|
الحكم المدني في فلسفة جون لوك
حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق
الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 02:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"الحرية ليست الإباحية، بل المسؤولية والالتزام بالقانون الطبيعي، جون لوك." المقدمة: يعتبر جون لوك(1632_1704)من رواد التيار العلمي التجريبي في عصر التنوير، الذين أسهموا في وضع أسس النهضة العلمية التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة، فبالإضافة إلى كونه عالماً تجريبياً وطبيباً وسياسياً وفيلسوفاً ورائداً مؤسساً للفكر الليبرالي، فهو صاحب نظرية متكاملة في الأخلاق، كان لها تأثيرها الكبير في القرنين 17 و18م، ولكنها، بفعل عوامل عديدة، لم تستطع الصمود بعد ذلك في وجه التيارات الإلحادية التي انقلبت، جملة وتفصيلا، على الدين والأخلاق في القرون التالية، ولا مراء فيه أن لوك من ألمع المفكرين السياسيين قديماً وحديثاً، ومقالتيه في الحكم المدني، هما من أهم المصنفات السياسية وابقاها أثراً، فقد عاش لوك في مرحلة تاريخية مليئة بالصراعات السياسية والطائفية التي أثرت في افكاره، لذلك سعى لتأسيس دولة قائمة على مؤسسات مدنية تحترم الإنسان، بل تعدت مهمته وانتقلت بطريقة طبيعية إلى ميدان السياسة والتنظيم الاجتماعي، فحركة التحرير الكبرى التي سادت أوربا في القرن الثامن عشر، لم تكن سوى امتداد طبيعي لفلسفة لوك، تلك الفلسفة التي كانت تقوم على احترام القيم الإنسانية والحرية الفردية سواء في الدين أو الفكر أو السياسة، وتنادي بتحرير الفرد الذي كان قد انطمست شخصيته في ظل استبداد الكنيسة وتلاشت حقوقه وانصهرت في نار طغيان الملوك وتعصبهم، فأصبحت حياته كلها واجبات بلا حقوق، فسعى لتأسيس دولة مهمتها حماية الحقوق وممتلكات الافراد، وبما أن الحكومة ممثلة لإرادة الشعب، فيتعين عليها أن تعمل على حماية الحقوق الطبيعية للأفراد المواطنين، ووضع نظرية العقد الاجتماعي، وطرح حلول لهذه الصراعات بمبادئ عديدة منها الفصل بين السلطات والحرية تحت المفهوم الليبرالي، والتسامح وغيرها من الأفكار الاصلاحية التي تستعملها الشعوب عامة والمواطن خاصة.(1) الفلسفة السياسية: يرى زكي نجيب محمود أن مقالة جون لوك في الحكومة المدنية، إنما أراد بها أن يرد على انصار الأسرة المالكة ( اسرة ستيوارت) هؤلاء الانصار الذين اتهموا الحكومة الجديدة باغتصاب العرش عدواناً، وقد كان لسانهم الناطق هو السير روبرت فلمر الذي يرى أن الدولة هي امتداد الاسرة، وأن الملكية هي نظام مقدس إلهي، فلا يجوز خلع الملك ولا مهاجمته، فأجاب لوك بأن الدولة عقد تم بين الأفراد لحماية متاعهم أو أملاكهم فالمرجع النهائي هو الشعب، وبذلك تعتبر مقالة الحكم المدني هي بمثابة تبرير لثورة سنة 1688 وانتصار للمبادئ السياسية، وقضت على أسرة ستيوارت عن العرش وتقييد الملكية في بريطانيا بالقيود الدستورية، وقد تمخضت عنها صدور قانون( الحقوق الاساسية للإنسان) والتي قام بها رجال محافظون، ولم يؤمنوا بالنظام الجمهوري، أو بالنظريات التي