الترامبية بين الشطحات و العقلانية ( 2 )

آدم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 16:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بجانب معقولية إجراءات الرئيس ترامب العديدة و المهمة لإنقاذ أمريكا من الانزلاق الذي كان يقودها نحو الهاوية فقد تكاثرت شطحاته ايضا , من هذه الشطحات :
** من يحمي بلده لا ينتهك أي قانون .
تحمل هذه المقولة نهجا خطيرا جدا , فإذا تعلق الأمر بحماية المصالح الأمريكية , هذه المصالح التي قد تكون مصالح أنانية لا تراعي مصالح الدول الأخرى , فأن هذا النهج يعطي الحق لأمريكا بفعل أي شيء دون مراعات لأي ضوابط , حتى لو اعتمدت السياسة الأمريكية اسلوب الابتزاز الذي تتبعه عصابات المافيا , من المؤكد ايضا إن هذا النهج قد يجعل من أمريكا دولة منبوذة .
** تأثره الشديد بالحالة الصحية للأسرى الإسرائيليين لدى حماس .
لقد عبر الرئيس ترامب عن شدة تأثره حين رأي وجوه الأسرى الإسرائيليين بعد إطلاق سراحهم من قبل حركة حماس , حيث قال :
" أن وجوه الأسرى الشاحبة صورة قاسية لا يمكن تحملها "
في نفس الوقت لم يتأثر الرئيس ترامب و لو قليلا بموت و عذاب عشرات الاف من الأطفال الفلسطينيين في غزة بالإضافة الى أنه تمادى في تهديد سكان غزة , كل سكان غزة بأطفالهم بنسائهم بشيوخهم , بفتح ابواب جهنم و إدخالهم في جحيم مدمر , هذا الامر ليس ازدواج في المعايير بل هو انحياز عنصري مطلق .
** حول الاضطهاد الذي تتعرض له الأقلية البيضاء في جنوب افريقيا .
لقد اصدرت حكومة جنوب أفريقيا قانونا جديدا لإعادة توزيع الأراضي الزراعية في هذا البلد الذي عاش سنين قاسية من الفصل العنصري , ففي فترة حكم الأقلية البيضاء لجنوب أفريقيا قامت الحكومة العنصرية لهذا البلد بمنح دون وجه حق و دون عدالة معظم الأراضي الصالحة للزراعة للأقلية البيضاء حتى صارت هذه الأقلية الذي لا يتجاوز عددها عن حوالي 5% من السكان تمتلك حوالي 80% من الأراضي الزراعية في عموم جنوب أفريقيا ...!
بعد سقوط النظام العنصري الحاكم لجنوب أفريقيا تأخرت الحكومة الجديدة التي تشكلت على انقاض حكومة الفصل العنصري في إعادة الحقوق لأصحابها , لكن مؤخرا اصدرت حكومة جنوب أفريقيا قانونا جديدا يعيد توزيع الأراضي الزراعية بعدالة بين ابناء شعب جنوب أقريقيا من السود و البيض , يمكن وصف هذا القانون بأنه خطوة مهمة للإصلاح الزراعي و تطبيق للعدالة الانتقالية , اعترضت إدارة الرئيس ترامب على هذا القانون و وصفته بالقانون الظالم الذي يضطهد الأقلية البيضاء من قبل حكومة الأكثرية السوداء في جنوب افريقيا , و على أثر ذلك أصدر الرئيس ترامب تعليماته بقبول لجوء من يرغب من الأقلية البيضاء للعيش في أمريكا و أصدر ايضا عقوبات بحق شعب جنوب أفريقيا .
** مطالبة أوكرانيا بالتنازل عن نصف ثرواتها من المعادن .
من المعروف للجميع أن أمريكا قد قدمت لأوكرانيا في عهد الرئيس الأمريكي بأيدن مساعدات قيمتها قد تكون أقل من 100 مليار دولار حسب ادعاء الحكومة الأوكرانية و بحدود 350 مليار دولار حسب ادعاء إدارة الرئيس ترامب , في كل الحالات و بغض النظر عن مقدار هذا المبلغ فأنه كان عبارة عن مساعدات لأوكرانيا في حربها مع روسيا و لم يكن إطلاقا ديون على أوكرانيا , إلا أن الرئيس ترامب و دون وجه حق اعتبرها ديون واجبة التسديد و أحيانا تحدث عن مبلغ 500 مليار دولار واجبة التسديد لأمريكا , ثم زادت شهيته للمال فطلب من الرئيس الأوكراني زيلينسكي التوقيع على تنازل أوكرانيا عن نصف ثرواتها من المعادن و خصوصا النادرة منها , بعض التقارير تحدثت عن تقديرات لقيمة احتياطيات أوكرانيا من هذه المعادن بترليونات الدولارات , لقد أثار هذا الطلب الأمريكي استياء و غضب الأوكرانيين الذين صاروا يشعرون أن أمريكا قد خدعتهم .
** مطالبة حكومة طالبان في أفغانستان بإعادة الأسلحة التي تركها الجيش الأمريكي عند انسحابه من أفغانستان .
ربما تكون هذه المطالبة من أكثر شطحات الرئيس ترامب غرابة .
الجيش الأمريكي خرج من أفغانستان مندحرا و ترك خلفه معدات عسكرية لم يستطع سحبها يطالب الرئيس ترامب باستردادها الآن ..! هل حصل سابقا في كل الحروب مثل هذا الأمر ..!؟ بالأكيد لا .
** الغاء العملة المعدنية فئة سنت واحد .
الحجة التي اعتمدها الرئيس ترامب في هذه الشطحة المتمثلة بضرورة ألغاء هذه الفئة من العملة المعدنية هي أن كلفة اصدارها أعلى من قيمتها الأسمية البالغة سنت واحد , و بالتالي أفترض الرئيس ترامب أن هنالك هدر في المال العام و خسارة مالية من الواجب تجنبها .
من المؤكد أن الرئيس ترامب لم يدرك أن الأمر لا يحسب بهذه الطريقة , فالعملة المعدنية من فئة سنت واحد أو أي فئة أخرى يتم تداولها مئات الاف المرات في عملية البيع و الشراء و هي ضرورية لعملية التبادل , هذا الأمر لا يخص العملات المعدنية فقط و انما ينطبق على العملات الورقية ايضا , على سبيل المثال أن كلفة اصدار العملة الورقة فئة دولار واحد هي اكثر بكثير من دولار واحد , فهل يعقل الغاء العملة الورقية من هذه الفئة الضرورية للتسوق , بالطبع لا .
إن عملية التبادل هي التي تحدد نوع و كمية العملات النقدية المطلوبة في السوق , لذا فقد تراجع الرئيس ترامب فورا عن هذه الشطحة الغير مدروسة .
** الله انقذني كي أنقذ أمريكا .
بعد فشل محاولة اغتياله , عبر عن أهمية نجاته من تلك المحاولة بقوله أن الله انقذه من أجل أمريكا , يبدو أن الرئيس ترامب يتخيل نفسه و كأنه الهادي و المُخلصْ المنتظر الذي جاء بمشيئة الله لينقذ أمريكا .

#آدم_الحسن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات