حيث يأخذ الأفراد بنقل خبراتهم المنعزلة من بعضهم إلى بعض، في محاولة لتحقيق المشاركة والتعبير عن التجارب الخاصة في تجربة عامة. ويعتقد كارل غوستاف يونغ بوجود جدلية لا غنى عنها بين الدين المؤسس اجتماعياً، وبين الخبرة الدينية الفردية المباشرة. وهو يرى أنّ للدين وظيفة نفسية كبيرة الأهمية في المجتمع؛ لأنه يقدّم للأفراد من الرموز الموظفة في معتقد وطقس منظمين تنظيماً مكيناً، من شأنها التعويض عن جملة الخبرة الدينية المباشرة، ورد غائلتها في الأحوال الشديدة السواح : 1994م: 39).
3- المؤسسة الدينية الرسمية التي ظهرت مع ظهور المدينة، بعد أن كان الدين يمارس جماعياً في المجتمعات الزراعية الأولى، فمع ظهور المدينة والمؤسسات الاجتماعية والسياسية، ظهرت المؤسسة الدينية ممثلةً بالمعابد والكهنة المتخصصين ورجال الدين، وراحت تمارس توجيهها وسيطرتها على الحقوق والواجبات الدينية وتوسطها بين المجتمع والعالم المقدس الإلهي، وكانت تعكس نموّ هذه الأشكال الدينية التي ظهرت مع ظهور المدينة وتطورها حتى يومنا هذا.
4- التجمعات الروحية والدينية ذات الطابع الاجتماعي : وهي المؤسسات غير المركزية، والجمعيات والتجمعات الروحية التي لا تتبع للمؤسسة الدينية وتنطوي على ممارسات دينية وروحية، وقد ظهرت منذ العصور القديمة، ولكنّها تبلورت في العصر الحديث بشكل خاص.

2- مكونات الدين:
يتكوّن الدين، في كل مكان وزمان من مكوّنات أساسية أربعة تكون أساس الدين، هي: (المعتقدات، الأساطير، الطقوس، الأخرويات). وهناك المكونات، التي تكوّن أساس التدين، وترتبط بالتمظهرات التاريخية والاجتماعية والنفسية للدين، وهي الأخلاق والشرائع، السير المقدسة، الجماعة الروحانية والأسرار، وهي تقابل وتناظر المكونات الأساسية، وتوازيها اجتماعياً وثقافياً.
ومن خلال دراستنا الطويلة لتاريخ الأديان، نرى أنّ الأخرويات الموت وما بعده) كانت أوّل بدايات الدين في عصر الإنسان النياندرتال في العصر الحجري الأوسط (الباليوليت الأوسط)، ولم تكن طقوساً بالمعنى المعروف؛ بل كانت مشاعر دينية أولية وبسيطة اقتضت الحفاظ على الميت، ودفنه، ثم ظهرت منها الطقوس، التي تطوّرت تدريجياً من البسيطة إلى المركبة. وكانت طقوس وشعائر الموت هي الأولى، وقد ظهرت بوضوح في الميزوليت، وتشهد على ذلك حفريات كوبكلي تبه في تركيا وجماجم حيف وغيرها. أما الأساطير، فقد نشأت في هذا العصر، أيضاً، لكنها لم تتبلور إلا في العصر الحجري الحديث (النيوليث)، وكانت أولى الأساطير تدور حول الإلهة الأم، ولم تظهر مكتوبة إلا في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد في سومر. أما المعتقدات، فقد تأخر ظهورها وكانت بداياتها بسيطة، ثم تركبت مع الفلسفة، ونضجت مع الأديان التوحيدية بتطور بطيء.

المكونات الأساسية للدين :
1) المعتقد :
يشكل المعتقد المركز الفكري، الذي تصوغه تصوّرات وأفكار الجماعة الدينية، والذي يصبح المصدر الأول، الذي ينظم مكونات الدين الأساسية والثانوية الأخرى، ويتألف المعتقد، الأفكار الواضحة والمباشرة، التي تعمل على رسم صورة ذهنية لعالم المقدسات، وتوضح الصلة بينه وبين عالم الإنسان. وغالباً ما تُصاغ هذه الأفكار على شكل صلوات وتراتيل، فضمن هذا الشكل من الأدب الديني نستطيع البحث عن المعتقدات الأصلية المباشرة لجماعة من الجماعات السواح : 1994م : 49). ويأخذ المعتقد أشكالاً أكثر تعقيداً وترابطاً من تلك الأفكار الأدبية الممزوجة بالعاطفة في الأديان الأكثر تطوراً وشمولاً ، حيث تنضم إلى الكتب المقدسة تفاصيل المعتقد وأساسياته. ولا شك في أن. جوهر المعتقد يكمن في الجزم بوجود قوة قدسية نائية منفصلة عن عالم دنيوي. ويجري في تفاصيل المعتقد وصف هذه القوة، وعلاقتها بالإنسان.
وقد سُمِّيت الجوانب الجوهرية من المعتقد بعد تطوّره العلم الإلهي، أو الثيولوجي (Theology) ، وسماه بعضهم علم اللاهوت وعلم الكلام، لكنّ المعتقد، بمعناه الدقيق، يبقى أوسع من العلم الإلهي. وقد نوّهنا سابقاً، وقلنا إنّ المعتقدات نشأت وتطورت عن الطقوس والأساطير، وإن تعقيدها الفكري كان يزداد مع تقدم الزمن. ويقين أنّ المعتقدات الدينية طوّرها مفكرو ذلك الدين، بعد نشوئه، وتكوّنه الأولي.

2) الأسطورة:
الأساطير : حكايات الآلهة والكائنات الإلهية التي توجد مع الآلهة في العالم المقدّس لأي دين. ومازال الجدل يدور بين الباحثين والعلماء حول أسبقية الأساطير، أو الطقوس في بداية ظهور الدين، ومازال لكل مفكّر حججه في هذا المجال، وعلى الرغم من أننا نميل إلى أنّ الدين بدأ بالطقوس البسيطة الأولى، لكننا نضع الأساطير في مقدمة المكونات الرئيسة؛ لأنّها الموئل الذي نهلت منه الأديان، عند تكوين نظامها الديني الواضح، وحين تشكلت الدين في
منظومة متماسكة.
لنقل: إنّ الأساطير تلازمت مع الطقوس وبررتها، وشكلت جانبها الأدبي المروي، بينما كانت الطقوس تشكّل الجانب العملي. ويقين أنّ الأساطير والطقوس أديا دوراً كبيراً في نشوء المعتقدات الدينية، فالإنسان لم تكن له القدرة قديماً على التفكير المنطقي الممنهج؛ بل كانت له القدرة على التخيل والقصّ، ورواية أحداث مقدسة ترتبط بالآلهة، وهي ودليلنا على ذلك ظهور الفلسفة لاحقاً عن الإغريق من الأسطورة.
الأساطير،
وقد ساعدت الأساطير في حفظ المعتقدات وتداولها بين الناس، وشحنها بالشحنات العاطفية والانفعالية، وهو ما يبقيها طويلاً ، فالأسطورة أن تجسّد المعتقد بروح شعبية قصصية متداولة، فهي تبسط المعتقد، وتجعله دنيوياً ميسّراً على شكل حكاية تتداول حول المقدس، الذي هو جوهر المعتقد. والأسطورة، من جانب آخر، حقيقة، وليست خيالاً، فهي ليست قصة تروى؛ بل نظر هؤلاء الناس - حقيقة تُعاش ؛ لأنّها تختلف، في طبيعتها، عن الروايات الخيالية، التي نقرؤها في الأدب الحديث؛ بل إنّها تمثل حدثاً، أو أحداثاً يعتقد سكان المجتمع البدائي أنها وقعت في الماضي السحيق، ويعتقدون باستمرار تأثيرها في مصائر البشر، فالأسطورة – في نظر البدائيين- تشبه القصص الواردة في الكتب المقدّسة في الديانات السماوية، كقصة الخليقة، مثلاً» (النوري : 1981م: 103)
إن حقيقة الأسطورة، ورسوخها في المعتقد، وتمثلها له، يوضح علاقتها معه بشكل جلي. أما من حيث ارتباط الأسطورة بالطقس، فإن الطقس يكاد يكون التطبيق العملي للأسطورة،
والمعتقد معاً؛ لأن الطقوس، التي ترافق الأديان، كانت في أغلبها، تحتوي على ما يشير إلى وجود حكاية، أو ثيمة مقدسة تقف خلفها، هذا إذا كانت بعض الطقوس إعادة حكي، أو قص، أو تمثيل للأساطير نفسها، مثل طقوس تموز، وعشتار التي كانت تقام في أعياد الربيع المفرحة، حيث زواج تموز ،وعشتار، أو في أعياد الصيف الحزينة، حيث التأبين الجنائزي لتموز، وحزن عشتار عليه، وغير ذلك من الأساطير ذات الطبيعة الطقسية.
إن بعض الطقوس مثلاً، هي دراما أسطورية تُجعل حيّة نابضة دورية، فتقام بين وقت وآخر، ويتم استذكارها، وتكاد بعض الطقوس السحرية تخلو من الأسطورية تماماً مكتفية بالكلمات والتعاويذ.
إن التفاعل الحي بين مكونات الدين الرئيسة هو الذي يجعل الدين متجدداً نابضاً بالحيوية، وقابلاً للانتقال إلى أجيال جديدة. أما إذا تعطل أيّ مكوّن منها، فإنّ ذلك يقلل من مرونة الدين، ويحول دون تطوّره، ويعمل على جموده، وتصلبه.

