صفوان قسام
اختصاصي وباحث في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي
(Safwan Qassam)
الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 00:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كثيرة هي الأبحاث والمقالات التي انطلقت من النسوية باتجاه الفرويدية للرد على أبحاثها ونقض مقولاتها ومبادئها، لكننا لم نتسائل يوما هل يجوز للفرويدية الدفاع عن نفسها في وجه هذا الهجوم؟ ربما قد يكون هناك وصف فرويدي استباقي للحالة النسوية الراديكالية وتحليل مستقبلي لها قبل ظهورها؛ حيث يحاول هذا المقال توضيح عقدة نفسية وصفها فرويد توجد في المرأة المتطرفة التي تهاجم الرجال بشكل مبالغ فيه أسماها "حسد القضيب" وهي تنتج ما أسماه "المرأة القضيبية" التي تحاول كسر الرجال والتغلب عليهم واستحقارهم.. الخ. وهذا ما نراه في التطرف النسوي المبالغ به في النسوية الراديكالية.
في نظرية فرويد حول التطور النفسي والجنسي للمرأة، يحتل مفهوم "المرأة القضيبية" موقعًا محوريًا، وهو مفهوم أثار الكثير من الانتقادات من قبل النسويات وغيرهن، خاصةً الراديكاليات منهن؛ حيث يرى أن تطور الهوية الجنسية لديها ينطوي على مراحل رئيسية، منها ما يُعرف بـ"حسد القضيب"، ويعتقد أن الفتاة تدرك في فترة ما نقصها جنسيا مقارنة بالرجل عند اكتشاف غياب القضيب لديها؛ وبرأيه هذا هو الدافع الأساسي في تشكيل "الهوية الأنثوية"، حيث تعبر الفتاة عن رغبتها في التعويض عبر الإنجاب أو السعي للحصول على حب الأب، ما يُشكِّل جزءًا من عقدة أوديب مستقبلا لديها.. ويرى أن المرأة تصبح "قضيبية" حين تسعى للتصرف كالرجل لتعويض إحساسها بهذا النقص، سواء عبر الحصول على القوة والسلطة أو التفوق والتميز في المجتمع.
وتجد النسويات الراديكاليات في هذا التحليل نموذجًا للفكر الذكوري الذي يكرّس التبعية والضعف للمرأة، وهن الصيادات الماهرات لبنيوية المجتمع الذكوري؛ فبالنسبة لهن،هذه الفكرة "حسد القضيب" هي انعكاس للتحيزات الاجتماعية وليس حقيقة علمية نفسية.
لكن هل يمكن اعتبار رد فعلهن "الراديكالي" وتبنيهن لأشد حركات النسوية الفكرية تطرفا مدفوعًا بدوافع نفسية لا واعية مثل "حسد القضيب"؟
يعتقد فرويد بأن هذا الحسد ينشأ بسبب شعور الفتيات في طفولتهن بنقصهن مقارنة بالصبييان، مما يخلق رغبة لا واعية للتعويض؛ وفي حال كان هذا صحيحًا، فقد يكون تحدي النسوية الراديكالية للسلطة الذكورية محاولة نفسية لاستعادة ما يُعتقد أنه مفقود..
لا يمكن إنكار أن الحركات الاجتماعية، بما في ذلك النسوية، تستند إلى تفاعلات معقدة منها الواعية وغير الواعية؛ والنسوية الراديكالية، بوصفها رد فعل على الاضطهاد، قد تكون مشبعة بدوافع لا شعورية؛ يمكن تفسير تحديهن لسلطة الذكور كرمز للتعويض عن الشعور بعدم المساواة أو التهميش؛ ويُنظر إلى السعي لإعادة تعريف القوة كوسيلة لإعادة تشكيل الهوية بعيدًا عن معايير الهيمنة الذكورية، أما إذا قرأنا هذا السلوك في ضوء نظرية "حسد القضيب"، قد نفترض أن السعي إلى التفوق والتحرر هو محاولة رمزية لإلغاء الفارق الجنسي الذي يعزز الهيمنة الذكورية.
عندما يتم وصف النسوية الراديكالية بأنها تمثيل "للنساء القضيبات" المتمردات الراغبات بالسيطرة على الرجل من أجل تعويض نقصهن، فإن هذا يلمّح إلى أنهن يسعين للتفوق عبر تبني أدوار وسلوكيات ذكورية، وهو ما يتناقض مع الهدف الأساسي للنسوية الراديكالية؛ فالنسويات الراديكاليات لا يسعين إلى محاكاة الرجال، بل يطالبن بإعادة تعريف السلطة والقوة بعيدًا عن المعايير الذكورية؛ وبالتالي، اتهامهن بالسعي ليصبحن "نساء قضيبيات" يختزل حركتهن ويعيد تفسيرها ضمن الإطار الذكوري الذي يرفضنه..حيث يمكن النظر إلى النسويات الراديكاليات كدليل على تفكيك فكرة "حسد القضيب" بدلًا من كونهن تجسيدًا لها؛ لأن ما يفعلنَه هو تحدي الرمز (القضيب كرمز للسلطة)، ورفض الفكرة القائلة بأن القوة حكرٌ على الرجال، من هذا المنطلق، قد يكون وصفهن بـ"القضيبيات" محاولة لتحريف قضيتهن الجوهرية وإعادتها إلى إطار المنطق الذكوري.
