أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-4















المزيد.....



نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-4


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 13:38
المحور: كتابات ساخرة
    


بعد أكثر من خمس وعشرين سنة من تلك الصائفة... سنتنا الأولى...
ذلك السبت... قرابة التاسعة ليلا، على طاولة العشاء... بعد أن أكملنا الأكل... بسمة بجانبي وملاك أمامي...
- سأغيظكِ أكثر!
- ماذا؟
- سنرقص معا، وستنظرين
- ولماذا سأغتاظ؟ بالعكس، سأكون سعيدة
- تعلمين أني أحبكِ كثيرا، فلا تغضبي مني... لكني أحب إغاظتكِ
- أنا أيضا أحبكِ عزيزتي، ولن أغتاظ... إذا أردتِ أن أمثّل ذلك، أفعل
- ستغتاظين ملاك... سترين... وحذرتكِ... انتظر، أفتحُ اللابتوب... قليلا... نعم... تعال ارقص معي... [https://www.youtube.com/watch?v=OorZcOzNcgE]
بعد انتهاء الأغنية...
- ما رأيكِ؟
- جميل...
- تعرفين الأغنية؟
- بالتأكيد... نسمعها كثيرا
- فقط؟
- فقط ماذا؟
- إذا أنتِ لا تعلمين... مسكينة ملاك!
- لا أعلم ماذا؟
- اسألي زوجكِ...
بعد ذهاب بسمة إلى الحمام...
- ...؟ ماذا قَصَدَتْ؟
- ...
- آه... هناك شيء إذن...
- ...
- كل المرات التي وضعتهَا في السيارة مثلا... كنتَ... تفكر فيها؟
- ...
- جيد. جيد أني علمتُ... بعد كم سنة عزيزي؟ ... سأحمل الصحون إلى المطبخ...
- أحمل معكِ
- لا... لا تشغل بالكَ عزيزي... اذهب إلى الحمام، اغسل يديكَ... ولا تنسَ أسنانكَ! اذهب... التحق بها...
حملتْ الصحون والأطباق على ثلاث مرات إلى المطبخ، ثم لم تعد... فبقيتُ واقفا أمام الطاولة. مع عودة بسمة، سألتني عنها، فأشرتُ إلى المطبخ، فالتحقتْ بها...
عندما دخلتْ المطبخ، كانت ملاك واقفة أمام الحوض، فالتفتتْ إليها وابتسمتْ وهمتْ بغسل الصحون...
- أنا سأفعل ملاك
- لا، لا عليكِ
- إذا فعلتِ، سأشعر أني ضيفة، وأنا لستُ كذلك...
- أنتِ في منزل أخيكِ... لستِ ضيفة
- سأقف وراءكِ، وسأحضنكِ، أستطيع؟
- ماذا تقصدين؟
- هكذا...وقفتُ وحضنتكِ...
- ثم؟
- أضع رأسي على كتفكِ... هكذا...
- ...
- و... أكلمكِ... وإذا لحق بنا، نطرده... موافقة؟
- ...
- زوجي يحبني كثيرا مثلما تعرفين، لكن ليس مثلما يحبكِ زوجكِ... أحب زوجي أيضا، لكن ليس مثلما تُحبين زوجكِ... زوجي لا يحب امرأة غيري، لكن زوجكِ يفعل، وقبلتِ... منذ البداية، عرفتِ كل شيء، ولم ترفضي... تعرفين... في تلك الصائفة، في سنتكم الأولى، عندما عدتِ من عندنا أنتِ وإيمان، كنتِ تعرفين!
- نعم
- كنتم صغارا، ولم تُفكروا كيف سيكون المستقبل... لكن لا أحد من ثلاثتكم كان يرى مستقبلا دون الآخريْن
- ...
- لم أطلب إلا مكانا صغيرا، وحتى ذلك المكان... رفضتماه! رفضتْه إيمان حتى رحلتْ، وأنتِ مثلها... ولا تزالين!
- ...
- الزوجة عادة تخشى من زوجها الخيانة مع أخريات... أنتَ تخشين على زوجكِ من... أخته!
- يُحبكِ
- يحب أخته! لم يقترف جريمة!
- مكانكِ كنتُ قلتُ يحب أخته مثلما يحب أي أخ أخته...
- ...
- هذا الكلام تجاوزناه منذ سنين عزيزتي... لاحظتِ أنه لم يسأل عن أبنائكِ وزوجكِ؟ أكيد لاحظتِ... وأنا لاحظتُ أنكِ لم تهتمي لذلك أصلا! معقول أخي لا يسأل عن أبنائي ولا أستغرب حتى؟!
- ...
- وقلتُ يحبكِ، لم أقل يحب أختَه!
- أحبكِ ملاك، أكثر مما تتصورين
- ليس عندكِ الخيار
- ليس مثلما تقولين
- ماذا إذن؟ تُحبين زوجة أخيك... الزوجة لا وجود لها، بل الوجود كله لأخيكِ
- هكذا ترينني؟
- ...
- وأكيد أنكِ ستقولين أني هنا الآن من أجله؟
- من أجل مَن إذن؟ من أجلي؟
- اطرديه إلى نزل، حتى يوم الإثنين، ولن أبالي
- ...
- ليس كلاما... وإذا لم تصدقيني، تستطيعين التأكد! إلا إذا رفضتِ أن تبقي معي
- الهدف من وراء ما تقولين؟
- أنتِ
- يعني؟
- علاقتنا ستستمر ما بقينا أحياء، حتى بعد موت أحدنا، وتعرفين جيدا ذلك؛ هل غابت إيمان وصورها في كل مكان في المنزل؟
- ...
- لستُ سادية لأتلذذ بألمكِ، الذي حصل منذ قليل تألمتِ منه... كيف يكون ذلك وصور إيمان في كل مكان؟
- دعي إيمان أرجوكِ
- يحبها ولا تزال تعيش في عقله إلى الآن وإلى الأبد سيفعل ولا يُقلقكِ ذلك في شيء
- أرجوكِ... قلتُ دعي إيمان وشأنها!
- الكلام ليس عن إيمان عزيزتي، بل عمن يُحبها، وعنكِ...
- دعيني رجاء... ابتعدي قليلا
- من حقي الكلام عنها ملاك! ولا يحق لكِ منعي! أولا عرفتُها وكنا صديقتين! وأحبتني! ثم أخي يحبها!
- لم أقل ليس من حقكِ
- ماذا إذن؟ فهمتِ جيدا أين أريد الوصول ملاك!
- وتعرفين جوابي!
- لا أريد مكانها! أنا أخت ولستُ حبيبة!
- بسمة...! لن يحدث هذا! وأرجوكِ لا تعيدي على مسمعي مرة أخرى قصة الأخت!
- تبا! أنا ماذا إذن؟!
- أنتِ ما عشتُه خمس سنوات! وما سأتمناه ما بقيتُ في هذا العالم!!
- ماذا تقولين؟!
- منذ أول يوم لنا في الكلية أحبّني، ولا يزال إلى الآن، وسيُحبني طوال حياته! لكنكِ لا تعرفين متى أحبني أكثر من كل وقت مضى! أكثر من كل وقت سيأتي!
- ...
- عندما لم يكن بيننا أي اتصال جسدي! حتى مجرد قبلة صغيرة!
- متى؟
- مع وبعد إيمان...
- يعني
- يحبني نعم، لكنه يحب أخرى... أكثر!!
- ذهبتِ إلى القطب الشمالي عزيزتي! غير صحيح ما تعتقدين!!
- الحقيقة أنه لا يحب امرأة واحدة أكثر، بل ثنتين...
- ما هذا الكلام ملاك! وكيف تعتقدينه؟
- إذن أنتِ لا تعرفين أخاكِ!
- أعرفه جيدا!
- نعم، أكيد! تعرفينه... وتعرفين نفسكِ أيضا!
- قولي، لأرى أيضا ما تعتقدين عني؟
- ...
- أرجوكِ
- أخوكِ قبل زوجكِ وهذا لا يجب أن يحدث، لكن لو مررناه! كيف يكون قبل أبنائكِ؟
- هكذا تظنين؟
- أين هم الآن؟
- من أجلكما لم أحضر أبنائي، وليس ما تقولين
- من أجلنا أم من أجلكِ؟ نحن نرفض أن يكون عندنا أطفال، لكن لا نرفض أطفال الآخرين
- غريب كيف تفكرين هكذا!
- الأغرب كيف لا ترين رمزيته! الأم لا تترك أبناءها إلا لضرورة قصوى... ثم أبناؤكِ يحبون خالهم، فلماذا حرمتهم من رؤيته؟
- لستُ هنا من أجل خالهم بل من أجلكِ... هذا أولا، وثانيا لا يعني ذلك أنكِ أو خالهم أهم عندي منهم! أنا في سيمينار أو عندي عمل!
- ربما!
- أبنائي لا أحد يأتي قبلهم!
- انتظري حتى يكبروا وسنرى من سيكون قبلهم! وقتها ستعلمين أنكِ أمضيتِ عمركِ تنكرين ما لا يمكن انكاره...
- هل غضبتِ مني؟
- لا، نحن نتكلم...
- يحبكِ ملاك! وأكثر من كل شيء!
- لا علينا من كل هذا الآن...
- وحتى إن شعرتِ في لحظة أنه... تبقى لحظة... مجرد لحظة! والباقي كله لكِ ولكِ وحدكِ!
- لنذهب إلى الصالة... تعالي...
- وستطردينه أم لا؟
- لا
- إذا تصديقين أني جئتُ من أجلكِ؟
- نعم... من أجل زوجة أخيكِ... تعالي... ولماذا سمنتِ أنتِ؟! لم أنظر إليكِ جيدا قبل، وإلا ما كنتُ تركتكِ تأكلين!
- لم أسمن! لا أزال رشيقة! وأكثر منكِ!
- غدا تصومين...
- عندي آلاف السنوات لأقضيها!
- إن الله غفور رحيم...
- صحيح أم تايواني؟
- قرآن!! وليس حديثا!
- صدق الله العظيم إذن...
- نعم... هكذا!
لم أقدّر الوقت الذي بقيتاه في المطبخ، وبعده في الصالة... لم أميّز كلامهما، وسرّني كثرته وضحكهما الذي كنتُ أسمعه من غرفة النوم... أين استلقيتُ على ظهري، ونظرتُ إلى السقف طويلا، ثم قمتُ بسرعة باحثا عن صورة، كانت ملاك كسرتْ إطارها، فوجدتُها، ونظرتُ إليها طويلا، ثم وضعتُها على السرير، وسرتُ حتى الصالة، واستأذنتُ للخروج، وخرجتُ...
في طريقي إلى البحر، لم أفكر في شيء... نسيتُ ملاك، نسيتُ بسمة، نسيتُ كل شيء... كنتُ كأني صاروخ أُطلق من مكان إلى آخر، سيصله في أقرب وقت، دون أن يهتم بشيء... لم يكن ذلك جديدا عليّ، وحدث عدة مرات، كنتُ أعتذر عنها لملاك، فتقبل اعتذاري، لكن دون أن تُخفي خوفها، من استحالة منعي، وعواقب ذلك عند سياقة السيارة خصوصا، لأنها وعتْ جيدا أني أكون تقريبا بلا وعي، ويكون حالي أتعس من سكران، والذي ستكون سياقته برغم سكره... أحسن مني...
كيف تجري الأمور عادة؟ كشخص في حالة طبيعية... عادية... يقوم بعمل ما، يأكل، يتكلم مع أحد، يستحم، نائم، يقود سيارته إلى وجهة ما، خرج لشراء شيء ما ليعود به إلى منزله... أشياء وممارسات كل البشر... وفجأة... يأتيه شيء! شيء كالنداء... حالة حزن شديد، شوق، ألم، اختناق، فراشات تطير في البطن كحب مراهق يرى حبيبته قادمة نحوه، انقباض في الصدر وآلام بين الكتفين كأنها جلطة، شيء من الدوار يشبه قياما سريعا لمن عنده ضغط دم... كل ذلك يُغلَّف بشيء كالكيس، مصنوع من الحزن، حزن شديد، وبشعور النداء! كأن شخصا يصرخ من الألم وينادي ليُخلّص منه... وكيف لا ألبي النداء، والمنادي... إيمان!!
كنتُ دائما أسخر من نفسي عندما أتذكر كل المرات التي حدثتْ، لكن ذلك كان أقوى مني ومن كل املاءات عقلي! في كل مرة كنتُ أرى وأسمع وأمس الوهم متجسدا أمامي، وكان ذلك الوهم الحل الوحيد لأستطيع المواصلة! كان حقنتي التي يجب أن أحقن بها نفسي كيلا يقف كل شيء عندي، وكان من المستحيل أن أُقلع عن ذلك الإدمان... بسمة لم تكن تُدركَ حقيقة ذلك، وليلتها جرّبتْ ووعتْ صحة كلام ملاك عن المرأتين اللتين أُحب... أكثر منها.
عندما أقف أمام البحر، أراها مثلما كانتْ... أشعر بها، أسمعها، أمسها... حتى أتنفسها! لحظات تعوضني غيابها لسنين، كأنها حقنة تحمل لدماغي مخدره... لحظات تكون كبنزين ستستهلكه تلك السيارة مسافة ثم تتوقف، ولتستطيع المسير من جديد لا بد من شحنة جديدة!
مع تواصلها، صرتُ أخشاها... تلك اللحظات... لأني قبل تلك الليلة رأيتُ الموت سريعا، وليلتها رأيته طويلا! تلك الليلة مررتُ بجانب الجرعة المفرطة... الزائدة، واقتربتُ منها كثيرا! بعد ذلك، فعلتْ ملاك المستحيل لتعثر على الرجل الذي كلّم الشرطة بشأني... لتشكره لكنها لم تعثر عليه... لم يفعل إلا شيئا بسيطا، وهو أنه رأى سيارة شرطة، فقال للضباط أن ذلك الرجل هناك سلوكه غريب وربما يكون سكرانا أو منتشيا وقد يسقط من ذلك الجرف... الموقف لم يكن لطيفا بالمرة لملاك... خصوصا وأحد الضباط كان من مرضاها!
في الغد، لم توقظاني... وبقيتُ نائما حتى قرابة منتصف النهار. عندما استيقظتُ، كان شعوري كسكران شرب برميل خمر البارحة... بسمة كانت تُعد الغداء، وملاك كانت واقفة أمام النافذة...
- كيف تشعر؟
- أعتذر...
- طلبتُ كيف تشعر، لم أطلب أن تعتذر!
- لا تغضبي مني، تعلمين أنـ
- لا أعلم أي شيء! سأذهب إلى المطبخ!
- أرجوكِ... لا تذهبي... أرجوكِ!
- لا أستطيع أن أعيش بشعور الخوف! لا أستطيع تحمل ذلك!
- لن يتكرر ذلك أبدا، أعدكِ
- لا تعد بشيء لا تستطيع فعله!
- ...
بعد خروجها بقليل، دخلتْ بسمة...
- تتذكر ماما عندما كنا نستيقظ وقت الغداء، ماذا كانت تقول؟
- فطور أم غداء؟
- إذن؟
- فطور
- ينتظركَ...
- أعتذر...
- لا تفعل، لا تعتذر
- تركتِ أبناءكِ وزوجكِ... وأنا...!
- ستعوضني! عندنا كل اليوم لذلك! هيا قم...
عندما دخلتُ المطبخ، سكتتا... وبعد أن فطرتُ... تكلمتْ ملاك...
- كنتُ غاضبة... لا تلمني
- عندكِ كل الحق
- لا أستطيع حتى تخيل أن يتكرر ذلك مرة أخرى، ولا أعلم كيف أتصرف؟!
- ...
- هل تتذكر كل شيء؟ عندما غادرتِ مثلا، هل تتذكر ماذا قلتُ لك؟ ماذا قالت بسمة؟
- لا
- هل تتذكر ماذا قلتَ؟
- نعم... أعتذر، سأخرج
- لا... قلتَ "يجب أن أخرج"... وكيف خرجتَ؟
- كيف... كيف خرجتُ؟ مشيتُ إلى السيارة وغادرتُ...
- ...
- ماذا؟!
- لم تمش... كنتَ تقريبا تجري!
- أنا آسف! أعتذر...!
- عزيزي... لا أريدكَ أن تعتذر، أريدكَ أن تفهم أننا في حاجة إلى مساعدة!
- سأتصرف وحدي
- لم تستطع، ولن تستطيع!
بسمة: هل تريد أن أترككما؟
- لا
- عندي اقتراح... مجرد اقتراح بسيط! ولا تغضب مني؟
- الجواب لا!
- لا تريد حتى سماعه... طيب أنا سأسكت... وأنتِ؟ نفس الجواب؟
- نعم... صور إيمان لا تتحرّك من مكانها!
- لن يكون الحل بينكما... يجب طرف ثالث، ومحايد! حتى أنا لا أظن أني أصلح لشيء هنا! لستُ محايدة!
- قلتُ سأتصرف وحدي...
- هل تسمعني ولا تغضب؟
- نعم
- الذي أعرفه قبل البارحة أنكما تعبدانها، ملاك هنا، وأنتَ هنا وعند البحر... الذي حصل البارحة ذكّرني بأفلام عرائس البحر... والغناء الذي يُذهب العقل فيهلك من جرائه ذلك الرجل دون أن يعي شيئا! اعذرني عزيزي، وأنتِ عزيزتي... أنتما كمؤمنيْن يعبدان وهما، وأحدكما التحق بطالبان وفي أي لحظة قد يُفجّر نفسه!
- ...
- المشكلة ليست فيها، بل فيكما... الله وهم، لكن الأهم فيه، استعماله، حتى وهو وهم! هو مجرد فكرة، البعض تُفيدهم، والبعض تُدمر وجودهم ووجود غيرهم!
- ...
- أحبكَ أخي، ولن أقبل أن أخسركَ مهما كانت الأسباب! ملاك تحبكَ أيضا، لكنها لا تستطيع مساعدتكَ لأنها تعبد مثلكَ نفس الإله!
