أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد مبروك محمد أبو زيد - تاريخ الفراعنة ومصر العربية البائدة (3)‏















المزيد.....


تاريخ الفراعنة ومصر العربية البائدة (3)‏


محمد مبروك محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 20:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يقول ابن خلدون في التاريخ‎:‎‏ ويذكر الإخباريون العرب بأن العمالقة طمعت في حكم مصر، ‏فيقول ابن ظهيرة: فطمعت فيهم العمالقة فملكهم خمسة ملوك من العماليق، وقال قتادة‎:‎‏ أولهم كان ‏في زمن الخليل ثم الثاني الريان وهو فرعون يوسف (ع). ويقول ابن خلدون في موضع آخر‏‎:‎‏ ومن هؤلاء ‏العماليق فيما يزعمون عمالقة مصر وأن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده ‏واسمه الوليد دوفع ويقال ثوران بن أراشة بن فاران بن عمرو العملاق فجاء معه ملك مصر واستعبد القبط ‏‏(قال الجرجاني) ومن ثم ملك العماليق مصر‎".‎‏ ويقول ابن خلدون أيضاً‎: "‎‏ فخرج عليها إيمن من نسل ‏أتريب طالباً بثأر قريبه أبراجس ولحق بملك العمالقة يومئذٍ وهو الوليد بن دوفع الذي ذكرناه عند ‏ذكر العمالقة، فاستنصر به وجاء معه وملك ديار مصر‎"‎‏ وعن إسحاق قال: قبض الله يوسف وهلك الملك ‏الذي كان معه‎...‎‏ وتوارث الفراعنة من العماليق ملك مصر‎...‎‏ فلم يزل بنو إسرائيل ‏‎"‎‏ تحت أيدي الفراعنة ‏العماليق حتى كان فرعون موسى ‏‎" ..‎‏ ‏

ويقول المسعودي‎:‎‏ فطمعت فيهم ملوك الأرض، فسار إليهم من الشام ملك من ملوك العماليق، يقال له ‏الوليد بن دومع، فكانت له حروب بها، وغلب على الملك فانقادوا إليه، واستقام له الأمر إلى أن هلك، ثم ‏ملك بعده الريان ابن الوليد العملاقي، وهو فرعون يوسف، وقد ذكر الله تعالى خبره مع يوسف وما ‏كان من أمرهما في كتابه العزيز، ثم ملك بعده دارهم بن الريان العملاقي‎"‎‏ ‏

في حين يؤكد المسعودي أنه سأل الأقباط وأهل الخبرة عن هؤلاء الفراعين فلم يعرفوا عنهم شيئاً، ‏فهل يعرف العرب تاريخنا ولا نعرف نحن تاريخنا‎!‎‏ في حين أن الأقباط أمة علم وحضارة وتدوين، بينما ‏العرب أمة حكايات وروايات شفوية في الواقع جاءت الذاكرة العربية محملة جاهزة من جزيرة ‏العرب فأفرغت غبارها في أرضنا، فنقل المؤرخون حكايات مصر العربية البائدة وفرعونها وكأنها ‏حدثت في إيجبت وادي النيل بعدما حملت ذات اسم مصر العربية البائدة، فلم يفرق المؤرخون والمحدثون ‏بين المصرين؛ مصر البائدة ومصر الحضارة، لأنه لا أحد من الأعراب أخبرهم أنه كانت هناك مصر بائدة، ‏هم فقط نقلوا الحكايات والروايات بالأسماء (مصر‎-‎‏ فرعون ‏‎–‎‏ موسى) في الوقت ذاته الذي كان اسم ‏فرعون مشهوراً جداً في القبائل العربية، وهناك قبيلة الفراعنة وهي فخذ من قبيلة سبيع بالجزيرة ‏العربية.‏

ثم يعود المسعودى ليقول ‏‎‏ "‏‎وقيل أن هؤلاء العماليق بعض فراعنة مصر‎‏" ... (المسعودى فى ‏‎"‎مروج الذهب‎"‎‏ ‏وفى الصفحة رقم ‏‎135‎‏ ‏من الجزء الثانى )‏

هذا الخلط التاريخي جاء من زاويتين، الأولى روايات توراتية، والثانية من المخيلة العربية؛ فأي بدوي ‏مرتحل سيرى بالقطع في أي أعمال معمارية هائلة ‏‏(كتلك التي أقامها جيرانه القبط والعراقيين‎(‎‏ أعمالا ‏إعجازيّة خارقة وغير طبيعيّة، وبذلك فإن ذلك العقل البدوي قد لا يتصوّر أن بإمكان البشر ‏العاديين ‏إقامة أشياء كالأهرامات أو معبد الكرنك‎...‎الخ، خاصة أن هذه المعابد كانت ذات أبهاء ضخمة قائمة ‏على أعمدة شاهقة وأسقف بالغة العلوّ مما ‏قد يكون الدافع وراء تصوّر العقليّة البدويّة البسيطة لأنّها ‏قد أنشئت في الأساس لتناسب حجم وقامات بُناتها، وبالتالي فإنهم ‏‎–‎‏ في التصور البدوي‎-‎‏ ‏لا بد وأن يكونوا ‏بشراً ذوي قامات هائلة وأجسام ضخمة، وأن هذه المعماريات لكي تقام فإنها تحتاج إلى قوة عضلية لا ‏تتيسّر إلا لعمالقة‎...‎‏ ‏وهو ما يجعل من المنطقي أن نقول أن ابن خلدون كان يقصد بــ‎"‎عبد ضخم‎"‎‏ ذات ‏مقصد الأصفهاني عندما ذكر ‏‎"‎العمالقة‎‏"‎‎..‎‏ فالعمالقة كانوا ذوي ضخامة نسبية في الجسم والأطراف ‏والطول، وقد وصفوا بأن عيونهم من الضخامة تفرخ فيها السباع، وأن رؤوسهم كالقبة الكبيرة‎..‎إلخ من ‏هذه الصفات المبالغ فيها، لكن العرب بسذاجة عقولهم البدوية لم يدركوا أن العمارة الجبتية القديمة ‏والأهرامات والمسلات ليست بحاجة إلى ضخامة جسدية وإنما ضخامة عقلية تستطيع وضع النظريات ‏الهندسية بهذا العمق الذي يمكنهم من بناء الهرم بهذا التربيع الهندسي العجيب، وبناء المعابد بهذا الفن ‏المعماري الرهيب ما يجعل الشمس تشرق مرتين على وجه جلالة الملك رمسيس داخل المعبد، مرة يوم ‏عيد ميلاده ومرة يوم توليه العرش‎.‎

بل إن العالم ما زال يتساءل كيف توصل القدماء إلى تقنيات التحنيط ! وكيف بني القدماء المعابد ‏والأهرامات بهذه الحسابات الهندسية المعقدة ‏‎!‎‏ وبردية أحمس أو بردية ريند الرياضية هي أقدم ‏مخطوطة مكتوبة في علم الجبر وحساب المثلثات يرجع تاريخها إلى 4300سنة تقريبا ‏‎.‎‏ والمخطوطة ‏موجودة حالياً في المتحف البريطاني في لندن، وتوضح البردية أن الجبتيين استعملوا معادلات من الدرجة ‏الأولى وقاموا بحلها بطرق مختلفة ‏‎..‎‏ كما عرفوا معادلات من الدرجة الثانية وقاموا أيضاً بحلها، وأنهم ‏أيضاً عرفوا المتواليات العددية والمتواليات الهندسية وعرفوا معادلات من الدرجة الثانية مثل المعادلتين:‏
‏ س‎+‎‏2ص100 = 2 ‏
‏4/3ص‎ =‎س ، حيث 8س‎=‎‏ .... ، و 6ص‎= ‎‏ .... ‏

و هذه المعادلة هي أصل نظرية فيثاغورس أ‎2=‎ب‎2+‎ج‎2‎‏ ، وكان الجبتيون يطلقون علي العدد ‏المجهول (كومه)، وهو يمثل في هذه المعادلة قيم (س) و (ص)‏‎.‎‏ وفيثاغورث نفسه وضع نظرياته الرياضية ‏بعدما سافر لإيجبت وتعلم على يد الكهنة في المعابد، وهذا ثابت في كتب المؤرخين والعلماء اليونانيين ‏أمثال فرفريوس الصورى وهيرودوت وطاليس. فالجبتيون كان لديهم علم الجبر وحساب المثلثات ‏والهندسة قبل أن يولد فيثاغورث بحوالي 2000سنة، وقبل أن يولد الخوارزمى بحوالي 3000سنة، وهذا ‏ما مكنهم من بناء الهرم الأكبر في الألف الثالث قبل الميلاد‎...‎‏ والبردية موجودة حالياً بقسم البرديات ‏الجبتية بالمتحف البريطاني في لندن ‏‎.‎

وفى هذه البردية عدة عمليات حسابية أخرى تدل أن أجدادنا القدماء كانوا أشقياء جداً في ‏الحساب والهندسة، ففيها العملية رقم 39 مثلاً على هيئة سؤال ويتبعه الحل؛ .. مطلوب قسمة مائة ‏رغيف على عشرة رجال بحيث يكون نصيب ستة رجال خمسين رغيف ويكون نصيب الأربعة الباقين ‏الخمسين رغيف الباقية؟ والحل المكتوب في البردية. ومثال آخر مسألة موجودة تحت رقم 3 تقول : ‏مطلوب معرفة مساحة مثلث ارتفاعه 10 " خت " وقاعدته 4 " خت" ( الخت هو وحدة قياس جزء من ذراع ) ‏وبالبردية مسائل معقدة .. وتحت العملية رقم 56 عدة أسئلة؛ ‏
‏1.‏ ما هو الكسر الذي يضاف إلى ⅔ + 1/15 كي يعطينا واحد صحيح ..‏
‏2.‏ اقسم ستة أرغفة على عشرة رجال .. وقسم تسعة أرغفة على عشرة رجال ..‏
‏3.‏ ما هو العدد الذي إذا أضيف إليه ربعه يكون الناتج 15 ؟ الإجابة:{12}‏
‏4.‏ ما هو العدد الذي إذا أضيف إليه نصفه ثم ربعه يكون المجموع 10 ؟ ‏
‏5.‏ أوجد ارتفاع هرم طول ضلعه 140 ذراع ونسبة ميله 5 وربع قبضة ؟
‏6.‏ أوجد مساحة قطعة أرض دائرية قطرها (9 خت) ؟
‏7.‏ هرم طول ضلعه 36 ذراع.. وارتفاعه 250 ذراع .. فما هي نسبة ميله ؟؟

بردية أحمس (ريند) الرياضية هي أهم وثيقة رياضية في التاريخ البشري و أساس علم الرياضيات‎:‎
‎- ‎أخذها فيثاغورس بعد 2600 سنة ليضع بها نظرية حساب المثلثات‎.‎
‎- ‎أخذها أرشميدس بعد 2700 سنة ليفهم معنى الثابت‎ (π).‎
‎- ‎أخذها الخوارزمي بعد 3800 سنة ليؤسس علم الجبر و يحل بها معادلات تربيعية قد حلّها ‏الجبتيون من قبله بعصور طويلة‎.‎
وأخذها نيوتن بعد أربعة آلاف عام ليضع قوانين الحركة والجاذبية في مطلع الحضارة المعاصرة.‏
وهذا الفكر المتطور جداً ما كان ممكناً لهذه القبيلة العربية من العماليق أن تستوعبه نظرياً ‏حتى، لأنهم عبارة عن مطاريد ذوي عقلية طائشة وهمجية، لا يعرفون معنى الاستقرار والتحضر.‏

وببساطة لو نظرنا إلى حكايات هؤلاء العماليق، فقد كانوا أمماً عربية بائدة، وتعامل الله تعالى ‏مع بعضهم بأسلحة الدمار الشامل لأنه لم يجد فيهم أمل، بينما أجدادنا الأقباط كانوا قوماً عابدين ‏بالفطرة، حتى وإن اتخذوا كيانات رمزية للعبادة ، فكانت هذه مجرد كيانات رمزية لإله معبود غير ‏منظور، وهذا بخلاف العرب الوثنين الذين كانوا يعبدون الأصنام، بل ويصنع أحدهم تمثالاً من العجوة ‏يعبده وإذ جاع يأكله، وليس العرب وحدهم (بوصفهم عشيرة العرب أو قريش) إنما أغلب الفصائل ‏والعشائر الآرامية الأصل بهذه الملامح والعقائد الساذجة المادية والعقليات الفقيرة البدوية، بينما ‏نظرية عبادة (الإله غير المنظور) فقد تطورت كثيراً وتمثل أرقى درجات التطور في الفكر الروحي في ‏العالم القديم، وتميز أجدادنا الأقباط بعقيدة الحساب والبعث والخلود بعد الممات.. فـ "ماعت" هي رمز ‏الحق والعدل والحكمة، وكانت هذه الرموز عبارة عن كيانات إلهية تسمى " النترو " منذ القدم، وهي ‏كيانات رمزية تحل من السماء كما الملائكة يرسلها الخالق في الكون لتحفظ توازنه وتحقق ‏الانسجام الكوني، واشتقاقاً من هذه النظرية اعتبروا الملك الحاكم بمجرد توليه العرش أنه يحصل على ‏صك التكليف من الإله بحماية الأرض والشعب وأن يصبح نائباً عنه في تحقيق العدل بين الناس و ‏‏(الانسجام المجتمعي)، وهكذا كان أجدادنا يرونها ملائكة الخالق في الكون، واعتقدوا أن للحياة ‏ملاك، وللموت ملاك، وللعدل والحق ملاك وللحب ملاك وللرزق ملاك..إلخ. حتى وإن أطلقوا على هؤلاء ‏لقب "إله " فذلك ليس مدعاة لاتهامهم بالشرك والكفر، لأنها بدايات العبادة، بل إن إبراهيم بدأ عبادته ‏وتوحيده لله بالتطلع في خلقه القمر والشمس والنجوم..إلخ . وهذا ما يعني أن جميع شعب وادي النيل ‏كان بالفطرة يفكر فيما فكر فيه إبراهيم وهو نبي.‏

ويتضح ذلك بجلاء عندما نستمع إلى أنشودة عازف القيثارة بمقبرة نفرحتب التي تقول كلماتها:‏
‏" هوذا الأجساد ترجع إلى أصلها ... ‏
وتبدلها أجيالاً فتية... تمضي بدورها... ‏
يلقح الرجال وتحبل النساء، وكل أنف يتنسم الهواء ‏
‏ لكن كل مولود سوف يرجع يوماً إلى حيث جاء...‏
‏ لا تفتح قلبك للشر، ولا تفكر في رغبات قلبك، ‏
حتى يحين ذلك اليوم الذي تعبر فيه إلى أرض الصمت " ‏ ‏.‏
‏...................................................‏
‏(مترجمة عن اللغة الجبتية القديمة – أنشودة عازف القيثارة بمقبرة نفرحتب – الباحث الآثاري نبيل روفائيل)‏

أما قبائل شبه الجزيرة العربية، وهي تختلف ديمجرافياً عن الشعوب المدنية في إيجبت وبابل وآشور ‏والهند القديمة، فالله عندما خلق البشر جعل منهم فصائل مختلفة عن بعضها، جعل بعضهم شعوب ‏وبعضهم قبائل، وهذه الشعوب المدنية في إيجبت وبابل اشتركتا في ذات الأفكار تقريباً، وخاصة ‏عقيدة (عبادة الإله غير المنظور) . بينما المجتمعات القبلية التي انتشرت في جزيرة العرب كان وضعها ‏الثقافي مختلفاً تماماً عن المكونات والملامح الثقافية للشعوب المدنية، كانوا جميعهم قبائل وعشائر، ‏وكلما تضخمت عشيرة اتخذت لنفسها مقراً للسيطرة، وكانت سيطرة عشائرية أي ليست مقرات ‏عمرانية حضارية وإنما مقرات لممارسة التسلط على بعضهم البعض لا أكثر، ولذلك لم تترك أي من هذه ‏الممالك أية دلائل أركيولوجية تدل على كينونتها في هذا المكان أو ذاك ... وكان من بين هذه الممالك ‏مملكة سبأ وحضرموت وأورشليم ويهوذا ومصرايم ومملكة النبطيين ومملكة الحميريين إلخ... ‏بعضهم ساد لعشرات السنين وانطفأ، وبعضهم الآخر حل عليه الدمار الشامل من أمثال قوم عاد وهود ‏وثمود ولوط وصالح .. وأخطرهم كانت إرم ذات العماد التي كان يحكمها العماليق. ‏

وكما أوضحنا أن العماليق كانوا منتشرين في شتى أرجاء الجزيرة العربية، لكن كانوا قبائل ‏متناثرة لم ينشؤا ممالك سوى مملكة واحدة والأخرى سيطروا عليها، أما مملكتهم الأم فكانت هي ‏إرم ذات العماد والتي باتت رمزاً أبدياً للانتقام الإلهي والدمار الشامل، وأما المملكة التي سيطروا عليها ‏فكانت هي مصرايم وهي آخر الممالك التي تعامل معها الله بأسلحة الدمار الشامل أو العقاب الجماعي ‏بالطوفان والجرب والقُمّل والبعوض والدم وغيره من الموبقات والآفات والأمراض.. وكانت النهاية أن غرق ‏شعبها برفقة حاكمه في مستنقع كبير هو يم سوف.. ثم عاد إليها بعض الأعراب وسكنوها إلى جوار ‏من تبقى فيها من أهلها، وعاشوا ألف عامٍ بعد حادثة الغرق إلى أن جاء نبوخذ نصر واكتسح ما كان ‏قائماً من ممالك وقرى في هذه المنطقة ... وجميعها كانت في نطاقات جغرافية صغيرة جداً ‏وميكروسكوبية إذا ما قورنت بمعيار الدول في الشعوب المدنية (الصين والهند وفارس وبابل وإيجبت ‏كمثال)، إنما كانت تضيق وتتوسع نطاق سيادتها نسبياً في فترات مختلفة، وغالباً ما كانت تستقوي ‏عشيرة على أخرى فتهدم مملكتها وتحتل أرضها وتستعبد أبناءها لحقبة ما أو تنهب ممتلكاتها وتعود ‏إلى حظيرتها.. وأغلبهم كان يعمل بالسطو جماعات على خطوط التجارة العابرة على حدود مراعيهم. ‏

ومن ضمن من تضرروا من عمليات السطو هذه كان ملوك إيجبت وبابل القديمة، فقد كان ‏أجدادنا الأقباط يوجهون الكثير من الحملات العسكرية إلى بلاد العرب لتأديب البدو وقطاع الطرق ‏وتأمين خطوط التجارة، وكانوا يأتون بالكثير منهم أسرى ويقومون بمنعهم عن المعابد باعتبارهم ‏أنجاس حتى يتم تطهيرهم وفقاً للطقوس القبطية القديمة، ثم يتم السماح لهم بدخول المعابد إن طلبوا ‏وأن يندمجوا وسط المجتمع باعتبارهم من العمال، وقد صورت الكثير من الجداريات مشاهد عن أفواج ‏من الأسرى العرب قادمين ذليلين يقدمهم الوزير بين يدي الملك ويتم حصرهم وتدوين بياناتهم ... لكن ‏في القراءة التوراتية الصهيونية للتاريخ قيل لنا أنهم بدو أسيا نعم كما تقول النقوش الهيروغليفية ‏لكنهم في الحقيقة كانوا من النوبة !! أو من الشام !!‏

أما ملوك بابل القديمة فقد انتقموا بضربة قاضية في سلسلة حملاتهم الأخيرة على جزيرة ‏العرب، وقام بخت نصر وسلفه نبوخذ نصر بأخذ أعداد رهيبة من هذه العشائر إلى عاصمته بابل، أخذ ‏من عشيرة اليهود عشرات الألوف، ومن عشيرة المصرايمين عشرات الألوف، ومن الحميرين الخولانيين ‏عشرات الألوف وغيرهم من الأعراب، وقد وردت أسماء العشائر والقبائل العربية واليمنية واضحة جداً في ‏نصوص التوراة (كما يؤكد الدكتور فاضل الربيعي).. وبعد ما يقارب الخمسين عاماً نهضت ‏الإمبراطورية الفارسية وأكلت الإمبراطورية البابلية القديمة وقضمت ما تبقى منها، وكان ذلك ‏بتمهيد داخلي من اليهود المحتجزين داخل القصر الملكي البابلي، اتفق اليهود مع الجيران الفرس على ‏تمهيد دخولهم بابل مقابل أن يحررهم الفرس من العبودية، وقد أوفى الفرس فعلاً بوعدهم مع اليهود ‏وحرروهم وأعطوهم الحق في إعادة بناء مملكتهم واستعادة مستحقاتهم من بابل وقام ملكها كورش ‏بتحرير العبيد العرب والإسرائيليين واليمنيين والمصرايمين الذين كانوا محتجزين لدى القصر البابلي، ‏وأعادهم إلى ممالكهم جنوب غرب جزيرة العرب، لكنهم لم يعودوا وتوجهوا إلى الشام لاحتلال وطنٍ ‏جديد لهم بعدما لعنوا الوطن القديم.. وهناك في القرن الثالث قبل الميلاد بدأت أولى النشاطات السياسية ‏لهم لتكوين مجتمع يهودي بخصائص عرقية أثنية مميزة في فلسطين، وبدرت منهم حركات تمرد أو ‏بوادر ثورية على حكم بطليموس في الإسكندرية، فقاد حملته العسكرية وذهب إلى هناك وعاد ‏بهم سبايا إلى الإسكندرية كما عاد بهم سلفه البابلي نبوخذ نصر إلى بابل، لكن جاء السبي ‏السكندري هذه المرة منفرداً باليهود دون غيرهم من عشائر العرب والمصرايمين...‏

وهناك خلال حقبة السبي والاحتجاز في بابل القديمة أعادوا صياغة مدونات التوراة ولملمة متونها ‏وحكاياتها من التراث الشفوي المتبقي على ألسنتهم... وهنا في الإسكندرية خلال فترة السبي ‏السكندري أعادوا صياغة التوراة للمرة الثانية باللغة اليونانية، أو ما عُرف بالترجمة السبعونية، ‏وأعادوا صياغة أحداث السبي البابلي تاريخياً في مدونات جديدة باليونانية شملت تاريخ العشائر ‏العربية التي وقعت في السبي البابلي جميعها، ولما كانوا في الترجمة السبعونية قد حذفوا كلمة ‏مصرايم واستبدلوها بـ"إيجبت" في كافة نصوص التوراة، فكذلك فعلوا في كافة المتون التاريخية ‏حيث قاموا بحذف كلمة "المصرايمين" من بين العشائر التي وقعت في السبي البابلي واستبدلوها بكلمة " ‏الأقباط "، فصار بذلك الأقباط وكأنهم عشيرة ضمن العشائر والقبائل التي وقعت في السبي البابلي جنباً ‏إلى جنبٍ مع اليهود، وتخربت ممالكهم إلى جانب ممالك اليهود، وعادوا من السبي جماعة برفقة اليهود، ‏فأعادوا تعمير قراهم بالتوازي مع جيرانهم اليهود وباقي العشائر العائدة من السبي !! لكننا نتساءل، هل ‏فعلاً وصلت الجرأة العقلية باليهود إلى هذه الدرجة الفاجرة ! هل تصوروا أنفسهم يقفون جنباً إلى جانب ‏مع إمبراطورية شعب وادي النيل !! وهل تصورا أن شعب وادي النيل يعيش جنباً إلى جنب معهم في السبي ‏البابلي !! وأن كورش الفارسي يعطف عليهم بسبب شهامة اليهود !!‏

يُتبع ...‏‎‏ ‏‎‏‎
‎‏ ‏‎‏‎
‏( قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ (‎‏ ‏‎‏‎
‏ (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ):‏‎‏ ‏‎‏‎
https://archive.org/details/1-._20230602‎‏ ‏‎‏‎
https://archive.org/details/2-._20230604‎‏ ‏‎‏‎
https://archive.org/details/3-._20230605‎‏ ‏‎‏‎
‎‏ ‏‎‏‎
‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎‏ ‏‎‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA‏ ‏‎‏‎
‎‏ ‏‎‏‎
‏#ثورة‏‎_‎التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏ .



#محمد_مبروك_محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام عبري يكشف مباحثات اجتماع المشاورات الأمنية الإسرائيلية ...
- كيف سيتعامل ترامب مع تشكيك زيلينسكي باتفاق المعادن؟
- مقتل طيار أمريكي وإصابة آخر في قاعدة عسكرية في نيو مكسيكو
- إعلام: إسرائيل تعتزم الدفع بدبابات في الضفة الغربية لأول مرة ...
- الاتحاد الدولى للنقابات يشيد بنضال عمال مصر ويطلق خطة عالمية ...
- الغرب وروسيا.. إلى أين تتجه السياسة الخارجية للشرع؟
- رسالة قوية من القسام.. أسيران محتجزان يحضران مراسم تسليم الد ...
- بوندسليغا- دورتموند يكتسح يونيون برلين بسداسية وليفركوزن يضي ...
- ترامب: نقترب من استرداد أموالنا المدفوعة لأوكرانيا بمقايضة م ...
- تدمير تسع مسيرات أوكرانية فوق مقاطعات روسية خلال 90 دقيقة


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد مبروك محمد أبو زيد - تاريخ الفراعنة ومصر العربية البائدة (3)‏