أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية















المزيد.....

الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


في الآونة الأخيرة أخذ مجموعة من الكتاب الأردنيين يستعيدون الماضي ويكتبونه بطريقة معاصرة، بشكل روائي، فهم بهذه الاستعادة يؤكدون أصالة حضورهم ووجودهم واجتماعيتهم في المكان، وأيضا على أنهم جزء من بلاد الشام والمنطقة العربية.
تكمن أهمية رواية جبل التاج للكاتب مصطفى القرنة في تناولها واقع عمان بداية القرن العشرين، حينما بدأت هجرة الشركس والشيشان، الهاربون من بطش القيصر الروسي الذي عمل على تطهير عرقي في منطقة القوقاز، وهذه الهجرة تتماثل مع ما فعله الأتراك في الأرمن عام 1914، وما فعله المحتلين في فلسطين عام 48، من هنا نجد هؤلاء المهاجرين منتشرون في بلاد الشام، وكأن سورية تستعيد دورها في احتضان كافة الأعراق والأجناس وتصقلهم في بوتقة المجتمع السوري الذي كان دوما يهضم كل من يأتي إليه، ويسوريه كمواطن سوري أصيل، فيكون مواطنا منتميا لوطنه ولواقعه ولمجتمعه.
الهجرة
سنحاول التوقف قليلا عند بعض مفاصل أحداث الرواية ونبدأ من هجرة الشركس إلى المنطقة، وتحديدا إلى عمان، وكيف تم تقديم هذه الهجرة ومراحلها: "لقد كانت رحلتنا شاقة في الغابات الكثيفة، وكانت ليلة شتائية وباردة، لم نستطع حمل شيء سوى أغراض قليلة، وكانت رحلة خطرة جدا، كنا نتجنب الجنود الروس الملاعين، لقد تعرضنا للجوع وللبرد، وبعد جهد جهيد وصلنا الحدود التركية، ودخلنا إلى إحدى القرى التركية، يومان لم نذق فيها شيئا، ولا عرفنا الأمان" ص92و93، هذا ما قله والد "سلطان وفارس" عن الهجرة وكيف خرجوا من وطنهم طلبا للنجاة بالنفس والعائلة، لكن رحلتهم لم تتوقف في تركيا، فقد كان عليهم الابتعاد أكثر عن الخطر الروسي الذي كان في حالة عداء مع تركيا ويحاربها باستمرار: "وفي البحر الأسود، كانت السفن التركية تحملهم، وهم مكدسون لا يستطيعون التقاط أنفاسهم...وبجانبه الأطفال يصرخون من الجوع، والأمراض لا تترك أحدا، وتفتك بالجميع من التيفوس إلى الكوليرا، والسفن تلقي بالمرضى في البحر وكأنهم شحن زائد" ص10، هذا المشهد يشير إلى حجم المأساة التي وقعت في القوقاز وإلى بطش القيصر الروسي بحق مسلمي المنطقة، فما دفعهم لترك وطنهم وبيوتهم هو بطش جنود القيصر بالأهالي وقتل وسبي كل من يجدونه أمامهم، إن كان طفلا أم شيخا، رجلا أم امرأة.
سكة الحديد
سكة الحجاز كانت نقطة تحول في المنطقة، حيث تربط المركز، تركيا بالحجاز، وهذا يقوي نفوذ الأتراك دينيا وسياسيا وعسريا واقتصاديا في المنطقة، وأيضا يؤكد ترابط ووحدة المنطقة العربية وتداخل وتشابك مصالحها، من هنا وجدنا "لورنس" يقوم بتحطيم وتفجير ونسف هذا الطريق حتى بعد أن تم السيطرة عليه وإخلاءه من قبل الأتراك، فالإنجليز كانوا على علم ودراية بخطورة هذا الطريق على مصالحهم ومخطتهم في تقسيم المنطقة، لهذا نسفوه ودمروه ولم يعد صالحا للاستعمال حتى يومنا هذا، وحتى بعد مرور ما يزيد على المائة عام لم يعمر أو يصلح.
يتناول السارد هذا الخط الحديدي الرابط بأكثر من موضع في الرواية: "وصلت كوكبة من الفرسان إلى السفح المقابل للجبل في الجانب الشرقي لواد الرمم، هتف أحدهم أنظروا كان الفرسان العثمانيون يقيسون شيئا ما، والواضح أنهم يمدون شيئا، قال المسن للجميع أنها سكة حديد، رأيت مثلها في سوتشي، وهؤلاء الجنود عثمانيون حضروا من أجل ذلك" ص27، نلاحظ بداية العمل في طريق الحجاز، وكيف أن الأتراك بدأوا فيه لأهميته لهم وللمنطقة أيضا: "قال في نفسه وهو يمر قرب سكة الحديد، لقد حرسنا هذه السكة وبنينا مجد الأمة، وعندما سار القطار، وصار المجد للهلال تدخل هؤلاء الغاصبون" ص146، في هذا المقطع يشير السارد إلى أهمية سكة الحديد للمنطقة العربية، وإلى دور الإنجليز في تخريب وإفشال هذا الطريق بعد أن دمروه وحطموه وألغوه من الوجود.
وبعد أن احتل الإنجليز المنطقة وأصبح الخط الحديدي مجرد جثة هامدة لا حياة فيها: "أمر على سكة الحديد وأتحسر لقد كان هذا الخط عامرا، أحيانا أبكي عندما أتذكر أجدادي الذين بنوا هذا الخط، وكيف واجهتهم التحديات الكثيرة، وهم يحملون خيامهم ويحضرون الأخشاب والقضبان الحديدية، ويواجهون الضباع والبرد والجوع، ياه ما أصعب تلك الأيام" ص226و227، فخراب سكة الحجاز يتماثل مع خراب المنطقة العربية التي ما زالت تعاني من التقسيم والتجزئة، رغم معرفة الحكومات أن هذا التقسيم صنيعة الاستعمار، ويضر بمصالح الشعب والأمة، لكن ما زالت تلك الحكومات تحافظ على ما أوكل لها من مهام استعمارية، غير عابئة بمصالح شعوبها ولا بمصالح أمتها.
الزمن والأحداث
اللافت في الرواية أنها لا تحدد زمن الأحداث إلا بعد أن يتجاوز القارئ أكثر من ثلث الرواية، فقد اعتمد السارد على الأحداث ليعطي القارئ مساحة ليحدد هو زمنها، وبما أنها تحدثت عن هجرة الشركس والشيشان فهذا يكفيه ليعلم أن زمن الأحداث هو بداية القرن العشرين وتحديدا أواخر العهد القيصري في روسيا. يجري حوار بين "سلطان" وزوجته "برت" يتناولان فيه الحرب العالمية الأولى:
"ـ يقولون أن حربا ستندلع مثل تلك التي وقعت بيننا وبين الروس.
ـ من أخبرك بذلك؟
ـ الضابط التركي الذي التقيته أمس على الجبل" ص39، هذا الحوار يكفي القارئ لمعرفة الزمن وطبيعة أحداث الرواية، كما أن الحوار الذي تم بين "فارس" ووالده يشير إلى بداية الحرب العالمية الأولى:
"ـ هل هناك حرب قريبة؟
ـ الإنجليز يا أبي يحاولون وسيحضرون فيلقا جديدا ليحارب ولكن جنودنا لهم بالمرصاد لن يستطيعوا الصول إلى القدس" ص61، أيضا هذا الحوار يسهم في تحديد الزمن، ويعرف القارئ بالاستعمار الإنجليزي الذي كان يسعى لاحتلال القدس والمنطقة العربية.
أول ذكر للزمن وتحديده جاء في هذا المقطع: "في شتاء عام 1905، ومع تساقط الأمطار الغزيرة بلا توقف، اجتاحت عمان موجة من الفوضى والدمار، كان الجسر بالقرب من محطة القصر على خط سكة حديد الحجاز قد انهار تحت ضغط الميه المتدفقة، وسقطت عربة القطار في مجرى الوادي، ولم ير السائق حجم الكارثة، بسبب الأمطار الكثيفة" ص94، نلاحظ أن السارد ربط بين تحديد الزمن وسكة الحديد، وهذا يشير إلى أهمية السكة وإلى الجهد والتعب الذي بذل في إنشائها.
تتجاوز أحداث الرواية الحرب العالمية الأولى، لتصل إلى الحرب العالمية الثانية، وإلى تعريب الجيش العربي، بعد طرد "كلوب باشا" والاستغناء عن خدماته: "تم طرد كلوب باشا من قيادة الجيش وإسنادها إلى قائد عربي...هكذا قالوا لي اليوم الخميس بداية آذار 1956 سنقوم بإغلاق النادي، لم يعد هناك أي سلطة لنا في هذه الديار" ص275و276، أيضا المرة الثانية التي حدد في التاريخ كان بمثابة مفصل في حياة الأردن، حيث عُرب الجيش وأصبح جيشا عربيا خالصا وبقيادة عربية، ليس للإنجليز أو غيرهم أي سلطة أو دور في تكونيه ودوره وعقيدته.
الإنجليز
غالبية الأدب العربي قدم الإنجليز بصورة سلبية، وهذا يعكس دورهم الاستعماري التخريبي في المنطقة العربية، ورواية "جبل التاج" تؤكد هذه السلبية توثقها، إن تحدثت عنهم بصورة عامة: "لم يكن الجنود يرغبون بالحديث مع أحد، كان الإنجليز يحبون أنفسهم كثيرا، يأتون ويذهبون ولا يتعاملون مع أهل الجبل حتى أن كثيرا من السكان لا يعرفون أن هنا نادي إنجليز، أو أن الإنجليز جيرانهم، أنهم لا يعتبرون أنفيهم جزءا من هذا المكان" ص169، أم بصورة خاصة، فمن خلال الضابط "رون" الذي تعامل بفوقية وعنصرية مع "جمشيد" وأبنه "محمد" الذي أعجب بابنته "كاترينا" مما دفع "رون" إلى تسفيرها إلى لندن، وليصاب بعدها "محمد" بأزمة نفسة أودت بحياته.
سرد الرواية
اللافت في طريقة عرض الرواية وجود صيغتين للسرد، الأولى جاءت من خلال السارد العليم، وكلها متعلقة بالحياة الشركس وهجرتهم إلى عمان، وأنا السارد والتي جاءت بصوت "جمشيد" بعد أن تمكن الإنجليز من السيطرة على المنطقة، من هنا يمكننا القول إننا أمام سرديتين، أو أمام روايتين يكملان بعضهما، وهذا التعدد في السرد سهل على القارئ تناول الرواية، وجعله ينهل منها مستمتعا بتعدد الرواة.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
- ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت ...
- الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
- المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم ...
- فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرمى»
- بين فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرم ...
- الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
- سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
- العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
- صلاح أبو لاوي في صباح الحرية
- الصراع في ومضة -الولد الجني- المتوكل طه
- صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوان ...
- اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
- الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
- -إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية ...
- الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
- صلاح أبو لاوي والموت
- السلاسة والوحدة في مجموعة -أسرار خزنة- هدى الأحمد
- أثر القمع رواية -الثانية وخمس وعشرون دقيقة- طايل معادات
- التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة


المزيد.....




- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية