هاشم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 07:53
المحور:
الادب والفن
في مطوّلاته، خاصّة، استثمر السيّاب عناصر سرديّة عالج بها موضوعه في بنيّة تقوم على تواشج الغنائيّ والسّرديّ والمراوحة بينهما.. نلمس ذلك مثلاً في رمزيّته (المومس العمياء) التي هي أقرب ما تكون إلى لوحة تبقيعيّة، غصّ فضاؤها ببقع مشاهد تضيق أو تتسع بحسب مادتها، وقد تأثّثت بأمكنة مقهورة، وتلوّنت بأجواء مادتها المجروحة، وذهبت طولاً وعرضاً سابحة في مياه أساطير عتيقة، واسترجاعات ذاكرة، واخترقتها أزمنة شتى، ووقعت بين ليل أبديّ ساطٍ، وبين نهار خانع للقدر مرّة ومرّاتٍ لضغوط الحياة والمجتمع، وغدت أخيراً مسرحاً لصور لم تهادن ولم تتخلّ عن رغباتها في أن تسفر عن وجوهها حتى الرمق الأخير من الحكاية التي عجزت عن كبح جماح من يودّ أن ينزل في مبغاها المفتوح لمن هبّ ودبّ .
وعلى مدى النصّ الذي استطال بهذر مُوقَّع نزعت لوحات المشاهد حدودها أو كادت واتصل بعضها ببعض عبر جسور الصور واللغة التي تقاسمها السرد الممتزج بالبوح الشخصيّ والتعليق، وظلت تكافح صوت الشاعر وأهواءه، والمتطلبات الباهظة للإيقاع الحارق، ولجور القوافي..
وهكذا يمضي النصّ مثل قطار يجري على السطح وفي القاع بعربات نهمة تتلقّف كلّ ما تصادفه على سكّتها وتضيفه إلى حمولتها الثقيلة التي تدفعها ماكنة تتغذّى بوقود ليل نفد على مشارف نهار فتوقّف القطار بأثقاله..
واستغل الشاعر السرد لحسابه الخاص، فما تكاد تظفر شخصيّة من شخصياته بحياة في موقع داخل المبغى أو خارجه حتى يقتحم عليها موقعها محاوراً مرّة أو معلّقاً على ما يتبدى منها من أفعال أو ما تتبناه من مواقف، مُطلِقاً أحكاماً تمسّ المصائر المترنّحة على وفق ما يراه هو أو ما يريده.
إننا نقفو أثر السارد الشاعر في سياحة عمياء بليل متخلّين له فيها عن ساعاتنا فينطلق بنا في مدينة يتسلّط عليها شرّ مطلق، وفي ضوء مصابيحها المنذرة بالويل يقودنا إلى مبغى عام سرعان ما يتحوّل إلى بؤرة مكانيّة مركزيّة لنُسجَن مع ضحايا القدر والحياة في قاع نسمع حكايته المديدة بصوتين، صوت شخصيّاته، وصوت الشاعر المهيمن الذي انطلق بنا لنشاركه إدانته التي لم تبرد حتى تقطّعت أنفاس حكايته.
#هاشم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