أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 506 - ماذا ينتظر سوريا - نظرة من روسيا















المزيد.....


طوفان الأقصى 506 - ماذا ينتظر سوريا - نظرة من روسيا


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 02:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا

* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

20 فبراير 2025

أليكسي خليبنيكوف
دكتوراه في العلوم السياسية، خبير في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الروسية، ماجستير في السياسة الدولية، كلية السياسة العامة في جامعة هيوبرت همفري في مينيسوتا

ايغور ماتفييف
دكتوراه في التاريخ، مستشار دولة، أستاذ مشارك في قسم البزنيس الدولي بكلية العلاقات الاقتصادية الدولية في جامعة العلوم المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي
المجلس الروسي للشؤون الدولية

21 فبراير 2025

الشهران الأولان من عمل السلطات الجديدة في دمشق من غير المرجح أن يعطيانا صورة واضحة عن مستقبل سوريا. حتى الآن، يحاول رئيس البلاد في الفترة الإنتقالية والزعيم السابق لهيئة تحرير الشام (هيئة محظورة في روسيا وتصنف كمنظمة إرهابية) أحمد الشرع (المعروف أيضًا باسم أبو محمد الجولاني) تعزيز سلطته، والحفاظ على السيطرة على جميع الفصائل المسلحة التابعة للحركة، واتباع سياسة مدنية (أو على الأقل الإعلان عنها)، وحماية جميع الأقليات في البلاد. في الوقت نفسه، يقدم نفسه كزعيم معتدل وعملي، منفتح للحوار مع الجميع، ويحافظ على اتصالات مكثفة مع الممثلين الأجانب (بما في ذلك الغربيين) داخل البلاد وخارجها. وهو يحتاج إلى إقناع الدول الغربية باعتداله ونهجه العملي، وذلك في النهاية لتخليص سوريا من العقوبات وجذب الاستثمارات. حتى الآن، لم يتحقق ذلك، والنظام الإداري الهش في البلاد لا يضمن للجولاني الحفاظ على شرعيته وسلطته، وتجنب الصراع بين الفصائل المتطرفة داخل الحركة السابقة والانزلاق نحو مزيد من الفوضى والتفكك.

لا تزال الأزمة السورية تأخذ طابعا دوليا إلى حد كبير، وتلعب الجهات الفاعلة الأجنبية دورًا رئيسيًا فيها. ولهذا السبب، فإن سوريا اليوم ليست مشكلة السوريين فقط، بل هي مشكلة عالمية. وتقع على عاتق القوى الإقليمية والعالمية مسؤولية تحقيق سلام واستقرار طويل الأمد في سوريا.



** السيناريوهات المحتملة لسوريا**
يسود في المجتمع الدولي رأي مفاده أن سوريا يجب أن تبقى موحدة. وهذا الرأي يتوافق مع نهج الدول الإقليمية والقوى الخارجية. ومع ذلك، هناك خطر من التفتت المحتمل وتقسيم البلاد إلى عدة دول أصغر (من المرجح أن تكون غير قابلة للحياة). في حال تحقق هذا السيناريو، قد يحدث مزيد من عدم الاستقرار، ومن المحتمل أن يتم إطلاق مراجعة للنظام في الشرق الأوسط، مما سيؤدي إلى عواقب سلبية يصعب التنبؤ بها للمنطقة. على الرغم من أن تقسيم سوريا يبدو غير واقعي إلى حد كبير، إلا أنه لا يمكن استبعاده تمامًا. قد يتحقق هذا السيناريو بسبب عجز السلطات الحالية عن الحفاظ على السيطرة، والصراع المستمر بين الفصائل المختلفة داخل الحركة السابقة، بالإضافة إلى فصائل المعارضة المسلحة الأخرى (الجيش الوطني السوري، الأكراد، الدروز، إلخ).
في مثل هذا السيناريو، قد تحتل روسيا مواقع رئيسية في المناطق الساحلية (في حال نشوء "دولة للعلويين"، كما حدث في عهد الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، في الفترة 1922-1936)، بينما يحتفظ الأكراد بحكمهم الذاتي أو شبه الاستقلال، وتنتقل سوريا الوسطى من دمشق إلى حلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.

وبالنظر إلى أن فرص تحقيق هذا السيناريو تظل منخفضة، فإن سوريا لا تزال تواجه خطرًا كبيرًا من عدم الاستقرار وموجة جديدة من العنف، والتي قد تساهم فيها عدة عوامل.

** عوامل استمرار عدم الاستقرار**
1) العامل الأول هو الطابع الطائفي للدولة والمجتمع السوري. سوريا الحديثة هي نتاج هندسة استعمارية جعلتها كيانًا متعدد الأعراق والأديان. نقاط الألم الحالية والمستقبلية للبلاد مرتبطة إلى حد كبير بالعداءات التاريخية المزدوجة التي كانت قائمة لقرون بين الأغلبية السنية والأقليات الدينية، بما في ذلك الشيعة المتطرفون (العلويون، الإسماعيليون)، الدروز، المسيحيون من مختلف الطوائف، والشيعة الاثنا عشرية. في سوريا، يشكل العرب السنة غالبية السكان (60-70%)، ولكن هناك أيضًا أقلية عربية علوية (10-12%)، والأكراد (10-15%، معظمهم من السنة)، والمسيحيون (2-4%)، والدروز (حوالي 1%)، والشيعة والتركمان (1% لكل منهم). وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يبلغ عدد سكان سوريا اليوم 23.5 مليون نسمة.

يعيش معظم العلويين على الساحل السوري إلى جانب أقليات أخرى وسنة، حيث لا يزال السنة يشكلون غالبية سكان هذه المنطقة. ومع ذلك، ارتفع عدد السكان السنة هناك بشكل كبير، حيث فر العديد منهم إلى الساحل خلال الحرب الأهلية بحثًا عن الأمان. كما وجد العديد من العسكريين وموظفي أجهزة الأمن في النظام السابق، وأعضاء حزب البعث، ملاذًا في المنطقة الساحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التضاريس الجبلية في اللاذقية (رأس البسيط، كسب، البدروسية، إلخ) تجعل من الصعب على السلطات السورية الجديدة، التي لا ينتمي ممثلوها إلى السكان المحليين، فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة. كما أن القرب الجغرافي لطرطوس وحمص من شمال لبنان يوفر لحزب الله طريقًا لإمداد قوات المقاومة في المناطق الساحلية، في حال تشكيلها. كل هذا يجعل المنطقة بؤرة محتملة للانفصال والمقاومة المستقبلية في حال قررت السلطات في دمشق تغيير سياستها الطائفية.

في الوقت نفسه، يتجه الدروز في محافظة السويداء الجنوبية بشكل متزايد نحو إسرائيل لأسباب عدة.
أولاً، شعروا بالإهمال من قبل بشار الأسد في الفترة 2018-2024، حيث تجاهل مطالبهم بمنحهم بعض الامتيازات؛
ثانيًا، سئموا من وجود الميليشيات الموالية لإيران؛ ثالثًا، لديهم أقارب بين الدروز في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، والذين تم دمجهم بشكل كامل تقريبًا في المجتمع الإسرائيلي ويتمتعون بمستوى معيشي أعلى.
وبالتالي، يبدو أن الدروز السوريين لا يسرعون في دعم السلطات الجديدة في دمشق ويستمرون في لعب لعبتهم الخاصة، مع الاستفادة من دعم إسرائيل عند الحاجة.

2) العامل الثاني هو أن السلطات في دمشق لا تملك سيطرة كاملة على البلاد. لم تصل الإدارة الجديدة بعد إلى اتفاقيات مع "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" (التي تسيطر على حوالي 25-27% من أراضي البلاد)، ولا مع الجيش الوطني السوري في المناطق الشمالية. في الوقت نفسه، تواصل تركيا الضغط على الهيئة والجيش الوطني السوري لحل مشكلة الأكراد السوريين، مهددة بشن عملية عسكرية خاصة ضد وحدات حماية الشعب في سوريا. إذا فشل الحكام الجدد في دمشق في إيجاد حل وسط مع الأكراد (والولايات المتحدة) يرضي الأتراك، فإن ذلك سيخلق خطرًا كبيرًا على وحدة البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج دمشق بشكل عاجل إلى استعادة السيطرة على شمال شرق سوريا، حيث توجد حقول النفط والغاز الرئيسية، والتي تعتبر تاريخيًا سلة غذاء البلاد، حيث تنتج أكثر من نصف القمح والقطن.

في الوقت نفسه، لا تتمتع السلطات الجديدة بإمكانية الوصول الدائم إلى الحدود الدولية، مما يعيق قدرتها على تعزيز الميزانية الحكومية. في هذه الحالة، يعتمد الدعم المستقبلي للسلطات في دمشق من قبل شيوخ القبائل العربية السنية المؤثرة (شمر والشعياط)، التي تسكن بشكل رئيسي في الجزء الشرقي من محافظة دير الزور، على ما إذا كانت الحكومة الانتقالية ستغض الطرف عن دخلهم من التجارة الحدودية "الرمادية" مع العراق. قصة مماثلة تتعلق بالتجارة الحدودية غير القانونية التقليدية مع لبنان عبر ممر حمص، الذي أصبح جنة للمهربين منذ عهد حافظ الأسد، أي قبل بدء الصراع السوري الحالي.

من الجدير بالذكر أيضًا أنه منذ 8 ديسمبر 2024، احتلت إسرائيل المنطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان وأراضي سورية أخرى في محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، حيث استولت على أكثر من 400 كيلومتر مربع، بما في ذلك جبل الشيخ من الجانب السوري. وفقًا لأحدث التقارير، بدأت القوات الإسرائيلية في بناء ستة منشآت عسكرية جديدة في المنطقة العازلة ومنشأة واحدة على الأراضي السورية. بالإضافة إلى السيطرة على منطقة استراتيجية عسكريًا، حصلت إسرائيل على ورقة رابحة قوية للمفاوضات المستقبلية المحتملة مع دمشق وفق صيغة "الأرض مقابل السلام". كما أن إدارة دونالد ترامب تدعم نهجًا قد يؤدي إلى "السلام من خلال القوة".

علاوة على ذلك، لا تملك السلطات الجديدة احتكارًا كاملاً للقدرة على استعمال القوة، وهو أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار الداخلي. البلاد مليئة بالأسلحة، ولا تزال هناك فصائل لا تريد أن تضع أسلحتها كي لا تفقد "حق القوة". على سبيل المثال، لا تزال قيادة العمليات الجنوبية، بقيادة أحمد العودة، الذي كان يقود سابقًا اللواء الثامن (المكون من مقاتلين معارضين سابقين تصالحوا مع الأسد)، خارج إطار القوات المسلحة الجديدة.

3)العامل الثالث هو أن السلطات السورية الجديدة تواجه مهمة صعبة تتمثل في إنشاء هياكل حكومية وسلطوية جديدة ومستقرة. يجب على القيادة الجديدة بطريقة ما إدماج الكوادر السابقة للنظام (العسكريين، موظفي الأمن، الاستخبارات، البيروقراطيين، التكنوقراط) وممثلي النخب لضمان انتقال سلس واستمرارية معينة. وإلا، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.

في هذا السياق، من غير المرجح أن يؤدي قرار حل الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن إلى تصعيد فوري. ومع ذلك، قد يعقد الانتقال إلى الهياكل العسكرية والأمنية الجديدة. باستثناء الجنرالات والحرس الجمهوري، لم ينتمِ الجيش السوري إلى الطبقة الثانوية sub-elite أو الطبقة الميسورة. خلال الحرب الأهلية، وعلى الرغم من تشكيل عدة وحدات خاصة مدفوعة ماديًا (مثل "قوات النمر" بقيادة سهيل الحسن)، فإن العديد من الضباط والجنود "قاتلوا" من خلال تفتيش الأشخاص والبضائع على نقاط التفتيش. في الوقت نفسه، وعلى عكس الصور النمطية، ظل الجيش السوري سنيًا في غالبيته، حيث كانت بعض الوحدات النخبوية فقط تحت قيادة علويين، مما قلل من خطر تمردهم. ومع ذلك، في غياب الهياكل العسكرية الرسمية التي يمكن أن تدمج الجنود والضباط السابقين في نظام الأسد، سيكون من الصعب تجنب التوترات.

