أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي














المزيد.....


التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 01:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُروى أن نيلسون مانديلا، بعد أن أصبح رئيسا لجنوب إفريقيا، دعا أحد حراس السجن الذين أساؤوا معاملته سابقا لتناول الطعام معه. كان الحارس يرتجف خوفا، وعندما سُئل عن السبب قال إنه لا يصدق أن مانديلا يعامله بلطف بعد كل ما فعله به. فجاء رد مانديلا يحمل حكمة التاريخ: "الكراهية لن تحررني، بل التسامح هو ما يجعلني حرا."
رغم قضائه 27 عامًا في السجن تحت نظام الفصل العنصري، إلا أنه عندما تولى الحكم، لم يترك الانتقام يفسد مسيرة شعبه، بل دعا إلى المصالحة الوطنية، وأثبت أن القوة الحقيقية لا تكمن في الثأر، بل في القدرة على تجاوز الألم لبناء مستقبل أكثر إشراقا.
مانديلا لم يكن وحده في هذا الطريق والتاريخ يفيض بقادة أدركوا أن التسامح ليس ضعفا بل هو أعظم أشكال القوة. المهاتما غاندي واجه العنف البريطاني بالمقاومة السلمية وحتى بعد اغتيال ابنه على يد متطرف هندوسي لم يسعَ للانتقام بل دعا إلى السلام. مارتن لوثر كينغ جونيور، رغم التهديدات والمضايقات، ظل يدعو إلى اللاعنف، مؤمنا أن الكراهية لا تجلب سوى المزيد من العنف والدمار.
وفي التاريخ الإسلامي، بعد أن استعاد صلاح الدين الأيوبي القدس عام 1187 لم يرتكب مجزرة انتقامية كما فعل الصليبيون عند احتلال المدينة بل سمح لهم بالمغادرة بأمان، مجسدا نموذج القائد الحكيم الذي يسعى للاستقرار بدلا من تأجيج الأحقاد. وكذلك فعل الإمبراطور الفيتنامي نغوين فوك أنهه في القرن التاسع عشر حين رفض الانتقام من خصومه موقنا أن بناء الأمم يحتاج إلى السلام لا إلى دوامة الثأر.
بعد هذا الموجز لنتذكر معا ضرورة المصالحة الوطنية في بلدنا المنكوب منذ ما يزيد على نصف قرن... و المصالحة الوطنية ليست مجرد خطاب عاطفي بل هي حجر الأساس لنهضة الشعوب وتماسك الدول. المجتمعات التي تتجاوز آلام الماضي وترأب الصدع بين أبنائها تكون أكثر استقرارا وقوة وهو ما ينعكس إيجابا على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن الجدير بالذكر هنا أن المصالحة لا تعني التغاضي عن العدالة بل تعني تحقيقها دون أن يتحول الماضي إلى قيود تعيق المستقبل. الدول التي قامت على التسامح والمصالحة لا على الثأر والانتقام كانت الأقدر على الصمود أمام العواصف الداخلية والخارجية وهو ما يعزز موقعها في المجتمع الدولي، ويفتح لها آفاقا جديدة من التعاون والازدهار.
نحن في واقع لا نحسد عليه فأخبار الأمس حملت تطورات خطيرة، إذ يسعى رئيس وزراء العدو ليس فقط إلى جعل المنطقة الجنوبية من البلاد خالية من السلاح، بل يهدد من يحاول النيل من الدروز. ورغم أن الدروز لا يحتاجون شهادة وطنية تثبت مواقفهم، إلا أن الشرخ الذي حدث في السنوات الماضية يتطلب طمأنة حقيقية. ليس عبر الوعود، بل بواقع جديد يؤسس لمواطنة حقيقية ودستور يحمي حقوق الجميع.
على الضفة الأخرى، المشهد في الشرق والشمال معقد؛ فهناك مناطق تحظى بحماية خارجية، وأخرى ما زالت في صراع هوياتي وسياسي. كل هذا يضع البلاد أمام خيارات أحلاها مرّ. استمرار الممارسات الانتقامية في وسط البلاد، وحمص تحديدا، يفتح الباب أمام قوى خارجية لتبرير تدخلها بحجة الدفاع عن فئة من الشعب وهو سيناريو رأيناه مرارا في أماكن عدة.
لذلك، فإن الحل الأكثر حكمة ليس الغرق في مستنقع الماضي بل في التعالي على الجراح والتوجه نحو المستقبل بروح جديدة. التجربة أثبتت أن الأنظمة التي ترى في شعوبها خصما، تُهلك نفسها قبل أن تُهلك غيرها. إن النهج المستنير للدولة يجب أن يقوم على العدل، لا على تصفية الحسابات وعلى المصالحة الوطنية لا على فرض الهيمنة بقوة السلاح.
التاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه. إذا لم تُبْنَ الأوطان على أسس المساواة والمواطنة والعدالة ودستور عادل يحمي الجميع وعلى مسافة واحدة منهم، فإنها تظل رهينة للفوضى والصراعات. والتسامح هنا ليس ضعفا، بل هو خيار الأقوياء الذين يريدون أن يورثوا لأبنائهم وطنا يستحقونه، لا ساحة معارك لا تنته



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين: من مصدر للسلام إلى أداة للصراع
- أرض تأكل أبناءها
- بين العنف والعفو: مقاربات أدبية وفلسفية في طبيعة الإنسان
- ونتساءل عن لوطن
- الموت: التأمل في اللايقين الحتمي
- تأمل سريع في مرور الزمن ودروس الحياة
- الحلم بالنهوض بعد الظلم والقمع
- أهمية القاعدة الشعبية في الحكم
- فراق أبدي
- سوريا: ملتقى الشعوب ونموذج للتعايش الثقافي
- أمل سوريا الجديد
- الانتقام والهدم: نحو تجاوز إرث الثأر لبناء سوريا المستقبل
- الخوف: ثقافة عالمثالثية أم تركيب اجتماعي؟
- الخبز والحرية: الاحتياج المادي والكرامة الإنسانية
- من الاستبداد إلى الشتات: حكاية وطن تحت قبضة الطغيان
- سوريا: وطن منهك بين السيادة المزعومة والحقيقة المرة
- بين الفطرة والتطرّف
- -صموئيل بيكيت: انعكاسات عبثية على الوجود الإنساني-
- هويتنا المفقودة
- لقاء لأجل الجواب عن سؤال -ما العمل!؟-


المزيد.....




- رفض ادعاء رئيس أمريكا.. شاهد ماكرون يقاطع ترامب ويوضح كيف قد ...
- لقاء بين وزيري دفاع السعودية وأمريكا.. وخالد بن سلمان يوضح ا ...
- تصحيح فوري وردّ ساخر.. ماكرون يقاطع ترامب في البيت الأبيض (ف ...
- -العرضة السعودية- تدخل موسوعة غينيس
- طبيب يحذر من تأثير الشخير وانقطاع التنفس أثناء النوم على الص ...
- صحيفة: بريطانيا تبحث مع الاتحاد الأوروبي التمويل المشترك للد ...
- العراق يعلن النتائج النهائية للتعداد السكاني
- السلطات الأوكرنية ترصد صواريخ كروز متجهة نحو كييف وتطلق إنذا ...
- ترامب يلغي مذكرة لبايدن تمنع انتهاك القانون الدولي
- سيناتور جمهوري: التصويت الأميركي إلى جانب روسيا -تحول درامات ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي