أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بندر نوري - نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتماع البيئي.. للمفكر جون بلامي فوستر















المزيد.....



نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتماع البيئي.. للمفكر جون بلامي فوستر


بندر نوري
كاتب وباحث من السودان

(Bandar Noory)


الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 20:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ترجمة: بندر نوري مراجعة وتدقيق: قاسم محمود
*تمت ترجمة هذه الورقة العلمية بعد الحصول علي اذن مكتوب من المؤلف.
الملخص
تتناول هذه المقالة مفارقة: من ناحية، يرتبط علم الاجتماع البيئي، كما تم تطويره حاليا، ارتباطا وثيقا بالأطروحة القائلة بأن التقليد الاجتماعي الكلاسيكي يخلو من الرؤى المنهجية للمشاكل البيئية؛ من ناحية أخرى، فإن الأدلة على المساهمات الكلاسيكية الحاسمة في هذا المجال، لا سيما في ماركس، ولكن أيضا في فيبر ودوركهايم وآخرين، وفيرة جدا بحيث لا يمكن إنكارها بشكل مقنع. يتم توضيح طبيعة هذه المفارقة وأصولها ووسائل تجاوزها في المقام الأول من خلال تحليل نظرية ماركس عن الصدع الأيضي، والتي يزعم أنها تقدم أسسا كلاسيكية مهمة لعلم الاجتماع البيئي.
الحواجز الكلاسيكية أمام علم الاجتماع البيئي
في العقود الأخيرة، شهدنا تحولًا كبيرًا في الفكر الاجتماعي، حيث سعت العديد من التخصصات إلى دمج الوعي البيئي في النماذج الأساسية لها استجابةً للتحديات التي أثارها النشاط البيئي وما يُعتبر الآن على نطاق واسع أزمة بيئية عالمية. وقد تضمن هذا التحول عملية مزدوجة تمثلت في رفض جزء كبير من الفكر السابق باعتباره غير متوافق بيئيًا، مع محاولة البناء على الماضي حيثما كان ذلك ممكنًا. ويمكن ملاحظة هذا التحول بوضوح بدرجات متفاوتة من النجاح في التخصصات المختلفة.
كانت الجغرافيا، بتاريخها الطويل الذي ركّز على تطور المشهد الطبيعي وعلى علم الجغرافيا الحيوية (انظر Sauer 1963)، العلم الاجتماعي الذي تكيف بسهولة أكبر مع المخاوف البيئية المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، مع تقاليدها في دراسة البقاء الثقافي وعلاقته بالظروف البيئية انظر ( Geertz 1963 Milton 1996) تكيّفت الجغرافيا بسرعة مع فترة من الوعي البيئي المتزايد.
أما في التخصصات الأخرى للعلوم الاجتماعية، فقد تم تحقيق تقدم كبير في دمج الأفكار البيئية، ولكنه كان أقل وضوحًا في تأثيره على الفهم الأساسي لهذه المجالات. على سبيل المثال، الاقتصاد، الذي تمكن من الاستفادة من الأسس النظرية التي قدمها كتاب " اقتصاديات الرفاهية " لـ A.C. Pigou عام 1920، شهد تطورًا سريعًا لنهج مميز وإن كان محدودًا تجاه القضايا البيئية، يركز على "إدخال الآثار الخارجية" أو ما يُعرف بـ "اقتصاديات البيئة"، والتي أصبحت واحدة من "أسرع التخصصات الفرعية الأكاديمية نموًا في العالم الصناعي( Jacobs 1994، ص67 ).
في العلوم السياسية، كحقل أقل اهتمامًا بالنظريات، لم تواجه صعوبة تُذكر في دمج القضايا البيئية ضمن تحليلاتها للسياسات العامة، واهتمامها بمجموعات المصالح التعددية، ونظرية العقد الاجتماعي، ومؤخرًا تركيزها على الاختيار العقلاني (Dryzek 1997). ومع ذلك، فإن الطابع البراغماتي لمعظم العلوم السياسية في الولايات المتحدة، إلى جانب غياب حزب سياسي أخضر قوي وافتقارها إلى صلة واضحة بين التعريف بالقضايا البيئية وسلوك التصويت، أبقيت السياسة البيئية على هامش هذا التخصص.
في علم الاجتماع أيضًا، تم إحراز تقدم كبير، كما يتضح من النمو السريع للمجال الفرعي لعلم الاجتماع البيئي في السبعينيات ومرة أخرى (بعد فترة من الهدوء) في أواخر الثمانينيات والتسعينيات.(Dunlap 1997) ومع ذلك، فإن علم الاجتماع يُعتبر ربما فريدًا بين العلوم الاجتماعية في درجة مقاومته للقضايا البيئية.
كانت هناك حواجز مبكرة أُقيمت بين المجتمع والطبيعة، وعلم الاجتماع وعلم الأحياء —والتي فصلت بين علم الاجتماع الكلاسيكي لماركس وفيبر ودوركهايم وبين الاهتمامات البيولوجية والطبيعية التي لعبت دورًا مركزيًا في علم الاجتماع ما قبل الكلاسيكي للداروينيين الاجتماعيين—وقد أعاقت دمج علم الاجتماع البيئي في التيار السائد للتخصص، وفقًا لتفسيرات أعرب عنها علماء الاجتماع البيئيون البارزون على مدار العقدين ونصف الماضيين( Burch 1971، ص. 14–20؛ Dunlap وCatton 1979، ص. 58–59؛ Benton 1994، ص. 28–30؛ Murphy 1994، ص. ix–x؛ Beck 1995، ص. 117–20؛ Buttel 1996، ص. 57–58؛ Murphy 1996).
وبالتالي، حتى وقت قريب، "كان هناك... إجماع عام بين علماء الاجتماع البيئيين على أن التقليد السوسيولوجي الكلاسيكي كان غير مضياف لتنمية نظرية سوسيولوجية مطلعة بيئيًاButtel 1986) ، ص. 338.) من منظور "اجتماعي بيئي"، جادل Buttel (1996، ص. 57) بأن "التقليد الكلاسيكي يمكن وصفه بأنه اجتماعي بشكل جذري ، حيث إن سعي المنظرين الكلاسيكيين (وربما بشكل أكبر مفسري التقليد الكلاسيكي في القرن العشرين) لتحرير الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع من التبسيطية، والتحيزات، وعلاقات القوة، والخرافات، أدى في النهاية إلى المبالغة في استقلالية العمليات الاجتماعية عن العالم الطبيعي."
وبالمثل، لاحظ بنتون (1994، ص. 29) أن "الهيكل المفاهيمي أو الإطار التخصصي الذي عرّفت من خلاله السوسيولوجيا نفسها، خاصة فيما يتعلق بالتخصصات المتنافسة المحتملة مثل البيولوجيا وعلم النفس، استبعد بشكل فعال أو أجبر على وضع الأسئلة المتعلقة بالعلاقات بين المجتمع وركيزته الطبيعية أو المادية على هامش التخصص ."
ووفقًا لأحد علماء الاجتماع البيئيين البارزين، "تم بناء علم الاجتماع وكأن الطبيعة لا تهم" (Murphy 1996) ، ص. 10). هذا التهميش للبيئة المادية كان ممكنًا جزئيًا بسبب النجاحات الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة للثورة الصناعية، التي أعطت انطباعًا طويل الأمد بأن المجتمع البشري مستقل عن بيئته الطبيعية (Dunlap and Martin 1983) ، ص. 202–203).
يُعتبر هذا تفسيرًا لحقيقة أن "الأعمال السوسيولوجية المتعلقة بنُدرة الموارد لم تظهر أبدًا في أبرز مجلات التخصص" في الولايات المتحدة (Dunlap 1997) ، ص. 23؛ أيضًا Dunlap and Catton 1994، ص. 8).
وفقًا للمنظور السائد في علم الاجتماع البيئي، تم ترسيخ علم الاجتماع الحديث في فترته الكلاسيكية حول رؤية إنسانوية ركزت على تفرد الإنسان بالنسبة للطبيعة. وقد أطلق البعض على هذا المفهوم "نموذج الاستثناء الإنساني القديم" في مقابل "النموذج البيئي الجديد"، الذي يرفض الأنثروبومركزية التي يُفترض أنها تميز النظرة السابقة (Catton and Dunlap 1978) ؛ Dunlap and Catton 1994).
على سبيل المثال، فيما يتعلق بدوركهايم، قيل إن المجتمع يشكل واقعًا متميزًا، مستقلًا نسبيًا عن الفرد الفيزيائي وعن الضغوط النفسية والبيولوجية (Benton and Redclift 1994، ص. 3؛ Dunlap and Catton 1979، ص. 58).
ووفقًا لـ Goldblatt (1996، ص. 3)، فإن "جوهر الحجج المنهجية لدوركهايم وفيبر" كان يتمثل في عزل علم الاجتماع عن البيولوجيا والطبيعة، ورفض "جميع أشكال الحتمية البيولوجية"؛ في حين أن معالجة ماركس لمثل هذه القضايا، على الرغم من أهميتها، كانت إلى حد كبير محصورة في المجال "الهامشي" لاقتصاديات الزراعة.
بلغة البيئة المعاصرة، إذًا، فإن علم الاجتماع هو تخصص "أنثروبومركزي" في توجهه، يترك مساحة قليلة للنظر في علاقة المجتمع بالطبيعة، ناهيك عن "المركزية البيئية" الشاملة التي يقترحها العديد من البيئيين. إنه متأصل في "حتمية اجتماعية-ثقافية" تستبعد بشكل فعال القضايا البيئية (Dunlap and Martin 1983) ، ص. 204).
بالنسبة لـ Dunlap and Catton (1994، ص. 6)، يحتاج علم الاجتماع إلى التخلص من "القيود التي فرضها الاستثناء الإنساني" والاعتراف "باعتماد جميع المجتمعات البشرية على النظام البيئي."
إحدى نتائج هذه المشكلة المتمثلة في التنافر النظري هي أن علم الاجتماع البيئي، على الرغم من الابتكارات المهمة، استمر في لعب دور هامشي داخل التخصص ككل. على الرغم من إنشاء قسم لعلم الاجتماع البيئي ضمن الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع في عام 1976، إلا أنه لم يكن له التأثير التحويلي على علم الاجتماع كما كان يتوقع الشخصيات البارزة في القسم. كذلك، لم يتأثر علم الاجتماع ككل بشكل كبير بظهور علم الاجتماع البيئي، ولم تحظَ القضايا البيئية بالكثير من الاهتمام داخل المهنة. كما لاحظ أحد الممارسين البارزين في علم الاجتماع البيئي في عام 1987، "لقد تمكن التخصص العام من مقاومة التحديات التي طُرحت على افتراضاته النظرية من قبل علماء الاجتماع البيئيين" (Buttel 1987) ، ص. 466.
حيث أن المجال السوسيولوجي الأساسي كان أكثر استعدادًا للاعتراف بالقضايا البيئية هو مجال الحركات البيئية. فقد توسعت الأدبيات في هذا المجال بسرعة في السنوات الأخيرة من خلال نمو حركة العدالة البيئية، التي تهتم بتأثير التدهور البيئي على مجموعات اجتماعية محددة، تُصوَّر من حيث العرق، الطبقة، النوع الاجتماعي، والتسلسل الهرمي الدولي. لكن هذه الأدبيات تعتمد بدرجة أكبر على نظرية الحركات الاجتماعية أكثر مما تعتمد على التحدي البيئي للمفاهيم السوسيولوجية التقليدية.
إحدى الطرق التي سعى من خلالها علماء الاجتماع البيئيون لمعالجة هذه المشكلة، المتمثلة في الحواجز المتصورة عمومًا داخل علم الاجتماع الكلاسيكي للنظر في البيئة الفيزيائية، هي بالعودة إلى تقليد الداروينية الاجتماعية ما قبل الكلاسيكية: مفكرون مثل مالتوس وسومنر (كاتون 1982). ولكن مؤخرًا، ركز العديد من الأبحاث في علم الاجتماع البيئي ليس على التحايل على النظريات السوسيولوجية الكلاسيكية الرئيسية، بل على الكشف عن أسس بديلة داخل الأدبيات الكلاسيكية التي تم إهمالها في التفسيرات اللاحقة.
على سبيل المثال، قام ميرفي (1994) بمحاولة مثيرة للإعجاب لتأسيس علم اجتماع نيو-فيبراني من خلال تطبيق نقد فيبر للعقلانية على المجال البيئي وتطوير "إيكولوجيا الفعل الاجتماعي". وأشار جارفيكوسكي (1996) إلى أنه يجب رفض الرأي القائل بأن دوركهايم تجاهل الطبيعة ببساطة، و بدلاً من ذلك اختيارمعالجة البنائية الاجتماعية لدوركهايم فيما يتعلق بالطبيعة، مع فحص كيف يتلاءم المجتمع داخل التصور الهرمي للطبيعة الذي تصوره بشكل عام.
ركز آخرون على استخدام دوركهايم للتشبيهات البيولوجية والأساس الديموغرافي الذي منحه لعلم المورفولوجيا الاجتماعية لتقسيم العمل والتحضر، والذي بدا وكأنه يتنبأ بالإيكولوجيا البشرية الحضرية التي تبناها بارك وسوسيولوجيو مدرسة شيكاغو الآخرون (بوتيل 1986، ص. 341–342).
ومع ذلك، فإن النمو الأكثر دراماتيكية في الأدبيات فيما يتعلق بعلم الاجتماع الكلاسيكي قد تركز على المساهمات البيئية لماركس، والتي كانت أكثر شمولاً من تلك الموجودة لدى المنظرين الكلاسيكيين الآخرين. وقد أثارت هذه المساهمات نقاشًا دوليًا واسعًا ومتعدد الجوانب شمل جميع مراحل أعمال ماركس (مثل: شميت 1971؛ بارسونز 1977؛ جيدنز 1981؛ ريدكليفت 1984؛ كلارك 1989؛ بينتون 1989؛ ماكلافلين 1990؛ ما يومي 1991؛ غروندمن 1991؛ إكرزلي 1992؛ بيرلمان 1993؛ هايوارد 1994؛ هارفي 1996؛ بيركت 1997؛ فوستر 1997؛ ديكنز 1997؛ أوكونور 1998).
الجدير بالذكر أن هذا الكم المتزايد من الأدبيات حول علاقة النظريات السوسيولوجية الكلاسيكية بالتحليل البيئي قد دفع بعض النقاد الأصليين للسوسيولوجيا الكلاسيكية داخل علم الاجتماع البيئي إلى تخفيف انتقاداتهم. حتى أن بوتيل، أحد مؤسسي التخصص الفرعي، ذهب إلى حد الاقتراح بأنه "يمكن صياغة علم اجتماع بيئي ذي معنى من أعمال المنظرين الكلاسيكيين الثلاثة" (1986، ص. 340–341).
نحن نعلم الآن، على سبيل المثال، أن فيبر، الذي كتب في وقت مبكر من عام 1909 في نقده لعلم الطاقة الاجتماعية لويلهلم أوستوالد، قد أظهر بعض القلق بشأن توفر الموارد الطبيعية النادرة واستبق الاقتصادي البيئي جورجيسكو-روغن في الإشارة إلى أن قانون الانتروبيا ينطبق على المواد كما ينطبق على الطاقة (مارتينيز-أليير 1987، ص. 183–192).
تحليل دوركهايم لآثار نظرية التطور الداروينية، كما سنرى أدناه، أشار إلى منظور معقد للتطور المشترك. ومع ذلك، فإن الانطباع الواسع النطاق عن الحواجز الصارمة داخل السوسيولوجيا الكلاسيكية تجاه علم الاجتماع البيئي لا يزال يمارس تأثيره على معظم علماء الاجتماع البيئي، مما يتركهم في حالة من التناقض النظري، كحال الكائن الأسطوري القنطور، الذي يحمل رأس كائن وجسد كائن آخر، غير قادرين على التوفيق الكامل بين التزامهم النظري بعلم الاجتماع الكلاسيكي واهتمامات علم الاجتماع البيئي التي تتطلب التركيز على العلاقات بين المجتمع والبيئة الطبيعية.
ما يلي سيركز على معالجة العلاقة المتناقضة على ما يبدو بين النظرية السوسيولوجية الكلاسيكية وعلم الاجتماع البيئي من خلال التركيز على أعمال ماركس، مع الإشارة بشكل هامشي فقط إلى حالات فيبر ودوركهايم. سيتم الجدال بأن عناصر حاسمة لكنها مهملة داخل النظرية الاجتماعية لماركس تقدم أسسًا متينة لتطوير علم اجتماع بيئي قوي. وعلى عكس معظم المعالجات لكتابات ماركس البيئية، سيتم التركيز ليس على أعماله الفلسفية المبكرة بل على اقتصاده السياسي اللاحق. ففي هذا الأخير، قدم ماركس معالجته المنهجية لقضايا مثل خصوبة التربة، وإعادة التدوير العضوي، والاستدامة ، استجابةً لتحقيقات الكيميائي الألماني العظيم جوستوس فون ليبيغ—وفيه نجد الإطار المفاهيمي الأوسع الذي يركز على "الصدع الأيضي" بين الإنتاج البشري وظروفه الطبيعية.
قد يبدو من المفارقة، بالنظر إلى الوضع المزدوج لماركس كمؤسس داخلي وناقد خارجي لعلم الاجتماع الكلاسيكي (ناهيك عن سمعته في بعض الأوساط كعدو للطبيعة)، أن نتوجه إليه للمساعدة في إنقاذ علم الاجتماع من المأزق المحرج المتمثل في قلة الاهتمام بالعلاقة بين الطبيعة والمجتمع البشري. ومع ذلك، فإن اكتشاف أو إعادة اكتشاف السمات المهملة سابقًا في التراث الفكري الضخم لماركس قد خدم في الماضي لإحياء علم الاجتماع في علاقته بقضايا حاسمة مثل الاغتراب، وعملية العمل، وفي الآونة الأخيرة، العولمة.
قد تبدو المفارقة أقل، في الواقع، عندما نأخذ في الاعتبار أنه يوجد بالفعل "أدبيات واسعة للنهج الماركسي الجديد في علم الاجتماع البيئي، [وأن] هناك عدد قليل من المجالات الأخرى في علم الاجتماع اليوم التي لا تزال تتأثر بقوة بالماركسية" (بوتيل 1996، ص. 61).
في بناء هذا الجدال حول ماركس، سيتم السعي للتعليق بشكل أوسع على المفارقة المتمثلة في وجود — كما نكتشف الآن — تراث غني من المواد حول القضايا البيئية داخل النظرية السوسيولوجية الكلاسيكية، من جهة، والتصور الواسع الانتشار بأن التقليد الكلاسيكي استبعد أي اعتبار جاد لهذه القضايا، وبأنه يشكل بحد ذاته حاجزًا يعيق تطوير علم الاجتماع البيئي، من جهة أخرى.
هنا سيتم تقديم فرضيتين ناشئتين عن معالجة ماركس:
1. إن العمى الظاهر للنظرية السوسيولوجية الكلاسيكية تجاه القضايا البيئية هو جزئيًا تعبير عن الطريقة التي تم بها استيعاب علم الاجتماع الكلاسيكي في أواخر القرن العشرين. ويمكن اعتبار هذا على أنه مشكلة الاستيعاب.
2. إن نقد علم الاجتماع البيئي للتقاليد الكلاسيكية غالبًا ما كان متجذرًا في تصور مفرط التقييد لما يشكل التنظير البيئي، مما اختزله إلى منظور "أخضر داكن" ضيق (كما يتجلى في تقليد الإيكولوجيا العميقة) . ويمكن اعتبار هذا على أنه مشكلة التعريف.
النقاش حول ماركس والبيئة
إنه علامة على التأثير المتزايد للقضايا البيئية أنه في السنوات الأخيرة، أعيد تقييم أعمال العديد من المفكرين، من أفلاطون إلى غاندي، في سياق التحليل البيئي. ومع ذلك، فإن العمل المرتبط بماركس هو الذي يبرز كأكبر وأكثر الأدبيات المثيرة للجدل، متجاوزًا النقاش حول جميع المفكرين الآخرين. وقد انقسمت هذه الأدبيات (بقدر ما تأخذ القضايا البيئية على محمل الجد) إلى أربعة معسكرات:
1. أولئك الذين يجادلون بأن فكر ماركس كان معاديًا للبيئة من البداية إلى النهاية ولا يمكن تمييزه عن الممارسات السوفيتية (Clark 1989 Ferkiss 1993) .
2. أولئك الذين يزعمون أن ماركس قدم رؤى مضيئة حول البيئة ولكنه في النهاية استسلم لـ"التقدمية التكنولوجية" (الآراء المؤيدة للتكنولوجيا والمعادية للبيئة)، مع اعتبار أن المشاكل البيئية سيتم القضاء عليها نتيجة "الوفرة" التي سيتميز بها المجتمع ما بعد الرأسمالي (Giddens 1981 Nove 1987 Redclift 1984 Benton 1989 McLaughlin 1990 Eckersley 1992 Dele´age 1994 Goldblatt 1996).
3. أولئك الذين يجادلون بأن ماركس قدم تحليلًا للتدهور البيئي في الزراعة، ولكنه ظل منفصلًا عن تحليله الاجتماعي الأساسي (O’Connor 1998) .
4. وأخيرًا، أولئك الذين يصرون على أن ماركس طور نهجًا منهجيًا تجاه الطبيعة وتدهور البيئة (لا سيما فيما يتعلق بخصوبة التربة) وكان هذا النهج متشابكًا مع باقي أفكاره وأثار تساؤلات حول الاستدامة البيئية (Parsons 1977 Perelman 1993 Mayumi 1991 Lebowitz 1992 Altvater 1993 Foster 1997 Burkett 1997).
بعض أشد الانتقادات الموجهة إلى ماركس من منظور بيئي جاءت من علماء الاجتماع البارزين (سواء كانوا ماركسيين أو غير ماركسيين)، لا سيما في بريطانيا. جادل جيدينز (Giddens 1981, p.60) بأن ماركس، على الرغم من إظهاره لحساسية بيئية ملحوظة في كتاباته المبكرة، تبنى لاحقًا "موقفًا تقدمياً" تجاه الطبيعة. وكتب جيدينز: "إن اهتمام ماركس بتحويل العلاقات الاجتماعية الاستغلالية التي تتجلى في الأنظمة الطبقية لا يمتد إلى استغلال الطبيعة" (Giddens 1981, p.59) . وبالمثل، لاحظ ريدكليفت (Redclift 1984, p.7) أن البيئة بالنسبة لماركس كانت "وظيفة تمكينية، ولكن كل القيمة تم اشتقاقها من قوة العمل. كان من المستحيل تصور حد طبيعي للقوى الإنتاجية المادية للمجتمع. وكانت العوائق التي حالت دون تحقيق الإمكانيات الكاملة للموارد مفروضة من خلال علاقات الملكية والالتزامات القانونية بدلاً من الموارد الطبيعية".
وفي الآونة الأخيرة، أضاف ريدكليفت وودجيت (Redclift and Woodgate 1994, p.53) أن "بينما نظر ماركس إلى علاقاتنا مع البيئة على أنها اجتماعية في الأساس، فإنه أيضًا اعتبرها شاملة وغير متغيرة، مشتركة في كل مرحلة من مراحل الوجود الاجتماعي. وبالتالي، لا يمكن للعلاقة بين الناس والطبيعة أن تكون مصدرًا للتغيير في المجتمع. [...] مثل هذا المنظور لا يعترف تمامًا بدور التكنولوجيا وتأثيراتها على البيئة". وأخيرًا، جادل نوف (Nove 1987, p.399) بأن ماركس اعتقد أن "مشكلة الإنتاج قد تم حلها بواسطة الرأسمالية وأن المجتمع المستقبلي للمنتجين المتحدين لن يضطر بالتالي إلى أخذ مسألة تخصيص الموارد النادرة على محمل الجد ، مما يعني أنه لم يكن هناك حاجة إلى الاشتراكية الواعية بيئيًا".
وهكذا، اتهم ماركس بتجاهل الأمور التالية:
1. استغلال الطبيعة.
2. دور الطبيعة في خلق القيمة.
3. وجود حدود طبيعية متميزة.
4. الطبيعة المتغيرة للطبيعة وتأثيرها على المجتمع البشري.
5. دور التكنولوجيا في التدهور البيئي.
6. عدم قدرة الوفرة الاقتصادية وحدها على حل المشاكل البيئية.
إذا كانت هذه الانتقادات صحيحة، فإن عمل ماركس لن يقدم أي رؤى مهمة حول مشاكل الأزمات البيئية، وسيشكل عقبة رئيسية لفهم القضايا البيئية .وعلى النقيض من ذلك، سيتم محاولة إثبات هنا، في سياق إعادة بناء منهجية لنظرية "الصدع الأيضي" لدى ماركس، أن هذه النقاط العمياء بيئيا ليست موجودة في فكر ماركس بالفعل، وأن كل المشاكل المذكورة أعلاه تم تناولها إلى حد ما في نظريته.
الأهم من ذلك، سيتم الادعاء بأن ماركس قدم تحليلًا قويًا للأزمة البيئية الرئيسية في عصره— مشكلة خصوبة التربة في الزراعة الرأسمالية —وكذلك علق على الأزمات البيئية الرئيسية الأخرى في وقته (فقدان الغابات، تلوث المدن، وشبح مالتوس للزيادة السكانية).
ومن خلال ذلك، أثار قضايا أساسية حول التناقض بين المدينة والريف، وضرورة الاستدامة البيئية، وما أسماه العلاقة "الأيضية" بين البشر والطبيعة. وفي نظريته عن الصدع الأيضي واستجابته لنظرية داروين التطورية، ذهب ماركس شوطًا كبيرًا نحو تطوير مادية تاريخية بيئية أخذت في الحسبان التطور المشترك للطبيعة والمجتمع البشري.
ماركس والثورة الزراعية الثانية: الصدع الأيضي
مفهوم الثورة الزراعية الثانية
على الرغم من أن المؤرخين ما زالوا يشيرون عادة إلى ثورة زراعية واحدة حدثت في بريطانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والتي مهدت الطريق للثورة الصناعية التي تلتها، إلا أن المؤرخين الزراعيين يشيرون غالبًا إلى ثورة زراعية ثانية، بل وحتى ثالثة. كانت الثورة الزراعية الأولى عملية تدريجية استمرت لعدة قرون، وارتبطت بتسييج الأراضي وتزايد أهمية العلاقات السوقية؛ وشملت التغييرات التقنية مثل تحسين تقنيات تناوب المحاصيل، والتسميد، والصرف، وإدارة الثروة الحيوانية.
أما الثورة الزراعية الثانية (Thompson 1968) فقد حدثت خلال فترة زمنية أقصر (1830-1880) وتميزت بنمو صناعة الأسمدة وثورة في كيمياء التربة، ارتبطت بشكل خاص بعمل الكيميائي الزراعي الألماني العظيم جوستوس فون ليبيغ. وأتت الثورة الزراعية الثالثة في وقت لاحق خلال القرن العشرين، وشملت استبدال الجر بالآلات على المزارع، وتجميع الحيوانات في مزارع ضخمة، مع التعديل الوراثي للنباتات (ما أدى إلى تضييق التنوع الزراعي)، واستخدام أكثر كثافة للمدخلات الكيميائية مثل الأسمدة والمبيدات .
يجب فهم نقد ماركس للزراعة الرأسمالية وإسهاماته الرئيسية في الفكر البيئي في سياق الثورة الزراعية الثانية التي حدثت في زمنه. ففي كتابه " رأس المال" في ستينيات القرن التاسع عشر، رأى ماركس وجود فجوة بين معالجة الإنتاجية الزراعية وخصوبة التربة في أعمال الاقتصاديين الكلاسيكيين مثل مالتوس وريكاردو، وبين فهم هذه المشاكل في زمنه .قال ماركس ([1863–65]1981، ص 915–916):
"إن الأسباب الفعلية لاستنزاف الأرض... كانت غير معروفة لأي من الاقتصاديين الذين كتبوا عن الريع التفاضلي، نظرًا لحالة كيمياء التربة في وقتهم".
في أعمال مالتوس وريكاردو خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر، نُسبت خصوبة التربة التفاضلية التي يعتمد عليها الريع بالكامل تقريبًا إلى الإنتاجية الطبيعية أو المطلقة للتربة، مع اعتبار التحسينات الزراعية (أو التدهور) عاملًا هامشيًا فقط. وفقًا لريكاردو (1951، ص 67)، يمكن تعريف الريع على أنه "ذلك الجزء من إنتاج الأرض الذي يُدفع لمالك الأرض مقابل استخدام القوى الأصلية وغير القابلة للتدمير للتربة".
جادل هؤلاء المفكرون، بدعم مفترض من قوانين الطبيعة، بأن الأراضي الأكثر خصوبة كانت أول ما يُستغل للإنتاج، وأن زيادة الريع على هذه الأراضي وتناقص الإنتاجية الزراعية عمومًا كانا نتيجة لزراعة أراضٍ أقل خصوبة بشكل متزايد استجابة للضغوط السكانية المتزايدة.
علاوة على ذلك، في حين كان من الممكن تحقيق بعض التحسينات الزراعية، إلا أنها كانت محدودة إلى حد كبير. فقد زُعم أن الزيادات في الإنتاجية الناتجة عن التطبيقات المتتالية لرأس المال والعمل على قطعة أرض معينة تتسم بتناقص العائدات، مما ساعد على تفسير تباطؤ نمو الإنتاجية في الزراعة. وكل هذا كان يشير إلى معضلة مالتوس المتمثلة في ميل السكان إلى تجاوز إمدادات الغذاء، وهو ميل لا يمكن مواجهته إلا من خلال الرذيلة والبؤس، كما شدد مالتوس في مقاله الأول عن السكان، أو من خلال ضبط النفس الأخلاقي، كما أضاف لاحقًا.
ليبيغ واستنزاف التربة
خلال الفترة 1830-1870، كان استنزاف خصوبة التربة بسبب فقدان العناصر الغذائية أحد أكبر المخاوف البيئية في المجتمع الرأسمالي في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية. يمكن مقارنة هذه المخاوف بالمخاوف المتعلقة بالتلوث المتزايد في المدن، وإزالة الغابات في قارات بأكملها، ومخاوف مالتوس بشأن فرط السكان (فوسـتر 1997؛ أوكونور 1998، ص 3). في بريطانيا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر، وبعد ذلك بقليل في الاقتصادات الرأسمالية النامية الأخرى في أوروبا وأمريكا الشمالية، أدت المخاوف الواسعة النطاق بشأن "إجهاد التربة" إلى زيادة هائلة في الطلب على الأسمدة. وارتفعت قيمة واردات العظام إلى بريطانيا من 14,400 جنيه إسترليني في عام 1823 إلى 254,600 جنيه إسترليني في عام 1837. وفي عام 1835، أفرغت أول سفينة تحمل غوانو بيروفي (روث الطيور البحرية المتراكم) حمولتها في ميناء ليفربول، وبحلول عام 1841 تم استيراد 1,700 طن، بينما ارتفعت الكمية إلى 220,000 طن بحلول عام 1847 (إرنلي [1912] 1961، ص 369) .في تلك الفترة، كان المزارعون الأوروبيون ينهبون ساحات المعارك النابليونية مثل ووترلو وأوسترليتز بحثًا عن عظام لزراعتها في حقولهم (هيلل 1991، ص 131-132).
ارتبطت الثورة الزراعية الثانية، التي تمثلت في صعود علم التربة الحديث، بشكل وثيق بهذا الطلب المتزايد على خصوبة التربة لدعم الزراعة الرأسمالية. ففي عام 1837، كلفت الجمعية البريطانية لتقدم العلوم ليبيغ بكتابة ورقة عمل حول العلاقة بين الزراعة والكيمياء. وشهدت السنوات التالية تأسيس الجمعية الزراعية الملكية في إنجلترا، التي اعتُبرت من قبل المؤرخين الاقتصاديين منظمة رائدة في حركة الزراعة عالية المستوى في بريطانيا، وهي حركة للملاك الأثرياء لتحسين إدارة المزارع. وفي عام 1840، نشر ليبيغ كتابه " الكيمياء العضوية في تطبيقاتها على الزراعة وعلم وظائف الأعضاء"، الذي قدم أول تفسير مقنع لدور العناصر الغذائية في التربة مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم في نمو النباتات.
وكان أحد أكثر الأشخاص تأثراً بأفكار ليبيغ هو مالك الأراضي الإنجليزي الثري وعالم الزراعة ج. ب. لويس. ففي عام 1842، اخترع لويس وسيلة لجعل الفوسفات قابلاً للذوبان، مما مكنه من تقديم أول سماد صناعي، وفي عام 1843 أنشأ مصنعًا لإنتاج "الفوسفات الفائق" الجديد. ومع إلغاء قوانين الذرة عام 1846، اعتُبرت الكيمياء العضوية لليبيغ المفتاح لزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية (بروك 1997، ص 149-150).
في أربعينيات القرن التاسع عشر، وعدت هذه الثورة العلمية في كيمياء التربة، إلى جانب صعود صناعة الأسمدة، بتحقيق معدل أسرع من التحسين الزراعي. وقد أثارت إعجاب العديد من المراقبين المعاصرين، بما في ذلك ماركس وإنجلز، اللذين كانا يعتقدان حتى ستينيات القرن التاسع عشر أن التقدم في الزراعة قد يتفوق قريبًا على التطور الصناعي بشكل عام.
ومع ذلك، كانت قدرة رأس المال على الاستفادة من هذه الاكتشافات العلمية في كيمياء التربة محدودة بسبب تطور تقسيم العمل الكامن في النظام، وبالأخص التناقض المتزايد بين المدينة والريف. وبحلول ستينيات القرن التاسع عشر، عندما كتب ماركس كتاب "رأس المال"، كان مقتنعًا بالطبيعة المتناقضة وغير المستدامة للزراعة الرأسمالية، بسبب تطورين تاريخيين في عصره:
1. الأزمة المتزايدة في الزراعة في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية المرتبطة باستنزاف الخصوبة الطبيعية للتربة، وهي أزمة لم تُخفف بل تفاقمت بفعل الاختراقات في علم التربة.
2. التحول في عمل ليبيغ نفسه في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر وأوائل ستينياته نحو نقد بيئي للتنمية الرأسمالية.
وبالرغم من أن اكتشافات ليبيغ وعلماء التربة الآخرين كانت تقدم أملًا للمزارعين، إلا أنها زادت في بعض النواحي من شعور الأزمة داخل الزراعة الرأسمالية، مما جعل المزارعين أكثر وعيًا باستنزاف المعادن في التربة وندرة الأسمدة. وقد تم الشعور بهذا التناقض بشكل خاص في الولايات المتحدة، وخصوصًا بين المزارعين في نيويورك وفي الاقتصاد القائم على المزارع في جنوب شرق البلاد.
على النقيض، اعتمدت الماركسية الكلاسيكية منذ البداية على حقيقة أن التحسين السريع لخصوبة التربة كان ممكنًا، رغم أنه غير مضمون، بالنظر إلى العلاقات الاجتماعية القائمة. ففي "مخططات نقد الاقتصاد السياسي"، الذي نُشر عام 1844، أشار فريدريك إنجلز الشاب إلى الثورات في العلوم، وخاصة كيمياء التربة، مشيرًا إلى اكتشافات شخصيات مثل همفري ديفي وليبيغ كسبب رئيسي لتفنيد مالتوس وريكاردو بشأن إمكانيات تحسين خصوبة التربة بسرعة وتعزيز العلاقة المواتية بين نمو الغذاء ونمو السكان.
قال إنجلز (1964، ص 208–210): "جعل الأرض موضوعًا للمضاربة—الأرض التي هي شرط وجودنا الأول والأخير—كان الخطوة الأخيرة نحو تحويل الإنسان نفسه إلى سلعة". بعد ثلاث سنوات، في كتاب " بؤس الفلسفة "، كتب ماركس (1963، ص 162–163) إن "التطبيق الحديث للكيمياء يغير طبيعة التربة في كل لحظة، والمعرفة الجيولوجية الآن، في أيامنا هذه، بدأت تُحدث ثورة في جميع التقديرات القديمة للخصوبة النسبية... الخصوبة ليست صفة طبيعية كما قد يُعتقد؛ إنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات الاجتماعية للعصر".
ظل هذا التركيز على التغيرات التاريخية في خصوبة التربة نحو التحسين الزراعي موضوعًا مستمرًا في فكر ماركس، لكنه اقترن لاحقًا بفهم لكيفية قيام الزراعة الرأسمالية بتقويض شروط خصوبة التربة، مما أدى إلى تدهورها بدلًا من تحسينها. وهكذا، في كتاباته اللاحقة، أصبح التركيز بشكل متزايد على استغلال الأرض بمعنى الفشل في الحفاظ على شروط إعادة إنتاجها.
مُنع الرأسماليون الأمريكيون من الوصول السهل إلى الغوانو (الذي يحتوي على نسبة عالية من النيتروجين والفوسفات) بسبب احتكار بريطانيا لإمدادات الغوانو البيروفي، ما دفعهم للبحث عن مصادر بديلة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، كانت الكميات والنوعية للأسمدة الطبيعية التي تم الحصول عليها بهذه الطريقة أقل بكثير من احتياجات الولايات المتحدة (سكاغز 1994).
بحلول ستينيات القرن التاسع عشر، استُنزف الغوانو البيروفي إلى حد كبير واضطر إلى استبداله بالنترات التشيلية. أما أملاح البوتاسيوم التي اكتُشفت في أوروبا، فقد وفرت وصولًا كافيًا إلى ذلك المعدن، وأصبحت الفوسفات أكثر توافرًا من خلال المصادر الطبيعية والصناعية. ومع ذلك، قبل تطوير طرق عملية لإنتاج الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية في عام 1913، استمر نقص النيتروجين في الأسمدة بشكل مزمن. وفي هذا السياق، صرّح ليبيغ أن الحل لتجاوز هذا العائق يتمثل في اكتشاف "رواسب من السماد أو الغوانو... بحجم يوازي حقول الفحم الإنجليزية" (نُقل عن كاوتسكي [(1899) 1988]، المجلد الأول، ص 53).
كانت الثورة الزراعية الثانية، التي ارتبطت بتطبيق الكيمياء العلمية على الزراعة، في الوقت نفسه فترة من التناقضات العميقة. فقد أدى تراجع الخصوبة الطبيعية للتربة نتيجة اضطراب دورة العناصر الغذائية في التربة، وتزايد المعرفة العلمية بالحاجة إلى عناصر غذائية محددة للتربة، والقيود المتزامنة في توفير الأسمدة الطبيعية والصناعية، إلى إثارة قلق شديد بشأن خصوبة التربة الحالية والمستقبلية في ظل الزراعة الرأسمالية.
في ولاية نيويورك العليا، أدى التنافس المتزايد من المزارعين في الغرب بعد فتح قناة إيري عام 1825 إلى تفاقم المخاوف بشأن "التربة المنهكة". وفي عام 1850، زار كيميائي التربة البريطاني، جيمس ف. و. جونستون، الذي أطلق عليه ماركس (ماركس وإنجلز 1975 أ، المجلد 38، ص 476) لقب "ليبيغ الإنجليزي"، الولايات المتحدة. وفي ملاحظاته عن أمريكا الشمالية (1851، ص 356-365)، سجل جونستون حالة التربة المنهكة في ولاية نيويورك العليا، مقارنًا إياها بشكل غير مُرضٍ بالتربة الأكثر خصوبة والأقل إنهاكًا في الغرب.
تم تناول هذه القضايا من قبل الاقتصادي الأمريكي هنري كاري، الذي ركز في أواخر أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر على حقيقة أن التجارة بعيدة المدى، التي ربطها بفصل المدينة عن الريف وفصل المنتجين الزراعيين عن المستهلكين ([1847] 1967 أ، ص 298-299، 304-308)، كانت العامل الرئيسي في فقدان العناصر الغذائية في التربة وأزمة خصوبة التربة المتنامية. وكتب كاري عن الولايات المتحدة في كتابه " مبادئ العلوم الاجتماعية: "بينما تُبذل جميع طاقات البلاد لتوسيع قوة التاجر، ليس من المستغرب أن نرى سكانها مشغولين في كل مكان بـ نهب الأرض من مخزونها الرأسمالي " ([1858-1859] 1867، ص 215؛ أيضًا كاري [1853] 1967 ب، ص 199).
كان لآراء كاري تأثير كبير على ليبيغ. ففي رسائله حول الزراعة الحديثة (1859)، جادل ليبيغ بأن "الزراعة التجريبية" للتاجر أدت إلى "نظام نهب" يقوض "شروط إعادة إنتاج" التربة. وكتب: "الحقل الذي يتم استنزاف شيء منه بشكل دائم، لا يمكن أن يزيد أو حتى يحافظ على قوته الإنتاجية." وأضاف: "كل نظام زراعي قائم على نهب الأرض يؤدي إلى الفقر" (1859، ص 175-178). "الزراعة العقلانية، على النقيض من نظام النهب، تقوم على مبدأ الإرجاع؛ من خلال إعادة العناصر التي تحافظ على خصوبة الحقول، يضمن المزارع استمرارية هذه الخصوبة."
بالنسبة لليبيغ، فإن "الزراعة الراقية" الإنجليزية "ليست نظام النهب الواضح للمزارع الأمريكي... بل هي نوع أكثر تطورًا من النهب الذي لا يبدو للوهلة الأولى وكأنه نهب" (1859، ص 183) و Echoing كاري (1858)، لاحظ ليبيغ (1859، ص 220) أن هناك مئات، وأحيانًا آلاف الأميال في الولايات المتحدة بين مراكز إنتاج الحبوب وأسواقها. وبهذا، يتم نقل العناصر المكونة للتربة إلى مواقع بعيدة عن نقاطها الأصلية، مما يجعل استعادة خصوبة التربة أكثر صعوبة.
كانت مشكلة تلوث المدن بالنفايات البشرية والحيوانية مرتبطة أيضًا باستنزاف التربة. ففي كلمات ليبيغ (1863، ص 261): "إذا كان من الممكن جمع جميع الفضلات الصلبة والسائلة لسكان المدينة بأقل خسارة، وإعادتها إلى كل مزارع كنسبة مئوية من المحاصيل التي وفرتها في الأصل للمدينة، فإن إنتاجية الأرض يمكن أن تستمر دون أن تتضرر تقريبًا لعدة أجيال قادمة، وستكون المخزونات الحالية من العناصر المعدنية في كل حقل خصب كافية تمامًا لتلبية احتياجات السكان المتزايدين."
وفي رسائله المؤثرة حول موضوع استخدام مياه الصرف الصحي البلدية (1865)، جادل ليبيغ—استنادًا إلى تحليله لحالة نهر التايمز—بأن إعادة تدوير المواد العضوية التي تعيد العناصر الغذائية الموجودة في مياه الصرف الصحي إلى التربة كانت جزءًا لا غنى عنه من نظام حضري-زراعي عقلاني.
ماركس والصدع الأيضي
أثناء عمله على كتاب "رأس المال" في أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، تأثر ماركس بعمق بتحليل ليبيغ. ففي عام 1866، كتب إلى إنجلز قائلاً إنه في سياق تطوير نقده للإيجار العقاري الرأسمالي، "كان علي أن أخوض في الكيمياء الزراعية الجديدة في ألمانيا، وخصوصًا ليبيغ وشوينباين، التي تعد أكثر أهمية لهذا الموضوع من جميع الاقتصاديين مجتمعين" (ماركس وإنجلز، 1975 أ، المجلد 42، ص. 227). بل إنه أشار إلى أن "تطوير الجانب السلبي، أي الجانب التدميري للزراعة الحديثة، من وجهة نظر العلوم الطبيعية، يعد واحدًا من الإنجازات الخالدة لليبيغ" ([1867] 1976، ص. 638). بعيدًا عن كونه غافلًا بيئيًا تجاه استغلال الأرض، عمل ماركس، تحت تأثير أعمال ليبيغ في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر وأوائل ستينياته، على تطوير نقد منهجي للاستغلال الرأسمالي (بمعنى السرقة، أي الفشل في الحفاظ على وسائل الإنتاج) للتربة.
اختتم ماركس مناقشتيه الرئيسيتين حول الزراعة الرأسمالية بشرح لكيفية تضافر الصناعة والزراعة واسعتي النطاق لإفقار التربة والعمال. تم تكثيف معظم هذا النقد في فقرة استثنائية في نهاية معالجته لـ"نشأة الإيجار العقاري الرأسمالي" في المجلد الثالث من "رأس المال"، حيث كتب:
"تؤدي الملكية العقارية الكبيرة إلى تقليل عدد السكان الزراعيين إلى حد أدنى متناقص باستمرار وتضعهم في مواجهة مع عدد متزايد من السكان الصناعيين المتكدسين في المدن الكبرى؛ وبهذه الطريقة تُنتج ظروفًا تستدعي صدعًا لا يمكن إصلاحه في العملية المتداخلة للاستقلاب الاجتماعي، وهو استقلاب تحدده قوانين الحياة الطبيعية نفسها. والنتيجة هي تبديد لخصوبة التربة، حيث تُنقل هذه الخصوبة عبر التجارة إلى ما هو أبعد من حدود بلد واحد" (ليبيغ).... الصناعة واسعة النطاق والزراعة الصناعيّة واسعة النطاق لهما نفس التأثير. إذا كانا يتميزان في البداية بأن الأولى تستنزف قوة العمل وتدمر القوى الطبيعية للإنسان، بينما تفعل الأخيرة الشيء نفسه بالنسبة للقوى الطبيعية للتربة، فإنهما يرتبطان لاحقًا أثناء تطورهما، حيث إن النظام الصناعي المطبق على الزراعة يؤدي أيضًا إلى إنهاك العمال هناك، في حين توفر الصناعة والتجارة للزراعة الوسائل اللازمة لاستنفاد التربة. (ماركس، 1981، ص. 949–950).
قدم ماركس تكثيفًا مشابهًا ولا يقل أهمية لنقده في هذا المجال في مناقشته عن "الصناعة والزراعة واسعة النطاق" في المجلد الأول من "رأس المال" :
"الإنتاج الرأسمالي يجمع السكان معًا في مراكز كبيرة، ويجعل السكان الحضريين يحققون هيمنة متزايدة باستمرار. وهذا له نتيجتان. فمن ناحية، يركز القوة المحركة التاريخية للمجتمع؛ ومن ناحية أخرى، يزعزع التفاعل الأيضي بين الإنسان والأرض، أي يمنع عودة العناصر المكونة للتربة التي يستهلكها الإنسان على شكل غذاء وملابس؛ ومن ثم يعيق شروط الطبيعة الأبدية للحفاظ على خصوبة التربة.... ولكن من خلال تدمير الظروف المحيطة بهذا الاستقلاب ... يجبر الإنتاج الرأسمالي على استعادته بشكل منهجي كقانون تنظيمي للإنتاج الاجتماعي، وبشكل يتلاءم مع التطور الكامل للنوع البشري. ... كل تقدم في الزراعة الرأسمالية هو تقدم في فن ليس فقط سرقة العامل، بل أيضًا سرقة التربة؛ وكل تقدم في زيادة خصوبة التربة لفترة معينة هو تقدم نحو تدمير المصادر الأكثر دوامًا لتلك الخصوبة.... لذلك، لا يطور الإنتاج الرأسمالي التقنيات ودرجة الجمع بين العملية الاجتماعية للإنتاج إلا من خلال تقويض المصادر الأصلية لجميع الثروات – التربة والعامل." (ماركس، 1976، ص. 637–638).
في كلا المقطعين من كتاب رأس المال لماركس – الأول الذي يختم فيه مناقشته للإيجار العقاري الرأسمالي في المجلد الثالث، والثاني الذي يختم فيه مناقشته للزراعة واسعة النطاق في المجلد الأول – يتمثل المفهوم النظري المركزي في وجود "صدع" في "التفاعل الأيضي بين الإنسان والأرض"، أو في "الاستقلاب الاجتماعي الذي تمليه قوانين الحياة الطبيعية"، من خلال إزالة العناصر المكونة للتربة، مما يتطلب "استعادتها بشكل منهجي." هذا التناقض مرتبط بنمو الصناعة والزراعة واسعتي النطاق تحت النظام الرأسمالي، حيث توفر الصناعة وسائل استغلال مكثف للتربة.
استنادًا إلى ليبيغ، جادل ماركس بأن التجارة لمسافات طويلة في الغذاء والملابس جعلت مشكلة اغتراب العناصر المكونة للتربة أكثر خطورة لدرجة أنها أصبحت "صدعًا لا يمكن إصلاحه." كما أشار في مواضع أخرى من رأس المال (المجلد الأول)، فإن "الرغبة العمياء في الربح" قد "استنزفت التربة" في إنجلترا، كما يتضح يوميًا من الظروف التي "تجبر على تسميد الحقول الإنجليزية باستخدام غوانو" مستورد من بيرو (1976، ص. 348). كان المفهوم الأساسي في حجة ماركس هو أن الزراعة الرأسمالية واسعة النطاق تعيق أي تطبيق عقلاني حقيقي للعلم الجديد في إدارة التربة. فعلى الرغم من كل التطورات العلمية والتكنولوجية في مجال الزراعة، لم يتمكن النظام الرأسمالي من الحفاظ على الشروط الضرورية لإعادة تدوير العناصر المكونة للتربة.
يكمن المفتاح في النهج النظري بأكمله لماركس في هذا المجال في مفهوم الاستقلاب الاجتماعي-البيئي (Stoffwechsel) ، والذي كان متجذرًا في فهمه لعملية العمل. وفي تعريفه للعمل بشكل عام (بخلاف تجلياته المحددة تاريخيًا)، استخدم ماركس مفهوم الاستقلاب لوصف علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال العمل:
"العمل، أولاً وقبل كل شيء، هو عملية بين الإنسان والطبيعة، عملية يقوم الإنسان من خلالها، من خلال أفعاله الخاصة، بالتوسط والتنظيم والسيطرة على الاستقلاب بينه وبين الطبيعة. يواجه المواد الطبيعية كقوة من قوى الطبيعة. يُحرك القوى الطبيعية التي تنتمي إلى جسده – ذراعيه وساقيه ورأسه ويديه – لكي يُكيف المواد الطبيعية بشكل يتناسب مع احتياجاته الخاصة. ومن خلال هذه الحركة، يعمل على الطبيعة الخارجية ويغيرها، وفي نفس الوقت يغير طبيعته الخاصة.... هذه [عملية العمل] هي الشرط العالمي للتفاعل الأيضي [Stoffwechsel] بين الإنسان والطبيعة، وهو الشرط الأبدي الذي تفرضه الطبيعة لوجود الإنسان." (ماركس 1976، ص. 283، 290).
قبل ذلك بعدة سنوات فقط، كتب ماركس في مخطوطته الاقتصادية لعام 1861–1863 أن "العمل الفعلي هو استحواذ على الطبيعة لإشباع احتياجات الإنسان، النشاط الذي يتم من خلاله التوسط في الاستقلاب بين الإنسان والطبيعة." ومن هذا المنطلق، تبين أن النشاط الفعلي للعمل لم يكن أبدًا مستقلاً عن الإمكانات الإبداعية الطبيعية للطبيعة نفسها، "نظرًا لأن الثروة المادية، عالم القيم الاستعمالية، تتألف حصريًا من مواد طبيعية تم تعديلها بواسطة العمل" (ماركس وإنجلز 1975 أ، المجلد 30، ص. 40).
عكست هذه المناقشة حول العلاقة الأيضية (الاستقلابية) بين البشر والطبيعة إلى حد كبير محاولات ماركس المبكرة، والأكثر فلسفية بشكل مباشر، لفهم التعقيد في التداخل بين البشر والطبيعة. ففي المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، شرح ماركس أن "الإنسان يعيش من الطبيعة، أي أن الطبيعة هي جسده، ويجب عليه أن يحافظ على حوار مستمر معها إذا لم يكن يريد أن يموت. إن القول بأن حياة الإنسان الجسدية والعقلية مرتبطة بالطبيعة يعني ببساطة أن الطبيعة مرتبطة بنفسها، لأن الإنسان جزء من الطبيعة" (1974، ص. 328؛ التأكيد في الأصل). ولكن إدخال مفهوم الاستقلاب في وقت لاحق أعطى ماركس طريقة أكثر صلابة – وعلمية – لتصوير التبادل الديناميكي المعقد بين البشر والطبيعة الناتج عن العمل البشري.
شمل مفهوم الاستقلاب التبادلات المادية والإجراءات التنظيمية المرتبطة به، والتي تضمنت كلًا من "الشروط التي تفرضها الطبيعة" وقدرة البشر على التأثير في هذه العملية. ووفقًا لهايوارد (1994، ص. 116)، فإن مفهوم ماركس عن الاستقلاب الاجتماعي-البيئي "يجسد الجوانب الأساسية لوجود البشر ككائنات طبيعية ومادية: وتشمل هذه الجوانب التبادلات الطاقية والمادية التي تحدث بين البشر وبيئتهم الطبيعية. ... يتم تنظيم هذا الاستقلاب من جانب الطبيعة من خلال القوانين الطبيعية التي تحكم العمليات الفيزيائية المختلفة، ومن جانب المجتمع من خلال القواعد المؤسسية التي تنظم تقسيم العمل وتوزيع الثروة، وما إلى ذلك."
وبالنظر إلى الطريقة الأساسية التي تصور بها ماركس مفهوم الاستقلاب – باعتباره يشكل عملية معقدة ومتداخلة تربط بين المجتمع البشري والطبيعة – فلا ينبغي أن يفاجئنا أن هذا المفهوم يظهر في رؤية ماركس لمجتمع المستقبل للمنتجين المرتبطين: "الحرية في هذا المجال [مجال الضرورة الطبيعية]"، كتب في رأس المال (المجلد 3)، "لا يمكن أن تتجسد إلا في أن الإنسان الاجتماعي، المنتجون المرتبطون، يحكمون التفاعل الأيضي بين الإنسان والطبيعة بطريقة عقلانية، بحيث يضعونه تحت سيطرتهم الجماعية بدلاً من أن تهيمن عليه قوة عمياء؛ ويحققون ذلك بأقل إنفاق للطاقة وفي ظروف أكثر جدارة ومناسبة لطبيعتهم البشرية." (1981، ص. 959).
تماماً كما سمح إدخال مفهوم "الأيض" لماركس بتقديم أساس علمي أكثر صلابة لأفكاره، فقد شجع الموقع المركزي الذي احتله هذا المفهوم في نظريته على استنباط بعض من دلالاته الأوسع. تم إدخال مصطلح "الأيض" (Stoffwechsel) منذ عام 1815 واعتمده الفيزيولوجيون الألمان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر للإشارة إلى التبادلات المادية داخل الجسم المتعلقة بالتنفس (Bing 1971 Caneva 1993). لكن المصطلح حصل على تطبيق أوسع (وبالتالي شهرة أكبر) في عام 1842 من قبل ليبيغ في عمله الكيمياء الحيوانية، وهو العمل الكبير الذي تلا دراسته السابقة عن التربة، حيث قدم مفهوم العمليات الأيضية (في سياق تدهور الأنسجة). ومنذ ذلك الحين، عُمم المصطلح بشكل أكبر وأصبح أحد المفاهيم الرئيسية، التي تنطبق على المستوى الخلوي وكذلك على تحليل الكائنات الحية بأكملها، في تطوير الكيمياء الحيوية (Liebig [1842] 1964 Brock 1997, p.193 Caneva 1993, p.117).
في التحليل البيولوجي والبيئي، كان مفهوم الأيض منذ أربعينيات القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، يُستخدم كفئة مركزية في منهجية نظرية النظم لدراسة علاقة الكائنات الحية ببيئاتها. يشير إلى عملية معقدة للتبادل الأيضي، حيث يقوم الكائن الحي (أو الخلية المعينة) باستخلاص المواد والطاقة من بيئته وتحويلها من خلال تفاعلات أيضية مختلفة إلى اللبنات الأساسية للبروتينات والمركبات الأخرى اللازمة للنمو. كما يُستخدم المفهوم للإشارة إلى العمليات التنظيمية التي تحكم هذا التبادل المعقد بين الكائنات الحية وبيئاتها (Fischer-Kowalski 1997, p.120). يستخدم علماء البيئة النظاميون البارزون، مثل أودوم (1969, p.7)، مفهوم "الأيض" للإشارة إلى جميع المستويات البيولوجية، بدءاً من الخلية الواحدة وانتهاءً بالنظام البيئي.
مؤخراً، أصبح مفهوم الأيض ما وصفته فيشر-كوفالسكي (1997, pp.119–20) بـ"نجم مفاهيمي صاعد" في الفكر الاجتماعي-البيئي، نتيجة ظهور أبحاث متعددة التخصصات حول "الأيض الصناعي". بالنسبة لبعض الباحثين، يقدم المفهوم حلاً لأحد المعضلات الأساسية في علم الاجتماع البيئي التي أثارها دنلاب وكاتون (1979) وشنابيرغ (1980)، والتي تتطلب رؤية معقدة للتفاعل بين المجتمع والطبيعة (Hayward 1994, pp.116–17 Fischer-Kowalski 1997). علاوة على ذلك، لطالما تم استخدام مفهوم الأيض لتحليل التبادل المادي بين المدينة والريف، بطريقة مشابهة للطريقة التي استخدم بها ليبيغ وماركس المفهوم (Wolman 1965 Giradet 1997). ضمن هذا الجسم المتزايد بسرعة من الأدبيات حول الأيض الاجتماعي-البيئي، أصبح من المعروف الآن أنه "ضمن أسس النظرية الاجتماعية في القرن التاسع عشر، كان ماركس وإنجلز هما من طبقا مصطلح ‘الأيض‘على المجتمع" (Fischer-Kowalski 1997, p.122).
في الواقع، يجادل علماء الاجتماع البيئي وغيرهم ممن يستكشفون مفهوم "الأيض الصناعي" اليوم بأن المواد التي تستخدمها الطيور لبناء أعشاشها يمكن اعتبارها تدفقات مادية مرتبطة بأيض الطيور، وبنفس الطريقة يمكن رؤية تدفقات مادية مشابهة كجزء من الأيض البشري. وبالتالي، اقترحت فيشر-كوفالسكي "اعتبار التدفقات المادية والطاقة التي تحافظ على الأجزاء المادية للنظام كجزء من أيض النظام الاجتماعي" ((1997, pp.121, 131؛ التأكيد في الأصل. لكن السؤال الصعب هو كيف يتم تنظيم مثل هذا الأيض البشري مع الطبيعة من جانب المجتمع؟، بالنسبة لماركس، كان الجواب هو العمل البشري وتطوره داخل التشكيلات الاجتماعية التاريخية.
ماركس والاستدامة
جانب أساسي من مفهوم الاستقلاب (الايض) هو الفكرة التي تشير إلى أنه يشكل الأساس الذي تُحفظ عليه الحياة ويصبح فيه النمو وإعادة الإنتاج ممكنة. وعلى عكس من يعتقدون أن ماركس ارتدى "عصابة إيكولوجية" تمنعه من إدراك الحدود الطبيعية للإنتاج، استخدم ماركس مفهوم "الصدع الايضي " (metabolic rift) لوصف الاغتراب المادي للبشر في المجتمع الرأسمالي عن الشروط الطبيعية لوجودهم، وللإشارة إلى أن الزراعة الرأسمالية واسعة النطاق خلقت مثل هذا الصدع الايضي بين البشر والتربة، كان يعني ذلك أن شروط الاستدامة الأساسية قد تم انتهاكها. كتب ماركس( [1861–63] 1971b، ص 301:) "الإنتاج الرأسمالي لا يتوجه إلى الأرض إلا بعد أن يستنفذ تأثيره عليها وبعد أن يدمر خصائصها الطبيعية."
علاوة على ذلك، كان هذا مرتبطاً ليس فقط بالتربة ولكن أيضاً بالتناقض بين المدينة والريف. بالنسبة لماركس، كما هو الحال مع ليبيغ، فإن الفشل في إعادة تدوير المغذيات إلى التربة له ما يقابله في تلوث المدن وعدم عقلانية أنظمة الصرف الصحي الحديثة. وفي "رأس المال" (المجلد الثالث)، لاحظ ماركس: "في لندن... لا يمكنهم فعل شيء أفضل بالبراز الذي ينتجه 4.5 مليون شخص سوى تلويث نهر التايمز به، بتكلفة باهظة" (1981، ص 195). ولم يكن إنجلز أقل وضوحاً في هذه النقطة. ففي تناوله للحاجة إلى تجاوز التناقض بين المدينة والريف، أشار، متبعاً ليبيغ، إلى أن "في لندن وحدها يتم إلقاء كمية من السماد أكبر من تلك التي ينتجها كل مملكة ساكسونيا يومياً في البحر مع إنفاق مبالغ ضخمة"، وإلى الحاجة إلى "إعادة إنشاء صلة وثيقة بين الإنتاج الصناعي والزراعي" جنباً إلى جنب مع "توزيع السكان بشكل أكثر توازناً على البلاد بأكملها" (إنجلز [1872] 1975، ص 92).
بالنسبة لماركس، فإن "البراز الناتج عن التبادل الطبيعي للإنسان"، جنباً إلى جنب مع نفايات الإنتاج الصناعي والاستهلاك، يحتاج إلى إعادة تدويره في عملية الإنتاج كجزء من دورة مادية كاملة (1981، ص 195). كان الانقسام العدائي بين المدينة والريف، وما تبعه من الصدع الايضي، واضحاً أيضاً على مستوى أكثر شمولاً: حيث رُزِقت المستعمرات بأراضيها ومواردها وتربتها لدعم التصنيع في الدول المستعمِرة. كتب ماركس: "لمدة قرن ونصف، قامت إنجلترا بتصدير تربة أيرلندا بشكل غير مباشر، دون أن تسمح حتى لمزارعيها بالوسائل اللازمة لتعويض العناصر المكونة للتربة التي تم استنفادها" (1976، ص 860).
رؤية ماركس للزراعة الرأسمالية ولضرورة تدوير المغذيات في التربة (بما في ذلك النفايات العضوية للمدن) قادته إلى مفهوم أوسع للاستدامة البيئية – وهي فكرة اعتبرها ذات أهمية عملية محدودة للمجتمع الرأسمالي، الذي لا يستطيع تحقيق مثل هذا الفعل العقلاني المتسق، لكنها ضرورية لمجتمع المستقبل المنتج جماعياً. كتب ماركس: "إن الطريقة التي تعتمد بها زراعة المحاصيل على تقلبات أسعار السوق والتغير المستمر في الزراعة مع هذه الأسعار – الروح الكاملة للإنتاج الرأسمالي، الموجهة نحو الأرباح النقدية الفورية – تقف في تناقض مع الزراعة، التي يجب أن تهتم بمجموعة كاملة من الشروط الدائمة للحياة المطلوبة لسلسلة الأجيال المتعاقبة" (ماركس 1981، ص 754).
من خلال التأكيد على الحاجة إلى الحفاظ على الأرض "للأجيال المتعاقبة"، استوعب ماركس جوهر فكرة التنمية المستدامة الحديثة، التي عُرِّفت بشكل شهير من قبل لجنة برونتلاند بأنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها" (اللجنة العالمية للبيئة والتنمية 1987، ص 43). بالنسبة لماركس، فإن "المعاملة الواعية والعقلانية للأرض كممتلكات مشتركة دائمة" هي "الشرط الذي لا غنى عنه لوجود وإعادة إنتاج سلسلة الأجيال البشرية" (1981، ص 948-949).
في مقطع رائع، ومستحق الشهرة، في "رأس المال" (المجلد الثالث)، كتب ماركس: "من وجهة نظر تشكيل اقتصادي اجتماعي أعلى، ستبدو الملكية الخاصة لأفراد معينين في الأرض أمراً عبثياً تماماً مثل الملكية الخاصة لإنسان على إنسان آخر. حتى مجتمع بأكمله، أو أمة، أو كل المجتمعات القائمة في الوقت نفسه، ليست مالكة للأرض، بل هي مجرد حائز عليها ومستفيد منها، وعليها أن تورثها في حالة محسنة إلى الأجيال اللاحقة كأرباب أسر جيدين" ( (boni patres familias) 1981، ص 911).
مع اقتراب نهاية حياة ماركس، اكتسب هذا الموضوع أهمية أكبر، حيث أشار، نتيجةً لتحقيقاته في الإمكانيات الثورية للكومونة الروسية القديمة (المير)، إلى أنه من الممكن تطوير نظام زراعي "منظم على نطاق واسع ويدار عن طريق العمل التعاوني" من خلال إدخال "أساليب زراعية حديثة." وأوضح ماركس أن قيمة مثل هذا النظام تكمن في قدرته على "استيعاب جميع الإنجازات الإيجابية التي أوجدها النظام الرأسمالي" دون الوقوع فريسة للعلاقة الاستغلالية البحتة مع التربة، أي النهب، الذي كان يميز النظام الرأسمالي( ماركس وإنجلز 1975a، المجلد 24، ص. 356). تعمق ماركس في الأدبيات الخاصة بالشعبيين الروس في نهاية حياته، واقتناعه المتزايد بأن الثورة ستنشأ أولاً في روسيا—حيث لم يكن بالإمكان افتراض الوفرة الاقتصادية، وخصوصاً الزراعية—أجبره على التركيز على التخلف الزراعي والمتطلبات البيئية لنظام زراعي أكثر عقلانية.
لم يقتصركل من ماركس وإنجلز في مناقشاتهما عن التدهور البيئي على نهب التربة فحسب، بل أقرّا أيضاً بجوانب أخرى لهذه المشكلة، بما في ذلك استنزاف احتياطيات الفحم، وتدمير الغابات، وما إلى ذلك. وكما لاحظ إنجلز في رسالة إلى ماركس: "الفرد العامل ليس فقط مثبتاً للحاضر، ولكنه، وبدرجة أكبر بكثير، مبذراً للحرارة الشمسية الماضية. أما بخصوص ما فعلناه في تبديد احتياطياتنا من الطاقة، من الفحم، والخامات، والغابات، وما إلى ذلك، فأنت أكثر اطلاعاً مني" ( ماركس وإنجلز 1975a، المجلد 46، ص. 411).
أشار ماركس إلى "الآثار المدمرة" لـ"إزالة الغابات" (ماركس وإنجلز 1975a، المجلد 42، ص. 559) واعتبر ذلك نتيجة طويلة الأمد لعلاقة استغلالية مع الطبيعة (ليست مقتصرة فقط على الرأسمالية): "لقد أظهرت تطورات الحضارة والصناعة بشكل عام نشاطاً دائما في تدمير الغابات إلى درجة أن كل ما تم فعله من أجل الحفاظ عليها وإنتاجها يبدو تافهاً بالمقارنة" ([1865–70] 1978، ص. 322). وأعرب عن أسفه لحقيقة أن الغابات في إنجلترا لم تكن "غابات حقيقية" حيث "إن الغزلان في حدائق العظماء كانت أشبه بالماشية المدجنة، سمينة مثل أعضاء مجالس لندن المحليين"؛ بينما في اسكتلندا، فإن ما يسمى بـ"غابات الغزلان" التي تم إنشاؤها لصالح الصيادين (على حساب العمال الريفيين) كانت تحتوي على غزلان ولكنها بلا أشجار (1976، ص. 892–93).
تحت تأثير داروين، رفض ماركس وإنجلز النظرة القديمة التي تضع البشر في مركز الكون الطبيعي. وأعرب إنجلز عن "احتقار شديد للتمجيد المثالي للإنسان فوق الحيوانات الأخرى" ماركس وإنجلز 1975b، (ص. 102).
نسب بعض النقاد إلى ماركس نوعًا من "العمى البيئي" المرتبط بإيمان مفرط متفائل بالظروف الوفيرة التي يُفترض أن قوى الإنتاج في ظل الرأسمالية ستجعلها ممكنة. في هذا الرأي، اعتمد ماركس بشكل كبير على افتراض الوفرة في تصوره للمجتمع المستقبلي، بحيث أصبحت العوامل البيئية مثل ندرة الموارد الطبيعية غير موجودة ببساطة. ومع ذلك، بغض النظر عن أفكار ماركس في تصوراته الأكثر "طوباوية"، من الواضح من مناقشاته لكل من الرأسمالية والانتقال إلى الاشتراكية أنه كان بعيدًا عن الاعتقاد، كما يزعم نوف (1987، ص. 399)، "بأن مشكلة الإنتاج" قد "حُلّت" بالفعل في ظل الرأسمالية، أو أن الموارد الطبيعية "غير محدودة." بل على العكس، أكد ماركس مرارًا وتكرارًا أن الرأسمالية كانت تعاني من مشكلة مزمنة في الإنتاج في الزراعة، والتي تتعلق في النهاية بشكل غير مستدام للإنتاج فيما يتعلق بالظروف الطبيعية.
لاحظ ماركس أن الزراعة، "عندما تتقدم بشكل عفوي ولا يتم التحكم فيها بوعي... تترك وراءها صحارى" (ماركس وإنجلز 1975b، ص. 190). حتى في حالة الصناعة، كان ماركس قلقًا بشأن النفايات الهائلة التي تُنتج، وشدد على "تقليل" و"إعادة استخدام" النفايات—وخاصة في قسم من "رأس المال" (المجلد الثالث)، بعنوان "استخدام مخلفات الإنتاج" (1981، ص. 195–197). علاوة على ذلك، أشار ماركس إلى أن هذه المشكلات ستستمر في خلق المعاناة لأي مجتمع يحاول بناء الاشتراكية (أو الشيوعية). وبالتالي، رغم أن بعض النقاد، مثل ماكلوغلين (1990، ص. 95)، يزعمون أن ماركس تصوّر "وفرة مادية عامة كركيزة للشيوعية"، وبالتالي لم يرَ "أساسًا للاهتمام بتحرير الطبيعة من سيطرة الإنسان"، فإن الأدلة الساحقة على العكس (العديد منها أُشير إليها أعلاه) تشير إلى أن ماركس كان مهتمًا بشدة بقضايا الحدود البيئية والاستدامة.
علاوة على ذلك، لا يوجد أي مؤشر في كتابات ماركس على أنه كان يعتقد أن العلاقة المستدامة مع الأرض ستأتي تلقائيًا مع الانتقال إلى الاشتراكية. بل أكد على الحاجة إلى التخطيط في هذا المجال، بما في ذلك اتخاذ تدابير مثل القضاء على التناقض بين المدينة والريف من خلال توزيع أكثر توازنًا للسكان (ماركس وإنجلز [1848] 1967، ص. 40–41) واستعادة وتحسين التربة من خلال إعادة تدوير مغذيات التربة. يتطلب كل هذا تحولًا جذريًا في علاقة الإنسان مع الأرض عبر تغيير علاقات الإنتاج. كتب ماركس أن الرأسمالية : "تخلق الشروط المادية لتركيب جديد وأعلى، اتحاد الزراعة والصناعة على أساس الأشكال التي تطورت خلال فترة عزلتها التناقضية" (1976، ص. 637). ولكن لتحقيق هذا "التركيب الأعلى" في مجتمع من المنتجين المرتبطين بحرية، جادل ماركس بأنه سيكون من الضروري لهؤلاء المنتجين المرتبطين أن "يحكموا التفاعل البشري مع الطبيعة بطريقة عقلانية"—وهو مطلب سيثير تحديات جوهرية للمجتمع ما بعد الرأسمالي (1981، ص. 959؛ 1976، ص. 637–638).
ومن بين أنواع "العمى البيئي" الأخرى التي تُنسب عادة إلى ماركس هو أنه أنكر دور الطبيعة في خلق الثروة من خلال تطوير نظرية قيمة العمل التي ترى أن كل القيمة مشتقة من العمل، ومن خلال الإشارة إلى الطبيعة كـ "هدية مجانية" للرأسمال، تفتقر إلى أي قيمة جوهرية خاصة بها (ديلياج 1994، ص. 48؛ تشرشل 1996، ص. 467–468؛ جورجيسكو-روجن 1971، ص. 2). ومع ذلك، فإن هذا الانتقاد مبني على سوء فهم لاقتصاد ماركس السياسي. لم يخترع ماركس فكرة أن الأرض كانت "هدية" من الطبيعة للرأسمال. هذه الفكرة قُدمت كمقترح رئيسي من قبل مالتوس وريكاردو في أعمالهما الاقتصادية (مالتوس 1970، ص. 185). ثم تبناها لاحقًا الاقتصادي النيوكلاسيكي العظيم ألفريد مارشال (1920) واستمرت في كتب الاقتصاد النيوكلاسيكية حتى الثمانينيات. وهكذا، في النسخة العاشرة من كتاب تمهيدي مستخدم على نطاق واسع في الاقتصاد، نجد العبارة التالية: "تشير الأرض إلى جميع الموارد الطبيعية—كل الهدايا المجانية من الطبيعة —القابلة للاستخدام في عملية الإنتاج." ومزيدًا نقرأ، "الأرض ليس لها تكلفة إنتاج؛ إنها هدية مجانية وغير قابلة للتكرار من الطبيعة " (ماكونيل 1987، ص. 20، 672).
كان ماركس واعيًا بالتناقضات الاجتماعية والبيئية المضمنة في هذه الآراء، وفي مخطوطاته الاقتصادية من 1861–1863 هاجم مالتوس مرارًا لتراجعه إلى الفكرة "الطبيعية" بأن البيئة كانت "هدية من الطبيعة للإنسان"، مع تجاهل كيف كان هذا متصلًا بمجموعة محددة من العلاقات الاجتماعية التي أنشأها رأس المال ( ماركس وإنجلز 1975a، المجلد 34، ص. 151–159).
لتأكيد الأمر، اتفق ماركس مع الاقتصاديات الليبرالية على أنه بموجب قانون القيمة في الرأسمالية، لا يُمنح للطبيعة أي قيمة. وكتب: "الأرض... تعمل كعامل إنتاج في إنتاج منفعة مادية، كالحبوب مثلاً. ولكن ليس لها علاقة بإنتاج قيمة الحبوب" (1981، ص 955). فقيمة الحبوب، كما هو الحال في أي سلعة تحت النظام الرأسمالي، تُستمد من العمل. ومع ذلك، بالنسبة لماركس، كان هذا مجرد انعكاس للتصور الضيق والمحدود للثروة المتجسد في العلاقات السلعية الرأسمالية وفي نظام قائم على قيمة التبادل.
الثروة الحقيقية، وفقًا لماركس، تتألف من قيم الاستخدام، وهي خاصية الإنتاج بشكل عام، التي تتجاوز الشكل الرأسمالي للإنتاج. وبالتالي، كانت الطبيعة، التي ساهمت في إنتاج قيم الاستخدام، مصدرًا للثروة تمامًا مثل العمل. وكتب ماركس: "ما يقوله لوكريتيوس واضح بذاته: لا شيء يمكن أن يُخلق من العدم، فلا شيء يأتي من لا شيء... حتى قوة العمل نفسها هي، قبل كل شيء، مادة من الطبيعة تُنقل إلى كائن بشري" (1976، ص 323).
ومن هذا المنطلق، أوضح ماركس في بداية كتابه "رأس المال" أن "العمل ليس المصدر الوحيد للثروة المادية، أي لقيم الاستخدام التي ينتجها. وكما يقول ويليام بيتي، العمل هو الأب للثروة المادية، والأرض هي أمها" (1976، ص 134). وفي " نقد برنامج غوتا "، انتقد ماركس أولئك الاشتراكيين الذين نسبوا ما أسماه "قوة إبداعية خارقة للطبيعة" للعمل ( [1875] 1971a ، ص 11)، من خلال اعتباره المصدر الوحيد للثروة وتجاهل دور الطبيعة. وتحت النظام الشيوعي، جادل ماركس بأن الثروة يجب أن تُتصور بمصطلحات أكثر شمولية، بحيث تتألف من تلك القيم المادية التي تشكل الأساس للتطور الكامل للقدرات الإبداعية البشرية، "تطور الفردية الغنية التي تكون متعددة الجوانب في إنتاجها وكذلك في استهلاكها"—مع توسيع ثروة الروابط التي تتيحها الطبيعة، مع عكس التطور المتغير في التفاعل الإنساني مع الطبيعة ([1857–58] 1973، ص 325).
لذا، وضع ماركس نفسه في معارضة لأولئك الذين اعتقدوا أن مساهمة الطبيعة في إنتاج الثروة يمكن تجاهلها، أو أن الطبيعة يمكن إخضاعها تمامًا للاحتياجات البشرية بغض النظر عن طبيعتها. وفي " الغروندريِسة "، علّق ماركس على مقولة فرانسيس بيكون ([1620] 1994، ص 29، 43) الشهيرة: "لا تُغلب الطبيعة إلا بطاعتها"، حيث اقترح بيكون أيضًا "إخضاع" الطبيعة. ورد ماركس بأن "الاكتشاف النظري لقوانين الطبيعة المستقلة يظهر بالنسبة للرأسمالية مجرد حيلة لإخضاعها للاحتياجات البشرية، سواء كموضوع للاستهلاك أو كوسيلة للإنتاج" (1973، ص 409–410).
وبالنسبة لإنجلز أيضًا، كان من الواضح أن بناء مجتمع يعتمد على الأمل الزائف في السيطرة الكاملة على الطبيعة الخارجية هو محض جنون. وكما كتب في "جدلية الطبيعة" ([1874–80] 1940، ص 291–292): "لا ينبغي لنا، مع ذلك، أن نبالغ في الافتخار بفتحنا للطبيعة. فكل فتح من هذا النوع يأخذ بثأره منا... ففي كل خطوة نتذكر أننا لا نحكم على الطبيعة كما لو كنا فاتحين لشعب أجنبي، أو كمن يقف خارج الطبيعة—بل نحن، بجسدنا ودمنا وعقلنا، ننتمي إلى الطبيعة، ونوجد في وسطها، وأن كل سيطرتنا عليها تتألف في أننا نملك ميزة معرفة قوانينها وتطبيقها الصحيح".
بالنسبة لماركس، كان "التفاعل الإنساني مع الطبيعة" علاقة ديناميكية للغاية، تعكس التغيرات في الطريقة التي يتوسط بها البشر بين الطبيعة والمجتمع من خلال الإنتاج. قرأ إنجلز وماركس" أصل الأنواع " بعد فترة وجيزة من نشره في عام 1859 وكانا مؤيدين متحمسين لنظرية داروين حول الانتقاء الطبيعي. وصف ماركس كتاب داروين بأنه "عمل ذو أهمية زمنية" (1976، ص 461)، وفي يناير 1861، كتب ماركس رسالة إلى الاشتراكي الألماني فرديناند لاسال، قائلاً إن داروين وجه "ضربة قاضية" لفكرة "الغائية" في العلوم الطبيعية ( ماركس وإنجلز 1975a، المجلد 41، ص 246–247 ). لم يُبد ماركس أي تحفظات على النظرية الأساسية نفسها لداروين—حتى عندما طبق داروين "صراع البقاء" المالتوسي على عالم النباتات والحيوانات—ولكنه كان حاد النقد لأي محاولة من قبل الداروينيين الاجتماعيين لتجاوز هذا التحليل إلى مجالات خارج نطاقه المناسب وتطبيقه على التاريخ البشري. لكن للأسف، اعتبر بعض النقاد ملاحظاته التحذيرية في هذا الصدد انتقادات لداروين نفسه.
قادَت نظرية التطور الخاصة بداروين كلاً من ماركس وإنجلز إلى ما يُطلق عليه الآن "البنائية الحذرة" (Dunlap 1997, pp.31–32). ) بالنسبة لماركس، كان التطور البشري، أي التاريخ البشري، مختلفاً عن التطور الذي يحدث بين النباتات والحيوانات، حيث أن التطور الطبيعي للأعضاء الفيزيائية للأخيرة، أي "تاريخ التكنولوجيا الطبيعية"، وجد ما يقابله في التاريخ البشري في التطور الواعي لـ"الأعضاء الإنتاجية للإنسان في المجتمع" (التكنولوجيا)، وهو ما ساعد في تأسيس شروط الوساطة البشرية بين الطبيعة والمجتمع من خلال الإنتاج (Marx 1976, p.493). كان ماركس بالطبع مدركاً أن الكلمة اليونانية "أورغان" (organon) تعني أيضاً أداة، وأن الأعضاء كانت تُعتبر في الأصل "أدوات نمت" لدى الحيوانات—وهو نهج استعمله داروين نفسه، الذي قارن تطور الأعضاء المتخصصة بتطور الأدوات المتخصصة ( انظر Pannekoek 1912؛ داروين [1859]1968، pp.187–88).
لاحقاً أضاف إنجلز إلى هذا التحليل مقالته "دور العمل في الانتقال من القرد إلى الإنسان" (Engels 1940, pp.279–96). وفقاً لهذه النظرية (التي تم التحقق منها في القرن العشرين من خلال اكتشاف الأسترالوبيثكس )، تطورت الوضعية المنتصبة أولاً (قبل تطور الدماغ البشري)، مما حرر اليدين لاستخدام الأدوات. وبهذه الطريقة، تغيّرت علاقة الإنسان (الهومينيد) بالبيئة المحلية بشكل جذري، مما غيّر أساس الانتقاء الطبيعي. كان الهومينيد الذين نجحوا بشكل أفضل في صناعة الأدوات هم الأكثر قدرة على التكيف، مما يعني أن العملية التطورية مارست ضغوطاً انتقائية باتجاه تطوير الدماغ، مما أدى في النهاية إلى ظهور الإنسان الحديث. وفقاً لإنجلز، تطور الدماغ البشري من خلال عملية تفاعلية معقدة، يُشار إليها الآن باسم "التطور المشترك بين الجينات والثقافة". وكما أشار عالم الأحياء وعالم الحفريات ستيفن جاي غولد، فإن جميع التفسيرات العلمية لتطور الدماغ البشري حتى الآن اتخذت شكل التطور المشترك بين الجينات والثقافة، و"أفضل حالة للتطور المشترك بين الجينات والثقافة في القرن التاسع عشر قدّمها فريدريك إنجلز" (Gould 1987, pp.111–12). وبالتالي، أشارت تحليلات ماركس وإنجلز إلى التطور المشترك (Norgaard 1994)، دون تقليص المجتمع إلى الطبيعة أو الطبيعة إلى المجتمع، بل استكشاف تفاعلاتهما. في الواقع، الفكرة التي تقول إن "الطبيعة تؤثر على الإنسان، والظروف الطبيعية تحدد تطوره التاريخي حصرياً"، كما لاحظ إنجلز، هي "فكرة أحادية الجانب وتتجاهل أن الإنسان يؤثر أيضاً على الطبيعة، فيغيرها ويخلق شروط وجود جديدة لنفسه" (1940، p.172).
كان المفتاح للعلاقة الأيضية بين الإنسان والطبيعة هو التكنولوجيا، ولكن التكنولوجيا كما هي مشروطة بكل من العلاقات الاجتماعية والظروف الطبيعية. وعلى عكس أولئك الذين يجادلون بأن ماركس كان أعمي بيئيا عندما يتعلق الأمر بتصور حدود التكنولوجيا في التغلب على المشكلات البيئية، فقد جادل بوضوح في نقده للزراعة الرأسمالية بأن الرأسمالية، رغم أنها عززت "التطور التقني في الزراعة"، إلا أنها خلقت أيضاً علاقات اجتماعية كانت "غير متوافقة" مع زراعة مستدامة (1981) ص(216 وبالتالي، كانت الحلول تكمن بدرجة أقل في تطبيق تقنية معينة، وأكثر في تحويل العلاقات الاجتماعية. علاوة على ذلك، حتى لو كانت أكثر الوسائل التقنية تقدماً في أيدي المنتجين المرتبطين، فإن الطبيعة، بالنسبة لماركس، تضع حدوداً معينة. على سبيل المثال، يعتمد تكاثر "المنتجات النباتية والحيوانية" على "قوانين عضوية معينة تتضمن فترات زمنية محددة طبيعياً" 1981 ص 213).
أعاد ماركس التأكيد على تصريح الاقتصادي السياسي الإيطالي بيترو فيري بأن الإنتاج البشري ليس فعلاً خلاقاً بالمعنى الصحيح، بل هو مجرد "إعادة ترتيب المادة"، وبالتالي كان معتمداً على ما تقدمه الأرض (1976) ، .(p.132) كان التفاعل البشري مع الطبيعة دائماً يجب أن يتخذ شكل دورة أيضية كان لابد من الحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة. كانت التحسينات التقنية ضرورية ولكنها غير كافية لتحقيق "تحسين" في العلاقة البشرية مع الأرض.