(3) الطقس :
يضم الطقس الجانب الانفعالي والعملي من الدين وعن طريق الطقس يظهر المعتقد من كوامنه الذهنية والعقلية والنفسية إلى عالم الفعل. وإذا كان المعتقد شأناً أساسياً الأنبياء، والكهنة، ورجال الدين ولاسيما الناس، فإنّ الطقس شأن شعبي يتيح، بطبيعته، مساحة أوسع للناس، فعلى الرغم من أن الخاصة تشرف عليه وتوجهه لكن الناس يعملون على تحويله إلى عادة راسخة تتناقلها الأجيال وليس الطقس، فحسب، نظاماً من الإيماءات، التي تترجم إلى الخارج ما نشعر به من إيمان داخلي؛ بل هو أيضاً، مجموعة الأسباب والوسائل، التي تعيد خلق الإيمان بشكل دوري ؛ لأنّ الطقس والمعتقد يتبادلان الاعتماد بعضهما على بعض، فعلى الرغم من أنّ الطقس يأتي ناتجاً لمعتقد معين، فيعمل على خدمته، فإنّه هو نفسه لا يلبث أن يعود على المعتقد، فيزيد من قوته وتماسكه» (السواح : 1994م: 55). وتعتمد الديانات السحرية والبدائية على الطقوس أكثر من اعتمادها على المعتقد.. وتضمحل الأساطير فيها، فالطقس هو الفعل الديني الواضح الذي يقوم به الساحر، أو المتعبد، وهناك من يرى أن الطقس هو مصدر المعتقد، والأسطورة ؛ لأنّ الفعل يسبق التفكير والكلام؛ ولأنّ العاطفة تسبق العقل، ولذلك كان الطقس الوعاء الأول للدين والفن، والعلم. ولا يمكن لأي دين القيام، أو الاستمرار دون الطقوس ولكم ارتقت بعض العقائد إلى مستوى ديني رفيع، ولكنها، في ظل غياب الطقوس اندرجت في تاريخ الفكر، ولم تتبلور، أو تتطور إلى ديانات حقيقية. وتتنوع الطقوس الدينية، حسـ نوع الأديان، وتكوينها، فهناك طقوس الخصب، والنماء، والطقوس الجنائزية، وطقوس الطبيعة في استنزال المطر، وطقوس الصلاة، والعزاء، والحج، والصيام، وطقوس لا حصر لها تنتظم وفق تفاصيل العقيدة الدينية، وتشكّل جانبها العملي.


4) الأخرويات (الموت وما وراءه):
احتلت صورة الموت وعالم الموت حيّزاً أساسياً في أي دين، بل نزعم أن الدين ابتدأ عندما أدرك الإنسان الموت، وبدأ يدفن موتاه حيث وجد، في كل أنحاء العالم، ما يشير إلى أن إنسان النياندرتال هو الذي ابتدأ الدين؛ لأنه دفن موتاه، ووجههم نحو شروق الشمس، أملاً انبعاثهم مع شروقها، وكانت هذه أول الأفكار عن الموت.
ويشتمل موضوع الموت على نهاية العالم وكيفية حصوله من نهاية للبشرية، أو للأرض، أو الكون، كلّ هذه الأمور فضلاً عن محاولات الخلاص والوعد الذي تعطيه الأديان، بالخلاص الفردي أو الجماعي، أو بالنهايات المتعددة للعالم ما يعطي الدين المسوّغ الأكبر للاعتقاد به، ولعل الكثير من المؤمنين بالأديان لايجدون في الأديان، نفعاً إن لم يكن هناك تصوّر عن نهاية العالم، وكيفية خلاص الجماعة الدينية، التي ينتمي إليها.
شغل الموت، عموماً، تفكير الإنسان، وربّما كان الموت هو أساس نشأة الدين في عصر الباليوليت الأوسط، حيث كان إنسان النياندرتال يدفن موتاه ويوجههم نحو شروق الشمس،
أملاً يبعثهم مثلها.
كان السؤال الأهم في تاريخ الإنسان هو: كيف، ومن خلق هذا الكون؟ وكان السؤال المرادف الآخر هو : ما مصير الإنسان بعد الموت، وكيف سيكون شكل العالم الآخر، وما طبيعة روحه، وهل سيبعث جسداً، أم روحاً، أم بكليهما ؛ لأنّ عالم ما بعد الموت جزء مهم من عالم الغيب، مثلما فكر الإنسان في بداية الكون، وكيف وجد. وفكر في نهايته، وكيف سينتهي؟



#محمد_بركات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (1)
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (5)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (4)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (3)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (2)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (1)
- محادثات مع الله - الجزء الثالث (52) نيل دونالد والش
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (5)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (3)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (2)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (1)


المزيد.....




- الفاتيكان يكشف حالة البابا فرنسيس الصحية
- كيف نشأت الحركة الإسلامية في موريتانيا؟ وما أبرز تجاربها؟
- الصدر يستنكر القصف الإسرائيلي لسوريا ويطالب الشرع بالابتعاد ...
- دراسة تظهر انحسار المسيحية في الولايات المتحدة مع ارتفاع أعد ...
- دعوات للنفير ضد نية الاحتلال تهويد المسجد الإبراهيمي و-تحويل ...
- أطماع الاحتلال تتصاعد في الذكرى الـ31 لمجزرة المسجد الإبراهي ...
- إدانات فلسطينية لاستيلاء الاحتلال على صلاحيات بالمسجد الإبرا ...
- صار عنا بيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سا ...
- حركتا حماس والجهاد الاسلامي تستنكران العدوان الاسرائيلي على ...
- اسلامي: برنامجنا النووي يخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (2)