- ...
- مِن وجهيكما، أرى جيدا كيف تحتاجان إلى مساعدة! ولا فرق بينكما في ذلك، فكلامي كان هرطقة عظيمة وكفرا بواحا عند كليكما!
- عندما... عندما يموت الميت، يحزن من يحبونه وقتا، ثم تمر فترة الحداد، ويتلاشى الألم شيئا فشيئا حتى يتحول ذلك الميت إلى مجرد ذكرى... مجرد شخص يُذكر ويُتحدث عنه كأي شيء في كلام الناس... أنا لم أقبل، ليس يوما! بل لحظة واحدة أنها ماتت وأني لن أشعر بها أبدا! ولن أستطيع قبول ذلك أبدا! ليس فقط لأنها إله يُعبد بل لأن ذلك يعني أني سأخسر ملاك! التي أراها... نَسَتْ!!
ملاك: ...
بسمة: كيف تخسر ملاك؟
- عزيزتي... سأكون بخير وسأتصرف، لم تأت إلى هنا لأوجع رأسكِ بكل هذا..
- لا عزيزي، أوجع رأسي ولا تهتم! أريد أن أفهم؟
- الأمر معقد، لكن حله بسيط، عالمي كله موجود في هذا المطبخ الآن... أنا، أنتِ، ملاك، وصورة إيمان! صيف سنتنا الأولى قبل مجيء ملاك وإيمان إلى منزلنا، قلتُ لكِ أن ثلاث نساء سيبقين أبدا... لم أكن قد بلغتُ العشرين وقتها... هل تغيّر شيء؟ أفتقدها... دائما! كل يوم! كل لحظة! عقلي إلى الآن لم يقبل أنها رحلتْ، ولن يقبل! لأني لا أريده أن يقبل، ولن أسمح له بأن يقبل! ومع مرور الأيام، مثل فكرة الدين ورموزه، يزيد التقديس ويكبر الوهم! وعندي تزيد الحاجة إليها والنقص منها... سنة لم أشعر بها، سنتين ثلاث سنوات، ثم سنين! الرغبة والشوق لا يضعفان بل يزيدان! البارحة كنتُ في غرفة النوم، أسمعكما في الصالة، تتكلمان وتضحكان، لم أميز الكلام ولم أهتم بما كنتما تقولان، الأهم عندي كان أنه كلام وضحك بينكما، ربما وبدون أن أشعر أردتُ أن أُكمل ما ينقص عالمي! ربما كنتُ خرجتُ أبحث عنها لأعود بها لتكون معكما ولأكون معكن! وربما أردتُ أن أشعر بها في عالمها الآخر لأستطيع مواصلة الحياة مع ملاك في عالمها هذا! لا أستطيع أن أكون الأخ الذي تحبين ما لم أشعر بها! إذا سمحتُ بغيابها ذلك يعني العدم! عالمي كله سينتهي! لن أكون! لن تكون ملاك! ولن تكوني!! ... لستُ في حاجة لأحد! يلزمني فقط بعض الوقت لأعدّل الوصفة اللازمة! والتي لا أحد سيعرفها غيري!
ملاك: عزيزي لم أنسَ... لكني خفتُ!
- سأفعل المستحيل لكيلا يتكرر الذي حصل...

بعد مدة... ليلة لايتيسيا... حضر الجميع، ماما، بابا، محمد وإيناس، نور وزوجها وأبناؤها، أبناء بسمة وأبوهم... لكن بسمة، لم تحضر... قالت أن عندها ندوة السبت والأحد، والإثنين ستغادر من النزل مباشرة إلى معهد المهندسين للإشراف على طلبة الدكتوراه الذين عندها... كان الصيف، وكل ذلك كانت تستطيع إلغاءه أو تأجيله... لكنها لم تفعل. يوم الإثنين، قمتُ باكرا، وخرجتُ لشراء بعض الكرواسون والحلويات للايتيسيا... قلتُ أعرّفها على بعض خصوصيات البلد، لكني تفطنتُ لنفسي وقد غادرتُ المدينة، وأنتظر في الصف عند محطة استخلاص الطريق السيارة، فواصلتُ مسيري، حتى توقفتُ أمام معهد بسمة... لم أستطع الدخول لأني كنتُ بملابس نوم، فطلبتُ من حارس عند الباب البحث عنها وإعلامها، فقدمتْ بعد قليل، وصعدتْ السيارة بجانبي...
- ماذا تفعل هنا؟ وما الذي ترتديه؟ هل أنتَ بخير؟
- مفاجأة؟
- نعم! وكبيرة! ماذا تفعل هنا؟ كيف حال ملاك و... ما اسمها؟ لارا... لا... بعد لا؟
- لازانيا...
- قل
- لايتيسيا
- نعم نعم تذكرتُ... كلمتُ الأولاد... أحبوها...
- جيد
- والحفلة كانتْ رائعة
- نعم
- وكيف شعرتَ؟ كيف تشعر الآن؟ وملاك؟
- افتقدتكِ
- أنا أيضا... قل لي ما كان موقف ملاك؟
- لستُ هنا لأتكلم عن ملاك
- لماذا إذن؟
- تعرفين لماذا! هل... هل نستطيع الذهاب من هنا؟
- عندي...
- لا شيء!
- طيب... انتظرني دقائق وسأعود
- ...
عندما عادت، لم نتكلم، حتى توقفتُ بجانب البحر...
- علمتُ بوجودها منذ أيام، و... كل شيء سار بسرعة، وهي الآن نائمة في منزلي... لو لم ترحل إيمان، ما كانتْ... ما كانت وُجدتْ أصلا... لكن الذي حدث حدث!
- لم ألمكَ في شيء! لماذا تقول كل هذا؟
- وملاك... سعيدة بها... لم أفهم بالضبط لم وكيف حتى الآن، لكنها سعيدة...
- يسرني ذلك، برغم أني توقعتُ العكس منها، لكن... جيد... ذلك رائع
- لا أعلم كيف تفكر ولماذا تفعل ذلك... ملاك لا تحب الأطفال فكيف تقبل بها؟ ولماذا؟ لا أفهم...
- ليس لها من كل ما حصل شيء، كنتَ صغيرا ووقع الذي وقع... الصغيرة لا ذنب لها
- لم أشعر بشيء نحوها برغم أن ما يظهر قد يقول العكس
- دع الأمور تسير بهدوء... كل شيء سيكون على خير... ماما سعيدة بها... أكثر مما تتصوّر
- ...
- لماذا سكتَّ؟
- أنتظر أن أسمع منكِ
- تسمع مني ماذا؟
- حصل حدث... بقطع النظر عنه... لم تكوني موجودة...
- قلتُ أ
- قلتِ...
- ...
- لا تتركيني الآن! قد أغرق وتعرفين ذلك!
- يستحيـ
- دعيني أُكمل! ليلة الحفلة لو رأيتني... كنتُ شخصا عاديا... أكلتُ، شربتُ، تكلمتُ، ضحكتُ... كل شيء كان يظهر عاديا... الأحد كذلك... لكن، الإثنين، خرجتُ من المنزل لشراء حلويات للايتيسيا، فوجدتُ نفسي أمام معهدكِ وبلباس نومي!
- سامحني... لكنـ
- لكن ماذا؟! لن يتغيّر أي شيء!
- تغيّر وانتهينا!!
- ماذا تريدين الآن؟!
- أبعدتني عنكَ، ومِن بين أسبابك... الأطفال!
- والآن؟ صارتْ عندي طفلة؟
- كنتُ أستطيع الانتقال بسهولة! لم يكن عندي أطفال وقتها! لم يكن عندي منزل! لم تكن عندي حياة كاملة هنا! لكنكَ رفضتَ! لم ترد أن يُقلق راحة جنابك مَن سيأتون مِن أختكَ! لن أغفر لكَ ذلك أبدا!! أبعدتني وأنا بجانبكَ والآن تقبل بمن وراء البحار!! حتى لو كانت من ملاك على الأقل... مجرد نزوة مراهق!!
- تريدين أن أرفضها؟
- لا تكن سخيفا، الكلام وإن كان عنها إلا أنه لا يعنيها أصلا!
- قلتُ ألا شيء سيتغيّر! لو تغيّر شيء، هل كنتُ سأكون هنا الآن؟
- ...
- تبا! حتى الموبايل تركتُه في المنزل!
- خذ... اتصل بملاك...
- ...
- ما بك؟ كلمها، لا تتركها قلقة!
- لا... انتظريني هنا... سأطلب من أحدهم أن يعيرني موبايل
- ولماذا لا تفعل ذلك من عندي؟
- لن يُعجبها... تعرفين ذلك جيدا... سأعود...
- ...
بعد دقائق...
- لو قبلتَ أن أسكن قريبة منكَ ما حصل هذا...
- عليّ أن أعود الآن... سأوصلك أمام المعهد
- لا... تستطيع تركي هنا، ولا تقلق بشأني!
- ليس الآن! أرجوكِ
- ماذا قلتَ لها؟
- إيمان...
- ابق بعض الوقت!
- ستغضب
- وغضبي؟
- تبا! بسمة لم نعد أطفالا! عندكِ طلبة ينتظرونكِ، زوج، أبناء!!
- لستَ أحسن مني! تركتَ كل شيء وراءكَ وقدمتَ من أجلي! أستطيع أن أفعل أكثر! يلزمني فقط اتصال صغير...
- وأبناؤكِ؟!
- سيتكفل بهم أبوهم... بسيطة، لن أغيب عنهم شهرا عزيزي... ماذا قلتَ؟ و... خطرتْ ببالي أفكار... لو تعلم!
- أحد النزل بجانب البحر رمموه مؤخرا، وأصبح رائعا!
- نزل؟ وأدخله هكذا؟
- فكرت في الحل! ما رأيكَ؟
- رأيي في ماذا! هل جننتِ؟ أدخل أربع نجوم أو خمس بلباسي هذا؟
- انزل وتعال إلى مكاني... لا تضيع الوقت!
- لم أقل أني سأبقى!
- انزل قلتُ لك!
- ... تبا!
- ...
- ...
- وستفعل شيئا من أجلي!! ولن تقول لا!!
- ماذا أيضا؟!
- سترى... قل أنكَ لن تقول لا؟
- على ماذا؟
- قل!
- فيما تُفكرين؟!
- قل! سأغضب إن لم تفعل!!
- طيب!!
- لن تقول لا!
- اللعنة!! لن أقول لا!!
- ولد مطيع... هكذا يجب أن تكون!
عندما توقفتْ، فهمتُ ما أرادتْ... كان أمرا بسيطا، بديهيا بل مطلوبا عند أغلب البشر، لكنه... لم يحدث معي قط! لأني كنتُ أرفضه رفضا مطلقا... كنتُ مجبورا عليه مرتين فقط في حياتي حتى تلك اللحظة؛ يوم مناقشة أطروحتي، ويوم زواجي... لكني لم أذعن! وقبلتُ به معها... الأمر كان لبس بدلة وقميص وربطة عنق! وخصوصا ربطة العنق!
في النزل...
- سمعتَها عندما قالت... "زوجكِ وسيم مدام، الله يحفظه لكِ"؟
- لم أكن في وضع أستطيع فيه التركيز مع ما يُقال حولي!
- لا تُهوّل الأمر! لم تُحول البلد إلى يابان ثاني!
- تعرفين أني سألقي كل هذا في الطريق بعد قليل! لماذا الخسارة؟
- خسارة؟ ومنذ متى تعنينا المادة نحن؟
- ...
- ...
- سكتِّ...
- لماذا فعلتَ ذلك؟
- فعلتُ ماذا؟
- لم أتصوّر أبدا أنكَ ستقبل...
- أردتِ ذلك، فقبلتُ... الأمر بسيط، ومثلما قلتِ لم أجعل هذا البلد المتخلف يتحول إلى يابان جديد
- جعلتني سعيدة...
- على الأقل قمتُ بشيء جيد!