بالنسبة لماركس، كان البشر يغيرون علاقتهم بالطبيعة، ولكن ليس بالطريقة التي يرغبون بها تماماً؛ بل كانوا يفعلون ذلك وفقاً للظروف الموروثة من الماضي ونتيجة لعملية معقدة من التطور التاريخي التي عكست علاقة متغيرة مع عالم طبيعي كان ديناميكياً في طبيعته. ولذلك فإن Redclift) وWoodgate ، 1994 ص53) مخطئان عندما يقولان إن ماركس كان أعمي بيئيا فيما يتعلق بالتطور المشترك بين الطبيعة والمجتمع، حيث اعتبرا العلاقة البشرية مع الطبيعة علاقة "غير متغيرة". بدأ إنجلز كتابه "ديالكتيك الطبيعة" بوصف درامي للهزيمة التاريخية لمفاهيم القرن الثامن عشر عن الطبيعة التي كان فيها العالم الطبيعي موجوداً فقط في الفضاء وليس في الزمن؛ "حيث تم إنكار كل تغيير، وكل تطور للطبيعة" (1940) ،ص 6).
مشكلة التملك
لا شك أن سمعة ماركس كمفكر بيئي تأثرت بحقيقة أنه، كما أشار ماسيمو كوايني (1982، ص. 136)، "ندد بنهب الطبيعة قبل أن يتشكل الضمير البيئي البرجوازي الحديث". ومع ذلك، كان نقد ماركس البيئي معروفًا جيدًا وكان له تأثير مباشر على الماركسية في العقود التي أعقبت وفاته مباشرة. وقد أُهمل لاحقًا، لا سيما في إطار الإيديولوجية السوفيتية، حيث أصبح توسيع الإنتاج بأي ثمن تقريبًا الهدف الرئيسي للحركة الشيوعية. يمكن رؤية تأثير نقد ماركس في هذا الصدد في كتابات بعض المفكرين الماركسيين البارزين مثل كاوتسكي ولينين وبوخارين.
تضمن العمل العظيم لكاوتسكي، "المسألة الزراعية"، الذي نُشر في عام 1899، قسمًا بعنوان "استغلال الريف من قبل المدينة"، حيث أشار إلى أن التدفق الخارجي الصافي للقيمة من الريف إلى المدينة "يتوافق مع خسارة متزايدة باستمرار للعناصر الغذائية على شكل الحبوب، واللحوم، والحليب، وما إلى ذلك، التي يضطر الفلاح لبيعها لدفع الضرائب وفوائد الديون والإيجار... ورغم أن هذا التدفق لا يشير إلى استغلال الزراعة من حيث قانون القيمة [في الاقتصاد الرأسمالي]، فإنه يؤدي مع ذلك... إلى استغلالها المادي وإفقار الأرض من عناصرها الغذائية" (كاوتسكي 1988 [1899]، ص. 214).
في الوقت الذي كان فيه تطور صناعة الأسمدة أكثر تقدمًا مما كان عليه في زمن ماركس، ناقش كاوتسكي "حلقة الأسمدة" الناتجة عن الفجوة الأيضية:
"تسمح الأسمدة التكميلية... بتجنب انخفاض خصوبة التربة، لكن الحاجة إلى استخدامها بكميات أكبر وأكبر تضيف ببساطة عبئًا إضافيًا على الزراعة، ليس عبئًا تفرضه الطبيعة بشكل حتمي، بل نتيجة مباشرة للتنظيم الاجتماعي الحالي. من خلال التغلب على التناقض بين المدينة والريف... ستتمكن المواد المأخوذة من التربة من التدفق مرة أخرى بشكل كامل. عندئذٍ، سيكون للأسمدة التكميلية، على الأكثر، دور في إثراء التربة، وليس منع إفقارها. وستعني التقدمات في الزراعة زيادة كمية العناصر الغذائية القابلة للذوبان في التربة دون الحاجة إلى إضافة أسمدة صناعية." (كاوتسكي 1988، المجلد 2، ص. 214-215).
يمكن ملاحظة بعض المخاوف ذاتها في أعمال لينين. ففي كتابه "المسألة الزراعية ونقاد ماركس"، الذي كتبه في عام 1901، أشار إلى أن "إمكانية استبدال الأسمدة الصناعية بالأسمدة الطبيعية وحقيقة أن هذا يتم بالفعل (جزئيًا) لا تنفي إطلاقًا عقلانية إهدار الأسمدة الطبيعية وبالتالي تلويث الأنهار والهواء في المناطق الصناعية الحضرية. حتى في الوقت الحالي، هناك مزارع صرف صحي بالقرب من المدن الكبيرة التي تستفيد من نفايات المدينة بفائدة كبيرة للزراعة؛ لكن هذا النظام لا يستغل سوى جزء صغير جدًا من النفايات" (1961، ص. 155-156).
كان بوخارين، مع ذلك، هو الذي طور النهج الأكثر منهجية تجاه القضايا البيئية في فصله عن "التوازن بين المجتمع والطبيعة" في كتابه المهم "المادية التاريخية" من عشرينيات القرن الماضي. وصف كوهين (1980، ص. 118) موقف بوخارين بأنه "مادية طبيعية" بسبب تركيزه على التفاعل بين المجتمع والطبيعة. وكما كتب بوخارين:
"إن هذه العملية المادية لـ الأيض بين المجتمع والطبيعة هي العلاقة الأساسية بين البيئة والنظام، بين الظروف الخارجية والمجتمع البشري. يتكون الأيض بين الإنسان والطبيعة، كما رأينا، من نقل الطاقة المادية من الطبيعة الخارجية إلى المجتمع... وبالتالي، فإن التفاعل بين المجتمع والطبيعة هو عملية إعادة إنتاج اجتماعي. في هذه العملية، يطبق المجتمع طاقته البشرية ويحصل على كمية معينة من الطاقة من الطبيعة ( مواد الطبيعة ، بحسب تعبير ماركس). التوازن بين النفقات والإيرادات هو هنا العنصر الحاسم لنمو المجتمع. إذا تجاوز ما يتم الحصول عليه الفقد الناتج عن العمل، فإن النتائج الهامة تتبع للمجتمع، والتي تختلف تبعًا لمقدار هذا الفائض" (بوخارين 1925، ص. 108-112).
بالنسبة لبوخارين، كانت التكنولوجيا هي القوة الوسيطة الرئيسية في هذه العلاقة الأيضية بين الطبيعة والمجتمع. كان الأيض البشري مع الطبيعة "توازنًا غير مستقر"، يمكن أن يكون تقدمًا أو تراجعًا من وجهة نظر المجتمع البشري. وكما كتب:
"إن إنتاجية العمل هي مقياس دقيق لـ التوازن بين المجتمع والطبيعة." وكان يُنظر إلى زيادة الإنتاجية الاجتماعية على أنها تطور تقدمي؛ وعلى العكس من ذلك، إذا انخفضت إنتاجية العمل - وهنا استشهد بوخارين بـ"استنزاف التربة" كسبب محتمل لمثل هذا الانخفاض - فإن العلاقة كانت تراجعية. ووفقًا له، يمكن أن يؤدي انخفاض الإنتاجية الاجتماعية الناتج عن علاقة أيضية سيئة التكيف بين المجتمع والطبيعة إلى "همجية" المجتمع (1925، ص. 77، 111-113).
كتب بوخارين (1925، ص. 111): "إن العملية الكاملة للإنتاج الاجتماعي هي تكيّف المجتمع البشري مع الطبيعة الخارجية." وأضاف: "لا شيء يمكن أن يكون أكثر خطأ من النظر إلى الطبيعة من وجهة نظر غائية: الإنسان، سيد الخلق، والطبيعة خُلقت لاستخدامه، وكل الأشياء مكيّفة مع احتياجات الإنسان" (1925، ص. 104). وبدلاً من ذلك، فإن البشر منخرطون في نضال دائم ونشط للتكيف. "الإنسان، ككائن حيواني، وكذلك المجتمع البشري، هما منتجان للطبيعة، وجزء من هذا الكل العظيم واللامتناهي. الإنسان لا يمكنه أبدًا الهروب من الطبيعة، وحتى عندما يسيطر على الطبيعة، فإنه ببساطة يستخدم قوانين الطبيعة لأغراضه الخاصة" (1925، ص. 104). وأصر بوخارين (1925، ص. 89) قائلاً: "لا يمكن لأي نظام، بما في ذلك المجتمع البشري، أن يوجد في فراغ؛ إنه محاط بـ بيئة تعتمد عليها جميع شروط وجوده في النهاية. إذا لم يكن المجتمع البشري متكيفًا مع بيئته، فهو ليس مقدرًا لهذا العالم."
وأضاف بوخارين: "بالنسبة للشجرة في الغابة، فإن البيئة تعني جميع الأشجار الأخرى، والجداول، والأرض، والسراخس، والعشب، والشجيرات، مع جميع خصائصها. أما بيئة الإنسان فهي المجتمع الذي يعيش فيه؛ وبيئة المجتمع البشري هي الطبيعة الخارجية" (1925، ص. 75). بالفعل، وكما شدد بوخارين في عام 1931، يجب تصور البشر على أنهم "يعيشون ويعملون في المحيط الحيوي" (1971، ص. 17).
أظهر مفكرون سوفييت آخرون مرتبطون ببوخارين قلقًا مشابهًا بشأن القضايا البيئية. فقد اقتبس كومروف (1935، ص. 230–232) بشكل مطوّل من المقطع الطويل حول وهم غزو الطبيعة في كتاب إنجلز "ديالكتيك الطبيعة"، ثم لاحظ قائلاً: "المالك الخاص أو صاحب العمل، مهما كانت ضرورة جعل تغيير العالم يتماشى مع قوانين الطبيعة، لا يمكنه القيام بذلك لأنه يسعى فقط إلى الربح. من خلال خلق أزمة بعد أزمة في الصناعة، يدمر الثروات الطبيعية في الزراعة، ويترك وراءه تربة قاحلة، وفي المناطق الجبلية صخورًا عارية ومنحدرات حجرية." وبالمثل، وضع أورانوفسكي (1935، ص. 147) تركيزًا كبيرًا، في مناقشة الماركسية والعلم، عن أبحاث ماركس في نظرية ليبيغ "استنزاف التربة. "
كان العمل البيئي لبوخارين ولأولئك المرتبطين به نتاج الحقبة السوفييتية المبكرة. وقد ساهمت مأساة العلاقة السوفييتية مع البيئة، التي اتخذت في نهاية المطاف شكلاً يمكن وصفه بـ"الإبادة البيئية" (فيشباغ وفرايندلي 1992؛ بيترسون 1993)، في إخفاء الديناميكية الهائلة التي اتسمت بها البيئة السوفييتية المبكرة في عشرينيات القرن الماضي، والدور الذي لعبه لينين شخصيًا في تعزيز الحفاظ على البيئة.
في كتاباته وتصريحاته، أكد لينين أن العمل البشري لا يمكنه أبدًا أن يحل محل قوى الطبيعة، وأن "الاستغلال العقلاني" للبيئة أو الإدارة العلمية للموارد الطبيعية أمر ضروري. وكقائد رئيسي للدولة السوفييتية الناشئة، جادل بضرورة "الحفاظ على معالم الطبيعة"، وعين الناشط البيئي المكرس أناتولي فاسيليفيتش لوناشارسكي رئيسًا لمفوضية الشعب للتعليم (التنوير)، التي كلفت بمسائل الحفاظ على البيئة في جميع أنحاء روسيا السوفييتية (وينر 1988أ، ص. 4، 22–28، 259؛ وينر 1988ب، ص. 254–255؛ بايلز 1990، ص. 151–158).
كان لينين يحترم بشكل كبير في.إي. فيرنادسكي، مؤسس علم الجيوكيمياء (أو الجيوكيمياء البيولوجية) ومؤلف كتاب "المحيط الحيوي". واستجابة لإلحاح فيرنادسكي وعالم المعادن إي.أيه. فيرسمن، أنشأ لينين في عام 1919 في جبال الأورال الجنوبية أول محمية طبيعية في الاتحاد السوفييتي، وفي الواقع أول محمية تهدف حصريًا إلى الدراسة العلمية للطبيعة بواسطة حكومة (وينر 1988أ، ص. 29؛ بايلز 1990، ص. 127).
في ظل حماية لينين، ازدهرت حركة الحفاظ على البيئة السوفييتية، لا سيما خلال فترة السياسة الاقتصادية الجديدة (1921–1928). ولكن مع وفاة لينين المبكرة وانتصار الستالينية في أواخر عشرينيات القرن الماضي، تعرض دعاة الحفاظ على البيئة للهجوم باعتبارهم "برجوازيين." والأسوأ من ذلك، مع صعود تروفيم دينيسوفيتش ليسينكو كحَكَم للعلم البيولوجي، تم شن هجمات "علمية" أولاً على علم البيئة ثم على علم الوراثة. وبحلول أواخر الثلاثينيات، تم القضاء تمامًا على حركة الحفاظ على البيئة في الاتحاد السوفييتي (وينر 1988ب، ص. 255–256).
انفصال الفكر السوفيتي عن القضايا البيئية منذ ثلاثينيات القرن العشرين كان شديدًا، وأثر أيضًا على الماركسية في الغرب، التي بين ثلاثينيات القرن العشرين وسبعينياته، تجاهلت إلى حد كبير القضايا البيئية. ومع ذلك، كان هناك إحياء للاهتمام بهذا المجال في الماركسية مع تجدد الحركة البيئية عقب نشر كتاب " الربيع الصامت" لراشيل كارسون في عام 1962. من المؤكد أنه عندما ظهرت الماركسية الغربية كتقليد مستقل في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، كان أحد التأثيرات الرئيسية هو مدرسة فرانكفورت التي طورت نقدًا بيئيًا (هوركهايمر وأدورنو 1972). لكن هذا النقد كان فلسفيًا إلى حد كبير، وبينما اعترف برؤى ماركس البيئية في المخطوطات الاقتصادية والفلسفية، فقد أغفل الحجة البيئية المدمجة في رأس المال. وبالتالي، خلص عمومًا إلى أن الماركسية الكلاسيكية (بدءًا من ماركس المتأخر) تدعم فلسفة "بروميثية " للسيطرة المباشرة على الطبيعة.
لم يظهر تفسير أكثر تعقيدًا حتى الستينيات والسبعينيات في كتابات المفكرين المتأثرين بتقليد فرانكفورت (شميت 1971؛ لايس 1974). ولم يبدأ العلماء في إحياء حجج ماركس بشأن خصوبة التربة وإعادة التدوير العضوي حتى أواخر الثمانينيات والتسعينيات (بيرلمان 1988؛ هايوارد 1994؛ فوستر 1997؛ فيشر-كوفالسكي 1997). جاء الكثير من التركيز المتجدد على معالجة ماركس (وليبينغ) لخصوبة التربة وآثارها البيئية من علماء الزراعة والبيئة الذين كانوا معنيين مباشرة بالنقاشات حول تطور علوم التربة والصراعات بين الزراعة التجارية والزراعة العضوية (مايومي 1991؛ ماغدوف ولانيون وليبهايردت 1997؛ غاردنر 1997).
لذلك، ليس من المستغرب أن تتأثر تفسيرات ماركس في علم الاجتماع، وخصوصًا علم الاجتماع البيئي، بمشكلة "الاستيلاء". يميل علماء الاجتماع عمومًا إلى معرفة قليلة بالمجلد الثالث من رأس المال لماركس، حيث تتطور بشكل كامل نقده للزراعة الرأسمالية (وتآكل خصوبة التربة). وبينما كانت هذه القضايا معروفة جيدًا للأجيال من المفكرين الماركسيين الذين تبعوا ماركس مباشرة، فإنها اختفت إلى حد كبير من الفكر الماركسي في ثلاثينيات القرن العشرين. وحتى اليوم، فإن المعالجات التي تزعم أنها شاملة لعلاقة ماركس بالبيئة تركز على كتاباته المبكرة، متجاهلة إلى حد كبير رأس المال (ديكنز، 1992).
كانت لهذه المشكلة آثار هامة، حيث تركت انطباعًا بأنه لا توجد روابط صريحة بين المجتمع البشري والعالم الطبيعي في الماركسية الكلاسيكية، مما سهل فكرة وجود فجوة لا يمكن تجاوزها بين علم الاجتماع الكلاسيكي وعلم الاجتماع البيئي.
مشاكل استيلاء مشابهة قد تثار فيما يتعلق بالمفكرين الكلاسيكيين الآخرين. يجادل مارتينيز-أليير (1987، الصفحات 183–192) بأن المقالة الهامة لماكس فيبر حول الديناميات الاجتماعية للطاقة لأوستوالد قد تم تجاهلها أيضًا، ولم تُترجم بعد إلى الإنجليزية. وقد ترك هذا انطباعًا خاطئًا بأن فيبر لم يكن لديه ما يقوله في هذا المجال. ناقش دوركهايم الأصول السوسيولوجية لتصنيف الطبيعة فيما أطلق عليه "الفلسفة الأولى للطبيعة"، وربط ذلك بالتطور العلمي الحديث. كما قدم تعليقات عميقة حول نظرية التطور الداروينية، وعدم قابلية المادة للتدمير، وحفظ الطاقة، وما إلى ذلك (دوركهايم وماوس 1963، الصفحات 81–88؛ دوركهايم [1893] 1984، الصفحات 208–209؛ دوركهايم [1911–1912] 1983، الصفحات 21–27، 69–70).
لم يتم تناول الطابع المنهجي لفكره الطبيعي بشكل صحيح أبدًا، وقد تم تجاهل أعمال مثل البراغماتية وعلم الاجتماع التي يقدم فيها بعض آرائه الأكثر تعقيدًا في هذا الصدد. ومع ذلك، فمن الواضح أن تحليله أشار إلى منظور معقد للتطور المشترك. وكتب: "علم الاجتماع يُدخل نسبية تقوم على العلاقة بين البيئة الفيزيائية من جهة والإنسان من جهة أخرى. البيئة الفيزيائية تقدم ثباتًا نسبيًا. بالطبع تمر بتطور، ولكن الواقع لا يتوقف عن أن يكون كما كان ليعطي مكانًا لواقع من نوع جديد أو لواقع يشكل عناصر جديدة... العالم العضوي لا يلغي العالم الفيزيائي، والعالم الاجتماعي لم يتشكل في تناقض مع العالم العضوي، بل معه" (دوركهايم 1983، الصفحات 69–70).
مشكلة التعريف
إلى جانب مشكلة الاستيلاء، التي تتعلق بكيفية تأثر علم الاجتماع المعاصر بالاستيلاء الانتقائي على التراث الكلاسيكي، هناك أيضًا مشكلة التعريف، التي تشير إلى حقيقة أن فشل علم الاجتماع (وخاصة علم الاجتماع البيئي) في معالجة الإرث الكلاسيكي في هذا السياق يرجع جزئيًا إلى التعريفات المسبقة والضيقة جدًا لما يشكل فكرًا بيئيًا حقيقيًا.
في هذا السياق، لعب دورًا رئيسيًا التناقض الذي أشار إليه كاتون ودنلاب (1978) بين "النموذج الإنساني الاستثنائي" و"النموذج البيئي الجديد". حيث تم النظر إلى جميع وجهات النظر المتنافسة في علم الاجتماع، مثل "الوظيفية، والتفاعل الرمزي، والإثنوميثودولوجيا، ونظرية الصراع، والماركسية، وما إلى ذلك"، على أنها تشترك في خاصية مشتركة تتمثل في انتمائها إلى "النموذج الإنساني الاستثنائي" (الذي تمت إعادة تسميته لاحقًا إلى "النموذج الاعفائي الإنساني "). وهكذا، فإن "التنوع الظاهري" لهذه النظريات كان "ليس مهمًا بقدر أهمية الأنثروبوسنتريك الأساسي الذي يميزها جميعًا" (كاتون ودنلاب 1978، ص. 42).
تم تصوير النموذج الإنساني الاستثنائي على أنه يتبنى الافتراضات التالية: (1) وجود الثقافة يجعل البشر فريدين بين مخلوقات الأرض، (2) تتطور الثقافة بسرعة أكبر بكثير من البيولوجيا، (3) معظم خصائص الإنسان تعتمد على الثقافة وبالتالي يمكن تعديلها اجتماعيًا، و(4) عملية تراكم الثقافة تعني أن التقدم البشري يمكن أن يكون تراكميًا وبدون حدود.
الأنماط الفكرية الناتجة عن هذا النموذج الإنساني الاستثنائي، حسب كاتون ودنلاب (1978، ص. 42-43)، أدت إلى إيمان مفرط بالتقدم البشري، وفشل في الاعتراف بالندرة البيئية، وميل إلى إهمال القوانين الفيزيائية الأساسية مثل قانون الإنتروبيا.
بالنسبة لكاتون ودنلاب، كان يمكن مقارنة هذا "النموذج الإنساني الاستثنائي"، الذي يشمل تقريبًا كل علم الاجتماع القائم، بما أسموه "النموذج البيئي الجديد" الناشئ من علم الاجتماع البيئي، والذي كان يقوم على الافتراضات التالية: (1) البشر هم أحد العديد من الأنواع المرتبطة بشكل متداخل داخل المجتمع الحيوي، (2) يتألف المجتمع الحيوي من شبكة معقدة من الطبيعة، مع روابط معقدة من الأسباب والنتائج، و(3) العالم نفسه محدود، وهناك حدود طبيعية (فيزيائية وبيولوجية) للتقدم الاجتماعي والاقتصادي (1978، ص. 45).
على النقيض من "الأنثروبوسنتريك" الذي ميز النموذج الإنساني الاستثنائي، مثل النموذج البيئي الجديد تحولًا نحو ما يُطلق عليه الآن "وجهة النظر الإيكوسنتريك"، حيث يُنظر إلى البشر كجزء من الطبيعة، مترابطين مع الأنواع الأخرى وخاضعين للحدود الطبيعية للغلاف الحيوي.
الخاتمة: عناصر السوسيولوجيا البيئية
كان عبء الحجة في هذه المقالة هو إثبات، باستخدام حالة ماركس، أنه من الخطأ القول بأن السوسيولوجيا الكلاسيكية "تم بناؤها كما لو أن الطبيعة لا تهم" (مورفي، 1996، ص 10). إحدى الادعاءات المركزية في هذه المقالة، المدعومة بالمنطق والأدلة، كانت أن كلًا من الستة العوائق البيئية التي تُنسب عادةً إلى ماركس - وهي (1) عدم قدرته المزعومة على إدراك استغلال الطبيعة، (2) دور الطبيعة في خلق الثروة، (3) وجود الحدود الطبيعية، (4) تغير الطبيعة، (5) دور التكنولوجيا في التدهور البيئي، و(6) عدم قدرة الوفرة الاقتصادية البحتة على حل المشاكل البيئية - هي في الواقع منسوبة إليه بشكل خاطئ (أو مضلل). النقطة المحورية بالطبع ليست أن ماركس قدم معالجات نهائية لكل هذه المشاكل، بل أنه كان مدركًا بهذه القضايا بشكل كافٍ لتجاوز هذه الفخاخ، وليعمل بمفهوم "التبادل الايضي بين الإنسان والطبيعة" في إطار عمله النظري العام. ومن ثم، يعتبر عمله نقطة انطلاق ممكنة من أجل سوسيولوجيا بيئية شاملة.
لا شك أن البعض سيظل يصر، رغم الحجة المقدمة أعلاه، على أن ماركس لم يضع ما يكفي من التركيز على الظروف الطبيعية، أو أن نهجه كان متمركزًا حول الإنسان أكثر من كونه راديكاليًا بيئيًا حقيقيًا. سيظل البعض يقول إنه لم يتنازل تمامًا عن فكرة التنمية الاقتصادية رغم إصراره على علاقة مستدامة مع الأرض. لكن الأدلة المتعلقة باهتمامه بالقضايا البيئية - وخاصة أزمة التربة كما تم تصورها في منتصف القرن التاسع عشر - واسعة جدًا، وجزء كبير منها جزء من نقده العام للرأسمالية، بحيث لا يمكن ببساطة تجاهلها. من المؤكد أن ماركس جادل كما لو أن الطبيعة كانت مهمة، وبالتالي يأخذ علم الاجتماع الخاص به بُعدًا جديدًا عندما يُنظر إليه من هذا المنظور.
تمامًا كما قام ماركس بترجمة نظريته المبكرة حول اغتراب العمل إلى مصطلحات أكثر مادية من خلال تحليله المتأخر للاستغلال وتدهور العمل، فقد ترجم مفهومه المبكر عن اغتراب الطبيعة (جزء من الطبيعية الفويرباخية التي كانت تسود مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية) إلى مصطلحات أكثر مادية من خلال مفهومه المتأخر للصدع الأيضي. بدون هذا المفهوم الأخير، من المستحيل فهم تحليل ماركس المتطور للصراع بين المدينة والريف، ونقده للزراعة الرأسمالية، أو دعوته إلى "استعادة" العلاقة الأيضية الضرورية بين البشرية والأرض، أي مفهومه الأساسي للاستدامة. استجابة ماركس لانتقاد ليبيغ للزراعة الرأسمالية كانت، علاوة على ذلك، مصحوبة باستجابة متطورة لنظرية داروين التطورية. ما يظهر من ذلك هو المادية التاريخية التي ترتبط في النهاية بتاريخ الطبيعة؛ واحدة ترفض التقاليد الخشنة والجانب الواحد للمادية الميكانيكية، والحيوية، والداروينية الاجتماعية التي كانت موجودة في أيام ماركس. ومع ذلك، في نفس الوقت، تجنب ماركس الوقوع في فخ "المادية الديالكتيكية" التي طورها إنجلز لاحقًا، والتي، بشكل ساخر، اعتمدت بشكل مفرط على كل من "منطق" هيغل و"فلسفة الطبيعة" الخاصة به، مفروضة بشكل مجرد على وجهة نظر ميكانيكية للكون. بدلاً من ذلك، قدم ماركس، كما رأينا، بناءً حذرًا، متماشيًا تمامًا مع مادّيّته العملية الخاصة به، التي أكدت دائمًا على دور الممارسة الإنسانية، مع الحفاظ على حساسية تجاه الظروف الطبيعية، والتغيير التطوري، والتفاعل الأيضي بين الإنسانية والأرض.
كانت المساهمة الرئيسية لماركس في هذا المجال منهجية. لقد رأى "التشكيل الاقتصادي للمجتمع" كجزء من صيرورة "تاريخ الطبيعة" وكافح في نقده للاقتصاد السياسي ليأخذ في الاعتبار كل من الظروف الطبيعية والتحول البشري للطبيعة (1976، ص 92). في تحليل صيرورة تاريخ الطبيعة، طبق طريقة تحليل ديالكتيكية ليست على الطبيعة الخارجية نفسها (مع الإقرار بأن الجدل لا معنى له إلا من خلال الدور الذاتي للإنسان كعامل في صنع التاريخ) ولكن بدلاً من ذلك على التفاعل بين الطبيعة والإنسانية، مع التركيز على اغتراب الطبيعة في الأشكال الحالية لإنتاج، والصراع المتناقض وغير المستدام في الصدع الأيضي بين الطبيعة والمجتمع الذي ولدته الرأسمالية بشكل خاص. علاوة على ذلك، تصور ماركس لهذا الصدع الأيضي ليس ببساطة من حيث المفاهيم المجردة ولكن من حيث الأزمة الملموسة التي تمثلها تدهور التربة ومشكلة "النفايات" البشرية والحيوانية التي غمرت المدن. كان كلاهما بمثابة مؤشرات متساوية، في تحليله، للصدع الأيضي بين الإنسانية والتربة، الذي ينعكس في الصراع بين المدينة والريف.
الطريقة التي سبق بها تحليل ماركس بعضًا من أكثر التحليلات البيئية المتقدمة في أواخر القرن العشرين - وخاصة فيما يتعلق بقضايا التربة وبيئة المدن - لا يمكن أن تكون أقل من مفاجئة. الكثير من الأعمال الحديثة حول بيئة التربة (ماغدوف وآخرون، 1997؛ مايوومي، 1991؛ غاردنر، 1997) ركزت على الانقطاعات التاريخية المتتالية في دورة المغذيات. يرتبط أول انقطاع من هذا النوع بالثورة الزراعية الثانية، غالبًا ما تم مناقشته أساسًا بنفس المصطلحات التي ناقشها ليبيغ وماركس، ويرى أنه مرتبط بإزالة البشر الجسدية من الأرض. وهذا أدى إلى الفشل في إعادة تدوير النفايات العضوية البشرية إلى الأرض، وكذلك الانقطاع المرتبط في الدورة الأيضية والخسارة الصافية للتربة الناتجة عن نقل المنتجات العضوية (الطعام والألياف) عبر مئات وآلاف الأميال.
كانت هذه التطورات هي التي جعلت إنشاء صناعة الأسمدة أمرًا ضروريًا. وحدث انقطاع لاحق مع الثورة الزراعية الثالثة (ظهور الشركات الزراعية العابرة للقارات)، والتي ارتبطت في مراحلها الأولى بإزالة الحيوانات الكبيرة من المزارع، وإنشاء مزارع تغذية مركزية، واستبدال الجر بالحيوانات بالآلات الزراعية. لم يعد من الضروري زراعة البقوليات، التي كانت لها فائدة تثبيت النيتروجين بشكل طبيعي في التربة، لإطعام الحيوانات المجترة. ومن ثم، زاد الاعتماد على أسمدة النيتروجين، مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب بيئية سلبية، بما في ذلك تلوث المياه الجوفية، و"موت" البحيرات ، وهكذا. تُعتبر هذه التطورات، والعمليات الأخرى ذات الصلة، الآن مرتبطة بالنمط المشوه للتنمية الذي ميز الرأسمالية (والأنظمة الاجتماعية الأخرى مثل الاتحاد السوفيتي الذي قلد هذا النمط من التنمية، وأحيانًا بطريقة أكثر تشويهًا)، مما أدى إلى صدع متزايد في العلاقة الأيضية بين المدينة والريف – بين ما أصبح الآن إنسانًا ميكانيكيًا وطبيعة ميكانيكية. وبالمثل، فإن المشكلة البيئية للمدينة تُرى بشكل متزايد من حيث علاقتها الأيضية مع بيئتها الخارجية (مع التركيز على تدفقات العناصر الغذائية العضوية، والطاقة، وما إلى ذلك) والتشوهات البيئية التي تترتب على ذلك (وولمان 1965؛ جيرادت 1997؛ فيشر-كوالسكي 1997؛ أوبسخور 1997).
إن حقيقة أن ماركس كان قادرًا على تصوّر نهج اجتماعي أشار إلى هذه التطورات عندما كانت لا تزال في مراحلها المبكرة جدًا يمثل واحدًا من أعظم إنجازات التحليل الاجتماعي الكلاسيكي. إنه يقف كإشارة إلى كيفية إمكانية توسيع علم الاجتماع ليشمل المجال البيئي. كما يعزز وجهة النظر القائلة بأن التحليل البيئي، عندما يكون خاليًا من البصيرة الاجتماعية، غير قادر على التعامل مع أزمة الأرض المعاصرة – وهي أزمة لها مصدرها ومعناها النهائي في المجتمع نفسه.
ليس علم الاجتماع الماركسي فقط في وضع يمكنه من الاستفادة من رؤى ماركس في هذا الصدد، والتي هي اجتماعية بقدر ما هي ماركسية. علاوة على ذلك، لدى النماذج الأخرى داخل علم الاجتماع الكلاسيكي الكثير لتساهم به في تحليل السياق البيئي الطبيعي للتطور الاجتماعي البشري أكثر مما يُفترض عمومًا. لا شك أن كلًا من فيبر ودوركايم كانا مهتمين بطريقتهما الخاصة بالتفاعل الأيضي بين الطبيعة والمجتمع. على الرغم من أنه لا تزال هناك حاجة إلى تحقيقات منهجية في أعمال فيبر ودوركايم في هذا الصدد، فإنه لا يمكن الشك بأن علم الاجتماع الخاص بهما تضمن رؤى مهمة حول المشكلات البيئية. عندما كتب فيبر في نهاية كتاب "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" عن حضارة تتسم بـ"التحجر الميكانيكي" التي قد تستمر في نفس المسار – وهو مسار العقلانية الشكلية أو الأداتية – "حتى آخر طن من الفحم المتحجر" يتم حرقه، فإنه كان يشير إلى إمكانية نقد اجتماعي وبيئي واسع لهذه الحضارة (فيبر [1904–5] 1930، الصفحات 181–182). وبالمثل، أشارت مناقشات دوركايم للنظرية الداروينية وآثارها على التحليل الاجتماعي إلى فهم اجتماعي للتطور المشترك بين الطبيعة والمجتمع.
في حالات فيبر ودوركايم – كما هو الحال مع ماركس – يمكننا أن نفترض أن مشكلة التملك (الاستحواذ)، إلى جانب مشكلة التعريف، أعاقت تقدير الطريقة التي أخذت بها علم الاجتماع الخاص بهم الظروف الطبيعية في الاعتبار.
اليوم، حتى بين علماء الاجتماع البيئيين البارزين الذين انتقدوا التقاليد الكلاسيكية لعلم الاجتماع لفشلها في أخذ البيئة الفيزيائية في الاعتبار، هناك اعتراف متزايد بأن هذه التقاليد الكلاسيكية أثبتت مرونتها في مواجهة تحديات علماء الاجتماع البيئيين وأنها مفتوحة لإعادة التفسير وإعادة الصياغة على خطوط تعطي وزنًا أكبر للعوامل البيئية. يشير دنلاب ، في السنوات الأخيرة، إلى ظهور "إصدارات أكثر خضرة" من نظريات ماركسية وفيبرية وتفاعلية رمزية (1997، الصفحة 34).
من المفارقات أن المشكلة المتعلقة بـ"الإعفاء الانساني"، أي إهمال البيئة الفيزيائية، قد اتضح أنها كانت أقل تميزًا بعلم الاجتماع الكلاسيكي مما كانت عليه في علم الاجتماع الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية – خلال فترة بلغ فيها الإيمان بالتكنولوجيا و"غزو" الإنسان للطبيعة ذروته التي لم يسبق لها مثيل، مما أدى فقط إلى خيبة الأمل والأزمة التي بدأت في الستينيات. إن تطوير علم الاجتماع البيئي كجزء لا يتجزأ من علم الاجتماع ككل يتطلب منا أن نعود إلى النظريات الماضية لتطوير الوسائل الفكرية لتحليل شامل للحاضر.
بالنسبة لعلم الاجتماع البيئي، القضية الحاسمة اليوم هي التخلي عن "البنائية القوية" للنظرية الاجتماعية المعاصرة، التي تميل إلى رؤية البيئة على أنها مجرد نتاج للبشر، والانتقال نحو "بنائية حذرة" تعترف بوجود علاقة أيضية معقدة بين البشر والمجتمع (دنلاب 1997، الصفحات 31–32، 35؛ ديكنز 1996، الصفحة 71). من المدهش أن هذا المجال أصبح واحدًا من المجالات التي لا يزال لدى علم الاجتماع الكلاسيكي في منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الكثير ليعلمنا إياه فيه ونحن ندخل القرن الحادي والعشرين – القرن الذي سيشكل بلا شك نقطة تحول، للأفضل أو الأسوأ، في العلاقة البشرية مع البيئة.
المراجع
Altvater, Elmar. 1993. The Future of the Market. London: Verso.
Bacon, Francis. (1620) 1994. Novum Organum. Chicago: Open Court.
Bailes, Kendall. 1990. Science and Russian Culture in an Age of Revolutions.
Bloomington: Indiana University Press.
Beck, Ulrich. 1995. Ecological Enlightenment. Atlantic Highlands, N.J.: Humanities
Press.
Benton, Ted. 1989. “Marxism and Natural-limit-s.” New Left Review 178:51–86.
———. 1994. “Biology and Social Theory in the Environmental Debate.” Pp. 28–50
in Social Theory and the Global Environment, edited by Michael Redclift and Ted
Benton. New York: Routledge.
Benton, Ted, and Michael Redclift. 1994. “Introduction.” Pp. 1–27 in Social Theory
and the Global Environment, edited by Michael Redclift and Ted Benton. New
York: Routledge.
Bing, Franklin C. 1971. “The History of the Word ‘Metabolism.’ ” Journal of the
History of Medicine and Allied Sciences 26 (2): 158–80.
Brock, William H. 1997. Justus von Liebig. Cambridge: Cambridge University Press.
Bukharin, Nikolai. 1925. Historical Materialism: A System of Sociology. New York:
International.
———. 1971. “Theory and Practice from the Standpoint of Dialectical Materialism.”
Pp. 11–33 in Science at the Crossroads. London: Frank Cass.
Burch, William. 1971. Daydreams and Nightmares. New York: Harper & Row.
Burkett, Paul. 1997. “Nature in Marx Reconsidered.” Organization and Environment
10 (2): 164–83.
Buttel, Frederick. 1986. “Sociology and the Environment.” International Social Sci-
ence Journal 109:337–56.
———. 1987. “New -dir-ections in Environmental Sociology.” Annual Review of Soci-
ology 13:465–88.
———. 1996. “Environmental and Resource Sociology.” Rural Sociology 61 (1): 56–
76.
Caneva, Kenneth. 1993. Robert Mayer and the Conservation of Energy. Princeton,
N.J.: Princeton University Press.
Carey, Henry. 1858. Letters to the President on the Foreign and Domestic Policy of
the -union-. Philadelphia: M. Polock.
———. (1858–59) 1867. Principles of Social Science, vol. 2. Philadelphia: J. B. Lippin-
cott.
———. (1847) 1967a. The Past, the Present and the Future. New York: Augustus M.
Kelley.
———. (1853) 1967b. The Slave Trade Domestic and Foreign. New York: Augustus
M. Kelley.
Catton, William. 1982. Overshoot. Urbana: University of Illinois Press.
Catton, William, and Riley Dunlap. 1978. “Environmental Sociology: A New Para-
digm.” American Sociologist 13:41–49.
Churchill, Ward. 1996. From a Native Son. Boston: South End.
Clark, John. 1989. “Marx’s Inorganic Body.” Environmental Ethics 11:243–58.
Cohen, Stephen. 1980. Bukharin and the Bolshevik Revolution. Oxford: Oxford Uni-
versity Press.
Darwin, Charles. (1859) 1968. The Origin of Species. Middlesex: Penguin.
Dele´age, Jean-Paul. 1994. “Eco-Marxist Critique of Political Economy.” Pp. 37–52 in
Is Capitalism Sustainable? edited by Martin O’Connor. New York: Guilford.
Dickens, Peter. 1992. Society and Nature. Philadelphia: Temple University.
———. 1996. Reconstructing Nature. New York: Routledge.
———. 1997. “Beyond Sociology.” Pp. 179–92 in International Handbook of Environ- mental Sociology, edited by Michael Redclift and Graham Woodgate. Northamp-
ton, Mass.: Edward Elgar.
Dryzek, John. 1997. The Politics of the Earth. Oxford: Oxford University Press.
Dunlap, Riley. 1997. “The Evolution of Environmental Sociology.” Pp. 21–39 in Inter-
national Handbook of Environmental Sociology, edited by Michael Redclift and
Graham Woodgate. Northampton, Mass.: Edward Elgar.
Dunlap, Riley, and William Catton. 1979. “Environmental Sociology.” Pp. 57–85 in
Progress in Resource Management and Environmental Planning, vol. 1. Edited by
Timothy O’Riordan and Ralph D’Arge. New York: John Wiley & Sons.
———. 1994. “Struggling with Human Exceptionalism.” American Sociologist 25 (1):
5–30.
Dunlap, Riley, and Kenneth Martin. 1983. “Bringing Environment into the Study of
Agriculture.” Rural Sociology 48 (2): 201–18.
Durkheim, E´ mile. (1911–12) 1983. Pragmatism and Sociology. Cambridge: Cam-
bridge University Press.
———. (1893) 1984. The Division of Labor in Society. New York: Free Press.
Durkheim, E´ mile, and Marcel Mauss. 1963. Primitive Classification. Chicago: Uni-
versity of Chicago Press.
Eckersley, Robyn. 1992. Environmentalism and Political Theory. New York: State
University of New York Press.
Engels, Friedrich. (1874–80) 1940. The Dialectics of Nature. New York: International.
———. 1964. “Outlines of a Critique of Political Economy.” Pp. 197–226 The Eco-
nomic and Philosophic Manu-script-s of 1844, edited by -dir-k J. Struik. New York:
International.
———. (1872) 1975. The Housing Question. Moscow: Progress.
Ernle, Lord. (1912) 1961. English Farming Past and Present. Chicago: Quadrangle.
Ferkiss, Victor. 1993. Nature, Technology and Society. New York: New York Univer-
sity Press.
Feshbach, Murray, and Arthur Friendly, Jr. 1992. Ecocide in the U.S.S.R. New York:
Basic.
Fischer-Kowalski, Marina. 1997. “Society’s Metabolism.” Pp. 119–37 in International
Handbook of Environmental Sociology, edited by Michael Redclift and Graham
Woodgate. Northampton, Mass.: Edward Elgar.
Foster, John Bellamy. 1997. “The Crisis of the Earth.” Organization and Environment
10 (3): 278–95.
Gardner, Gary. 1997. Recycling Organic Wastes. Washington, D.C.: Worldwatch.
Geertz, Clifford. 1963. Agricultural Involution. Berkeley: University of California
Press.
Georgescu-Roegen, Nicholas. 1971. The Entropy Law in the Economic Process. Cam-
bridge, Mass.: Harvard University Press.
Giddens, Anthony. 1981. A Contemporary Critique of Historical Materialism. Berke-
ley and Los Angeles: University of California Press.
Giradet, Herbert. 1997. “Sustainable Cities.” Architectural Design 67:9–13.
Goldblatt, David. 1996. Social Theory and the Environment. Boulder, Colo.: West-
view.
Golley, Frank. 1993. A History of the Ecosystem Concept in Ecology. New Haven,
Conn.: Yale University Press.
Gould, Stephen Jay. 1987. An Urchin in the Storm. New York: W. W. Norton.
Grundmann, Reiner. 1991. Marxism and Ecology. Oxford: Oxford University Press.
Harvey, David. 1996. Justice, Nature and the Geography of Difference. New York:
Blackwell.
Hayward, Tim. 1994. Ecological Thought. Cambridge, Mass.: Polity.
Hillel, Daniel. 1991. Out of the Earth. Berkeley and Los Angeles: University of California.
Horkheimer, Max, and Theodor Adorno. 1972. The Dialectic of Enlightenment. New
York: Continuum.
Jacobs, Michael. 1994. “The-limit-s to Neoclassicism.” Pp. 67–91 in Social Theory
and the Environment, edited by Michael Redclift and Ted Benton. New York:
Routledge.
Ja¨ rvikoski, Timo. 1996. “The Relation of Nature and Society in Marx and Durkheim.”
Acta Sociologica 39 (1): 73–86.
Johnston, James. 1851. Notes on North America. London: William Blackwood & Sons.
Kautsky, Karl. (1899) 1988. The Agrarian Question, 2 vols. Winchester, Mass.: Zwan.
Komarov, V. L. 1935. “Marx and Engels on Biology.” Pp. 190–234 in Marxism and
Modern Thought. New York: Harcourt, Brace.
Lebowitz, Michael. 1992. Beyond Capital. London: Macmillan.
Leiss, William. 1974. The Domination of Nature. Boston: Beacon.
Lenin, V. I. 1961. Collected Works, vol. 5. Edited by Victor Jerome. Moscow: Progress.
Liebig, Justus von. 1859. Letters on Modern Agriculture. London: Walton & Maberly.
———. 1863. The Natural Laws of Husbandry. New York: D. Appleton.
———. 1865. Letters on the Subject of the Utilization of the Metropolitan Sewage.
London: W. H. Collingridge.
———. (1842) 1964. Animal Chemistry´-or-Organic Chemistry in its Application to
Physiology and Pathology. New York: Johnson Re-print-.
Magdoff, Fred, Less Lanyon, and Bill Liebhardt. 1997. “Nutrient Cycling, Transfor-
mations and Flows.“ Advances in Agronomy 60:1–73.
Malthus, Thomas. 1970. Pamphlets. New York: Augustus M. Kelley.
Margulis, Lynn, et. al. 1998. Foreword to The Biosphere, by V. I. Vernadsky. New
York: Copernicus.
Marshall, Alfred. 1920. Principles of Economics. London: Macmillan.
Martinez-Alier, Juan. 1987. Ecological Economics. Oxford: Basil Blackwell.
Marx, Karl. (1847) 1963. The Poverty of Philosophy. New York: International.
———. (1875) 1971a. Critique of the Gotha Programme. Moscow: Progress.
———. (1861–63) 1971b. Theories of Surplus Value, pt. 3. Moscow: Progress.
———. (1857–58) 1973. Grundrisse. New York: Vintage.
———. 1974. Early Writings. New York: Vintage.
———. 1975. Texts on Method. Oxford: Basil Blackwell.
———. (1867) 1976. Capital, vol. 1. New York: Vintage.
———. (1865–70) 1978. Capital, vol. 2. New York: Vintage.
———. (1863–65) 1981. Capital, vol. 3. New York: Vintage.
Marx, Karl, and Friedrich Engels. (1848) 1967. The Communist Manifesto. New York:
Monthly Review.
———. 1975a. Collected Works. New York: International.
———. 1975b. Selected Correspondence, edited by S. W. Ryazanskaya. Moscow:
Progress.
Mayumi, Kozo. 1991. “Temporary Emancipation from the Land.” Ecological Econom-
ics 4 (1): 35–56.
McConnell, Campbell. 1987. Economics. New York: McGraw Hill.
McLaughlin, Andrew. 1990. “Ecology, Capitalism, and Socialism.” Socialism and De-
mocracy 10:69–102.
———. 1993. Regarding Nature. Albany: State University of New York Press.
Medvedev, Roy. (1971) 1989. Let History Judge. New York: Columbia University
Press.
Milton, Kay. 1996. Environmentalism and Cultural Theory. New York: Routledge.
Murphy, Raymond. 1994. Rationality and Nature. Boulder, Colo.: Westview.
———. 1996. Sociology and Nature. Boulder, Colo.: Westview.
Norgaard, Richard. 1994. Development Betrayed. New York: Routledge.
Nove, Alec. 1987. “Socialism.” Pp. 398–407 in The New Palgrave Dictionary of Eco- nomics, vol. 4. Edited by John Eatwell, Murray Milgate, and Peter Newman. New York: Stockton.
O’Connor, James. 1998. Natural Causes. New York: Guilford.
Odum, Eugene. 1969. “The Strategy of Ecosystem Development.” Science 164:262–
70.
Opschoor, J. B. 1997. “Industrial Metabolism, Economic Growth and Institutional
Change.” Pp. 274–86 in International Handbook of Environmental Sociology, ed-
ited by Michael Redclift and Graham Woodgate. Northampton, Mass.: Edward
Elgar.
Pannekoek, Anton. 1912. Marxism and Darwinism. Chicago: Charles H. Kerr.
Parsons, Howard, ed. 1977. Marx and Engels on Ecology. Westport, Conn.: Green-
wood.
Perelman, Michael. 1988. “Marx and Resources.” Environment, Technology and Soci-
ety 51:15–19.
———. 1993. “Marx and Resource Scarcity.” Capitalism, Nature, Socialism 4 (2): 65–
84.
Peterson, D. J. 1993. Troubled Lands. Boulder, Colo.: Westview.
Pigou, A. C. 1920. The Economics of Welfare. London: Macmillan.
Quaini, Massimo. 1982. Marxism and Geography. Totowa, N.J.: Barnes & Noble.
Redclift, Michael. 1984. Development and the Environmental Crisis. New York:
Methuen.
Redclift, Michael, and Graham Woodgate. 1994. “Sociology and the Environment.”
Pp. 51–66 in Social Theory and the Global Environment, vol. 1. Edited by Michael
Redclift and Ted Benton. New York: Routledge.
Ricardo, David. 1951. Principles of Political Economy and Taxation. Cambridge:
Cambridge University Press.
Sauer, Carl. 1963. Land and Life. Berkeley: University of California Press.
Schmidt, Alfred. 1971. The Concept of Nature in Marx. London: New Left.
Schnaiberg, Allen. 1980. The Environment. Oxford: Oxford University Press.
Shanin, Teodor. 1983. Late Marx and the Russian Road. New York: Monthly Review.
Skaggs, J. M. 1994. The Great Guano Rush. New York: St. Martin’s.
Thompson, F. M. L. 1968. “The Second Agricultural Revolution, 1815–1880.” Eco-
nomic History Review 21 (1): 62–77.
Uranovsky, Y. M. 1935. “Marxism and Natural Science.” Pp. 136–74 in Marxism and
Modern Thought. New York: Harcourt, Brace.
Vavilov, N. I. 1971. “The Problem of the Origin of the World’s Agriculture in the
Light of the Latest Investigations.” Pp. 97–106 in Science at the Crossroads. Lon-
don: Frank Cass.
Vernadsky, V. I. (1922) 1998. The Biosphere. New York: Copernicus.
Weber, Max. (1904–5) 1930. The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism. Lon-
don: Unwin Hyman.
Weiner, Douglas. 1988a. Models of Nature. Bloomington: Indiana University Press.
———. 1988b. “The Changing Face of Soviet Conservation.” Pp. 252–73 in The Ends
of The Earth, edited by Donald Worster. New York: Cambridge University Press.
Wolman, Abel. 1965. “The Metabolism of Cities.” Scientific American 213 (3): 179–90.
World Commission on Environment and Development. 1987. Our Common Future.
New York: Oxford University Press.



#بندر_نوري (هاشتاغ)       Bandar_Noory#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ...
- الاقتصاد السياسي لحرب السودان
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ...
- مخلص لدراسة: عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: رؤية ...
- الصراع حول توحيد مواثيق لجان المقاومة.. كتعبير عن احتدام الص ...
- ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب- الجزء الثالث والأخير
- ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (2)
- ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (1)
- لامركزية الخدمات الصحية والخصخصة.. بحث عن تجربة السودان
- التبعية وأثرها علي القطاع الصحي
- إقتصاد سياسي جائحة فيروس كورونا المستجد
- إقتصاد سياسي الصحة المهنية أو نظام الصحة المهنية كخلاصة مركز ...
- راهنية أفكار لينين.. كتابة أولية حول الثورة
- من نقد الموازنة إلي نقد السياسات الإقتصادية والإجتماعية أو إ ...
- منهجية وموجهات موازنة 2020: الليبرالية الجديدة من بوابة إنتف ...
- قضايا القطاع غير المنظم
- مفهوم العمل الديمقراطي وسط الشباب


المزيد.....




- كلمة محمد نبيل بنعبد الله التي ا?لقاها الرفيق عبد الواحد سهي ...
- مداخلة عن بعد للرفيق عبد الحميد أمين في المؤتمر الوطني 13 لل ...
- الدفاع التركية تعلن تحييد 5 عناصر من حزب العمال الكردستاني ف ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: لا حرية بلا عدالة اجتماعية
- تركيا: تحييد 5 عناصر من حزب العمال الكردستاني شمال العراق
- النمسا.. 3 أحزاب تتفق على تشكيل حكومة ائتلافية دون مشاركة ال ...
- أحد معاقل اليمين المتطرف في ألمانيا... فورست البلدة المنسية ...
- الرفيق فتحي فضل، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني: ...
- في يوم العدالة الاجتماعية .. مدير عام منظمة العمل الدولية “. ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 592


المزيد.....

- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بندر نوري - نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتماع البيئي.. للمفكر جون بلامي فوستر