تنادي بوجوب المساواة التامة بين أفراد الشعب، ويعارضون مبدأ الحق الإلهي ويؤمنون بالملكية المقيدة، ومن آرائه السياسية أنه جعل السيادة للشعب، وأن كان يرى أن الشعب يحتفظ بهذا الحق لاستعماله وقت الضرورة القصوى، إذ يعتقد بقانونية الاجراءات والقوانين الحكومية ما لم تمس حقوق الأفراد الاساسية، وقد ذكر لوك أن كتاباته السياسية كانت موجهة بصفة اساسية نحو التبرير النظري للنظريات السياسية لهؤلاء الذين اعلنوا الثورة على الحكومة الاستبدادية لعائلة ستيوارت، لكي تجعل محلها حكومة ملكية ذات نفوذ محدودة، وليس نفوذاً مطلقاً كما كان هو السائد في ذلك الوقت. يعد لوك مؤسس الاتجاه الديمقراطي والليبرالية في الفلسفة السياسية، وكان من أهم ركائزه الثورة على الحكم التعسفي والسلطان المطلق للملوك والكنيسة، ومن أبرز المدافعين عن إقامة الحكم الدستوري وتحقيق الحرية والتسامح الديني، والواقع أن لوك أمد مسيرة الديمقراطية بكثير من الافكار الاساسية التي ظهرت فيما بعد، ومنها: 1_إن الناس جميعاً احرار، وهم سواء في حقوقهم السياسية. 2_للإنسان حقوق طبيعية، كحق الحياة وحق الملكية، والخ... وهي ليست منح من أحد، وإنما هي خصائص للذات البشرية. 3_الناس جميعاً متساوون فلا مراتب ولا درجات ولا فئات من البشر. 4_تقوم السلطة السياسية على اساس التعاقد المبني على التراضي بين طرفي العقد، فلا يستطيع أحد أن ينتزع السلطة ليحكم رغماً عن إرادة المحكومين. 5_إن الحكم داخل الجماعة بعد قيامها عن طريق الإجماع يكون للأغلبية، وبذلك يكون لوك من أوائل القائلين بحكم الأغلبية. 6_تقوم الحكومة عند لوك، على اساس الفصل بين السلطات، وهو يرى أن السلطة التشريعية، هي أعلى من السلطة التنفيذية التي تقوم بتنفيذ ما تسنه السلطة التشريعية.(2) نشوء الدولة: يعتقد جون لوك أنه بدأ الصراع ينشب بين الناس عندما تم تحديد الملكيات الخاصة بهم، مما جعل حق الملكية الطبيعي الذي وهبته الفطرة الأولى للإنسان يتحول إلى رأس حربة في صدر كل إنسان ليتحول معه مجتمع الطبيعة الآمن إلى مجتمع حرب وعداوة، لا تنتهي ولن تنتهي بين الناس إلى يوم الدين، لذلك كان لا بد من أن يتفق الناس طواعية واختيار عقد اجتماعي، فالناس خلقوا بطبعهم أحراراً، متساوين ومستقلين ولم يحرم أحد من هذا الحق أو يخضع لأي سلطان سياسي دون رضاه، وهو رضا يتفق فيه مع آخرين، فيتحدون في جماعة واحدة من أجل راحتهم وسلامتهم، وحتى يسود الوئام فيما بينهم ويتبادلون المنافع، كما أن اتحادهم فيه قوة لهم تعينهم على مواجهة الاخطار المشتركة، وبوسع أي عدد من الرجال أن يقدموا على هذا حيث أنه لن ينتقص من حريتهم الخاصة الطبيعية، وهكذا فإن اتفاقهم على تكوين حكومة أو جماعة يعني اتحادهم وتكوينهم كياناً سياسياً للأغلبية حق التمثيل، وكذلك بالنسبة للآخرين، وعندما يتحد عدد من الأفراد في جماعة واحدة عن اختيار وطواعية، فإن هذه الجماعة تصبح كياناً واحداً ذا سلطة واحدة قائمة على رغبة الاغلبية، فهذا الذي يمثل الجماعة أنما ينوب في ذلك عن أفرادها وبموافقتهم، فإذا كانت الاغلبية التي اصحت كلا في مجموعها تريد شيئاً، فلا بد أن يكون هذا الشيء دون مراعاة لاعتراض فرد أو أفراد قليلين، طالما أنهم قد اختاروا الجماعة في بادئ الأمر ورضوا بتمثيلها لهم، واصحوا بذلك مرتبطين بها، وهذا ما نجده في المجالس العامة التي تتصرف في حدود القوانين الموضوعة، حيث نجد حكم الأغلبية يسرى على الجميع دون أن يجبر أحد على معارضته، كما يصبح تبعاً لقانون الطبيعة والعقل، ومن هنا تنشأ كل المجتمعات السياسية معتمدة على موافقة أي عدد من الرجال الأحرار الذين يمثلون الأغلبية في الاتحاد، وتكوين مثل هذا المجتمع، وهذا هو الذي يعطي الشكل والجوهر لكل الحكومات في العالم، لذلك يقول لوك:" أن الحكومة هي دواء للمضايقات التي تنشأ في حالة الطبيعة، من كون كل إنسان في تلك الحالة هو قاض في قضيته". ويرى أيضاً أنه على الرغم من كونه يتمتع في حالة الطبيعة بحقوق كثيرة، لكنه معرض باستمرار لاعتداء الآخرين، لأنه لما كان الجميع ملوكاً مثله، وكل إنسان مساو لغيرهم، وهم في الغالب لا يراعون بدقة حقوق المساواة والعدالة فإن تمتعه بممتلكاته في هذه الحالة يكون غير مأمون ويجعله ذلك مستعد لهجر الوضع المليء بالمخاوف والاخطار المستمرة، مهما كانت الحرية التي يتمتع بها ويريد الانضمام إلى مجتمع مع الآخرين من أجل المحافظة المتبادلة على حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم، فالهدف الرئيسي الأكبر من اجتماع الناس في مجتمعات منظمة ووضعهم أنفسهم تحت حكم ما هو إذن للمحافظة على ملكيتهم، إذ تتطلب هذه المحافظة عدة أمور لا تتوفر في حالة الطبيعة وهي: 1_أنه لا يوجد قانون قائم ومستقر ومعروف يحظى بالقبول العام بوصفه معياراً للصواب والخطأ والمقياس المشترك الذي على اساسه يحكم كل الخلافات التي تقوم بينهم، لأنه رغم إن قانون الطبيعة واضحاً ومفهوماً لجميع المخلوقات العاقلة، فإن الناس لتحيزهم لمصلحتهم الخاصة ولجهلهم بهذا القانون، لا يتوقع منهم الاعتراف به كقانون ملزم لهم في تطبيقه على قضاياهم الخاصة. 2_لا يوجد في حالة الطبيعة قاض معروف، غير متحيز لديه سلطة الحكم في جميع الخلافات طبقاً للقانون المقرر، لأنه لما كان كل واحد في تلك الحالة قاضياً ومنفذاً لقانون الطبيعة، فإن الانفعال وحب الانتقام، والناس يتحيزون لأنفسهم بأن يدفعانهم إلى المغالاة، كما يجعلهم الاندفاع الشديد فيما يتعلق بقضاياهم وعدم المبالاة بقضايا الغير يخطئون ويقصرون في حق غيرهم. 3_كثير ما لا يوجد في حالة الطبيعة القوة التي تدعم وتؤيده عندما يكون سليماً وتعمل على تنفيذ كما يجب، فإن أولئك الذين يظلمون نادراً ما يرجعون عن ظلمهم. وهكذا رغم كل الميزات التي يتمتع بها الجنس البشري في حالة الطبيعة، إلا أنه سرعان ما ينساق الناس إلى تكوين المجتمعات، لأن وضعهم يبقى سيئاً طالما استمروا في الحالة الأولى، ومن هنا كان من النادر أن نجد عدد من الناس يعيشون فترة معاً في هذه الحالة، فالمساوئ التي يتعرضون لها فيما ينجم عن ممارسة كل شخص لسلطته بتلك الصورة غير المستقرة من غير معاقبة اعتداء الآخرين تجعلهم يلوذون بحماية القوانين المقررة لحكومة ما سعيا وراء المحافظة على ملكيتهم في ظلها، وهذا هو ما يجعلهم مستعدين إلى حد أن يتنازل كل منهم عن سلطته الخاصة في العقاب ليستعملها من يختار لذلك من بينهم فقط، وبمقتضى تلك القواعد التي تتفق عليها الجماعة، وذلك هو أصل الحق في السلطتين التشريعية والتنفيذية كما في الحكومات والمجتمعات نفسها واصل نشأتها جميعاً، ويتضح مما سبق أن اشتباك المصالح ومحاولة كل واحد أن يطبق قانون الطبيعة لصالحة وحماية الحقوق الطبيعية للأفراد والآخرين يظهر ضرورة عقد اجتماعي يخرج به الناس من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع السياسي، ويعرف لوك المجتمع السياسي بقوله: إن الذين يكونون هيئة واحدة ولهم قانون واحد وقضاء واحد يرجعون إليه مع وجود سلطة تحسم في النزاع الذي يقوم بينهم وتوقع الجزاء على المعتدي يعيشون في مجتمع سياسي، ولكن من ليس لهم مثل هذا التنظيم فهم يعيشون في حالة الطبيعة، ومن هنا ينشأ العقد الاجتماعي الذي ينص بأن ينقل الأفراد سلطاتهم إلى شخص أو بضعة اشخاص يكونون حكومة ملكية وتكون مهمة هذه السلطة السياسية هي المحافظة على الحقوق الطبيعية للأفراد، وينص على العقد على ألا يتنازل الأفراد عن حقوقهم، إلا بقدر الذي يتيح للسلطة أن تقوم بواجباتها للدفاع عن مصالحهم، ولا يجوز هذا الانتقال إلى الحالة السياسية إلا برضاء الأفراد سواء الرضاء الصريح أو الضمني، فالفرد يكتفي بإرادته الحرة مع غيره من الأفراد على الاتحاد في جماعة هدفها حفظ بقائها وضمان استقرارهم فرضاء الفرد إذن هو اصل قيام الحكومة وليست السلطة الأبوية، كما يذهب أنصار الوراثة أو الاستبداد، وينص العقد بأن الحاكم طرف في العقد شأنه شأن المحكوم، وإذ قصر أحد الطرفين في تنفيذ هذا العقد اصبح الطرف الآخر في حل من الالتزام بتعهداته، وبناء على ذلك يكون للشعب الحق في تغيير الحكومة، إذا اخلت بالعقد القائم وإذا استبد الحاكم، ومن هنا اختلفت صيغة العقد الاجتماعي عند لوك عما كانت عليه عند توماس هوبز، ذلك لأنه في حين اعتبر هوبز تنازل المواطنين عن حقوقهم تنازلاً مطلقاً، ذهب لوك إلى أن التنازل عن القدر الذي يضمن قيام السلطة العليا بواجباتها، وبينما ذهب هوبز إلى أن الحاكم ليس طرفاً في العقد وغير ملزم بأي قيد أو التزام قبل الشعب ذهب لوك إلى ضرورة اعتباره طرفاً في العقد حتى لا يجنح إلى الظلم والاستبداد.(3) الدولة: يعرف جون لوك الدولة بأنها" مجتمع من البشر يتشكل بهدف توفير الخيرات المدنية والحفاظ عليها، وتنميتها". ويعني بالخيرات المدنية، هي الحياة والحرية والصحة، وراحة الجسم، بالإضافة إلى امتلاك الاشياء مثل المال والأرض والبيوت والاثاث وما شابه ذلك، فالدولة التي تنشأ بموجب عقد بين الحاكم والشعب تكمن تحكيم قوانين الحياة المدنية لضمان العدل في توزيع الملكيات ورعاية الحقوق الطبيعية، وبذلك تنشأ الدولة عن تنازل المرء عن الصلاحيات التي كان يتمتع بها أبان الطور الطبيعي، وتتلخص هذه الصلاحية عند لوك في اثنتين، وهما صلاحية المحافظة على ذاته وعلى ذوات سائر البشر وفقاً للسنة الطبيعية القاضية