علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 15:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم أن رموز الايموجي وسيلة للتعبير عن المشاعر دون الحاجة إلى الكلمات، ولكنها في بعض الأحيان تكشف أكثر مما نود الاعتراف به.
حين تبرز المشاعر الدفينة المختبئة خلف الشعارات والادعاءات الزائفة.
لقد رأينا، بوضوح مؤلم، في مواقع التواصل الإجتماعي مشاعر الفرح والشماتة، احتفاءً باغتيال رجال نذروا أرواحهم لمواجهة التنظيمات الإرهابية أو الاحتلال الإسرائيلي، مما يعكس خللًا أخلاقيًا عميقًا وتراجعًا مريعًا في القيم الإنسانية التي كان يفترض أن تجمعنا. فبدلًا من أن تعم مشاعر الحزن والتعاطف والصدمة، رأينا ابتهاجًا وقهقهات إلكترونية لا يمكن تفسيرها إلا كعلامة على انحدار أخلاقي يستوجب التوقف عنده طويلًا.
وبعد بحث وتأمل في هذه الظاهرة، توصلت إلى نتائج قد لا تكون مكتملة، منها:
1. ليست مواقف فردية أو عابرة هنا أو هناك، بل هي سلوك جماعي منتظم، حيث يعبر الكثيرون علنًا، في التعليقات أو الرموز، عن شماتتهم وفرحهم، وكأنما نحن أمام مجتمع يعاني من اضطراب أخلاقي جماعي لدرجة يبتهج فيها بمقتل من يختلف معه فكريًا أو مذهبيًا حتى لو كان يدافع عنه أو يتبنى قضاياه.
2. كانت هوية الشهداء كافية لتكشف عن الطابع الطائفي القبيح لهذه الظاهرة. ليس الأمر مجرد رأي سياسي أو اختلاف أيديولوجي، بل كراهية متأصلة لا يمكن انكارها تتجاوز الأفراد لتصبح حالة نفسية خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي برمته.
3. يدلنا البحث في خلفيات هؤلاء الشامتين على أمر أكثر خطورة، يؤكد أن الكراهية الطائفية حالة عابرة لا تقتصر على قومية أو منطقة أو لغة معينة، بل تتجاوز كل ذلك.
4. المؤلم في هذه الظاهرة أن غالبية من يعبرون عن الفرح في غير محله هم من الفئة الشابة، من الجنسين، وبينهم طلبة جامعات، موظفون، وأصحاب شهادات أكاديمية. هؤلاء ليسوا جهلة أو أميين، بل يمثلون فئة يُفترض أن تكون الأكثر وعيًا ونضجًا، مما يثير القلق العميق بشأن المستقبل، وما قد تحمله هذه الأجيال من موروث الكراهية والتطرف.
5. الأدهى من ذلك، أن هذه التفاعلات لا تخرج من زوايا مجهولة أو صفحات مغلقة، بل من منصات مشهورة يفترض أنها تروج للتعايش والمحبة والوحدة.
إلى أين نحن ذاهبون؟
ما نراه ليس مجرد "اختلاف في الرأي"، بل مؤشر خطير على انهيار القيم الإنسانية والمجتمعية التي ينبغي أن تكون أقوى من أي انتماء سياسي أو مذهبي. فحين تصبح الشماتة بالموت مقبولة، وحين يتحول الفرح بمقتل الآخرين إلى ردود أفعال بهيجة، لمجرد وجود اختلاف عقائدي، فإننا أمام أزمة لا تهدد طائفة واحدة، بل تهدد الجميع.
هذه الظاهرة الصادمة تستوجب وقفة جادة من كل مسؤول ومثقف ومهتم بمستقبل الأمة. نحن أمام تحدٍ خطير: هل سنسمح لهذا المرض بالتغلغل أكثر، ليصبح جزءًا من الثقافة العامة؟ أم سنقف بوجهه، ونواجهه بالوعي والتربية الصحيحة؟
الوقت لم يعد في صالحنا، وإذا لم يتم التصدي لهذا الانحراف الأخلاقي اليوم، فقد نجد أنفسنا غدًا في مجتمع لا يبكي فيه أحد على أحد، ولا يجد فيه شهداء القضايا النبيلة سوى الإيموجيات الضاحكة والسفيهة بدلًا من الترحم والدعاء.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