أحمد جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا رحلتَ، بل تعجَّلتَ الرحيل يا سيِّد؟ أعلمُ أنَّك عاشقٌ لله وتَوَّاقٌ للشهادة، أمَّا نحنُ، مَن نحن، فقد خَسرْنا أنفسنا إذ خَسِرْناك وفقدْنا طعم المجد إذ فقدناك.
خَسِرْناك إذْ ربحتَ.. طلبْنا السلامة فطلبتَ الشهادة.. خذلْناك فافتديْتنا.. نخَرَنا اليأس فمنحْتنا الأمل.. قَعدْنا أمام شاشات البلادة وكنتَ تقود الفعل المقاوم.. ارتضيْنا بالذلَّة فهتفتَ "هيهات مِنَّا الذلَّة" ومضيتَ إلى كربلائك بِلهْفة المشتاق.. ارتَعدتْ فرائصنا فاقتحمتَ الأهوال.. أضاءت بصيرتُك الطريقَ إذْ غبَّشتْه أبصارُنا. كنتَ باعثًا للأمل حيثُ استوطنَ اليأس في نفوسنا، وحُضنًا للطمأنينة حيثُ سادَ الخوف، ومحلَّا للثقة حيث شاعَ التشكيك، ومنبعًا للحكمة الثورية حيث طَفَا غُثاء سيْل الثورجية، ومُقاتلًا جَسورًا واثقًا بحقه وعدالة قضيته، حيث أطلَّت برأسها الدعوات الاستسلامية والمواقف الخيانية. ناضلتَ بزهو الأبطال وتواضع الكبار، وتمسَّكتَ بالأخلاق السامية والقيم الإنسانية العليا. أعدْتَ لنا الروحَ إذْ فقدْنا أرواحنا، والكرامةَ إذْ أدْمنَّا الهَوان.. خُضتَ حربًا أخلاقية في "طوفان الأقصى" غير آبهٍ بحسابا ت موازين القوى وساعة الصفر.. عانقْتَ الحياة إذ اختطفَكَ الموت.. انتصرَ دمُك على السيف إذ ظننَّا أنَّ السيف نالَ من دمك. كنتَ واقعيًا فطلبْتَ المستحيل.
افتقدْناك واشتقْنا اليك يا سيِّد.. افتقدنا بَهاءَ إطلالتك، صَفاءَ ضميرك، نصاعةَ قلبك، نورانيةَ عقلك، جمالَ كلماتك، حلاوةَ لسانك، رقَّةَ مشاعرك، وصِدْقَ وعدك.
يا سيِّدَ شهداء الأنام،
اليومَ يتدفَّق نهر مشيِّعيك في لبنان ومن شتى بلدان العالم للمشاركة في وَداعك المَهيب الذي يليق بِمهابَتك وجَلالك، في أبلغِ ردٍّ على مجرمي الحرب الصهاينة التلموديين وداعميهم وحلفائهم. وسيُوارى جثمانُك الطَهور الثرى الذي أنْبَتك، ومنه تُحلِّق روحُك الشفيفة إلى ثُريَّا سمائها. إنك إذ تُفارِقنا، إنما تَصعدُ للقاء كوكبة أحبَّتكَ ورفاقكَ وإمامِكَ، الذين طالما اشتقتَ إليهم، وهم يتهيَّأون الآن لاستقبالك بباقات النجوم.
إنَّ يوم رحيلكَ عن هذه الأرض هو يوم موْلدكَ في العَلياء، حيث مُقامُك الأبديُّ المُهيَّأ على قمة النجم القُطبي الذي به يهتدون، كي تهتديَ به أجيال المقاومين في الجهات الأربع، بل ستكون أنت النجمَ الهادي.
أحمد جرادات
23 شباط/فبراير 2025
#أحمد_جرادات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