في الوقت نفسه، فإن قرار حل أجهزة الأمن (المخابرات) يحمل مخاطر أعلى لاندلاع موجة جديدة من العنف. نظرًا لأن سوريا الأسد كانت تُعتبر بحق "دولة المخابرات"، فقد شكلت هذه الأجهزة جزءًا متميزًا من المجتمع، وكان قادتها ينتمون ليس فقط إلى الطبقة الثانوية sub-elite، بل وحتى إلى النخبة (مثل الجنرالات علي دوبا، غازي كنعان، علي مملوك، وغيرهم)، وكان لديهم مصالح اقتصادية ونشاطات تجارية خاصة. ليس من قبيل الصدفة أن الأسد كان يعتبر المخابرات الدعامة الرئيسية للنظام. وبالتالي، فإن عدم توفير درجة معينة من التكامل/الاستيعاب لأجهزة الأمن السابقة في هياكل السلطة الجديدة (وهو أمر ليس سهلًا) قد يؤدي إلى توترات إن لم يكن إلى تمردات.

على الرغم من أن العديد من الفصائل المسلحة (الجيش الوطني السوري، الأكراد، الفصائل داخل الهيئة السابقة) قد يكون لديها رؤى مختلفة حول مستقبل البلاد، إلا أن السلطات الجديدة يجب أن تصل إلى حلول وسط معهم، وإدماجهم في النظام الجديد. في الوقت نفسه، يجب على السلطات الجديدة إجراء إصلاحات عميقة في الهياكل الحكومية القائمة، بما في ذلك القطاع الاقتصادي، القوات المسلحة، أجهزة الأمن والاستخبارات، المؤسسات الخارجية، إلخ، وهو أمر ضروري لإنهاء فترة الانتقال بنجاح.

4)العامل الرابع هو الطابع الراديكالي للسلطة الحالية. يشدد العديد من الباحثين على أنه، على الرغم من "تغيير علامته التجارية" rebranding والتصريحات حول الاعتدال من قبل الجولاني، إلا أن مواقفه السياسية ونهجه يظلان يحملان طابع الاستبداد، إن لم يكن التطرف. وبالتالي، هناك خطر كبير من التطرف التدريجي ولكن المستمر لسوريا بأكملها. على الأرجح، لن تتحمل القيادة المعدلة" للهيئة أي معارضة سياسية؛ كما أن الهيئة لا تزال مدرجة في قوائم الإرهاب في العديد من الدول، ولم تُرفع العقوبات عن سوريا.

5) العامل الخامس هو أن مصير سوريا يعتمد إلى حد كبير على الجهات الفاعلة الخارجية. في الوقت الحالي، يتم ضمان شرعية السلطات الجديدة في دمشق من خلال الاعتراف الدولي بها. لا يزال يتعين عليهم تنظيم انتخابات تضمن في النهاية شرعية حقيقية نابعة من السوريين. في الفترة الانتقالية، تعتمد شرعية القيادة الجديدة على الجهات الفاعلة الأجنبية (خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) التي تعترف بها. إذا رأت هذه الجهات أن السلطات السورية الجديدة تسير في "مسار خاطئ"، فيمكنها سحب دعمها بسهولة. هذه المشكلة أكثر أهمية في ظل العقوبات وعدم وجود الموارد اللازمة لإعادة إعمار سوريا بعد الصراع. وفي الوقت نفسه، توفر العقوبات للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أداة ضغط قوية على دمشق.

بشكل عام، لا تفضل القوى الخارجية سوريا مفككة وغير مستقرة، ويبدو أن هذا هو العامل الموحد الرئيسي. في الوقت الحالي، لدى القوى الإقليمية والعالمية، بما في ذلك روسيا، مصالح مشتركة في سوريا أكثر من الخلافات. وهي مهتمة بـ:

1. ** الاستقرار**: لا توجد قوة إقليمية مهتمة بتصعيد/عدم استقرار في سوريا، حيث لا أحد سيكسب من ذلك. إيران ضعيفة ولديها مشاكل داخلية لن تُحل إذا ظلت المنطقة غير مستقرة. دول الخليج فقدت الكثير في سوريا وترغب في استعادة أصولها والاستثمار بشكل أكبر، وهو ما يتطلب استقرارًا في البلاد.
2. ** الوحدة**: جميع الجهات الفاعلة تريد أن تبقى سوريا موحدة.
3. ** الاستقرار الاقتصادي والإنساني**: هذا ضروري لضمان الاستثمارات في الاقتصاد السوري وخلق فرص للأعمال.
4. ** مكافحة التطرف**: الجميع يريد أن تبقى الجماعات والأشخاص في السلطة معتدلين لتجنب تكرار السيناريو الاستبدادي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي تصعيد في سوريا وحولها سيزيد من تفاقم الوضع الإنساني الحالي، ومن المرجح أن يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين. لهذا السبب، لا أحد في المنطقة أو خارجها يرغب في تحقيق مثل هذا السيناريو. في نهاية نوفمبر ومنتصف ديسمبر 2024، بعد تقدم القوات المعارضة للأسد في سوريا، تم تسجيل 1.1 مليون نازح جديد. لذلك، فإن أي عدم استقرار إضافي سيؤدي حتمًا إلى نزوح جماعي جديد.

في هذه الظروف، يعد دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين أمرًا حاسمًا. بدون إمدادات النفط والغاز والغذاء من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، لن تتمكن سلطات دمشق من بدء إعادة الإعمار الكاملة والمستدامة للبلاد. تركيا وحدها غير قادرة على القيام بذلك، حيث أن اقتصادها غير قادر على توفير المساعدة اللازمة لسوريا. يمكن أن تساهم أنقرة إذا لم تتخلف دول أخرى (دول الخليج، أوروبا، الولايات المتحدة) مالياً. وفي الوقت نفسه، ستكون الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار من المجتمع الدولي ذات أهمية حاسمة لسوريا كما كانت في العقد الماضي. في هذا الصدد، تبرز قضية أخرى مهمة: رفع العقوبات الغربية عن سوريا، مما سيسمح بجذب التمويل والمساعدة الخارجية.

في 6 يناير 2025، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية الرخصة العامة رقم 27 لسوريا لمدة ستة أشهر، تسمح بإجراء عمليات مع الجانب السوري لتقديم الخدمات الحكومية الضرورية، بما في ذلك بعض العمليات المتعلقة بالطاقة وتحويلات الأموال للأفراد. سيستمر التخفيف الجزئي للعقوبات الأمريكية حتى يونيو. يريد الأمريكيون التأكد من أن الحكومة الانتقالية لـ "هيئة تحرير الشام" (HTS) ستظل معتدلة على المدى الطويل.

تبعًا للولايات المتحدة، وافق الاتحاد الأوروبي في 27 يناير على البدء في التخفيف التدريجي لعقوباته ضد سوريا. سيكون هذا نهجًا تدريجيًا وقابلًا للعكس، مما يوفر للاتحاد الأوروبي أدوات ضغط على السلطات الجديدة في دمشق إذا لم تتبع مسارًا "مقبولًا". سيتم رفع القيود جزئيًا أولاً في مجالات الطاقة والنقل والتمويل - وهي مجالات مهمة جدًا للمواطنين السوريين.


** آفاق روسيا في سوريا**

يمكن وصف الموقف الروسي الحالي تجاه سوريا بأنه حذر للغاية ويتطلب توضيحًا. يحاول الكرملين النظر في جميع السيناريوهات الممكنة، مع الحفاظ على الاتصالات مع الجماعات المسلحة/الفصائل على الأرض. على الرغم من أن "هيئة تحرير الشام" لا تزال على قائمة الإرهاب في موسكو، وأن الطيران الروسي قام بضربات ضد الجماعات المسلحة (بما في ذلك HTS)، إلا أن الجانب الروسي أقام بسرعة اتصالات مع السلطات الجديدة التي قررت عدم استبعاد روسيا من قائمة الدول التي ترغب في التفاعل معها. علاوة على ذلك، موسكو مستعدة لتقديم المساعدة للسلطات الجديدة والشعب السوري. في مواجهة الوضع السياسي المعقد في سوريا، من المرجح أن تفعل روسيا كل ما في وسعها لتجنب السيناريوهات السلبية والفوضى في هذا البلد.

لفهم إمكانيات روسيا في سوريا، من المهم سرد أصولها الرئيسية قبل استيلاء HTS على السلطة. وتشمل هذه:

1. **القواعد العسكرية الروسية**: توفر لموسكو عددًا من المزايا. يمكن لروسيا أن تلعب دور حامي الأقليات في سوريا إذا ساء الوضع وتعرضت هذه الأقليات للخطر. اقترحت القيادة الروسية بالفعل استخدام قاعدتها الجوية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى سوريا بمجرد الوصول إلى توافق في الآراء مع دمشق حول هذه القضية. في الوقت نفسه، يعد مستقبل القواعد أحد التحديات الرئيسية لروسيا، ولدى دمشق المزيد من المرونة في مناقشة مستقبلها. سيحدد الكثير من ذلك فعالية الضغوط الغربية على السلطات السورية الجديدة، ليس فقط من الولايات المتحدة ولكن أيضًا من الأوروبيين (ألمانيا، فرنسا)، الذين يرغبون في العودة إلى سوريا وضمان نفوذهم في البلاد بعد إخفاقات 2012-2024 الناجمة عن نجاحات إيران وروسيا. من الممكن أن يتم مناقشة قضية القواعد الروسية في سوريا خلال لقاء بوتين وترامب، على الرغم من أن سوريا ليست من الأولويات الرئيسية لواشنطن في الشرق الأوسط.

2. ** التعاون العسكري- التقني**: يمكن لروسيا مساعدة السلطات السورية الجديدة في تنويع التعاون العسكري-التقني. بالنظر إلى أن الجيش السوري تم بناؤه وتدريبه إلى حد كبير وفقًا للمعايير السوفياتية ومجهز بالأسلحة السوفياتية والروسية، سيتعين على القيادة الجديدة إعادة بناء الجيش وتسليحه، مع إدماج الضباط والجنود السابقين. يمكن أن تكون روسيا مفيدة في هذا الصدد.

3. ** علاقات روسيا مع القادة المحليين والجماعات**: التي مرت عبر المركز الروسي للمصالحة والتي تحتفظ روسيا بعلاقات منتظمة معها. إذا قررت السلطات الجديدة مواصلة سياسة المصالحة العلمانية مع الأقليات (خاصة الأكراد)، يمكن لروسيا أن تلعب دورًا في ذلك.

4. ** التعاون في مجال الزراعة**: يمكن لروسيا تزويد سوريا بالقمح/الحبوب حتى يتمكن السوريون من تلبية احتياجاتهم الداخلية.

5. ** الموارد البشرية**: أكثر من 30 ألف سوري حصلوا على تعليم سوفياتي و/أو روسي وهم أصول قيمة في التعاون الاقتصادي والإنساني. معظمهم لديهم تعليم هندسي وفني عالي، وهو ما سيكون مطلوبًا بشكل خاص في مرحلة إعادة الإعمار.

6. ** الشراكة الاقتصادية**: كانت روسيا من بين أكبر خمسة شركاء اقتصاديين لسوريا في مجال الواردات، ومن المرجح أن تظل كذلك في المستقبل المنظور. بغض النظر عن التوجهات الخارجية المستقبلية لدمشق، توجد آفاق معينة للعلاقات الاقتصادية الروسية-السورية، بناءً على الخبرة السوفياتية وما بعد السوفياتية، وكذلك الإرادة السياسية لموسكو. ومع ذلك، لم تكن الأنشطة الاقتصادية لروسيا في سوريا واسعة النطاق أو مربحة (باستثناء مشاريع البنية التحتية في العصر السوفياتي). حتى إذا تم رفع العقوبات عن سوريا، وسُمح لروسيا بالمشاركة في تنميتها الاقتصادية، ستكون هذه بيئة تنافسية للغاية. ربما حان الوقت للقطاع الخاص الروسي لإيجاد أشكال أكثر مرونة للتعاون متعدد الأطراف مع الهياكل الحكومية والخاصة، على سبيل المثال، جذب شركاء أعمال من تركيا أو الإمارات.

7. ** الدبلوماسية الروسية**: تحتفظ موسكو بعلاقات مع جميع الجهات الفاعلة المرتبطة بسوريا، سواء كانت إقليمية أو عالمية. عمليًا، يمكن لروسيا الحفاظ على حوار حاسم مع أنقرة بشأن سوريا، مع تطوير آليات استشارية منتظمة مع الصين وإيران وجامعة الدول العربية ودول الخليج العربي، وكذلك الحفاظ على التفاعل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا "غير بيدرسن"، الذي يحاول إحياء منصة جنيف للمفاوضات السورية الداخلية.