لكن على الصعيد الآخر فإن النساء اللاتي كانت لديهن تجربة مزعجة مع الرجال، اتجهن للنسوية بأنواعها من أجل الحصول على فكرة تريحهن، وتناضلن من خلالها للحصول على حقوهن.. والكثير منهن كان انتمائهن لها من خلال المحيط الثقافي والتربوي الاجتماعي؛ وهن قلة قليلة جدا من باقي النساء اللاتي استطعن التكيف واندمجن، واليوم تسحبن تجربة النساء الفردية منهن تحديدا على كل النساء وفرضها وحتى تغيير كل شيء في التربية والسياسة والعلم والتعليم على هذا الأساس، ضاربات بعرض الحائط كل الاحصاءات والعلوم التي تشير إلى عكس هذه الحقيقة.. والنسوية تعتبر مشروع تغيير اجتماعي بالقمع وهي تستخدم الأدوات الذكورية نفسها في محاولة للتسيد على الذكر.. وهذا رد فعل نجده عند المرأة القضيبية التي تحاول إذلال الرجال من هنا نجد أن غالبية النساء الراديكاليات لديهن شخصيات دكتاتورية وطباع أشرس من طباع الرجال.
فمن الطبيعي أن تتأثر مواقف الأفراد بتجاربهم الشخصية، والنساء اللواتي عانين من ظلم أو قمع قد يجدن في النسوية إطارًا فكريًا ومجتمعيًا يفسر تلك المعاناة ويوفر لهن مساحة للنضال؛ كما أن المحيط الثقافي والتربوي يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي النسوي، في بيئات تُعزز الوعي بالحقوق الفردية والجماعية، يمكن أن تجد النساء في النسوية أداة للدفاع عن أنفسهن؛ ورغم أن عددهن قلة، لكن النسوية تُقدم نفسها كمشروع تحرري للجميع، وليس فقط لمن تعرضن للاضطهاد.
إن تعميم المعاناة أو التجربة الفردية للنساء المضطهدات - كما يحدث اليوم تحت شعار "الفردي-سياسي" - على كافة النساء قد يؤدي إلى قراءات متحيزة، تتجاهل التنوع الكبير في تجارب النساء عبر الثقافات والمجتمعات؛ كما أن فرض النسوية الراديكالية التغيير الاجتماعي بالقمع، مثل استخدام الضغط القانوني أو الاجتماعي أو الاقتصادي لتغيير القيم والتقاليد بشكل جذري، يعتبر قمعا فكريا يشبه الأساليب التي تنتقدها النسوية نفسها في النظام البطريركي.
إن النسوية الراديكالية محاولة للهيمنة على الرجل وليس السعي للمساواة؛ فإذلال الرجال من خلال تبنى لغة وسلوكيات تعكس رد فعل قوي على الهيمنة الذكورية، يُنظر إليها كمسعى للانتقام بدلًا من بناء شراكة عادلة؛ كما أن شخصيتها الدكتاتورية المتسطلة والشرسة يعتبر انعكاسا للتصورات المجتمعية عن النساء اللواتي يخرجن عن القالب التقليدي، لكنه في الوقت ذاته قد يكون نتيجة أسلوب الخطاب الراديكالي الذي يرفض الحوار أو التسويات.
وهذا يقتضي إعادة التفكير في النهج النسوي، من حيث التوازن بين السعي لتغيير جذري يصطدم بالبنية الاجتماعية ككل، وتبنى نهجًا تدريجيًا يأخذ بعين الاعتبار تنوع تجارب النساء واحتياجاتهن؛ وبناء جسور تفاهم بدلًا من استخدام لغة الهيمنة أو العداء.
إن اتسام النسوية الراديكالية بالشراسة قد تكون انعكاسًا لتجارب اجتماعية ونفسية قاسية عاشتها بعض النساء، لكنها أيضًا قد يفسر كإفراط في رد الفعل، ووعي بالواقع الاجتماعي، الحل الأمثل هو تعزيز الحوار بين الجنسين والعمل نحو شراكة متوازنة بدلاً من التصعيد والصراع؛ فالنسوية كحركة لا يجب أن تنفصل عن الواقع الاجتماعي المتنوع ولا أن تفرض رؤيتها بالقوة، بل تسعى لتحقيق التغيير من خلال إشراك الجميع في الحلول.
#صفوان_قسام (هاشتاغ)
Safwan_Qassam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