|
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 3 & 4 )
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 15:08
المحور:
الادب والفن
لا تنقطع سلاسل القهر فجأة ، ما دمت لا تمتلك ما تعطيه لغيرك تظل يطارد العذاب وأنت . . تطارد حلمك .
يعبر الزمن سريعا ، وانت في الفراغ . . تبحث عن ثقب يتسلل منه ضوء يهديك الى مسار . . رحلت باحثا عنه – لم يعد هناك من يتعقب خطواتك للاعتداء او ذبح امالك الطويلة – انك وحيد غريب هنا ، لن يبحث سواك . . مخرجا لتصبح عالما كما اقنعت نفسك . . دون نيل منحة عليا – من سيعينك وانت غريب . . لا يعرفك احد - من لم يعايش ما تسرده ، لا يرى فيه إلا حكي مبالغ لإنسان في مثل عمرك . . عبر في احداث مؤلمة من بوليسية قمع النظام الحاكم ، حيث الخوف والنفس الضيق و . . اخيلة البطولة والتحدي المعلم لسن عمرك بالمراهقة الفكرية . . تعيد خلق تخيل تصوري في عقلك – تصدقه – متضخما عن حقيقة الاحداث عن ما تقصه – كثير . . ممن تعاطف معك وصدق روايتك ، حتى بما تثبته بالوثائق واكد ممن كانوا طلبة في الجامعة حين أعلنت في سنتك الجامعية الثانية عن وصولك إلى ( نظرية خلق انسان جديد . . ذاتي التكاثر ) ، واكثرت التجادل مع اساتذتك و . . لم تترك مجلسا أو فعالية إلا وكانت رؤيتك موضوعا أساسيا مثار للنقاش ، اقامت إدارة الجامعة لجنة تحقيق علمية ضمت النائب وعميد العلوم ورئيس القسم واثنين من كبار اساتذته المصريين المعارين ورمز السلطة الدينية وضابط الامن – كان حوارا تساؤليا وجدالا بنقاش شبه علمي ، ديني . . واخلاقي اجتماعي . . لإعادة شاب متهور طائش الى صوابه ل . . يعقل ما يقوله – توتر النقاش والجدل بفعل المحاجة العلمية ، التي امتدت الحادية عشرة ظهرا حتى الخامسة والنصف مساءا – كنت ابرهن على صحة نظريتي من خلال مجالات علمية في فسيولوجية الغدد وعلم الخلية والوراثة وعلم الاجنة عبر ثلاث طرق إجرائية ، واحدة في مسألة التلاعب التغييري في الجينات بهندسة الجينات ، وأخرى فيما عرف عالميا لاحقا بعد مضي اكثر من اثنتي عشرة عاما بالاستنساخ ، أما الأخيرة في التحكم الدماغي في منطقة الهيبوثالاموس في الافرازات المتحكمة بالجنس على درجة سواء لكل من المختصة بالذكورية والانثوية ، والذي معها في الأجيال الاولى لن تلغي وجود الأعضاء التناسلية عند الذكور والاناث . . ولكنها ستكون معطلة عن فاعليتها ، وهو ما يجعل الأجيال اللاحقة من البشر منقرضة فيها الأعضاء التناسلية الخارجية . . لعدم الحاجة والاستخدام لها ، حيث يصبح التكاثر متحققا قبلا في الأجيال الأولى عبر التلقيح الذاتي . . من خلال عضوي التناسل الداخلي الذكوري والانثوي – كالدودة الشريطية واحدية المسكن – ما تستند عليه هي أمور علمية . . لا تشكيك فيها ، لكن الحقيقة أن علوم البيولوجيا – والتي ذكرتها – لم تطرح عن ما تقوله ، بل أنها لم تصل تجريبيا لتأكيد أو تنفي ما تقوله – لهذا اطلقت عليها نظرية . . قابلة لأن تثبت أو تدحض . أليست هذه إضافة علمية ، و ما أطرحه ممكن علميا او غير ممكن – بهمهمة خجلى بلفظ ممكن والله اعلم . . صدرت عن علماء البيولوجيا ، فكانت مهمتهم الموكلة إليهم تسفيه ما ذهبت إليه وبشكل علمي ، فهم أساتذة ومن العلماء العرب الكبار . . من أكون امامهم - من حقي ان تسجل باسمي – بنظرة دورتها الى كل قيادة الجامعة اليمنيين وضابط الامن – أليس يعود ذلك على البلد والجامعة . . في رفع اسميهما عاليا على مستوى العالم ، حيث يخرج منهما ما يمكن أن يغير في مسار العلم – بتلطف الداعية العلامة بالدين . . المرجع أمرئ عن الضلالة : انت في مجتمع مسلم ، و . . أبوك كان من كبار علماء الدين – هو درسني – كنت اعرف أن كل من النائب والعميد قد تتلمذوا على يديه في عدن . . حسب ما قالوه في اكثر من جلسة ثقافية جمعتنا خارج الجامعة – ما تطرحه يأبني . . ضد الدين . . وسنن الطبيعة التي اوجدنا عليها الخالق – ارجع الى الله . . واترك الجنون – عادك صغير . . لا تدرك خطورة ما تتفوه به – تعرف . . لو خرج مثل هذا الكلام من انسان كبير عاقل . . لأقيم عليه الحد وإعلان التوبة . . بالعودة الى الحق . . كما جاءنا من رب العرش في رسالاته عبر الأنبياء المرسلين – اخذني النصح الابوي الودود . . لأستمر بطاقتي المتحررة . . مادام نقاشا عقلانيا . . كما سبق أن كان في الجدل العلمي – يا شيخ ، ألسنا خليفة الله في الأرض . . نفخ فينا من روحه . . نحمل سر قدرته في كل شيء ، وما دام هو القادر أن يغير أية سنة من خلقه . . التي خلقها عليها . . فنحن مخلوق في حقيقتنا القدرة على تغيير اية سنة من سنن هذا الوجود – افجر واقفا بجنون . . والشرر يتطاير من عينيه الحمراويتين . . كخضاب دموي لطختا به ، و . . لعابه الذي لم يقو على إيقاف سيلانه على لحيته المحناة المبعثرة بطول نصف المتر تدليا على صدريته وجلبابه – التي كان طوال الساعات الثلاث الماضية قبل تحدثه . . يمسدها بحنان ملحوظ – هذا كفر . إلحاد . . كيف تسمح الجامعة بنقاش كهذا – استغفر الله العظيم . . على مثل هذا الافتراء – اهدأ يا شيخ . بالحسنى . . نرشده الى الصواب – كان قد استعدي أستاذ علم الاجتماع من كلية الآداب . . ليحضر بعد مرور ساعتين من الجدل العلمي المحتدم في البيولوجيا ، والتي لم توصل إلى ما كانوا يصبون إليه – كلامك علمي . . بإقرار اساتذتك ، ونعرفك بأنك مثقف وعلى اطلاع واسع في مجالات مختلفة – نقرأ ما تنشره ، وما تثيره من الجدل في المجالس في الأمور المختلفة – خلينا . . نتابع بمنطق العقل . . تمام – هززت رأسي موافقا ، رغم الرعب الذي اعتراني من انتفاضة الشيخ . . الذي وفق اتهامه . . قد الصق تهمة الموت . . فيا ، وصار تحديق ضابط امن ونائب رئيس الجامعة . . اشد حدة ، تتقطر عنها الرغبة في تمزيقي – بعيدا عن الدين . . ما الفائدة أو الجدوى للإنسان أن يصبح مثل ما تقول – إذا افترضنا ذلك ممكنا رغم انه لم يقله العلم أو أي عالم . . حتى الذين هم بلا دين – كيف يستمر نوع الانسان ؟ ، وكيف يعيش الانسان كنفس دون عواطف ومشاعر ورغبات . . غالبيتها مربوطة بوجود جنسين مختلفين من الانسان ، أي ذكر وانثى . . ؟ - كان أستاذا يساريا . . يعلم به كواحد من كبار المثقفين ، طرحه التساؤلي . . كما لو انه ضربني في العظم ، من ذات النهج الفكري الذي اعتقد به . . مثل ما كان يسوق في توصيفي كشيوعي متطرف – أ . . أ . . كلامك غا . . غاية في الأهمية و . . كبير – رغم عودة السكون وتراجع نظرات الافتراس المصوبة نحوي – أصابه بمقتل - هو ما سمعته بهمسة عن احد الحاضرين ، إلا أن الرعب قد سيطر علي . . مما سبق ممارسته من إرهاب ، فجعل صوتي يهتز وتتلوى لساني عند محاولة الإجابة عن التساؤلات الأخيرة – لا تخف . ما يحصل شيء . يسعدنا أن شابا في سنك يفكر و . . بعلمية – الرد ليس مستحيلا . . لكن – تكلم لا تقلق . . نحن هنا آباء محبين لك ، نصحح . . الفهم أو طريقة التفكير إذا ما كان فيه خطأ – وجدي . . في العقل تفكير المرء . . تفصل شعرة واهنة . . بين العلمية والتوهم في التصور . . وإن كان يستند على أسس ومفاهيم علمية – تمالكت ارتعاشاتي خلال البرهة الأخيرة ، التي حملت عودة السكون الهادئ . . عند بدء الجلسة – نظريـ....تي . . لا تغي...ر في مسألة النفس و ل...ا المشاعر والعواطف الذي خلقها الله فينا البشر و . . حتى الحيوانات ، ل...كنها س...تكون بصورة أخرى – انفرجت اسارير الجالسين . . نوعا ما ، وعلت ابتسامات التهكم والشعور بالانتصار أخيرا – أي كلام هذا ! ، كيف . . وضح ما تقصده – علت صبغة الاستاذية الجادة على محيا عالم الاجتماع – بالنسبة للفرد لن تعود هناك مشكلة الزواج قائمة ، التي يعاني من غلاء المهور كل من الجنسين ، ولن يكون هناك تمييزا اجتماعيا وتفريقا بين الافراد ، الذي يحكمنا أن كل انسان أن يتزوج من فئته ومكانته في المجتمع ، أما استمرار النوع فهو سيظل حادثا ، لأن الاخصاب الجنسي سيكون داخليا عند كل واحد بذاته ، ولن تختفي المشاعر والعواطف ، أكانت تلك المرتبطة مباشرة بالرغبة الجنسية بمحمول هرموني داخلي ، أما العواطف والمشاعر الخارجية بين الافراد والمجتمع الخاص أو الإنساني . . فهي تظل قائمة ولا تتأثر في نوع الانسان الذي نذهب في الحديث عنه ، لكونها مؤسسه عقليا في دماغ الانسان . وأخيرا قد يكون هناك ما ارتكبته في نظريتي وفهم خطأ – ما دمنا في مجتمع مسلم . . قولي بخلق انسان جديد ، . . اتراجع عن كلمة خلق . . لأن الخلق محكوم برب العباد وليس بنا ، فيكون علي إلغاء كلمة خلق واستبدالها بكلمة أخرى أو تغيير التسمية – أعلن رفع جلسة التحقيق النقاشي . . مع إنذارات التهديد الشفوي بتوقفي عن الاستمرار في هذا الهراء ، الذي سيؤدي بي الى الهاوية ، ويجعلني هدفا للقتل من أي انسان . . كان ، فهذا يمس بالعقيدة و . . لا يتقبله أحد . لم يمضي يومان إلا ومكبرات المساجد تذم الجامعة وتصدح عاليا بمكبرات الصوت عن تكفير ما وصل إليهم من اقوالي – انها زندقة ، يجب التركيز على الجامعة فيما تعلمه للأجيال من مفاسد وإلحاد باسم العلوم المختلفة . . التي تدرسها – يبدو صغر سني كطالب نكرة . . لا وزن أو قيمة له ، جعل التكفير غير مستحضر باسمي ، ليستخدم كهجوم لقوى اليسار السياسية . . بهدمها للدين عبر تشويه عقول الأجيال ، الذي ظهر واضحا اثره القبيح في ادعاءات شاب مراهق ب ( خلق انسان جديد ) – لعنة الله عليهم ، فهم اشد قبحا وعداء للدين . . عن اليهود . . وعن النصارى في عدائهم لدين الله الإسلام – سينصرنا عليهم الله ، ولله عاقبة الأمور – من وقتها لأعوام ثلاث دراسية وما بعدها ، لا تمر أيام قلائل معدودة إلا يتم استدعائي والتحقيق والاحتجاز ليوم او اكثر . . مع التهديد الدائم بالاعتقال والاخفاء . . مالم اتوقف عن نشر الأفكار الهدامة ، وأخرى مع بعض الصحاب الذين نلتقي معا في فناء الجامعة عند الفراغ أو عند وجود فعالية صباحية - وذلك تحت دعاوى العمل الخلوي السري . . الذي يجرمه النظام ، وتارة بعمل تجمعات طلابية معارضة تشيع الفوضى والتحريض والتمرد ضد الجامعة والنظام الحاكم ، الى جانب إشاعة الفكر الماركسي والتحرري المشوهين لعقول الطلاب ، الهادمين للمجتمع وقيمه الإسلامية السمحاء - الذين كان منهم شعراء وقاصين ونقاد ، تنشر كتاباتنا في الصحف والمجلات ، واحيانا ما ينضاف الى جلستنا المعلمة شهرة تحت الشجرة الوارفة التي تحتل منتصف حديقة الآداب العشبية ، التي تحاط بشجيرات من الأركان الأربعة و . . المفتوحة مقابلة على رواق قاعات الدرس ومختلف الأقسام في الدور العلوي من المبنى – هذا إلى جانب المقالات الفكرية المتهمة بالماركسية الصريحة ومهاجمة نظام الحكم . . فيما يعرفه من المبتعثين للدراسة العليا في مصر . . ومن المثقفين السياسيين . . الذين يصدف وجود هم خلال فترة تواجدي . . بعد رحلة الهروب الى القاهرة ، إضافة لاتهامي كسكرتير تنظيم سري يعرف ب ( الحركة الشيوعية الجديدة ) ، التي صدرنا كمجموعة ثقافية مستقلة باسمها ثلاثة بيانات تعبر عن موقف ضد حرب 1986يناير في جنوب اليمن ، وما يجري في الشمال عبر نظام الحكم البوليسي القبلي العائلي القامع للمثقفين المستقلين ، في استمراره ممارسة الاعتقالات والتعذيب والاخفاء ومنع التوظيف لمن لا يظل صامتا أو يتحول مخبرا لجهاز الامن السياسي . . رغم انتهاء العمل السري لليسار والجبهة الوطنية سابقا باتفاق بين نظامي الحكم في الشمال والجنوب . . .
- مجرد ما تصل القاهرة . . مباشرة تروح عند خالك . . . ما في معك احد . لن يطرحك - ا . . الله معك يا . . كبدي ، انتبه على نفسك – لا تأمن احد . لم التقي به من سابق ابدا . . خالي ، فهو بن عم والدتي ، وزوجته اختها أيضا – طول عمره سفيرا مقيما في الخارج ، ويعرف بعميد السفراء اليمنيين و . . ومؤسس وزارة الخارجية بعد ثورة سبتمبر 1962 ، وهو سفير اليمن في مصر والممثل في الجامعة العربية . . حاليا – كان كل الامل . . أن يضمني ويفتح طريق مواصلتي للدراسة العليا – فلديه من الصلات الدولية ما تمكنه على أرسالي الى أي بلد اتمناه – كيف اقابله ، ماذا أتكلم معه ، أ . . بشخصيتي الحرة . . التي وسمتني بالمتمرد – حيث يعرف عنه احد الرموز الوطنية . . حتى انه ليس على وفاق مع الرئيس – هل يسعده ذلك ، ا . . أن أكون . . مقتديا به ، أم أن اقف بين يديه بخضوع الابن . . خاصة وهو لاجئ إليه – أم اشكو إليه مرارة العذاب والاستهداف الذي تسلط علي ل . . أني . . حر شريف
- لا تذهب إليه في السفارة ، ربما حد يعرفك هناك . . فتسبب له احراج أو مشكلة . . تعيقه عن مساعدتك . اذهب الى الرابطة ، ستجد كثير من يعرفك . . تسكن عند احدهم ، وفي اليوم التالي اذهب الى خالك في منزله – الغالبية من يدلك على عنوانه .
اتبعت حرفيا نصح عائد الذبحاني والشمري ، اللذين لم يكن يعرف غيرهما بمغادرتي اليمن خلسة ، حيث تم اخراجي لزيارة اسرتي خميس وجمعة ، بعد اعتقال لمدة أربعة اشهر لا تعرف اسرتي مكان وجودي سوى بعد شهرين كاملين ، على أن اعود فجر يوم السبت إلى معسكر الاحتجاز الجبري في معسكر التجنيد لمدة أربعة شهور من اليوم التالي بعد انذار وكيل الخدمة المدنية . . وإبلاغ المعهد البريطاني عن اختفائي الفجائي . . رغم اعداده لكامل الإجراءات لابتعاثي الى بريطانيا . . خلال أيام .
الحادية عشرة قبل ظهر اليوم التالي من الوصول – غفت عيناي كما لو كانت لبضع دقائق بعد يومين وثلاث ليال متواصلة من الصحو والإرهاق بعد وصولنا إلى المنيا . . سكن إقامة سهيل ، حين غادر كل من الموجودين الى مهجعه – كان ضوء الصباح قد غزا الشقة عابرا زجاج النوافذ وباب الشرفة ، وابواق السيارات يعلو بفوضى ازدحاميه . . بعد سبات خلال أواخر الفجر حتى تسلل خيوط الضوء باستحياء تلصصي من بين وشاح الظلمة . . ليصبح في لحظة قد بسط ذاته على كامل المكان - تململ العريقي كمحشور في خانة مغلقة خارج ارادته ، أني لم آتي سياحة أو كمبتعث . . ولكن كلاجئ متعلق بقشة وحيدة – يمثلها هو – تعمل على انقاذه – فأخلاقه موضوعة على الميزان . . في استضافتي ، لم يكن يسعفه شيء على التملص - حتى وإن لم تكن بيننا علاقة صداقة متينة من قبل في اليمن - فمن العيب امام الجميع و . . من سيسمع لاحقا بتخليه عن انسان تعارف معه عن قرب خلال سنوات الدراسة الجامعية ، وكان زميل معيد . . وقع في مثل هذا الظرف . . وفي بلد الغربة . . في حالة من الضياع ، بعد عذاب ومعاناة . . لم يكن امامه سوى الهروب الى بلد اخر . . دون تفكير كان . . بما ستحمله له الصدف من اقدار غير منظورة أو محسوب لها مسبقا - خاصة وأن العدد ليس بقليل . . من عرف قصة هذا الزائر الطارئ ، والذي لم يكن لديه من يسأل عنه سواه بثقة مطلقة وطال البحث والانتظار عنه و . . بمشاركة الكثير ممن تعاطفوا للوصول إليه . . تحديدا - كانت شقة المنيا . . الواقعة في الدور ما بعد الثالث عشر تقريبا من العمارة السكنية ، مؤلفة من غرفتين يتشارك بها مع زميل آخر من اقاربه ، يدرس الهندسة في السنة الرابعة ، كل يقطن في غرفة منفردة . . مع وجود صالة مشتركة ، غالبا ما يكون مسكنهم مزدحما بزملاء عامر عبدالمجيد طوال الليل حتى فجر اليوم التالي . . لعمل مشاريع التكاليف الهندسية ، وحتى عند مغادرتهم فجرا تظل خطيبته أنيسة - في نفس الدفعة - شبه مقيمة هناك ، ظل يحس بالإحراج من زميله من باب العيب . . أن يأتي بمقيم معه خلال بوجود خطيبته ، والمفاجئ وصول اختها على نفس الرحلة ونزولها ضيفة في نفس الشقة – كنا نقعد على كرسيين متلاصقين ، واستأذنتني لاستبدال مقعدي لرغبتها أن تكون مطلة على النافذة – كانت منقبة ، بعد ساعة ونصف من الإقلاع بادرتني الحديث بلهجتها الصنعانية – انت صخر عبدالواحد – فوجئت مضطربا – أنا اعرفك من الجامعة ، نحن في نفس السنة . . كنا ، لكني في الآداب وانت في العلوم – اسمي سهام ، ازور اختي . . وتغيير جو - كنت يوميا اشوفك واصحابك تحت الشجرة وفي الندوات الصباحية – لم تترك شيئا ، فقد حدثتني عن فتيات من اللائي يسرن بعضهن بعضا بوجود علاقة عشق مكتوم أو حب معي – انت كنت دائما انيق . . وسيم . . ومتفوق – شعرت بالخجل . . ولم أكن أتوقع انفتاحها بتلك الطريقة – حقيقة ميزتها بمظهرها المنقب أني كنت اراها في الآداب ، لكني تجاهلتها منذ البدء . . كما لو اني لم اراها ابدا ، خاصة ولم يدر أي حديث بيننا لوقت طويل من بعد الإقلاع – ووفق عادتنا التأدبية. . لا يفتح الشاب حديثا مع فتاة حتى لو رآها قبلا مالم تبادره الحديث – السياحة في مصر جميلة في هذا الوقت – طال الحديث . . ثم توقف فجأة قبل اعلان المضيفة اننا على وصول الى مطار القاهرة بعد عشرين دقيقة ، وأن على الركاب اخذ حقائبهم والا ينسون شيئا يخصهم ، وتكون جوازاتهم جاهزة واستمارة الوصول قد امليت بجميع المعلومات المطلوبة – فترة صمت . . تقف طالبة مني الخروج عن مقعدي لتذهب الى التواليت – كان صوتها معي . . كما لو أنه اول جملة تتحدث بها معي كانسان غريب – ظل مقعدها خاليا حتى اقتراب نزول الطائرة على مدرج الهبوط – لو سمحت – عفوا في اخت هنا . . راحت التواليت وستعود – هذه اني – قالتها ببرود وتجاهل حتى جلوسها – كانت انسانة أخرى ، خلعت كامل النقاب واطلقت شعرها بعد أن وضعت من مساحيق الوجه وحامورة الشفاه بلونها الوردي الفاقع – كانت ترتدي ثوبا عصريا يلامس حد الركبة – أنا اسف سهيل . ما . . عندي أحدا غيرك . . ألجا واثق فيه – بمضض اسقط عن فمه كلمة عادي . . بفتور شديد عند اول خطوة تحرك للرواح الى مسكنه ، رغم محاولاته المفتعلة لتغطية انزعاجه بوقوعه في هذا المأزق امام الاخرين . . بضحكاته المقهقهه المشاكسة – بما هو معروف عليه بين أصحابه - معي وكل من كان واقفا أو تقابل معنا خلال سيرنا حتى نهاية شارع الرابطة ، الذين بتودد جم يصدرون كلامهم ب . . حمد لله على السلامة ، سترتاح الآن . . . . رحب بي عامر وخطيبته ومن معهما من زملائهما المصريين المتواجدين . . مع ابداء التعاطف بعد تقديم العريقي سريعا عني - كانت علامات الانزعاج بادية على الجميع من وقت ولوجي عتبة الشقة محملا بحقيبة السفر ووضعتها على الجانب الأيمن من مدخل البيت ، جوار الدولاب الخشبي مفتوح الرفوف لوضع الأحذية - انصرف وزملائه الى مشروعهم ، ومن اليوم التالي . . كانت خطيبة علي سعيد واختها تغادران الى مسكنهما بعد الواحدة من منتصف الليل – الذي يعد توقيتا مبكرا في الحياة الليلية لمدينة القاهرة ، فكل مكان يعج بالبشر خارج منازلهم . . يعج بازدحام متماوج من حركة الناس النشطة والتجمعات ، كما لو أن الامسية تفتح ابوابها عند دخولها في بداياتها الأولى - على أن يلتقوا غدا ظهرا في الكلية يعودوا الى شقة عامر – هي عادة العمل في مجموعات دراسية – الجلوس في منزل واحد من المجموعة كمكان دائم شبه ثابت لاستكمال المشاريع التي يكلفون بها ، أو واجبات يكلفون بها او اختبارات فجائية – اعتذرت خجلا مما سببته لهم من ارباك ، منذ ما دار الحديث امامي بين عامر وخطيبته ، بأنها من اليوم التالي . . سترجع الى مسكنها في وقت غير متأخر – كنت احمر خجلا مع تجهزها للمغادرة خلال الأيام الأولى ، حيث كان يتبقى من شغلها ما يستلزم بقائها ، أو يكون باديا عليها شدة الإرهاق ، الذي يجعل رواحها اكثر ضغطا وتعبا لها - حاولا مرارا أن يخففا عني شعور الذنب والاحراج ، حتى تم التعود على وجودي . . كواحد منهم – كانت مفاجأة أن يرى الواحد الاخر . . حين التقيتا اعيننا لحظة وصولي واخت خطيبة عامر ، التي قدماها لسهيل . . انها ضيفة استقبلاها في مطار القاهرة مع الرحلة التي وصلت اليوم عند الخامسة عصرا ، والتي لم يلتقيها سهيل بعد ، لكونه لم يعد الى المنزل من بعد خروجه الى الجامعة من وقت الظهر ، وجاء الاتصال بأنيسة من اليمن عن وصول اختها ظهرا – يعرف كل يمني عادة طيران اليمنية في عدم الدقة في رحلاتها - تكرر استعلامهم كل ساعة واخرى من مكتب اليمنية ، حتى اعلموا أخيرا بتأخر مغادرة الطائرة وأن وصولها الى مطار القاهرة سيكون تقريبا عند الخامسة والنصف عصرا – انها سهام التي كانت تجلس على مقعد الطائرة جواري ، كما اخبرتني ذهابها لزيارة اختها وقضاء فسحة لتغيير أجواء الكبت السابقة في اليمن ، وكان لها التواجد مع اختها . . إقامة او تسوق وزيارة – كانت ذاتها من جلست جواري على متن الطائرة - تفاجأت عند رؤيتي أولا وثانيا حين سمعت حكايتي – لم أتوقع ذلك التعاطف الشديد الواصل الى امتلاء عينيها بالدموع ، وزاد من وقع تقبلي تحت اية ظروف أحاديثها بما كانت تعرفه عني – وهو ما لم يقله سهيل – كان فاتحة حديثها مع امام الاخرين اعرف أنك كنت مسافر على بعثة الى لندن . . حرام عليهم . . . .
ح 4
غادرنا السكن في الحادية عشر نهارا ، كانت محاضرات سهيل تبدأ بعد ساعة – كان في الفترة الأخيرة من استكمال السنة التحضيرية الأولى من درجة الماجستير ، والمعلمة بدراسة مقررات والامتحان بها – ركبنا سيارة اجرة . . أوصلته الى بوابة كلية الآداب في جامعة القاهرة ، بعد أن أعطاه اجرة مشوارين ، كان الاخر بتوصيل من السائق لي – بعد طلب العناية من قبله . . بكوني غريب ووصلت امسا الى القاهرة لأول مرة – تطرحه عند عنوان السكن المكتوب في الورقة ، وإلا سيتوه - الواقع في شارع فلسطين . . المتفرع مرورا من شارع جامعة الدول العربية .
- أخيرا . . وصلنا . . . هذا المنزل بالعنوان الذي معك . - ارجوك . . لا تتركني . . . اسأل البواب . . عن مسكن السفير اليمني – ر . . يكون هناك خطأ في العنوان . . أو نقل الى مكان آخر – على الأقل تعيدني الى المنيا . . مكان ما ركبنا معك . ظل سائق التاكسي يدور خلال عشرين دقيقة من وصولنا شارع فلسطين . . بحثا عن عنوان المنزل – كان يتفرع عن الشارع عدة ازقة وشوارع صغيرة جانبية . . خلال امتداده ، ما أن ندخل في واحد منها يقودنا الى ترقيم سكني ينقطع تسلسله الى عنواننا المطلوب – عند مدى محدد – ثم يتواصل بترقيم بعيد ، وكانت بعض تلك الازقة . . تخرجنا الى عناوين شوارع أخرى ، أو يكون منها ذات اتجاه واحد مسدود – أخيرا بعد السؤال . . اخبرنا بموقع رقم المنزل . . في الطريق المقابل حيث وقفنا ، معلقة عند مدخله ممنوع الدخول من موضعنا هذا ، وأن الدخول من فتحة جانبية نهاية شارع جامعة الدول – الذي كان بعيدا لنعود اليه من جديد – وضع السائق سيارته في حالة من الضيق وعاد بها سيرا للوراء . . وصولا الى العنوان المدون في الورقة – ترجلنا عن السيارة . . متقدما السائق الى بواب السكن . . بعد القاء التحية وملاطفته – كعادة المصريين البسطاء – هنا بيت السفير اليمني – تقصد معالي الباشا السفير مدحت باشا – ايوه . هل هو موجود – خرج بدري . . لكن المدام والعائلة موجودين . . أي خدمة – اخبرته أني بن اخته . . لسه وصال من اليمن – انتظر هنا واعطيهم خبر . . من نقول لهم – شكرت سائق التاكسي واعتذرت له كثيرا على تعبه وخسارته . . لكوني لا احمل معي سوى اجرة العودة – التي اعطاني لها سهيل . . وبخلف نفس الورقة عنوان سكنه في المنيا .
. . صعدت مع الحاج محمود حارس السكن سلم ببعض درجات . . وهو يكثر الترحيب بوصولي و . . كيل المديح للباشا السفير واسرته . . حتى قرع جرس السكن والرد بالانتظار - غادرني دون كلمة ليعود الى مكان عمله – لم يطل الوقوف . . حتى فتحت الشغالة مرحبة بي ، اقتادتني الى صالة الانتظار . . بعد السؤال بتضييفي فيما افضل شربه . . كوفي يمني أو عصير ليمون – شوية . . تجي المدام .
. . لم أرى خالتي من قبل ، لا اعرف شكلها . . حنى والدتي لا تذكر هيئتها إلا من الطفولة – لم تراها منذ اكثر من خمسين عاما ، وخالي أيضا ، لكن لكبر سنه تتذكره في شبابه ومكانته في العائلة - كانت اوصافه المحببة عند والدتي موضع اعتزاز تتباهى به - إنه هيبة . . فارع الطول – يا بني . . هو شركسي . . من اصل الباشوات . . حق زمان – مثل ما أنت طالع لجدك ب . . وسامتك وحمرتك . . تركي . . تركي الله يحفظك من اعدائك و . . ممن يعاديك – دمعتا عيناي ومسحتهما مرارا . . حتى لا يظهر ضعفي ، بتذكري امي واخوتي الصغار . . خلال فترة جلوسي لمجيء خالتي – نقلت بصري في كل مكان ، وحتى ما يطل من زجاج النافذة على الحديقة داخل سور المنزل والشارع الذي وقفت عليه – كان العم محمود يشرب الشاي عند البوابة الى جانب شخصين اخرين . . يرتسم عليهم ملامح الضحك والمشاكسة فيما بينهم الثلاثة – راودتني مشاعر عاطفية ، اثقلت حمولتها على نفسي . . فزاد تدفق الدمع ، خاصة وأن الشغالة لم تعد مجددا بعد وضع كوب البن امامي على المنضدة – رأيتني ارتمي في احضانها باكيا ، وبحنانها المتصبب دموعا تحاول تهدئتي وتطميني . . كل شيء سيكون بخير ، المهم وصلت بالأمان ، كل شيء سيكون مثل ما تريد . . واكثر – وكلما تأخر وصولها ، كان انتظاري . . محاط بسكون مخيم يبسط ذاته كروتين على المكان ، يسقط علي بشعور . . أني وحيد . . غريب عنهم رغم صلة الدم القريبة ذات الاحاسيس التي تملكت عمري الماضي . . بلا وجود ظهر يسندني . . رغم احاطتنا بمئات من أقرباء والدتي ، التي كانت تعد الهانم المحبوبة من الجميع ، لكن أولادها من زوج خارج اسم العائلة و . . أولادها لا يحملون لقب الباشا الجد . . فهم ليسوا مثل أولاد اخوتها الذين يحملون لقب العائلة ، وليس من حقهم امتلاك ارثها ، فهو من حق من يحمل لقب الجد الباشا – لكن ذلك لا يمنع نسبهم الى اخوالهم وإظهار التودد لهم امام عمتهم . . التي هي محط حب الجميع – اهلا . حمد لله على السلامة . كيف امك واخوتك ، عندك إجازة . . تتفسح ، ستعجبك القاهرة ، عند من نازل ، اكيد معك أصحاب ، تدرس في الجامعة . . وإلا خلصت ، سمع خالك عنك اخبار . . انك متفوق . . وتكتب كثير في الصحف ، ابن الوز عوام . . مثل ابوك الله يرحمه ، كان من ابرز ثوار 1948 كما يحدثني عنه خالك . . . .
كانت تتدافع الاسئلة عن الاهل والقرية والبلاد ، تتخللها ايحاءات بصعوبة استضافتي لوجود بنات في البيت . . يتعارض وجودي بينهم وفق العادات اليمنية – قعدت ألفت بعد مجيئها بسيارتها من الخارج ، هي الابنة الوسطى . . المتخرجة عن كلية الداب ، ومن ثم قدمت الابنة الصغرى وهج . التي أكملت من وقت قريب الثانوية العامة ، أما الكبرى تهاني المتزوجة منهن ، الوحيدة التي كنا نعرفها كمستقرة مع زوجها وابنائها في اليمن و . . غالبا كان سفرهم في الاجازات الصيفية الى مصر او غيرها من البلدان الأجنبية ، خاصة تلك القريبة من بلد إقامة الخال حين يكون تعيينه في احد البلدان الأوروبية ، سألت عن جلال ابنها الكبير – كما نعدد الافراد بأسمائهم . . حتى وإن لم يرهم أو يعرفهم احد من العائلة المقيمين في اليمن ، أكانوا من كبار السن أو الشباب ، فهم ولدوا وعاشوا في الخارج – الذي يقيم في لبنان ويدرس في الجامعة الامريكية ثم غادر لدراسة الطيران المدني في أمريكا – حسب ما سمعت من اخبار خلال اخوة السفير الذين كان منهم يعيش في كنفه واكملوا دراستهم الجامعية ثم عادوا الى اليمن .
رويت . . كامل قصتي ومعاناة التضييق والرعب الذي طالنا . . ولا احد يقف معنا ، حتى ما جرى من نهب لأملاك امي . . مما عيشنا فيه من شظف العيش ، واملاك والدي منهوبة و . . عداء علني بسبب تاريخه ، بدلا من منحه اوسمة ويرعون أبنائه . . ليس لنا راتب باسمه و . . منزل نمتلكه – لم نجد انفسنا إلا مطاردين ، ف . . غير اعتقالي المتكرر وانهاء مستقبلي . . حتى شقيقتي نور التي تكبرني بسنة . . كانت معرضة قبل سنوات . . اربع للاعتقال والسجن بتهمة العمل السري للحزب الاشتراكي فرع الشمال – كانت وقتها في ثانية جامعة وحامل في الأشهر الأخيرة قبل الوضع – لولا دفع الكثير من الشخصيات الوطنية المرموقة . . ما أوقف اعتقالها بأوامر من الرئيس . . .
رأيت علامات التعاطف الشديد في وجه ابنة خالي ألفت ، فما سمعته اشبه ما يكون من الدراما الخيالية التي تراها في الأفلام . . ولا تتصور أن وجودها حقيقة في الواقع . . دون مبالغة – كيف . . وهي تراني صغير في السن ، بل اصغر منها . . ويحدث هذا معي – اعتذرت خالتي لتذهب لمعاينة تجهيز المطبخ لوجبة الغدا - موعد عودة خالك من السفارة . يصل تعبان ، نتكلم معه عند الغدا . . بعد ما يصح من القيلولة – كنت لمحت تغيرا قلقا طرأ عليها . . بعد معرفتها الحالة التي جئتهم بها – لا تقلق . . ابي سيدبر لك حل ، لن يطرحك ابدا . . .
على مائدة الطعام اجتمعنا لتناول وجبة الدينر ، كنت جالسا في مقابل معالي السفير و جلس بقية افراد العائلة على جانبي المائدة – حمد لله على السلامة – بقول مقتضب و . . انزل بصره تجاه صحون الغذاء لبدء التناول – هيا . . قولوا بسم الله . لا تستحي وجدي ، اكيد انت جوعان – كان صوته الرجولي القوي يحمل علامات الإرهاق والضيق وخالتي الملاطفة بكلام اشبه بالهمس . . يصل سمعا الى مجلسنا في الصالة . . عند دخوله المنزل اثر عودته من عمله عند الخامسة مساءا – ابن الأستاذ احمد عبدالواحد . . ابن اختي ناظميه عندنا . . وصل من اليمن – بعصبية رد بأن الخبر وصل إليه في السفارة – إيش اعمل له . وضعني في مشكلة ، يتهموني بأني من هربه ، وأني كنت احميه في اليمن . هذا طائش يسب ويهاجم ليس النظام ب . . بل الرئيس ، إيش تحت ط..... ، ما عنده احد . . بدل ما ينتبه لامه واخوانه الصغار – مرارا تقاطع كلامه برجاء خفض صوته – يكفي الذي هو فيه – حتى لا اسمع – انت تعبان الان ، تكلم معه بلطف . . بعدما تقوم من قيلولتك . . عند الغذاء ، . . ما عند امه إلا هو الكبير . . يكفيها من الام ، ما نعرف كيف حالتها على ابنها الان – حاولت ألفت تشتيتي عن سماع حديثهما ، واختلاق دردشة عن الادب وعن كتاباتي وقراءاتي الأدبية . . لكونها خريجة آداب – لم اقو على تناول شيء ، فتجاهله لي – رغم أنه كان في مزاج سوى وهادئ عند جلوسه – هزني من الداخل ، كانت يداي ترتعشان . . لا تمكناني من تناول الاكل – عادي . . كل بيدك . . لا داعي للشوكة والسكين – أنا لا استطيع آكل إلا ب...هما والملعقة ح....تى في اليمن – نظرت إلي خالتي مخففة شعوري بالحرج ، رغم انها كانت والاخرين قد رأوا حالة انهياري وخروج شهقات بكائي المقهورة التي حاولت كتمها ولم استطع على فعل ذلك – لا إراديا . . بكت شروق بحرقة بصوت مسموع . . وهي اخر العنقود محبوبة ابيها ودلوعة الجميع ، وسالت دموع صامتة على وجنتي ألفت – أكان تعاطفا صرفا أ . . أم لمعرفتهم المسبقة بغلاظة موقف ابيهم ، الذي لا يترك للمشاعر أن تسيطر على تصوراته العقلية و . . فهمه للأمور – لا يفرق عنده أن يكون قاسيا معي كأب لابنه ، أو أكون غريب . . ضائع يلجأ إليه و . . وليس لديه غيره ينقذه ، ب . . بحق الابوة ورابطة الدم – هدئي نفسك . انت على لحم بطنك من الصباح . . كل الان ، هناك حل عندما نشرب الشاي – الكلام الودود لبقية افراد الاسرة في التخفيف من حالة القهر التي اجتاحتني . . اثمرت بعودتي التدريجية الى الحالة الطبيعية و . . بدء تناولي للغذاء بانعدام للشهية – اختلقت خالتي لحديث متبادل عن ذكرياتها واختها والحياة وعن الاخرين . . الخ ، أظهرت طفولتي بانسياقي معها والاخرين في احاديثهم وتساؤلاتهم رغم معرفتي أن كل ذلك إلهاء لاكتمال تناول الوجبة و التخفيف من شعور القهر والضياع ، الذي يرجف قلوب أناس غرباء عنك حين يستمعون الى شكواك .
انتقلنا الى صالة الاستقبال ، وخلال جلوسنا احضرت الشغالة ابريق الشاي والكؤوس الزجاجية التي بدأت بصب الشاي وعند وصولها إلي سألتني اذا اريده خفيفا ام ثقيلا . . اجبت ثقيلا – خلال رشفته الثالثة توجه بحديثه الودود . . تلبية لنظرات الاخرين المتوسلة له بالتعامل معي – بعد ما طلب من ابنتيه أن تذهبا . . لقضاء ما اعتادتا عمله – انت الان ناضج ، وتخرجت عن الجامعة بامتياز . . فكر بعقل ، امك لوحدها واخوتك الصغار . . ما معهم احد ، انت راجلهم ومستقبلك أملهم – قطع حديثه ليكمل كأسه ويطلب أن يصب له كأس اخر – ابلغوني اول ما وصلت السفارة عن وصولك الهارب الى القاهرة ، وبعدها جاءتني اتصالات من الداخل اثارت غضبي ب . . تحميلي مسألة هروبك ، ودخلنا في كلام مليء بالتهديدات والتحدي – ارتشف مرتين الى ثلاث من كأسه – كانت حالة الغضب تتصاعد لديه رغم محاولاته كبتها – أني سأرجعك على رحلة اليمنية الذاهبة صباحا الى صنعاء ، ولن يتعرض لك احد . . فأنت في حمايتي ، وهو ما اتفقنا عليه – انت ت . . تعرف انهم لا عهود لهم و لا . . يلتزمون بأي وعد يقطعونه – أقول لك على ضمانتي . . لن يقربون منك ، انت اهدأ وتعدل وسافر على منحتك – بتوسل ادراك خوفي ، ليعينني من هنا باستكمال دراساتي العليا على منحة مجانية الى أي بلد . . حتى في القاهرة – انت يا خال لك علاقات مع غالبية بلدان العالم ، ت . . تنقلت فيها من واحدة لأخرى . . لك مكانتك الكبيرة و. . كلمتك لا ترجع – انتفض بعصبية آمرا – قلت لك على ضمانتي . . ما تفهم ، ما في حل اخر – أنا اسف ما أقدر . هناك اسمك لم يوقفهم عن سجني وتعذيبي وتضييع مستقبلي ، انهم يعرفون انك خالي ، ويعرفون عن والدي – كانوا يرددون اسماءكم وحتى الشيخ نعمان الحائط – كتهديد صريح إما اعمل مخبرا معهم أو ألقى ما هو غير محمود . . لا يوقفهم شيئا او اسم من ممارسة قمعهم – انت طائش . . ستضيع نفسك ، ما في طريق اخر – شكرا لك . . خ . . ال ، ضياعي هنا ل . . ليس نهائي ، أما عودتي للاعتقال والامتهان و. . الضياع المطلق المؤكد . انهم يخفون الناس و. . لا يعرف أحدا عنهم لبقية العمر ، ما هربت إلا بعد أن تأكد لكبار الشخصيات الوطنية الذين تعرفهم و . . الذين هم من دافعوا عني ، بلسان الدكتور المقالح عن الرئيس قوله . . اخرجوا هذا الولد . . قبل ما نقتله – انهم اجمعوا عن بحث وسيلة لتهريبي للخارج ، أما الى الجنوب ف . . هو امر خطير إ . . إذا قبض علي . . ستلصق بي تهمة الجاسوس لجهاز امن الدولة في الجنوب ب . . من تهمة المعارضة لشاب متهور من مراهقته السياسية – أنا قلت لك ما عندي . . وفق الاتفاق بيننا ، غير ذلك فأنا متهم بتهريبك وتحريضك على الرئيس - افهم – في مشاكل كبيرة بيننا – إذا رفضت . . حتى مش ممكن تجيء لزيارة خالتك ، كما وغير ممكن تبقى عندنا هذه الليلة . . تعرف العادات والتقاليد ، فالبيت فيه بنات – معك فلوس – ما عندي – اخرج من جيبه مائة دولار مادا بها لآخذها – لا أريد . . شكرا لك ، اوعدكم ما . . تشوفوني مرة أخرى – رميت المائة الدولار على المنضدة رافضا لمحاولات خالتي أن تغصبني على اخذها – فقدت ساعتها ادب الحديث معه كأب روحي للعائلة او مقامه الدبلوماسي ، تحركت بانفعال مغادرا بيته وام مالك تحاول اقناعي واتباع قراره – إيش ستقول اختي ، اين ستذهب ، إيش ستعمل – الله كريم . . لن يتركني و . . انا مظلوم – بحرقة قلت لها . . هذا خال ، ما سيعمل إن كان ابنه واقع في . . نفس مشكلتي – مسكينة امي حين كانت تودعني فجرا وهي تدعو الله لتسهيل طريقي وإيقاف من الطيبين لمساعدتي ، اخر كلماتها خالك ملاك ، فخرنا جميعا . . لن يطرحك ابدا و . . ولا اختي الله معك حبيبي . . . . .
لم أفق من هول صدمتي . . بعد مغادرتي مهرولا بيت السفير ، نشيج تأوهاتي المسموعة لم تنقطع إلا بعد ساعات طويلة من السير على الاقدام – كنت أرى علامات الفضول تعلو وجوه من اعبر جوارهم ، كنت احس بنظرات بعضهم تتابعني . . ومن يرمقني بعطف أو محاولة التحدث معي لمواساتي – كنت دون تفكير اعدو سريعا لأتجنب نظرات من كانوا قريبا مني – تقتلني اكثر النظرات العابرة المحملة بالمواساة والتعاطف من الاخرين ، كما لو انها تغرس خنجر في روحي كحقير لا قيمة له – لعنة الله على حياة تنقلني من مأساة لأخرى ، أدني نكرة امام الكثير من البشر ، وأنا من العزة التي تربيت عليها وحفر قدري عاليا في مثل عمري بين كبار الأسماء الوطنية اللامعة – لعنة الله على البلد ، مثل ما صنعته بأبي . . تصنعه معي ، تحرق نفسك وكل غالي تمتلكه لخيرها ف. . تصفعك لآلاف المرات . . حتى ترميك خارجا عنها . . كمتسول في حالة من الضياع - لا أذكر كل الطرقات التي عبرتها ، ما أذكره اني خلال مساري كنت اسأل تكرارا كيف اصل الى شارع الجامعة العربية . . ثم الدقي . . المنيا – تنبهت الى المعالم التي خزنت في ذاكرتي الموصلة الى عمارة الشقة التي نزلت ضيفا عليها – سألت . . كيف اذهب الى اقرب كورنيش على ضفاف نهر النيل . . سيرا على الاقدام – كانت الساعة تقارب العاشرة والنصف مساء ، فالسهر لم يبدأ بعد في عالم القاهرة ، ولم ارد أن يراني الاخرون في حالتي المفجوعة ، وربما لن أجد أحدا . . والبقاء بين جدران مغلقة قد . . تكتم انفاسي – وجدتني متخذا ركنا منزويا بعيدا عن الزائرين ، يقبع جواري كيس بلاستيكي وضعت داخله ثلاث زجاجات ستيلا اشتريتها من المحل الواقع على بعد عشرة أمتار من العمارة - كان قد أشار اليه سهيل صباحا – انتقيت مكان خلوتي الى نفسي ، تاركا لها الانسياب مع النسمات الليلية المضمخة برائحة مياه النهر و . . حركاته التموجية اثر عبور القوارب والمعديات الحاملة لمتنزهين برحلة نهرية - كنت قد تخطيت عدد من التجمعات الصغيرة من الأصدقاء و . . بعض الحبيبة الموزعين بين تقريش اللب وظهورهم نحو ممر الكورنيش أو يقهقهان بحركات معاكسات طفولية مشوب بتقطعات من الاحضان . . غير ابهين بأحد – كان موضعا خافت الإضاءة . . المتسللة إليه من الاحتفالات الليلية الصاخبة المقامة على ظهر العبارات والعوامات المتلألئة بالأنوار الملونة ، الراسية عن بعد . . على ضفاف نهر النيل . لا أذكر شيئا من رحلتي هذه سوى محطات ثلاث ، الأولى مغادرتي منزل خالي – بعد تلك المحادثة بما اصابتني من حالة هستيرية وذهان - والسير في الشارع مبتعدا عنه بغصة لم اعهد مثلها ابدا في حياتي ، والثانية حين وجدتني امام سكن استضافتي ، اما الأخيرة في زاويتي التي اقعد فيها ، يتخلل هذا التذكر المبقع . . نظرات الناس التي حزت في نفسي و . .مشاهدات الكورنيش الأخيرة خلال سيري – تسربت الآهات الى نفسي مجددا ، دافعة لخط متواصل من انسكاب الدموع بصمت . . مع شلل لا يحضرني شيء من التفكير ، شباك مغزلية شديدة التداخل تنسج نفسها بعواصف من الحزن تحتويني ، تقيدني ككابوس يجثم على انفاسي ب . . شعور من التوهان . . يقزمني الى حالة من التلاشي . . فلا اجد ذاتي – برهة من الوقت . . أيقظتني النسمات الباردة ، واغواني السحر المحيط بالمكان . . فجفت التنهدات والدمع – كان عالما من أحلام اليقظة – تفقد مثله اليمن - امارسها في كتاباتي القصصية والشعرية ، التي علقت في اخيلتي مجردة دون معالم . . خلال النثر الفني والروايات العالمية والملاحم التي قرأت الكثير منها – بضغطة قوية من الابهام الى الخارج . . اقتلعت غطاء الزجاجة . . وبدأت ارتشف منها الى النصف – اخبرني سهيل ممنوعا الشرب في الأماكن العامة المفتوحة ، ولكن لا يعترضك احد إن انزويت جانبا ولم يكن ملحوظا للآخرين أو يؤثر عليهم سلوكك – كنت اختلس النظرات عند شرب زجاجتي الأولى . . التي غطيت جسدها بصدرية الجاكت الذي كنت ارتديه عند ارتشافها – أن يراني . . من يمكن أن يدخلني في مشكلة جديدة و . . أنا لا احتمل – اكملتها ولم تترك أي اثر علي ، كما لو انني شربت عصير شعير مصنع ، وضعتها مدفونة بشكل غير ملحوظ في شق من الشقوق المنتشرة على الجدر الصخري المائل الذي اقعد أعلاه على فضاء صغير المساحة ، الممتد اسفلا الى حد خط الطمي لضفاف النهر – فتحت الأخرى و . . بتأن وقفت عند منتصفها – فالليلة طويلة – غرقت في المدى المظلم البعيد ، وتارة اغوص في قعر النهر ، وتنتشلني أخرى متداخلات الأغاني والموسيقا المغطية بأصواتها محيط السهرة ، تجرني بانسياب مبهم خلال مزيج الأضواء الملونة ، اجدني جزءا منها ، متسربا خلال ومضاتها عند انعكاساتها خلال صفحة مياه النهر . . الى حالة من التلاشي . . اللذيذ – تبخر كل ما كان يعتمل داخلي ، تبخر العالم المرئي ، تبخرت انا ، صرت طاقة غير محكومة بوسخ عالم الانسان ، اتلذذ بفم الزجاجة كما اعتدت اتلذذ بشفاه الجميلات اللائي عبرن في حياتي السابقة – سكنت و . . كنت ارتشف بعدها دون أن اعير اهتماما أي أحد ، كنت قد وجدت نفسي التي عهدتها منذ طفولتي ، امارس حريتي وارادتي بما يريحني ويشعرني بوجودي . . طالما لا اضر احد او اسيء لأحد - كلهم . . على حذائي . . . لن اضيع . . . لست بحاجة لأحد . . على حساب كرامتي . . . قد يعاني من هو في وضعي ، ل . . لكن مثلي . . لن يضيع .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 2 )
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2- ج)
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقـــــــة ( 1 )
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2- ب)
-
حنين . . في زمن مبكر / أغسطس 1984م.
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2-أ)
-
مترائيات العلمية والنقد العلمي - الانتهازيات وقيم السوق
-
النخب العربية واوهام تحرير العقل ( 3 )
-
النخب العربية وأوهام تحرير العقل ( 2 )
-
وطن متلون بالجنون
-
متوازنة قوانين الوجود والحياة بين مفهومي العبثية والضرورة (
...
-
رؤية شخصية حول عبثية الوجود والحياة ( 2 )
-
الوجود . . إشكالية لم تحل بعد
-
النخب العربية وأوهام تحرير العقل ( 1 )
-
حب وخوف . . عليك
-
للمدينة - مثلي - سؤال
-
لك وطن . . اخترعتهفيك
-
من وهم العلمية في الفهم - من واحدية تماثل الموقف بين النخبة
...
-
استنهاض من الصمت . . مجددا
-
توهمات فكرية ( ذاتية ) سابقة / نحو أدبيات ثورة فبراير 2011م.
...
المزيد.....
-
الرئيس عون: مكافحة ثقافة الفساد ومحاربتها تستدعي مساهمة الجم
...
-
-15 قرشا- لتعيش مع نخبة من الشخصيات العالمية!
-
أبرز المسلسلات العربية في رمضان 2025
-
الفنانة نجوى فؤاد تتحدث لـRT عن حالتها الصحية واعتزالها الفن
...
-
رحيل إحدى أبرز مغنيات موسيقى السول الأمريكية روبرتا فلاك عن
...
-
سوريا.. أحزاب كردية تنتقد -التمثيل الشكلي- في الحوار الوطني
...
-
-تاريخ العيون المُطْفأة- لنبيل سليمان.. عميان في جغرافيا الا
...
-
روسيا تحتضن معرضا للفنان العراقي صفاء حاتم سعدون الحساني
-
نشر مجموعة شعرية
-
تحقيق فرنسي يستهدف الممثل جيرار دوبارديو بشأن -مقر ضريبي وهم
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|