- هل تشعر بحرج؟
- شعور غريب أشعر به مع هذه البدلة! شيء من الاختناق أيضا مع هذه الربطة... والحذاء... يضغط على قدميّ
- أنتَ محرج... أرى ذلك على وجهكَ
- نعم... لستُ مرتاحا مثلما اعتدتُ مع ما ألبس عادة...
- أنتَ تتهرب عزيزي... وتتحاشى النطر لي... وتعلم جيدا أني لم أقصد ما تقول... لماذا؟
- ...
- الأمر غريب أليس كذلك؟ حتى عندما سنصبح عجائز... لن نتغير... سنبقى هكذا... وسنشعر أن كل ذلك غريب... مريب...
- ماذا قلتِ لزوجكِ؟
- مثل الذي قلتَه لملاك...
- ...
- وفي طريقكَ إليها ستواصل ما قلتَ... ستغير ملابسكَ ولن تقول لها ماذا حصل
- نعم
- لا أريد أن يلبسها أحد البدلة... لا تُلقها من نافذتكَ... قُم بحرقها...
- ...
- أحبكَ، ولن أشعر بالحرج من ذلك أبدا!
- ...
- الحقيقة أني أشعر بالحرج أحيانا، كلما خرجتْ تلك الطفلة الصغيرة... لن أستطيع التخلص منها حتى عندما أصبح عجوزة، تعرف ذلك؟
- نعم... أعرف... عدنا عشرين سنة إلى الوراء...
- أكثر... تعرف ماذا تريد تلك الصغيرة الآن؟
- أن نُمضي الليلة معا...
- نعم!
- أتمنى ذلك أيضا، لكننا
- أعرف... لا نستطيع!
- لا أحد سيفهم، ولا أحد سيستطيع؟
- نعم.
بعد أيام من مغادرة لايتيسيا، وانتهاء عطلتنا أنا وملاك، عدنا إلى العمل... كان يوم إثنين... قبل أن أكمل بقليل، اتصلتُ بملاك لأرى كيف تسير الأمور معها، ولأرى هل سنعود معا إلى المنزل أم أنها ستتأخر، فأجابتني أنها في المنزل، ولم تذهب لحصتها الثانية، فسألتُ عن السبب فلم تُجب وقالت أنها تنتظرني... عندما وصلتُ، ناديتُ فلم ترد، فبحثتُ عنها، فوجدتها في المطبخ، فأشارتْ لي بأن أجلس، ففعلتُ... لم يكن شيء فوق الطاولة، فقط موبايل في مستوى مركزها، هي تجلس على كرسي في جهة، وأنا أمامها من الجهة الأخرى...
- حصل شيء؟
- نعم
- ...؟
- علاقتي طيبة مع زوج أختكَ مثلما تعلم، لكننا لسنا مقربيْن...
- ...
- نادرا ما نتصل ببعض... كل الاتصالات تمر عبر بسمة باستثناء مرات نادرة...
- و...؟
- اليوم اتصل بي، وتكلمنا طويلا... الأمر غريب أليس كذلك؟ أول مرة يحدث ذلك...
- ملاك... ما الذي حصل؟
- عذرا عزيزي، أنتَ من ستجيب عن السؤال...
- ماذا تقصدين؟
- أرسل لي صورا... افتح الموبايل وانظر...
- ...
- أشرح لك الإطار عزيزي... عنده متربصون كثر مثلما تعلم... فيهم إثنين سيوظفهما... متربص ومتربصة... وصادف أنهما يُحبان بعض ومخطوبان... وصادف أن الخطيب دعا خطيبته إلى مكان راق... الصور أرسلها المتربص البارحة... لماذا فعل ذلك بعد مدة طويلة؟ خاف... على مستقبله... لكنه بعد ذلك قرر أن يُعلم رئيسه لأنه يستحق أن يعرف... علّمهما الكثير ورعاهما جيدا... قال المتربص أنه حتى لو طُرد لن يندم... أراد أن يكون مرتاح الضمير ولم يقبل أن يبقى رئيسه مخدوعا... في زوجته! لكنه فرح بعد ذلك، وانزاح ذلك الغم عن صدره... لأن رئيسه ضحك وقال له ولخطيبته... هذا أخ زوجتي وليس ما ظننتماه!
- ...
- طبعا الكلام الذي نقوله شيء، والذي نشعر به ونخفيه شيء آخر... لذلك اتصل بي صهركَ اليوم... طبعا حاولتُ... لكني كنتُ على خطأ! كنتُ أظن أنه لا يعلم، لكنه... يعلم كل شيء! لم يكن في حاجة إلى تلك الصور، لكنها كانت القطرة التي أفاضتْ كأسه!
- ...
- ظننتُ الصور مزيفة... بدلة وقميص وربطة عنق؟ لم أركَ يوما كذلك... وما أعرفه عنكَ أنكَ يستحيل أن تلبس ذلك اللباس!
- ...
- كذبتَ عليّ عزيزي! كذبتَ على إيمان وشوهتَ ذكراها!
- ...
- تعرف... قالت لي مرة أن النساء يخشين على أزواجهن الخيانة مع نساء أخريات، أما أنا فلا يوجد عندي احتمال أن تحصل تلك الخيانة... محظوظة يعني! لكني أخشى على زوجي من أخته...
- أكملتِ؟
- تقريبا... لكن... أريدكَ أن تعلم قبل كل شيء، أني يستحيل أن أتنازل عن حق إيمان!! ويستحيل أن أقبل أن يأخذ مكانها أحد!!
- لم أخطئ عزيزتي... تستطيعين فقط لومي لأني لم أُعلمكِ وبعد أن تفهمي جيدا السبب... لكني لم أخطئ في شيء! لستِ قاضيا يحاكم مجرما الآن، مثلما تظنين، بل أنتِ صرتِ مجرد غبية حمقاء كزوجها!
- ...!
- تتكلمين عن إيمان؟ طيب! هل حدث ولو مرة واحدة أن قلتُ لكِ ما الذي كان يحصل بيننا؟ هل كانت إيمان تفعل؟ كنتِ تعرفين جيدا ما الذي كان يحصل، لكنكِ لم تقبلي لحظة واحدة أن تتكلمي عنه أو أن تسمعي عنه! هل كنتُ كاذبا؟ هل كذبتْ إيمان؟ كان يؤلمكِ ذلك لكنكِ قبلتِ به! منذ أول لحظة عرفتكِ فيها قلتُ لكِ أن إيمان لم تغب لحظة واحدة عن تفكيري وتمنيتُ لو كانت معنا فظننتني أمزح! لم أتغيّر يوما ولن أتغير! ما الفرق مع بسمة؟ عرفتِ كل شيء بعد ذلك الأسبوع أنتِ وإيمان صيف سنتنا الأولى! هل الصور غريبة عليكِ؟ وكيف تستغربين أصلا منها؟ استغرابكِ وغضبكِ الآن عزيزتي كأنك تلومينني على حبي لإيمان! فهل يُعقل هذا منكِ!! زوجها يستغرب ربما، لكن كيف يحدث معكِ؟!
- ...
- كذبتُ عليكِ؟ ربما! لكن لماذا لم أُعلمكِ؟! وهل أعلمتكِ بما كنا نفعل أنا وإيمان؟! بكتْ مرات كثيرة إيمان، وتمنتْ لو كنتِ مثلها! كانت سعيدة وكانت تتمنى أن تشعري بما كانت تشعر! لم يكن لوما منها بل حبا لكِ، ومن يحب يستحيل ألا يريد مشاركة من يحب كل ما يسعد به! لكن ذلك لم يكن ممكن التحقق معكِ، فقبلتْ وقبلتُ لكن مع حسرة لم تغبْ عن أغلب أوقاتنا معا! أوقاتي مع بسمة قطرة من البحر الذي كان مع إيمان، لا وجه للمقارنة بينهما، لكن أصل رفضكِ ليس فيّ بل فيكِ... تحبين إيمان أما بسمة فلا! هذا أصل رفضكِ! لكنكِ تعلمين أني لا أستطيع إلا أن أكون كذلك معها ومنذ البدء! فعلى ماذا تلومينني اليوم عزيزتي؟!
- ...
- يستحيل أن تسمحي بأن يأخذ مكان إيمان أحد؟ وهل أخذته أنتِ عندي لتستطيع بسمة أخذه؟ ربما أكون أخطأتُ فيما رأيته كذبا مني، لكن اسألي نفسكِ لماذا؟ الجواب لأني أحبكِ عزيزتي ولا أقبل بأن تتألمي! لو ذكرتُ إيمان ستقبلين وستسعدين بذلك، لكن بسمة لا! كذبتُ؟ نعم، عندما ترين القشور! لكن لماذا؟ ليس لأني أخطأتُ أو ارتكبتُ جريمة، بل فقط من أجلكِ... بسمة باقية أبدا، ويستحيل أن يتغير ما أشعر به نحوها، ليست مثلكِ، ليست مثل إيمان، لأنها أخت لكن ليست أي أخت وهذا تعرفينه منذ سنين... منذ البداية!
- ...
- لا ألومكِ على شيء عزيزتي، لكنكِ من المفروض كنتِ تسخرين منه زوجها لا أن تنزلي إلى عالمه... عالمنا مختلف منذ البدء! ولذلك اهتممتِ، لذلك أحببتني! كل ما قلتُه لكِ عن حبي لبسمة كان مجرد قطرة من بحر، لم أستطع يوما أن أقول أكثر لأن ذلك كان سيؤلمكِ! لم تقبلي أن تسمعي وتعرفي مع إيمان، لن تقبلي مع بسمة! لذلك لم أقل كل شيء! لم أخطئ في شيء عزيزتي، وحبي لها فخر ونيشان على صدري وأبدا لم يكن وأبدا لن يكون خزيا أو عارا! سأقول لكِ شيئا ربما لأول مرة... كنتُ أتمنى أن تكون قريبة مني، أن أراها كل يوم، لكني رفضتُ! كان مقررا أن تعمل هنا! وتسكن هنا! لكني رفضتُ وتعللتُ بأطفالها الذين ستُنجبهم في المستقبل، وكان ذلك من أهم أسباب رفضي التي اختفيتُ وراءها! الحقيقة أن السبب الوحيد لرفضي هو... أنتِ! لأني لم أرد لكِ أن تتألمي! لأني كنتُ على يقين أنكِ لن تقبلي! وما كنتُ لأقبل حتى لو كنتِ قبلتِ وطلبتِ مني ذلك! لأن ذلك يستحيل أن يحدث عندكِ لأن مكان إيمان لا يُمكن أن يأخذه أحد عندكِ وأيضا عندي!
- ...
- أحبكِ... ولا أملكُ إلا أن أعتذر... عن كل الألم الذي تشعرين به بسببي... منذ أول لحظة، أول لقاء، تألمتِ، ولم يغب الألم عنكِ! لستِ مريضة مازوشية، ولستِ ذليلة بلا كرامة كما كنتِ تقولين لإيمان! لم تكوني يوما مثل النساء، كنتِ مختلفة، واختلافكِ ثمنه باهظ! أتألم أيضا عزيزتي! ويستحيل أن أشعر بسعادة كاملة! ليحصل ذلك يلزمني وجودكن معا! إيمان رحلتْ، وبسمة لا يُمكن أن توجد معكِ! فلماذا أواصل قبول هذا العذاب؟ أنا هكذا، لن أتغير ولا أريد أن أتغير! وأعتذر عن كل ذلك، لكني لا أستطيع شيئا آخر غيره!
- هل... هل نتعشى؟
- تشعرين بالجوع؟
- لا، وأنتَ؟
- ذلك اليوم، عندما ذهبتُ إلى بسمة... فكرتُ في الذهاب إلى... إلى قبر إيمان... مرت الفكرة للحظة لكني وأدتُها
- ...
- خفتُ أن تبتعد عني إلى هناك، وألا أشعر بها هنا...
- أفتقدها...
- نعم... أنا أيضا! لم أعتذر أبدا عن حبي لها... أريد أن أفعل لكني لا أستطيع!
- لم أطلب منكَ أن تفعل...
- ستبقى وأنتِ أعظم إنجاز في حياتي كلها!
- وبسمة؟
- بسمة ليستْ إنجازا صرفا بل فيها نسبة من وراثة... الإنجاز الصرف أنتِ وإيمان.
- ولايتيسيا؟
- لا شيء، وجودها برمته أنتِ سمحتِ به
- أحببتها
- وفي أي لحظة تُقررين أن تتحول إلى عدم، سأفعل دون ذرة تردد أو ندم...
- لن أفعل، وأريد أن يكون لها مكان عندكَ...
- عزيزتي، لن يكون لها أي مكان لا هي ولا غيرها، الأمكنة كلها محجوزة... ستكون كأي ممن نعرف... بابا، ماما، نور، محمد، جامبو... فقط! وهذا قلته لكِ منذ البدء... لن أتغير بعد عشرين سنة عزيزتي... تعرفين ذلك جيدا وعشتِه قرونا
- و... في المستقبل... هلـ
- لن يحصل ذلك أبدا! وأستغرب كيف تجرأتِ!
- مجرد سؤال ولم أقصد أنـ
- أن ماذا؟!
- ...
- بسمة لا تستطيع العيش في هذا المنزل!! فهل ستستطيع لايتيسيا!! ما لكِ ملاك؟!! هل فقدتِ عقلكِ أم ماذا؟!
- ...
- وإياكِ أن تقولي أنها ابنتي! إياكِ ملاك وسأذكركِ يوما إن نسيتِ! أنتِ من سمحتِ لها! هي ابنتكِ لا ابنتي! ولا تنسي التشبيه الذي سأقوله: المسألة عندي تقريبا تُشبه امرأة أحب وتطلب مني أن أقبل بابنتها! قبلتُ فقط لأن المرأة التي أحب طلبتْ مني ذلك، ولو لم تطلب ما كانت الفكرة أصلا مرت ببالي! لو كنتُ أريد أطفالا لأنجبتهم من المرأة التي أحب، منكِ، لا من نزوة شاب صغير بائس! وجودها ألم فظيع لي عزيزتي وتذكير لي بما اقترفتُ! كأنكِ بسماحكِ لها ستعاقبينني إلى الأبد! ما الفرق بينها كثمرة طيش وبؤس وخيانة وبين مَن تحمل مِن مغتصبها؟ ولا تظني أنه هروب من تحمل مسؤولية أفعالي! لم أقرر عزيزتي! لم أُستشر! لم أرغب! لم أقبل! بل لم أعلم أصلا! ربما ذلك الذي يبيع منيه لبنك يكون مسؤولا أكثر مني، فهو يعلم بوجود أبناء، وسمح بوجودهم، أما أنا فلا! هي ابنتكِ عزيزتي لا ابنتي، وأنا قبلتُ لأنكِ أردتِها! وهذا لا يعني إطلاقا أني سأسمح بأن يكون في هذا المنزل ساكن رابع غير ثلاثتنا!!
- لا تُعد مرة أخرى، أني أعاقبكَ بسماحي بوجودها... لأنه غير صحيح ولم أفكر فيه إطلاقا!
- لم أقل أنكِ كذلك، قلتُ كأنكِ
- إذن لا تُعد مرة أخرى... كأني أعاقبكَ بوجودها!
- حاضر... لن يتكرر ذلك... أعتذر
- جُعتُ!!
- أحضر لحبيبتي العشاء!
- أريد أن أتعشى في مطعم فخم!
- نذهب إلى أفخم مطعم في هذه المدينة! إلا إذا كان عندكِ اسم ما؟
- لا... أثق في اختياركَ
- تغيرين ملابسكِ؟
- لا! أنتَ ستغير لي! أشعر بالتعب!
- وإذا حضر الشيطان! ماذا أفعل؟!
- لا تتفل عن يمينك، ولا عن شمالك!
- وأين أتفل؟
- مثل أبيكَ آدم!! على التفاحة!
- أكلها! لم يتفل عليها!
- لا! تفل ثم أكل!
- أنتِ أدرى مني بهذه الأمور... تعالي إذن، ورددي ورائي... اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا، مطلعا على عوراتنا...
- اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا، مطلعا على عوراتنا
- يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم
- يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم
- اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك
- اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك
- وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك
- وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك
- هل شممتِ رائحة شواء؟
- لا!
- نيتكِ سيئة! الدعاء يشوي الشيطان!
- إذا سنجده أمامنا؟
- نعم! والعشاء تفاح عزيزتي! و... تين وحيات وثعابين!
- عندي دعاء أحسن...
- ؟
- Don t ask me!
- What you know is true...
- Don t have to tell you!
- I love your precious heart...
- I...؟
- You were standing...
- I was there...
- Two worlds collided؟
- And they could never tear us apart!!
[https://www.youtube.com/watch?v=AIBv2GEnXlc]



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-3
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-2
- عن الكراهية والحق فيها
- قاتم (6) ليلة
- قاتم (5) ملفات
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-1
- الإلحاد والملحد ونقد الإسلام في الغرب: سلوان موميكا لا يُمثل ...
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 13-28
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 13-27
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 13-26
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-25
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-24
- قاتم (4) ...
- قاتم (3) انتقام
- قاتم (2) بُوتْ
- قاتم (1) سوري
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-23
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-22
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-21
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-20


المزيد.....




- متحف الإثنوغرافيا في كابل.. نافذة على التنوع الثقافي في أفغا ...
- صالون الفنان -مصطفى فضل الفنى والأدبى-فى ندوته مساء الخميس ا ...
- جماليات الوصف وتعطيل السرد.. -حكاية السيدة التي سقطت في الحف ...
- بعد نيله جائزة -برلمان كتاب البحر الأبيض المتوسط-.. الكاتب ا ...
- فيلم يسلط الضوء على انتهاكات كييف
- المتحف البريطاني يختار الفرنسية اللبنانية لينا غطمة لـ-أحد أ ...
- العربية في إيران.. لغة -أم- حية بين الذاكرة والتحديات
- فيديو.. متهم يهرب من نافذة المحكمة بطريقة سينمائية
- فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن
- سجلات الليدرشيت يشعل النقاش حول القيادة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-4