أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - زمن قرباش..!!















المزيد.....


زمن قرباش..!!


عبد الغني سهاد

الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


زمن قرباش (قصة)

كلما كنت تحب رسم نفس الحكاية لعدة مرات وتنتعش بالسعادة عند تكرارهامن جديد بنسق جديد فاعلم انك لا بد انك تحبها تعشقها لحيثياتها او لشخصياتها او لزمكانها.. والعكس باصديقي قد يكون صحيحا.. تكره الحكاية وتفرض هي نفسها عليك وتنتهي منها ولا تعود.. بمعنى تشعر انك تقيأتها وتخلصت منها للابد.. هناك يكمن شيء غريب فيها اما يبقيها فيك او يلفضها منك الى غير رجعة.. نجيب محفوظ في تفصيل بعض شخصياته ربما كان يدرك هذا السحر الغامض ويظهر جليا في سرده على شخصية (المعلم زيظة) الذي اعطاه وظيفة (صانع العاهات.).. وتخلص منه ومنها للتو.. ويتساءل المراء هل كانت تلك الشخصية من واقع (حارة).. زقاق المدق.. او دواخل مخيلة الكاتب.. هل هي في واقع الحال.. ام محض خيال.. والجواب عن هذا السؤال تجده عنده بالطبع..!! بعيد كثيرا عن صابع العاهات.. ساحدثك مرة اخرى عن شخصيتي (صانع النقاء) السيد قرباش..!!!
كتبت عنه اشياء كثيرة وكلما انتهيت من الكتابة شعرت بها ناقصة لم تعطيه حقه.. كل ما قلته عنه او ربما ما ساقوله عن قصته سيبقى سطحيا.. وشخصيا وقد يتناولها غيري من الاقران بتفاصيل اخرى اكثر دقة مني لو سمحت لهم الظروف بالكتابة عن واقع (حومة العرصة).. وحمامها.. ووقائعها الساحرة..!!.. قرباش حطاب فرناتشي حمام العرصة لا احد كان يعرف اصله من فصله.. رجل اسود قصير القامة برأس اصلع وعيون ضيقة وفم واسع مزموم لا بظهر اسنانه.. ولا يبتسم.. مسؤوليته البحث عن كل ما هو قابل للاحتراق.. ياتي به بعربته الى الفرناتشي لتسخين مياه حمام العرصة الكبير.. يرتدي جلباب رمادي او بني مغموق بالاوساخ.. يصل الى منتصف ساقيه.. كل سكان الحي يعرفونه باسم (قرباش).. واسمه الحقيقي لا يعلم سواه والله.. عندما كان يجر عربته متجها الى مطرح الازبال الكبير في ساحة باب دكالة.. كان صبيان الحي يطارجونه ويسخرون منه وينادون (قرباش واش الحمام سخون...).. (سخن الحمام مزيان اقرباش...!!!) وكانت السعادة تنبعث من محياها.. فمسؤوليته كبيرة في الحي وزبناء الحمام في العرصة كانوا يترددون عليه من الاحياء المجاورة.. الا ان قرباش لم يكن نظيفا.. كانت براقيع الاوساخ تظهر وتختفي على جلبابه.. كانه لم يلج يوما الحمام.. الذي يشتغل له..!!!
ينقب في الزبالة عن اي شيء سعف النخيل. و الخشلاع.. عيدان القصب كومات الحلفاء.. السدادر القديمة المكسرة.. جدوع الشجر.. براميل الميكا.. اكياس الخيش.. كانت عربته موكبا لاشياء شديدة التنوع لكنها قابلة للاحتراق..!!!. كلما انهكه التعب.. ركن عربته جانبا تحت برج من سور المدينة.. يمسح العرق بطرفي جلبابه ويقصي لحظات في النظر بعيدا وراء النخيل.. ينظر الى السماء بصمت..!!
حمام العرصة.. من اعتق حمامات المدينة يحتوي على ابواب مقوسة كبيرة.. باب كبير للنساء.. يطل على سقاية الحي.. وساحة عريضة.. وقوس كبير وطويل في الخلف امام فران العرصة بمنفذ طويل يؤدي الى قاعة الاستقبال.. المفروشة بالحصائر الصفراء.. وعلى جدران القاعة قمطرات من خشب.. ومسطبة عريضها وراءها يجلس القابض..وبجانبه الجلاس..!! تتوسط قاعة الاستقبال ساحة واسعة توسطها نافورة كبيرة.. يجري فيها الماء الغذب.. وفي الصهريج تتحرك الاسماك.. كان النافورة تاخد بلبي واتصنع الاعذار للخروج اليها لاصطياذ الاسماء وانتعش بالبرودة.. قاعات الحمام واسعة ثلاثة الاولى باردة.. بها قليل من الناس.. والثانية اي الوسطى معتدلة.. باردة وسخونة..مكتظة بالناس. اما الاخيرة اي الداخلية شديدة الحرارة نسميها( تافضنة).... دار جهنم بها صهريج مجانب للخائط منها نستقي ونملأ الدلاء.. التي لم تكن حينها من بلاستيك لكن من خشب..!!.. ارضيتها شديدة السخونه او حارقة.. اسفلها من وراء الجدار كان قرباش يقدف بمواده الى فم النار..!!!.. يسع حمام العرصة لكل سكانها دفعة واحدة لكنه يختص بالرجال من الصباح الى العصر.. وبالنساء من العصر الى العشاء..!!!
الحمام قديم ولم يرمم لمدد طويلة.. وقرباش يحذق في جلب الحطب.. لاستمرار سخونة الماء.. والزبناء لا يرحمون.. كلما كان الماء باردا.. اشتدت الصيحات في زوايا الحمام.. (والسخووون... والسخوون..).. فبزيد الفرناتشي في لقم الفرن بالحطب.. ويهرول قرباش الى جلب المزيد من الحطب.. تظل الايام تمر هكذا.. واعتاد الناس على وضع المسؤولية في البرودة والسخونة لشخص قرباش..!! يحملون المسؤولية لمن هو غير اهلها.. ليس لها فيها سواء من بعيد او قريب.. كنت يوم طرحت السؤال على الوالد.. لماذا لايهتم الناس بقرباش..يمنحهم الماء الساخن والنقاء..؟ وهم يباجلونه بالسخرية والاحتقار والزدراء.. ؟ فكر الوالد طويلا. ورد لله في عباده سؤون.. كل واحد وفين حط ليه الله رزقه..!!
صمتت ولم اقتنع.. ومع نفسي ان الله عدل وعادل نعم عادل.. لكن كل الظلم ياتي دوما من الناس...!!!)..
كيف ينام الرجل قرباش بالقرب من الجمر والرماد شتاءا وصيفا.. مما ذا كان ياكل..؟ لم نصادفه يوما في زوايا الحي يمضغ شيئا.. او يشرب ماء من سقاية العرضة كل ما نقدر على معرفته انه يجر العربة كالذابة يصعد بها عقبة باب النقب يمر بين الخطارات ثم ينبش في المطرح الكبير للزبالة الكبرى في المدينة بباب دكالة.. كان يقابل لغطنا عليه وتهكمنا منه بالصمت والاسراع في جمع ولم الخطب..
في مساء يوم ما اتفجر الصراخ والغوت في حي العرصة.. حين تسربت النار من شقوق جدار (تافضنة).. قاعة السخون بالحمام.. وقلت مساءا لان الوقت كان مخصصا للنساء.. وانتشر الرعب والهلع بين العيالات.. وهمت منهن كثيرات خرجن عاريات خوفا من الحريق..!!!.. وكان الحادث لا يصدقه الكبار وما ادراك بالصغار.. (العيالات خارحات عريانات..).. في الدرب كانت النساء يخلعن جلابيبهن لستر بعضهن بعضا.. ولا تعرف احدهن ان السبب.. ليس في حطب قرباش.. لكنه في الجدران الهشة المهترأة..
لكن كان السب واللعن والشتم يهطل على راس قرباش..
(لعنة الله عليك.. ياقرباش.. لعنة ما بين السماء والارض..!!)..
توقف العمل بالحمام لمدة طويلة...
ولجأء الناس الى حمامات ودوشات اخرى جديدة ريثما تنتهي اشغال ترميم حمام العرصة..!!!
كان الناس يرددون ان الرجل الطيب الاسمر قرباش..
هو السبب..!!... هو الجاني...!!!
ولا احد يعرف ماذا جرى بين الفرناتشي والحاج مالك الحمام وقرباش.؟؟ . لم نعد نحن الصغار نرى عربة قرباش
تمر عبر الدروب. توقفنا عن السخرية والاستهزاء بالرجل..
لم نعد نعرف عنه اذنى شيء..
غبر ان الحمام ترمم وانقسم الى حمامين...
واحد للنساء واخر للرجال..
ونزعت النافورة المرمرية..
قاعة الحصير الاصفر
ونزعت الدلاء من خشب.. وو
وبدلت بسطلات سودااء من بلاستيك..
وصنابير ملصوقة في جدران كل الغرف..
صنابير ليست من نحاس..!!!
ولكن بيضاء
من حديد..
لقد ولى
زمن قرباش..!!!

