أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - في ذكرى رحيل الرائد محمود البريكان















المزيد.....



في ذكرى رحيل الرائد محمود البريكان


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 10:51
المحور: الادب والفن
    


تمر بعد ايام الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الرائد محمود البريكان مغدورا في مناخ من التجاهل. ونحن في انتظار صدور اعماله الكاملة بعدما فقدت لسنوات وتم جلبها من السعودية.
تتملكني الرهبة من تغاضي الجو الثقافي عن هذه الذكرى. .ولا يسعني الا ان اذكر بالبحث الذي وضعه الناقد العراقي د.حاتم الصكر.وقد نقلت مقتطفا من كتابه(غيبوبة الذكرى:دراسة في قصيدة الحداثة).

(( محمود البريكان : في غيبوبة ذكراه





-1-

نستذكر محمود البريكان في العادة بكونه الصامت الأكبر في جيله، فهو لم يصدر ديواناً رغم بصماته الواضحة في الشعرية العراقية، وقصائده المتوفرة على حداثة أسلوبية تزهد بالإيقاعات التقليدية والموسيقى الخارجية، وتبني عالمها بتقنيات متفردة.
أذكر أن قراءتنا للبريكان توقفت عند مرحلة أسماها النقاد (مرحلة حارس الفنار) في إشارة إلى قصيدته الشهيرة بالعنوان نفسه ، وما تسرب إلى النشر بعدها من قصائده الشحيحة التي تغطي فترة الخمسينيات والستينيات، وما صاحبها في فترة (سيادة الفراغ) كما يلخص الشاعر عبدالرحمن طهمازي الذي استنبط عنوان مقدمته لمختارات البريكان الشعرية من قول الشاعر:

الرياح
هي بعد سيدة الفراغ ’وكل متجه رياح

وسوف يركن الشاعر من بعد إلى صمت طويل، قريب من (موت شعري) مؤقت، لكن أصدقاءه المقربين يعلمون أن البريكان (يعيش) شعرياً ويكتب، لكنه يزهد بالنشر لأسباب ظلت مجهولة، لعل أكثرها ترديداً هو خوفه المبالغ فيه، أو (رهابه) في الأصح، من الأخطاء الطباعية التي تظهر في القصائد عند النشر.
وكان لي خلال رئاسي لتحرير مجلة (الأقلام) توق شديد لاقتحام عزلته، حتى أقنعته خلال إحدى زياراتي للبصرة وبمساعدة الصديق الراحل الشاعر رياض عبدالكريم ، أن يخرج من صمته، ما دام لديه شعر لم ينشر، وهو فيما قرأنا مواكب للحظة الحداثة التي وصلت إليها القصيدة العربية الحديثة، فضلاً عن مراقبة البريكان المدهشة، والمفاجئة بالنسبة لي ، للمشهد الشعري المعاصر بتفاصيله الدقيقة’أي ان عزلته فعلا ذات طابع فناري ’فهو يراقب من معتزله القصي نبض الحياة الحقيقية وتجلياتها المجازية في الشعر.
وهكذا أفلحنا بعد جهد وبشروط عسيرة منه تتصل بالمراجعة المتأنية والدقيقة للتجارب الطباعية أن نقنعه بنشر (18قصيدة) كتبها بين عامي 1970 و 1992 ، وأعطاها عنوان (عوالم متداخلة) ونشرناها في (الأقلام) العدد 3-4/1993 بمقدمة مني بعنوان (الذكرى تلاعب النسيان) ولا أستطيع حتى اللحظة نسيان لقائي الأخير به حيث أعد مائدة صغيرة يتوسطها إبريق شاي وكؤوس بعدد الضيوف (صحبني في لقائي ذاك الشاعر الراحل رياض إبراهيم والشاعر حسين عبداللطيف) وكان البيت الذي يسكنه وحيداً غارقاً في الظلمة، عدا الغرفة التي جلسنا فيها، بينما كانت تنبعث أصوات الموسيقى من جهاز ضخم يضعه في غرفة نومه..وتكر في اللقاء خوفه على القصائد وتأكدت لي إنسانيته وتواضعه ورهافة إحساسه,رغم ما لاحظته من تلميحاته إلى انه سبق الرواد في تجربة الشعر الحر, وان السياب نفسه يعلم بذلك.
وبعد قراءة تحليلية للقصائد التي هيأها بنفسه ورتبها بالكيفية التي ظهرت عليها عند النشر ووضع عنوانها أيضا فكانت أشعاره تولد أول مرة برعايته دون قابلة أو وسيط
سنجد أن مرحلة (عوالم متداخلة) كانت شيئاً جديداً في شعر البريكان، حيث دخل السرد كعمود فقري لقصائده، وخفّ احتفاؤه بالوزنية ولوازم الموسيقى الخارجية والتقفية لصالح الأفكار التي تزدحم بها قصيدته، متنازلاً عن الغنائية والمباشرة والفهم العادي للنثرية واستضافة الحس النثري في القصيدة، مندفعاً إلى تأثيث قصائده بالأفكار التي لم تسمح بالاستطالات أو الترهلات فكتب مجموعة قصائد قصيرة بسطرين شعريين أسماها (بلورات) وراح يكثف من خلالها رؤاه ومخاوفه التي كان أشدها وضوحاً وأكثرها ظهوراً : خوفه من الموت، فالإنسان بين المخلوقات الحية هو الوحيد الذي (يموت في داخله .. يموت في غيبوبة الذكرى).
هذه الفكرة التي تشع في شعره، سيجعل لها تجلياً آخر حيث تتبادل الأحلام واليقظة أدوارهما وتفسيراتهما:

تصادف الأحلام
تفسيرها في لحظة اليقظة
………….
تصادف اليقظة تفسيرها
في حلمٍ تدفنه الذاكرة

لا شك انه يطارح هنا فكرة ميتافيزيقية عن الموت والحياة فكأن الحياة حلم أو ذكرى
تتبادل الأدوار مع الغياب في اليقظة أو مع اليقظة في الغياب.ويركز فكرة أننا نعيش ظل حياتنا أو ذكراها لا الحياة نفسها.
كما يترك بتبادل الألفاظ: (يقظة-أحلام-غياب –ذكرى)إمكان أو احتمال أن تكون الحياة ذاتها تصورا لا حقيقة.
ويؤازر هذا التصور الميتافيزيقي تصميم قصدي لتوزيع الكلمات والأبيات على السطح الكتابي مما يهب المفردات والتراكيب وجودا خاصا يفرض أعرافه عند التلقي كما هو عند الكتابة’متجاوزا متطلبات خطية البيت الشعري أو إيقاع الوزن .
لم يكن يشدني في عودته الثانية والأخيرة للنشر شيء مثل حرصه على توزيع كلماته في الأسطر الشعرية ووضع النقاط في أماكنها، وحرصه على مساحات البياض. وحين جاء نعيه تذكرت على الفور إحدى قصائد (عوالم متداخلة) وهي قصيدة (الطارق) التي تحكي عن زائر متخف أو رسولٍ من الغيب ينتظره الشاعر ويتوقع دقاته على الباب، في يقين غريب هو جزء من نبوءة عجيبة بالقدر المحتوم الذي سيلاقيه من بعد.
ولعل هذا الطارق الليلي المفاجئ هو ذاته (الزائر المجهول) الذي كان ينتظره حارس الفنار في إحدى قصائد البريكان الذي يسأل : (متى يجئ الزائر المجهول؟).
في عام (98) نشرت(الأقلام) العراقية ملفاً آخر يضم عدداً من قصائد البريكان، متفاوتة في زمن كتابتها. لكن الملفت فيها هو هاجس الموت نفسه.. والشعور بأن هذا الموت هو من (لوازم) الحياة ذاتها:
للتاريخ دوي
لا تسمعه ملايين الجماجم
التي طواها النسيان
… أيها الإنسان تنفّس بعمق فإنك محاط بالعدم
وتتعزز هذه الرؤية في قصيدة بعنوان ( حضور الأموات ) تعتمد في بنائها على الأسئلة فقط على شاكلة :
من يتسلل خلف خطانا
في الطرقات المهجورة؟
من ينقر عند هبوط الليل نوافذنا ؟
ويحرّك أطراف ستائرنا
حين تهب الريح ؟

وبعد عدة أسئلة من هذا النوع تأتي الإجابة بعد فاصل بياض يدل على الصمت، بكلمة واحدة منفردة في سطر شعري ’ وهي: الأموات.
إن هذه الهندسة المنطقية والتوزيع المدروس لبناء القصيدة الذروي المتصاعد، والترقيم الغريب المتمثل في توزيع الجمل داخل البيت الشعري (كما يتبين عند دراسة قصيدة أخرى هي: غياب الشاشة)، تدعونا للقول بأن البريكان ذو وعي حاد بما يمكن أن نسميه الحياة الداخلية للنصوص أو الجمل الشعرية فيه، وهي لا تتطابق بالضرورة مع الجمل كما يتطلبها الإيقاع الوزني الذي التزم به البريكان حتى أواخر قصائده رغم تنازله كثيراً عن القافية وتجاربه القليلة في قصيدة النثر.
وسيلفت نظرنا نص مدهش يعبر عن إحساسه بجسد القصيدة وما يكونها أو يحدد حياتها داخل النص، وأعني قصيدته المعنونة (قصيدتان متوازيتان) والملحقة في هذه الدراسة .إنه يقترح في هذا النص التجريبي الرائد (لم أقرأ شخصياً تجربه مشابهة قبل نصّه) أن تكون للقصيدة حياتان أو وجودان أو نصان متحققان: فالبداية واحدة تتسلسل سطرياً:

في البدء
كانت البذرة
لكن النص ينشطر بعد ذلك إلى اتجاهين: على اليمين سبعة عشر سطراً شعرياً، ومثلها على اليسار، يفصل بينهما خط طباعي مقصود. هنا سيكون للقارئ خيار قراءة التكملة بعد بيتي البداية , إما بالاتجاه يميناً، ليرى مصيراً محدداً للبذرة :
(ترقد في التراب الندي)
إلى قوله في آخر سطر (وتذوي) أي أن النهاية اليمنى هي الانتهاء بالذبول، أو أن يختار القارئ الاتجاه يساراً بعد البداية لنجد البذرة التي قال إنها ترقد ثم تذوي، قد ظهرت كالآتي:



(تقاوم ثقل الأرض
تنشق عن جذع أغبر
يكافح كتل التراب)
لكن النهاية هي :
(وضربة الحطاب القاطعة)
أما في نهاية النص وبعد انقسام المتن إلى جهتين فهي واحدة تلخصها عبارة (في النهاية) وهي تتحدد مع البداية أو المفتتح في أنها مشتركة بين المقترحين .

