أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - لوحة/ بيت من بيوت الله














المزيد.....


لوحة/ بيت من بيوت الله


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 8262 - 2025 / 2 / 23 - 15:31
المحور: الادب والفن
    


بياض الفجر بالكاد يحرر نفسه من غبش الليل. مسجد للرب يتلظى بالنار كموقد. السخام غطى باحته بالكامل، وثقوب عميقة رصعت جدرانه، بدت وكأنها أفواه فاغرة، ما زال الدخان يسحب نفسه خارجا منها بتثاقل. نخلة عجفاء بروح مخلوعة يأكلها اللهب. الباب، تتدلى بقاياه قطعة صغيرة من فحم، بالكاد عالقة بالرتاج الحديدي الذي تشبث ملتصقا بالجدار، هذا ما تبقى من بيت قيل انه من بيوت الله.
من هنا مر الجيش الأمريكي، وعن قرب شديد جدا لامس جدران المسجد، لذا أرسل قذائفه وسيل رصاصه، دون عناية. مجمرة نار كانت،هذا ما حدث، فما احتاجت القذائف للدقة، فالهدف واضح وكبير وقريب جدا. كانت تعرف طريقها بحرفة ودهاء، وحركتها موجهة بكتلة واحدة. تومض مشتعلة تحرق وتهرس في طريقها كل شيء وتلهب جوف المسجد وجدرانه. لم يفعلوا ذلك سهوا، فثمة دوافع كثيرة لا يمكن الشك فيها والجدال حولها بعد الذي حدث، ربما كلمة واحدة كانت تكفي لتبرير كل تلك الوقائع. من الجائز أو على الأكثر أن منارته وفي الكثير من الأحيان تبدو مثيرة للريبة وتوحي للكثير من التحدي، أو أن الزخارف فوق جدرانه قد تكون لافتات تحريضية ساخطة،وهناك أشياء خفية تبرر الذي حدث. هكذا اعتقد وتجادل حوله جنود المارينز. ولكن لا مجال للتساؤل مع ما يصدر عن داخل المسجد من ضجيج، ولا وقت للتمييز عمن وبمن وكيف، فلا وقت لإيقاف القرار ومن الصعب تجزئته.
الجوف الذي استعر مثل جحيم كان مدغماً مغلقاً على أسرار وخفايا تبتلعها جدران بناية الرب. منذ زمن مضى لم يعد المكان مأوى للمصلين،هكذا قيل عنه، وليس بإمكان أحد طيلة النهار،ولا حتى في ظلمة الليل، أن يمد بصره ويستطلع ما وراء بابه الموصدة. ليس مباحا معرفة ما يدور في الجوف سوى من أخفى وجهه بلثام. ولكن من أين لهذا المسجد كل ذاك الضجيج وآهات التوجع والأنين المكتوم؟!
في الجوف القهري المجنون ثمة عشرة أجساد متفحمة انتشرت كتماثيل برونزية عتيقة غطاها السخام وموهها الدخان. في الباحة هناك جوار المنبر المهشم ثلاثة جثث متفحمة جاورتها بقايا حديد ملتوٍي لبنادق. في تلك الظهيرة الملتهبة وفي الزاوية البعيدة عند نافذة ألتوت وتهدلت عوارضها الحديدية، كان جسد متكور ما زال يمسك سيفا .ليس للزمن في تلك اللحظة غير أن يفتح عدسته ليخطف تلك اللوحة المفزعة التي رسمها المارينز بجحيم قذائفهم، وعليه إغلاقها بعجالة وإلى الأبد، بعد أن دون في ذاكرته صورة الأجساد المتفحمة.
لا متسع من وقت لدى الجنود الأمريكان لكي يفصحوا عما جرى في الداخل، فالداخل وحدهم من عرف أسراره، ولن يكون هناك مبررا لكشف ما حدث، فكلمة مطاردة الإرهاب كافية جدا لتكميم الأفواه المعترضة المهذارة.
مَنْ جلله الصمت وفطر الحزن قلبه وقعد يلوك وجعه عن قرب ، عجوز جلس القرفصاء عند الزاوية القصية من الشارع،غارق في تفكير مربك. ما انفك ينظر نحو باب المسجد حتى بعد احتراقه. تتحرك عيناه وتدوران ببلاهة في الفضاء، فقد سره أحد الوشاة من اللئام قساة القلوب، قائلا بخفية وحذر من أن يراه ويسمعه الآخرون، أن ابنه الذي اختطف منذ زمن مضى، موجود داخل المسجد، فرابط الرجل هناك مثل معتوه، يسأل نفسه ويجيبها، لعل وعسى والنفوس لا تخلوا من رحمة رب العالمين، وفي بيوت عبادته خاصة، أليس هذه فطرة البشر؟. يا ربي، لم تكن لي مؤونة غير هذا الابن.
لم يسأله الجنود الأمريكان عن سبب وجوده قرب المسجد، ولا عنّ لهم أن يلتفتوا له ليشاهدوا سيل الدمع الهابط بين ساقيتين غائرتين في وجهه المكدود الشاحب.
لم يكن لدى الأمريكان متسعا من الوقت للانشغال بتوافه الأمور، ولا حتى لطمر الجثث المتفحمة أو التحقق من هوياتها، فما جرى لا يتسم في النهاية بأهمية عظيمة، وبيوت الرب لا يمكن أن تكون دائما للعبادة.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة لا تجف/ رمضان الأسود
- ما أورثتني إياه الحرب
- تكرار ارتداء ذات الفستان هل يعني الحب ؟!
- الخاتم
- ساعة هروبنا من الجنة / اغواء
- معايير الديمقراطية والحلول المبتورة
- نبذ العنف وترميم السلم المجتمعي
- قصتان قصيرتان
- البعد الديني السياسي في معركة غزة
- صناعة الفاشينيستا والبلوغرات في العراق
- تعدد مراكز القوى ومستقبل العملية السياسية
- الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الأخير
- الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الثاني
- الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الأول
- السلطة وخيار الديمقراطية.
- الوقوف عند الزمن الأخر/ ج الأخير
- الوقوف عند الزمن الأخر /ج4
- الوقوف عند الزمن الأخر /ج3
- الوقوف عند الزمن الأخر/ج2
- الوقوف عند الزمن الأخر


المزيد.....




- كنز العراق التاريخي.. ذاكرة وطن في مهب الريح بين بغداد وواشن ...
- مهرجان -ربيع ماسلينيتسا- في مسقط: احتفاء بالثقافة الروسية
- مشاركة الممثلين عن قائد الثورة الاسلامية في مراسم التشييع
- ماتفيينكو تدعو إلى تجديد النخبة الثقافية الروسية بتضمينها أص ...
- جدل حول مزاد للوحات الفنية بواسطة الذكاء الاصطناعي ومخاوف من ...
- توغل بفن الراب والثورة في -فن الشارع- لسيد عبد الحميد
- -أحلام (حب الجنس)- يفوز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين ا ...
- رحيل الشاعرة السورية مها بيرقدار والدة الفنانين يوسف وورد ال ...
- نجوم الغناء العربي يحتفلون بيوم التأسيس السعودي
- متحف الإثنوغرافيا في كابل.. نافذة على التنوع الثقافي في أفغا ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - لوحة/ بيت من بيوت الله