بناءً على ما سبق، لا يمكن للسلطات السورية الجديدة قطع العلاقات بسهولة مع موسكو. إنهم يدركون جيدًا أن روسيا يمكن أن تكون مفيدة، على سبيل المثال، في تحقيق توازن مع اللاعبين الآخرين (تركيا، الولايات المتحدة، أو دول الخليج). لضمان بقائهم، يتعين على السلطات السورية الجديدة بناء علاقات متوازنة مع جميع القوى الإقليمية والخارجية، وتجنب الاعتماد المفرط على دولة معينة. يمكن للحكومة السورية الجديدة إقامة علاقات مع روسيا لتنويع محفظتها الدبلوماسية.

الأهم في هذا السياق هو استعداد السلطات الحالية للحوار مع موسكو. حقيقة أنهم لم يغلقوا على الفور القواعد العسكرية الروسية في الأراضي السورية تشير إلى براغماتيتهم. الزيارة الأخيرة للوفد الروسي إلى دمشق برئاسة ميخائيل بوغدانوف، وكذلك المكالمة الهاتفية بين فلاديمير بوتين والشرع، تؤكد أن كلا الجانبين يجرون حوارًا ولا يسرعون في إتخاذ خطوات حادة. في نهاية الاجتماع، أكد الجانب الروسي استعداده لتقديم المساعدة اللازمة لسوريا في إعادة الإعمار بعد الصراع.

هناك خطر كبير لتصعيد الصراع السوري في عام 2025، والذي يمكن أن يتم تحفيزه، على سبيل المثال، من خلال الصراع العنيف على السلطة بين فصائل المعارضة السابقة، خاصة داخل HTS نفسها. وبالتالي، ستكون الخطوات الروسية المستقبلية تجاه سوريا تعتمد على منطق تطور الصراع في الأشهر القادمة. عدم اليقين محفوف بموجة جديدة من العنف في البلاد إذا أغلقت أنقرة أعينها عن الأنشطة العدائية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتجاهلت السلطات السورية الجديدة المصالح الإيرانية والروسية.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يالطا 2.0 ستولد في معاناة ومفاوضات صعبة
- طوفان الأقصى 505 – خطة ترامب لترحيل الفلسطينيين من غزة تفشل
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الثامن 8-8
- طوفان الأقصى 504 - العيب القاتل في الشرق الأوسط الجديد - غزة ...
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم السابع 7-8
- طوفان الأقصى 503 – مفاوضات السعودية بين روسيا وأمريكا
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم السادس 6-8
- طوفان الأقصى 502 – كريس هيدجز – دولة المافيا
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الخامس 5-8
- طوفان الأقصى 501 – تاريخ موجز لفكرة -ترحيل الفلسطينيين- - من ...
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الرابع 4-8
- طوفان الأقصى 500 – الولايات المتحدة تبدأ في إعادة تشكيل الخر ...
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الثالث 3-8
- طوفان الأقصى 499 – الأقوى هو على حق - هل تستطيع للولايات الم ...
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الثاني 2-8
- طوفان الأقصى 498 – دروس التاريخ والقضية الفلسطينية
- مؤتمر يالطا-45 في ثمانية أيام – اليوم الأول 1-8
- طوفان الأقصى 497 - الأردن في الإعلام الروسي - ملف خاص - 2
- طوفان الأقصى 496 – الأردن في الإعلام الروسي – ملف خاص – 1
- طوفان الأقصى 495 - إذا نجح ترامب في -الاستيلاء على غزة-، فقد ...


المزيد.....




- 3 أعوام منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا.. كيف يبدو المشهد؟
- المستشار الألماني القادم المحتمل: استقلال أوروبا عن أمريكا ه ...
- تشاؤم الجنود الأوكرانيين مع تراجع الدعم الأمريكي
- الاتحاد الأوروبي يعلن تعليق عدد من العقوبات على سوريا.. فماذ ...
- سفير روسيا في مصر يوجه رسالة للمصريين في الذكرى الثالثة لبدء ...
- -حزب الله يستغل جنازة نصر الله لإظهار أنه ما زال حياً- - وول ...
- مفاوضات شاقة تنتظر فريدريش ميرتس لتشكيل الحكومة
- بيسكوف يطالب بحماية البعثات الدبلوماسية الروسية في الدول غير ...
- الرئيس الروسي يطلع نظيره الصيني على الاتصالات الروسية الأمري ...
- بركان يلوستون العملاق.. قنبلة موقوتة قد تغيّر العالم


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 506 - ماذا ينتظر سوريا - نظرة من روسيا