هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 11:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في اتساع الفراغ، حيث تتلاشى الأطر وتُمحى الخطوط، يصبح الهروب انزلاقًا حرًا في المجهول، قفزة بلا أرضٍ ثابتة، حيث لا ضمانات سوى شعور خفي بأن هناك دائمًا ما ينتظرنا خلف الأفق. إنه ليس هروبًا من الواقع، بل غوصٌ أعمق فيه، بحثٌ عن نغمة خفية بين ضوضاء العالم، عن إيقاع لم تتعوده أقدامنا بعد، لكنه في جوهره، إيقاعنا نحن.
هناك، في حقلٍ لا حدود له، تتجلى الأشياء بوضوحها الأوليّ، كأننا نراها للمرة الأولى بلا الأسماء التي حُمِّلت بها، بلا المعاني التي فرضناها عليها. الضوء ليس ضوءًا، بل دفءٌ ينساب في الفراغ، والصمت ليس غيابًا، بل احتشادٌ خفيٌ لشيء لم ينطق بعد. في هذا التيه، تبدأ الحقيقة في التشكل، لا كجوابٍ نهائي، بل كاحتمال مفتوح، كحالة يمكن أن تكون أو لا تكون، لكن الأهم أنها ممكنة.
الهروب هنا ليس مجرد لحظة مرقمة، بل تجربة تحوّل، خيط رفيع بين أن نكون كما يريد العالم، أو كما نحن فعلًا. إنه مساحة لاستعادة الذات من التشويش، من الأدوار التي كدنا نذوب فيها، من الكلمات التي قيلت لنا حتى صدقناها، رغم أنها لم تكن يومًا تخصنا. في هذا الهروب الصامت، نكتشف أننا لم نكن نهرب من شيء، بل كنا نحاول العودة—إلى أنفسنا، إلى حقيقة أعمق من المألوف، إلى نقطة البدء التي لا تُرى لكنها تُحَسّ.ومن هنا يأتي السؤال
هل يمكن البقاء في هذا الهروب؟ أم أن قوانين الزمن ستعيدنا حتمًا إلى المسار المحدد؟ هل نحن مدعوون للعودة، أم أن الهروب الحقيقي هو أن ننسى طريق الرجوع؟
ربما، في نهاية الأمر، الفرار ليس سوى اختبار للحرية—ليس كحالة مؤقتة، بل كحق دائم، كاحتمال قائم، كجناحٍ يمكن فرده متى شئنا، فقط لو تذكرنا كيف نحلق.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