أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - وحيد محمود محمد - عناقيد العنب!














المزيد.....


عناقيد العنب!


وحيد محمود محمد
كاتب و باحث

(Waheed Eyada)


الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 00:56
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


تصور معي هذا المشهد: شخصا ما يقف على حافة بحر ، ينظر إلى الأسفل حيث الأمواج المتلاطمة، وبدلًا من أن يقفز، يلتفت إلى الخلف ويقول: "الحياة لا تستحق كل هذا الحقد!" ثم يمشي بعيدًا بابتسامة غامضة. هل تعرف لماذا فعل ذلك؟ لأنه اكتشف أن الحقد أشبه بسمّ بطيء، يقتل صاحبه قبل أن يقتل ضحيته.

إننا نعيش في عالم يبدو أحيانًا كمسرحية هزلية، حيث الجميع يلعب دور البطل، لكن خلف الكواليس، هناك دائمًا شخص ما يحمل محيطا من المؤمرات و سكينًا من الحقد، مستعد لطعنك في الظهر. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: لماذا نسمح لهؤلاء الأشخاص بأن يسرقون سلامنا؟ ولماذا نستمر في التفاعل مع حقدهم وكأنه جزء طبيعي من حياتنا؟

في التراث الإسلامي، نجد إجابات عميقة لهذه الأسئلة. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". تخيل أنك في موقف صعب، شخص ما يحاول إغضابك، وأنت تبتسم وتتحكم في غضبك. هذا ليس ضعفًا، بل قوة تفوق قوة أي ملاكم أسطوري .
القرآن الكريم أيضًا يذكرنا: "وَ ٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ" . التسامح هنا ليس مجرد فضيلة، بل هو سلاح قوي ضد الحقد.

لكن دعونا ننظر إلى الجانب الآخر من القصة. ماذا لو كان الشخص الذي أمامك لا يستحق التسامح؟ ماذا لو كان ينسج من خياله المؤامرات و يؤلف القصص ، شخصا حاقدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟ هنا يأتي دور "التغافل"، وهو فنّ لا يتقنه إلا الأقوياء. التغافل ليس تجاهلًا ساذجًا، بل هو قرار واعٍ بعدم السماح للحقد بأن يسيطر على حياتك. تخيل أنك تمشي في الشارع وتعثرت بحجر ثم سقطت علي الأرض ، هل ستقف لتلعن الحجر أم ستستمر في طريقك؟ التغافل هو أن تستمر في طريقك.

في الأدب العالمي، نجد أمثلة مذهلة عن الحقد والتسامح. في رواية "الأبله" لدوستويفسكي، البطل الأمير ميشكين يحاول أن يكون طيبًا في عالم مليء بالخداع والحقد. النتيجة؟ الجميع يعتقد أنه أحمق. لكن هل هو حقًا أحمق؟ أم أن العالم من حوله هو المريض؟
وفي رواية "عناقيد الغضب" لجون شتاينبك، نرى كيف أن الحقد يمكن أن يدمر المجتمعات، بينما التسامح يبني جسورًا من الأمل.

و لكن : هل سمعت يومًا عن "عناقيد الغضب"؟ نعم، تلك الكتلة الثقيلة التي نحملها على أكتافنا، مليئة بالقلق والحقد والضغينة. تخيل أنك تحمل سلة مليئة بالحجارة الساخنة، كل حجر يمثل غضبًا أو حقدًا تجاه شخص ما. هل تعرف ما الذي يحدث؟ كلما حملت هذه السلة لفترة أطول، كلما أصبحت أكثر تعبًا وأقل سعادة.

لكن ماذا لو استبدلنا هذه السلة بأخرى مليئة بعناقيد العنب؟ نعم، عناقيد العنب الحلوة التي تذوب في فمك، وتذكرك بأن الحياة مليئة باللحظات الجميلة التي تستحق أن نستمتع بها. التسامح هو مفتاح هذه السلة الجديدة. عندما تختار أن تسامح، فإنك ترمي الحجارة الساخنة بعيدًا، وتترك مساحة في قلبك لتتذوق طعم الحياة الحقيقي.

تخيل نفسك جالسًا في حديقة مشمسة، تمسك بعنقود عنب وتتناوله ببطء، بينما تترك كل الأفكار السلبية تتبخر تحت أشعة الشمس. هذا هو التسامح: أن تختار أن تكون سعيدًا، أن تختار أن تعيش بسلام، وأن تترك الحقد للآخرين الذين لا يعرفون كيف يتذوقون طعم العنب الحلو.

الحياة قصيرة... فلماذا نضيعها في الغضب؟

الحقيقة المرة هي أن الحقد مثل النار: إذا لم تطفئها، ستلتهم كل شيء حولها. لكن الخبر السار هو أنك لست مضطرًا لأن تكون وقودًا لها. يمكنك أن تختار أن تكون الماء الذي يطفئها.

لذا، دعونا نطرح سؤالًا أخيرًا: هل نستحق أن نعيش حياتنا كضحايا لحقد الآخرين؟ أم أننا نستحق أن نعيش بقلوب خفيفة، مليئة بالسلام والتسامح؟ الجواب واضح: الحياة قصيرة جدًا لنضيعها في دوامة الحقد.

في النهاية، تذكر دائمًا: التسامح ليس هدية تقدمها للآخرين، بل هو هدية تقدمها لنفسك. لأنك، في النهاية، تستحق أن تعيش حياة مليئة بالسلام، وليس بالحقد. فاترك عناقيد الغضب، وتناول عناقيد العنب، واستمتع بالحياة كما هي: حلوة، منعشة، ومليئة بالحب و الخير و الجمال .



#وحيد_محمود_محمد (هاشتاغ)       Waheed__Eyada#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاهوار تصنع الحلم !
- و تشرق سماء ال ياسر !
- التعليم في عيون السينما !
- جيل جديد.. حلم جديد
- جيل جديد ..حلم جديد
- جيل جديد..حلم جديد
- جيل جديد .. حلم جديد
- التعليم بين السينما و الواقع !
- الفستان الاحمر
- كبسولة يومية (١)
- كبسولة يومية (٢)
- جهاد الدموع
- علي باب الدار
- عندما يغرق الماء !
- -مدرسة ال ياسر فى ثوبها الجديد -
- سلطان ينعش الحياة فى قلب التعليم !
- التعليم فى زمن كورونا
- أبو عيادة عاصمة الشورى و مصنع الرجال !
- سلطان ينصب نفسه رئيسا للوزراء
- هل أنت يهوديا ؟! (1)


المزيد.....




- السعودية.. أول وجهة لـ-السماء المظلمة- بالشرق الأوسط.. من تر ...
- دفن لأكثر من ساعة وخرج حيا.. شاهد لحظة إنقاذ رجل من تحت انهي ...
- مدفيديف يطلق لقبا خاصا على ماكرون
- لماذا تلهم -تفاهة الشّر- سوريّي اليوم؟
- حاكم ولاية كاليفورنيا يطلب 40 مليار دولار لإعادة تأهيل المنط ...
- -بوليتيكو-: أورسولا فون دير لاين تشدد قبضتها على السلطة
- المصنّع الياباني المفلس تاكاتا يضع الفرنسي سيتروان في مأزق
- مظاهرات بالمغرب رفضا لمشاركة وزيرة إسرائيلية في مؤتمر دولي
- من الأسير الإسرائيلي أفيرا منغيستو الذي ظهر لأول مرة بعد 10 ...
- شاهد لحظة إفراج حماس عن إثنين من الرهائن الإسرائيليين في غزة ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - وحيد محمود محمد - عناقيد العنب!