ع. سهاد
2025



#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوصولي...
- العدس لا نفع فيه...
- العباسية...
- الاربعة الكبار.. (قصة)
- البوجعران..
- فران السعدية..
- خطافات...
- بلا شيء.....
- لن تستقيم.. الا بالحب...!!!
- هو والحناش
- فرار...
- شعراء..
- في تلك الايام...!!
- نقطة.... الى السطر..!
- وهم الانتصارات...
- على قيد الحياة...
- تعلم النسيان...!!!
- خوان كويستيلو الابن البار لساحة (جامع الفنا)
- التاريخ والاساطير.. (1)
- في يوم الزيارة والعرس..


المزيد.....




- الرئيس بارزاني يستقبل رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والف ...
- لماذا تلهم -تفاهة الشّر- سوريّي اليوم؟
- كنز العراق التاريخي.. ذاكرة وطن في مهب الريح بين بغداد وواشن ...
- مهرجان -ربيع ماسلينيتسا- في مسقط: احتفاء بالثقافة الروسية
- مشاركة الممثلين عن قائد الثورة الاسلامية في مراسم التشييع
- ماتفيينكو تدعو إلى تجديد النخبة الثقافية الروسية بتضمينها أص ...
- جدل حول مزاد للوحات الفنية بواسطة الذكاء الاصطناعي ومخاوف من ...
- توغل بفن الراب والثورة في -فن الشارع- لسيد عبد الحميد
- -أحلام (حب الجنس)- يفوز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين ا ...
- رحيل الشاعرة السورية مها بيرقدار والدة الفنانين يوسف وورد ال ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - زمن قرباش..!!