إن سيرورة البذرة في القصيدتين المتجاورتين (أو المتوازيتين) كما يقول البريكان تشير إلى مصيرين مقترحين من الشاعر، لكن البدء والنهاية الموحدتين تريد أن توصل فكرة العبث والمصير المحتوم أيا كانت البداية فالصيرورة أخيرا واحدة..
فأياً كان اتجاه البذرة (ترقد أو تتفتق عن ساق أو تصعد بنعومة إلى الشمس الخ…) فهي تذوي في النهاية .. كما لو أننا اخترنا القصيدة المتوازية اليسرى حيث البذرة (تقاوم وتنشق عن جذع وتتضخم أطرافها وتتهدل الخ….) لتلاقي المصير نفسه تحت وطأة ضربة الفأس القاطعة في النهاية.
ولابد أن نشير هنا إلى التناص الذي صنعه الشاعر في مفتتح قصيدته:
في البدء
كانت البذرة
حيث يجلب إلى الذاكرة مفتتح قصة الخليقة برواية الكتاب المقدس:
في البدء كانت الكلمة
وهذا التناص يقوي الاستنتاج بان الشاعر مسكون بهم ميتافيزيقي حول الخلق والعدم أو البدء والمنتهى.

إن فكرة خلق سيرورتين لنص واحد ومن رحم بدء واحدة ….وخلق مصير واحد في النهاية، تعكس ذعر البريكان من لعبة الحياة وإمكان إفسادها وعطبها’ وامتداد ظل ذلك الزائر الليلي أو الطارق الذي سيجيء في النهاية أياً ما كانت حياة الإنسان بدءاً ونشأة وهرماً.

لقد أثبت البريكان أنه شاعر تجريبي من طراز فذ. فهو يهمل الإيقاع الوزني تماماً في هذا النص لصالح إيقاع السرد النثري’ ونمو النص بنمو البذرة ذاتها وتوالي الأفعال والأحداث والأزمنة وصولاً إلى النهاية.
إن هذا النص ذا الحياتين أو الوجودين مرشح بدوره ليغيب أو يغوص في ما يسميه البريكان (غيبوبة الذكرى) ولكنه سيظل مثيراً ومقلقاً للقارئ من عدة جهات:
– عضوياً : حيث النمو الموازي المنشطر على جهتين.
– وبصرياً : حيث تتنضد خطيا أمام عيني القارئ صورتان للنص.
– وشعورياً: حيث تختلف سيرورة النص على اليمين وعنها في اليسار.
-وسردياً : حيث يشهد أحداثاً مختلفة يشوش بعضها الآخر.
وإزاء ذلك كله سيكفي خلق الشعور ب (القلق) عند القراءة والارتباك لدى القارئ في افتراض قراءة متفاعلة مع النص، لعلها هي القراء ، التي يسعى نقاد الشعر اليوم لإنجازه ليعيدوا للنص وجوده الافتراضي وهيأته الممكنة التي لا تتحقق إلا بتسليط قوة التأويل على المقروء والغوص في طياته أو طبقاته الكامنة وراء سطحه.


-2-
من بين منجزات الحداثة غير المنظورة، أو المحتسبة إيجابا لها، إعادتها هيبة علامات الترقيم داخل الملفوظ الشعري، واستثمارها لوصل الملفوظ ببعضه من جهة، وبالمغيّب أو المسكوت عنه خارج النص، من جهة أخرى.
إذ لم يكن لهذه العلامات قبل التحديث الشعري الذي بدأ بشعر الرواد – النصف الثاني من أربعينيات قرننا تحديدا – أي وجود. فقد اختصت بالنثر، وهُمشت شعريا لصالح سياق القصيدة البيتي. أي المنبني على أساس وحدة البيت واستقلاله. فليس من مكان لوقف أو استفهام أو تفصيل أو فاصل صمت أو تعجب، إلا ضمن وقفة البيت العروضية والتقفوية التي جلبت معها – لتقوية كيانها البيتي المستقل – وقفة معنوية بمعنى أن جرس القافية إيذان بانتهاء وحدة شعرية مستقلة وزنا وإيقاعا ومعنى. وما يظل من تدوير أو ترابط هو في بعض التصنيفات الموسيقية التقليدية ليس إلا خطأ فادحا يدل على عجز الشاعر أو غفلته أو خروجه على المألوف، لما يمثله اعتداؤه على استقلالية بنية البيت الشعري من تجاوز للذائقة. وهي ذائقة تكونت في ظل حاضنة شفافية، كان مبررا تماما على وفق نظامها السمعي على مستوى التلقي والإلقائي على مستوى الإرسال والبث، أن تحتاج لما يسور وحدة البيت ويصونها كي يصبح استيعاب المعنى والألفاظ ممكنا، ومتفقا مع الوظيفة العضوية لعاملي الإرسال والاستقبال (اللسان – الأذن).
وبهبوب رياح التحديث، تغير موقع المتلفظ والمتلقي معا. وصار للعين مسرح ضاج حافل بالموجودات المكتوبة على سطح الورق. وكان الامتداد المعنوي، بسبب سعة الدلالة ولا نسقيتها ومفاجآت القصيدة النامية بلا نظام صارم، يفيض عن وحدة البيت، ليقترح بناء سطريا جديدا، يتطور لاحقا إلى الجملة الشعرية بنوعيها: الكبرى ذات الهيمنة على البناء والدلالة والإيقاع والتركيب، والصفري ذات الوجود الفرعي الخادم لوجود الجملة الكبرى، والمتنوع على وحدتها، والمتعدد على مركزيتها أو بؤرتها المولدة. بهذا التراتب التاريخي الذي هو حصيلة تطور نوعي لا زمني وناتج وعي لا تقليد أو وراثة، صار للشكل الشعري ثلاثة تشكلات رئيسية تتدرج كالأتي:
وصار لزاما على القارئ المتعين كتابة لا مشافهة، أن يجدد لا ذائقته فحسب، بل ذخيرته النصية. فيهجم على النصوص لاحتوائها واستيعابها بما يجهز به نفسه من عدة كتابية تناسب السطح الذي تطالعه عليه القصيدة. صار على هذا القارئ البصري أن يتأمل دلالات علامات الترقيم وأن يجدد نظرته إلى التقفية والتكرار، والمطالع والخواتم وما بينها، ليتسع أفقا كي يلتهم أبعاد النص ويتمثلها قراءة وفحصا وإدراكا.
وإذا كانت هذه المقدمة ضرورية لتحديد نقطة النظر إلى شعر البريكان ضمن سياق الحداثة التي ينتمي إليها في ذاكرة الشعر العراقي وخارطته، فإن شعر محمود البر يكان – وهذه مناسبة ثانية – هو شعر قراءة بصرية لا مشافهة وسماع. وعلى هذا الأساس سوف نتفحص عنايته بتوزيع الأسطر الشعرية لصالح الجملة الكبرى وتفريقاتها الصغرى، ولكي لا نفترض التقاويل والتلفظات سنعمد إلى مسودة إحدى قصائده – (غياب الشاشة) 1990 – ونتأملها بخطه لنرى وعيه بالمكتوب ومادية الورقة وصلتها بالعبارة الشعرية.
ما يتيحه (غياب الشاشة) إذن هو اتصال بصري بنص حديث لنرى قصائده وحبائله وملاطفاته ونكته وحكمته ونزقه.. لنرى وجوده طه مختبئا وراء الصوغ الشعري المتقدم في جمل حية ذات فواصل ونهايات ومتن وبدايات واعتراضات واستطالات وقطع بالغ الحدة واستئناف غريب المبتدأ.. غريب المنتهى غريب المسار.
في قصيدة (غياب الشاشة) لمحمود البريكان، يطالعنا الوجه السطحي المقروء للنص، أو هيئته الخطية بثلاثة مقاطع تفصل بينها نقطتان سوداوان أرادهما الشاعر علامتين على الانتقال من المقطع الأول إلى الثاني ومن الثاني إلى الثالث. وهذا البناء المقطعي بعض أقاويل التحديث وفذلكاته سواء أجاء كما في هذه القصيدة من دون ترقيم، أم جاء مرقما بأرقام أو مسلسلا بأحرف وما شابه. وليس البناء المقطعي هنا عبثيا. إن النقطة السوداء تعلن نهاية حركة وموقف يشملها المقطع، وتمهد لحركة وموقف يليانه، ولابد أنهما متغايران على مستوى التركيب والدلالة، وهذا ما حققته قصيدة البريكان. فقد كان مقطعها الثاني تثبيتا يقدم مشهدا حاضرا. بينما كان الأول ينقض كذلة تصوير على كِسرة مشهدية ليرينا المكان أو مسرح الأحداث بجملة صغري تمتد على خمسة أسطر، ثم يذهب إلى الماضي مسترجعا ماضي القاعة كلها من خلال الشاشة (التي كانت.. وسط هذا الدار). أما المقطع الثالث فهو استعادة لفراغ الشاشة من المعروضات والخروج إلى الدلالة الصريحة (انطوى مهرجان الحياة).
على هذا الأساس تنقسم القصيدة إلى ثلاثة مقاطع ظاهريا. لكن تقنية جملها الشعرية التي لا تلتزم بحدود السطر الشعري ترينا وجود أربعة انتظامات مقطعية واضحة التباين هي:
1- مقطع المكان – مسرح الأحداث والاستلهامات الشعورية وتجليات البؤرة الأولية. ويبدأ من :
(مخزن الأمتعة) إلى (كغبار).
2 – مقطع الحضور الغيابي أي استحضار الشاشة الغائبة الآن، لتحول القاعة السينمائية إلى مخزن عاديات قديمة. (هاهنا كانت الشاشة الساطعة) إلى (والدموع).
3 – مقطع تثبيتي يهدف إلى تكريس مقطع المكان، لكنه يتنوع على فراغ فلسفي أو وجودي (للمكان روحه الصامتة) إلى (متعلقة بالدار).
4 – مقطع السؤال المصيري الذي يبدأ دلالة في السطر الخامس (من يرى يتذكر؟) إلى (حين تضاء المصابيح ثانية). فالشاعر قدم اللحظة على السؤال بنائيا.
إن المقاطع الأربعة المستنبطة بالقراءة الثانية المدققة بالعلاقات والارتباطات وكذلك بالانقطاعات والفصل البنائي والدلالي تجسد كلها ثنائية (الماضي / الحاضر) التي هيمنت على النص كله. وسنرى أن الجملة الشعرية الكبرى وتفريعاتها موظفة هي الأخرى لتجسيد دلالات هذه الثنائية التي بهظت روح الشاعر ووجوده حتى جعلته يتخلى عن حيادية التصوير التي عرف بها وخروجه من المشهد الشعري وتغييب الأنا – أنا الشاعر – لصالح أنا النص ووجوده ، وهي أسلوبية خاصة بالبريكان لازمت تعبيراته الشعرية منذ البدء. فدوما هناك راو أو سارد أو مصور مختف وراء الروي والسرد والتصوير. إنه يعرض علينا ما يرده سينمائيا دون تعليق. وهذه الميزة جعلت البريكان متناسق الأداة والهدف في هذا النص، مجافيا – كعادته – أية غنائية من لوازمها هيمنة الذات وعائدية الضمائر والأفعال لها. لكنه في هذه القصيدة بالذات يتخلى عن حياد يته في الأسطر الشعرية الثلاثة الأخيرة حين تساءل خارج سياق الشاشة ووجوهها المضيئة ومشاهديها عن الناس هل غادروا (أحلامهم) لا مكان العرض وحده.. وفسر ذلك بالسؤال أيضا عن تلاشي مهرجان الحياة كتلاشي الظلال على شاشة خالية. وكأنه جاء بالمعادل الرمزي المساوي لخلو الشاشة وفراغ القاعة فصار:
تلاشي ظلال الشاشة الخالية
انطواء مهرجان الحياة ومغادرة الناس
إن هذا البوح الدلالي ربما أضر بإيقاع النص المعتمد على حيادية إيهامية. فالشاعر لا يقف محايدا إزاء الحياة والموت، امتلاء الشاشة وفر اغ القاعة. لكنه اكتفى بالتستر وراء المويتفات الحزينة والجارحة، الحادة بفعل التذكر ويقظة الذاكرة. أما النهاية فقد جاءت اقتحامية إقحامية. هجم الشاعر على المشهد وسأل سؤاله الحاد فأقحم وعيه في صمت الأشياء وغبارها ورمادها.
تعرفنا حتى الآن على ثنائية وثلاثة مقاطع ظاهرية وأربعة مقاطع دلالية. ونصل عند هذه النقطة إلى التعرف على الجمل الشعرية. لنجد أن العنوان (غياب الشاشة) هو من النوع المباشر المعبر عن المحتوى. إنه عنوان استباقي أي انه يحكي ما سيجري ويرشدنا إلى بؤرة الحدث فكل ما سنقرأ هو عن (غياب الشاشة). وجمل النص الأخرى هي تفريعات تنويعية لهذا الغياب. إن الشاشة ذات وجود محير. فظلامها انتهاء وضوؤها إعلان عن بدئها وحياتها.لكنها لا تضيء إلا وسط ظلام القاعة. إن الظلام المطبق إشارة إلى بدء توهج الشاشة. فهل أراد البريكان باستحضار هذه الثنائية أن يذكرنا بخروج الحياة من العدم أو لزوم العدم لوجود الحياة وانبثاقها؟
لقد تسبب هذا الازدواج بازدواج دلالي محير. فالشاعر يعد الفراغ التالي لانتهاء العرض مساويا للإضاءة التي تعني النهاية. فخروج المشاهد مقترن بالضوء الذي ينتزعه من تماهيه بالمرئيات على الشاشة. فتحقق على مستوى الترميز شيء مزدوج هو:
■ إضاءة القاعة = فراغ الشاشة + غيابها
بمقابل: · عتمة القاعة = امتلاء الشاشة + حضورها
يترتب على ذلك سؤال يتصل بالتلقي: أيكون غياب الشاشة وفراغها بالضوء مساويا لغبار القاعة وتحولها إلى رماد من الذكريات والأشياء العادية ؟
إن الجمل الشعرية التالية للعنوان كلها تجيب على هذا السؤال وتكرس الثنائية الكبرى أعني ثنائية الماضي /الحاضر أو الحياة / الموت أو الحضور /الغياب.
تعرفنا هنا على ثنائية كبرى إذن وتنويعاتها الداخلية الثانوية. كما تعرفنا على جملة كبرى يلخصها العنوان وتشتغل القصيدة كلها من أجل تكريسها منذ السطر الأول حتى علامة الاستفهام التي ختمت السطر الأخير من القصيدة وصار المخطط التجريدي للنص واضحا بتعيين الجمل الصغرى وهي بالتتابع:
– جملة (مخزن الأمتعة..)
– جملة (للمكان روحه الصامتة..)
– جملة (هاهنا كانت الشاشة الساطعة)
– جملة (من ترى يتذكر؟ لحظة تتصاعد..)
– جملة الختام – السؤال الذاتي الإقحامي: وهل غادر الناس.. وانتهوا وانطوى مهرجان الحياة ؟ تتخللها كلها وتخترقها وتطوها جملة النص الكبرى (-جملة العنوان): غياب الشاشة. إن البناء الجملي الحقيقي (- النحوي/ مؤسس على الاسمية. فالجمل لدى البريكان إسمية أي أنه يتخذ هيئة المخبر عن الأشياء لا الفاعل وهذا يناسب مقام الدلالة، فالتلفظ بالإخبار يوافق تماما موضع الشاعر كسارد للنهاية: نهاية الشاشة والقاعة والحياة والماضي. هنا لن تقوم الأفعال إلا بدور ثانوي لذا نجدها مكملات لا أساسيات. أي أنها تستخدم لصوغ الخبر أو الحال أو الصفة لا لتترأس الصياغة وتتقدمها لبناء الحدث.
حتى البناء الجملي الفعلي يأتي ناقصا أي بالفعل (كان). أما البناء الفعلي التام فهو تابع للاسم مثل:
1- الشعاع الذي يتراقص…
يموج… [صلة الموصول + خبر] 2- السكون
وحده يتنفس [خبر] 3- الكائنات الخفية تكمن [خبر] 4- المهود التي صدئت [صلة الموصول ] 5- لحظة تتصاعد…
حين تشع…
حين تضاء [إضافة للزمن – تكملة للحظة والحين ] 6- من ترى يتذكر [خبر] 7- التي ائتلقت – التي شاهدت [ صلة الموصول ] 8- هل غادر… [ تابع السؤال ] وانطوى … ،، ،،
كما تتلاشى.. ،، ،، تكملة بالوصف – التشبيه] إضافة إلى المطلع (الأثاث القديم يتنفس فيه السكون) (يتساقط) [خبر] إننا لن نجد بناء فعليا عدا هذه المواضع العشرة التي يمكن اختزالها إلى وظائف محددة هي:
1- الإخبار 2- صلة الموصول 3- تعلق بالزمن 4 – بناء الاستفهام 5- التشبيه.
إن الشاعر ليس معنيا بالحدث وكيفية ما حدث بل الإخبار عما حدث، والتفلسف حول مغزى هذا الحادث، لذا جاءت الجمل الاسمية ذات أهمية مطلقة على الجمل الشعرية كبراها وصغراها. وكان تصوير المكان والماضي والحاضر بالمفردات التي تبدو متناثرة منفصلة لا يجمعها إلا مونتاج شعري ذكي، يسهم بربط مفرداته قارئ ذو خبرة سينمائية. لعله أحد الخارجين إلى النور من عتمة القاعة نفسها، والحاشدين إليها للسؤال عن مصير البشر.
إذا شئنا تسمية الجمل المغرى فسنجدها في:
1- مخزن الأمتعة… كغبار
2- ها هنا كانت الشاشة… والدموع.
3- للمكان روحه… متعلقة بالجدار.
4- من ترى يتذكر ؟ لحظة تتصاعد وشوشة الناس.
5- وهل غادر الناس… على شاشة خالية.
إننا لا نحفل بطول الجمل لتعيين موقعها في النص. فجملة (غياب الشاشة) ليست جملة نحوية فهي مصدر ومضاف إليه. لكن تقدير الحذف: هذا غياب الشاشة. أو المروي هنا غياب الشاشة. أو لماذا غياب الشاشة: يجعلنا نعطيها صفة جملة. بل نجعلها جملة النص الكبرى. ولهذا لم يكن الشاعر محتفيا بالبناء الجملي الداخلي. بل يتجاوز وقفات العروض والقوافي والدلالة والتركيب ليصنع جمله من عبارة واحدة أو كلمة واحدة أحيانا:
كغبار
والدموع
السكون
بينما يحشد أكثر من جملة نحوية في سطر شعري واحد يفصلها عامدا بنقطة (= علامة الانتهاء).
المهود التي صدئت. الأسرّة ذات النقوش
ولتعمد الفصل في غير مكانه النحوي يلجأ الشاعر إلى وسيلتين 1- العطف الجملي بلا عاطف نحوي، 2_ الانتهاء بالنقطة ثم ترك بياض أو فراغ قبل استئناف جملة جديدة .
وإذا ما تأملنا مفردات السطر أعطينا الشاعر الحق في هذا الفصل. فالكلمة الأولى في السطر (المهود) ستؤول دلاليا بعد الكبر والزواج إلى لمّ الأسرة). وذلك يلزم صمتا مكانيا يهيئ للانتقالة الدلالية. فما بين صدأ المهود ونقش الأسرة عمر، نكبر به ونجتاز المسافة من المهد إلى السرير بمتعة، سنرى أنها كاذبة حين يتساوى المهد والسرير في أرضية قاعة باهتة الروائح، مظلمة فارغة.
إن الاختزال الرائع للعمر بـ (المهود التي..) و (الأسرة ذات) إنما يعتمد على مشاركة القارئ وسياق الدلالة المشترك. فالسرير مكان جنسي ورمز المضاجعة والنوم المشترك مع الزوجة أو المرأة عامة. أما المهود فهي حاضنة البراءة والنوم المحايد غير الموظف لمتعة. ولنتأمل سطرا آخر يراكم مفردات المخزن المهجور الذي كان قاعة عرض صاخبة تضج بالوجوه والسفن والنساء والكنوز والبيوت والفرسان..
الأواني. المعاطف. الأغطية
إن هذه الموتيفات الثلاث غير متشابهة رغم أن الشاعر وضع نقطة بينها ليباعدها. فالأواني غريزية – طعامية. والمعاطف تدثرية طقسية. والأغطية: تدثرية سريرية. لكنها تشترك في إنسانيتها أولا كونها جموعا تدل على ممارسة الحياة من خلالها.
النقطة إذن فاصل داخل السطر كما هي خاتمة في نهايته.
أما النقاط الثلاث التي تلي إضاءة لمصابيح فلها دور امتدادي. إنها تقول للقارئ أن ثمة حدثا سيجري: يخرج من الأحلام والمتعة. من العدم المريح والتذكر لينغمسوا في التعب اليومي، لذا صاغها الشاعر خطيا هكذا:
حين تضاء المصابيح ثانية…
أما الأقواس التي تؤطر كلمة (النهاية) فهي استخدام حدا ثوي أيضا. تلاعب الشاعر بكلمة النهاية فقوسها ليصور ظهورها المكاني على الشاشة إيذانا بانتهاء الفيلم المعروض ثم ليمزج ذلك بنهايتين: 1- نهاية النص نفسه 2- نهاية الحياة. وهما متولدتان من نهاية الفيلم التي تحملها حروف كلمة (النهاية). وعلى المستوى الإيقاعي دور الشاعر الأسطر الثلاثة ليصل إلى النهاية. لأن قراءة كلمة (حروف) دون إضافة إلى النهاية يوقع في كسر إيقاعي سببه الخطأ العروضي. أما القراءة المتصلة فتظل فيها التفعيلة ضمن جو المتدارك (=الخبب) وتفعيلته (فاعلن /فعلن) والخارجة إلى (فاعلان) أحيانا.
حين تشع حروف
(النهاية)
إن الشاعر يرسمها (النهاية) بقوسين، مستقلة على سطر لما لها من دور بنائي ودلالي، جعله يغفل عن صلتها العروضية أو الإيقاعية بما حولها، ويتجاوز إضافتها إلى كلمة (حروف).
أما الأسئلة المتلاحقة في الخاتمة فقد جعلها الشاعر مختومة بعلامة الاستفهام التي لا نجدها في الاستفهام العمودي (أي الشعر المنظوم تقليديا).
إن هذه العلامة (؟) ذات وجود بصري يضاعف بنية السؤال ومعناه إذا ما غفل القارئ أو طال السؤال أو تجزأ أحيانا:
من ترى يتذكر؟ أين الوجوه التي ائتلقت ؟
وللشاعر في التقنية الداخلية عدة أساليب منها: الاستطراد بالوصف وهو أكثر الأساليب تردادا (20 صفة صريحة + 5 صفات بالاسم الموصول). وهذا يناسب مقام الإخبار عن (غياب) الشاشة أما مجيء الحال بالصيغ التي أكثر منها شعراء الحداثة لتقوية بناء الجملة مثل (البيوت رافلة) أو (السعادة خالصة) فهناك (أربعة أحوال):
البيوت رافلة /السعادة خالصة /المناضد مكسورة / الخزانات مغلقة)ويكون التتابع التركيبي حسب درجة ترداده أسلوبيا كالآتي:
1- الجمل الاسمية (أخبارها جمل فعلية).
2- الموتيف المتراكم بالمفردة.
3 – بالوصف.
4- بالحال.
5- بالتشبيه (3 مواضع فقط: كرماد/كغبار/كما تتلاشى..).
ويلزمنا أخيرا تأمل موقع الإيقاع في البناء الجملي الجديد. فإذا كانت الدلالة [= التحسر على ما آلت إليه الحياة والأحلام ] هي المهيمنة انبثاقا من جملة النص (= جملة العنوان: غياب الشاشة) فإن الإيقاع بمستوييه العروضي والتقفوي يؤازر توزيع الجمل الشعرية. فكما أن الشاعر لم يراعِ النظام البيتي أو السطري لصالح البناء أو الانتظام الجملي الأعم، فإنه لم يراع التوزيع العروضي رغم أن تفعيلة المتدارك تسمح بصلة أكثر حميمية لتقارب سكناتها وقصرها (فاعلن – فعلن) لكن الشاعر جعل منها امتدادا للدلالة والصوغ. فلم يلتزم بوقفاتها. هكذا نقرأ (والأثاث القديم): فاعلن/فاعلان. ونقرأ كلمة الختام في المقطع الخطي الأول: (والدموع): فاعلان. وكذلك (للمكان): فاعلان… أما التقفية فهي مهملة في شعر البريكان دائما. وفي هذا النص جاءت القافية في المقطع الأول:
.. الشاشة الساطعة
………………
القاعة الواسعة…/ والمغامرة الرائعة
ثم تظهر غير مكتملة في كلمة (والدعة) تفصل بينها أسطر كثيرة بحيث لا يظل جرس القافية من أثر في نفس المتلقي الذي يتسلم معاني لا أصواتا في هذا النص الكتابي الحديث. وفي المقطع الثاني سطران مقفيان تتابعيا:
روحه الصامتة
.. روائحه الباهتة
سرعان ما تنسى إذ نفرق في أسطر مرسلة دون تقفية. لكن مهيمنة صوتية أخرى تفاجئنا هي حروف المد الكثيرة في النص التي تتواتر لتصل إلى حد تصويت القافية أو الإيقاع مثل الناحلة /الشاحبة / الفارعة / خالية /
وقبلها/ الرائعة وقوافيها والباهتة وقوافيها..
إن غياب الشاشة أو خلوها بالضياء والضجيج ثم بالفراغ والغبار لهي كناية بجملة واحدة طويلة عن النهاية. ذلك السؤال اللغز الذي حير جلجامش وظل على صدور البشر الشعراء حتى يومنا هذا فلقد غاب بغياب الشاشة المشهد والمشاهد ومكان المشاهدة معا.








ملاحظات ما بعد القراءة:
1- يمكننا فحص العنوان (غياب الشاشة) بكونه نواة أو جملة كبرى أو بؤرة مولدة لخلايا النص البنائية والدلالية.
2- القصيدة منقولة نصا عن نسخة بخط الشاعر نشرت في مجلة الأقلام خلال عملي رئيسا لتحريرها ضمن مجموعة قصائد بعنوان ( عوالم متداخلة) . وهذا يبرر فحص (مقصدية) الشاعر في تعيين حدود الأسطر والجمل الشعرية ودلالات علامات الترقيم التي يحرص عليها البريكان ويقلق وستأخذ في القراءة موضعا خاصا.
3- يحرص الشاعر على توزيع الفراغ داخل الأسطر لاشتقاق الدلالات وتحولاتها، ولتحقيق تحولات في البنية التركيبية أو الإيقاعية.
4- يمكن أن نلخص هنا تجريدا خطيا للنص عبر هذا الجدول:
1- جملة كبرى غياب الشاشة
2- جملة صغري خمس جمل (مشار إليها في التحليل)
3- مقاطع خطية ثلاثة مقاطع:
1- مخزن الأمتعة..
2- للمكان
3- لحظة تتصاعد..
4- مقاطع داخلية أربعة (مشار إليها)
5- تراكيب أسماء / صفات /مفردات
أحوال / تشبيهات
فصل /وصل
6- ثنائيات كبرى: الموت / الحياة
صغري: الحاضر/الماضي
عتمــة /إضاءة
غيــاب / حضور
مخزن قديم / قاعة -شاشة
7- تقنيات كتابية
نقطة النهاية
نقطة الفصل
العطف بلا عاطف
الأقواس
علامة الاستفهام
نقاط الامتداد…
8- التقفية: خمس قواف (مشار إليها)
9- الإيقاع الوزني
فاعلن / فعلن
فاعلان + أحرف المد
5 – يمكن الاهتمام بدلالة التاريخ 1990 الموضوع بين قوسين آخر القصيدة. بينما كانت البصرة – مكان الكتابة – حرة دون تقويس. ففي ذلك انعكاس لانشغال الشاعر بالزمن وأهمية التاريخ لديه.




غياب الشاشة
شعر: محمود البريكان
مخزن الأمتعة
والأثاث القديم
يتنفس فيه السكون
يتساقط فيه الزمن
كغبار
هاهنا كانت الشاشة الساطعة
وسط هذا الجدار
هناك كانت القاعة الواسعة
قاعة العرض مكتظة في الظلام
والشعاع الذي يتراقص بين الظلال
يموج عوالم للحب والسحر والخوف والانتصار
والمغامرة الرائعة
ورجال الفروسية الأولين
والنساء الجميلات، والسفن الخالدة
وبلاد الكنوز الخفية
والمدن الهائلة
والبيوت البسيطة رافلة في الدعة
والسعادة خالصة
والدموع
·
للمكان
روحه الصامتة
للهواء روائحه الباهتة
كرماد حريق قديم
السكون
وحده يتنفس.
الكائنات الخفية تكمن داخل أشيائها
المهود التي صدئت. الأسرَّة ذات النقوش
الكراسي بأذرعها الناحلة.
المناضد مكسورة بعض أطرافها.
الخزانات مغلقة.
الزهور الصناعية الشاحبة
الأواني. المعاطف. الأغطية
أُطر الصور الفارغة
متعلقة بالجدار
·
لحظة تتصاعد وشوشة الناس في قاعة العرض
حين تشع حروف
(النهاية)
حين تضاء المصابيح ثانية…
من ترى يتذكر؟ أين الوجوه التي ائتلقت ؟
والعيون التي شاهدت كل شيء ؟
وهل غادر الناس أحلامهم وانتهوا؟
وانطوى مهرجان الحياة، كما تتلاشى الظلال
على شاشة خالية ؟
البصرة (1990)

)



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيدرو بارامو شرارة الواقعية السحرية
- شبح ماركيز ل جون دياز
- قصور الترجمة يقلل من قيمة النص
- ملف البريكان ج2
- ملف البريكان ج1
- شهادة من اديب
- رواية ( سنلتقي في اغسطس) اخيرا
- تسجيل لحكايا برقية ج6
- غزة
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
- كيف انبثقت الرومانسية في الشعر العربي المعاصر
- كتاب مختارات من الشعر العربي المعاصر
- رواية حزن وجمال لكاوباتا الياباني اسرار الجسد الانثوي.
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
- نظرات من اعلى التل كتاب كامل
- رواية المطبخ احدث السرد الياباني
- حوار مع الذكاء الصناعي باول صبح 2025
- ماركيزيات كتاب كامل
- تسجيل لحكايا برقية ج5
- تسجيل لحكايا برقية ج4


المزيد.....




- روسيا تحتضن معرضا للفنان العراقي صفاء حاتم سعدون الحساني
- نشر مجموعة شعرية
- تحقيق فرنسي يستهدف الممثل جيرار دوبارديو بشأن -مقر ضريبي وهم ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي..
- الكتاب الإلكتروني والنشر الذاتي.. هل يدقان المسمار الأخير في ...
- مؤتمر الحوار الوطني السوري .. انتقادات للاستعجال وضعف التمثي ...
- فيلم يوثق زيارة مراسل إسرائيلي إلى دمشق يُعرض الليلة وسط موج ...
- أبوظبي تحتضن مهرجان -صنع في روسيا- لتعريف الزوار بالثقافة وا ...
- جوائز السينما كانت خارج التوقعات.. الفائزون بجوائز نقابة ممث ...
- -صناعة الأفلام- أسلوب مبتكر لتعليم اللغة العربية للناطقين بغ ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - في ذكرى رحيل الرائد محمود البريكان