بضرورة بقاء النوع البشري وصلاحية أنزال العقوبات بالخارجين على تلك السنة، وهو إذ يتنازل عن هذه الصلاحيات يتخلى بجانبها من التحاقه بالمجتمع، وهي مؤازرة أبناءه مجتمعين له في تنفيذ بنود السنة الطبيعية والاقتصاص من المجرمين وكف اذاهم عنه والتعاون على تبادل اسباب المعاش والأنس بحياة الاجتماع والألفة، ولكن ذلك لا يكسب المجتمع حق الاستبداد به أو تقييد حريته إلا بمقدار ما يقتضيها الخير العام، وإلا خرج عن الفرض الذي وجد من اجله، فكان للفرد حق التمرد عليه ، وكل ما في الأمر أن الدولة تصلح المساوئ التي قد يتمرض لها المرء بحكم الانانية وأثرته، في تطبيق بنود السنة الطبيعية على اقرانه في القضايا التي تعنيه، وهذه السلطات هي سلطة التشريع وسلطة تنفيذ القوانين الموضوعة، وسلطة دفع العدوان الخارجي وعقد المعاهدات والاحلاف ويدعوها بالسلطة الاتحادية، وهذه السلطات ينبغي أن تكون منفصلة عند لوك. جون لوك لا يهتم بالشكل الخارجي للدولة سواء كانت ديمقراطية أو ملكية مستقلة أو مقيدة، بل اعطى أهمية كبرى للدولة والمجتمع، ووصف الحكومة بأنها مجرد مؤسسة سياسية في الدولة، وتكتسب الدولة سلطة وضع العقوبات التي ينبغي أن تلحق بشتى المخالفات التي يرتكبها أبناء المجتمع فيما بينهم، وهي سلطة وضع الشرائع، وسلطة معاقبة الأجرام التي يقترفها عضو خارج عنها أيضاً، وهي سلطة اعلان الحرب أو اقرار السلم، والغرض من كل ذلك المحافظة على ملكية أبناء ذلك المجتمع، ما أمكن الأمر، ومع أن كل فرد أنما يتنازل، لدى التحاقه بالمجتمع، عن حقه الخاص بمعاقبة الجرائم التي تمثل خرقاً للسنة الطبيعية كما تسول له نفسه، فهو في تنازل للسلطة التشريعية عن حق النظر في الجرائم في كل القضايا التي يمكنه أن يلجأ إلى الحاكم الشرعي فيها، وقد خول الدولة حق تسخير قوته في تنفيذ احكامها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، إذ أن تلك الاحكام احكامه هو، لأنها من وضعه أو من وضع ممثليه، ومن هنا نشأت سلطة المجتمع المدني التشريعية والتنفيذية، أي سلطة تعين العقوبات التي يجب أن تلحق بمرتكب جريمة ما داخل الدولة، بناء على القوانين المرعية، وسلطة النظر بين الحين وآخر، بالاستناد إلى ملابسات القضية الخاصة، في الاعتداءات الخارجية ومعاقبتها واستعمال قوى جميع ابناء المجتمع في كل هاتين الحالتين، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وهكذا حيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة ويتخلى كل منهم عن سلطة تنفيذ السنة الطبيعية التي تخصه، ويتنازل عنها للمجتمع ينشأ حينذاك فقط مجتمع سياسي أو مدني، وهذا ما يخرج الناس من الطور الطبيعي إلى طور الدولة التي يقوم على رأسها حاكم بشري يتمتع بسلطة العقل في جميع الخصومات وينصف اصحاب المظالم من أبناء تلك الدولة، وهذا الحاكم هو الهيئة التشريعية أو القضاة الذين تنصبهم، ومن الواضح إذن الملكية المطلقة لا تتفق مع طبيعة المجتمع المدني، فهي ليست شكلاً من اشكال الحكم المدني. يرفض جون لوك الحكم المطلق الذي يقبض فيه أفراد قليلون على كافة السلطات، فلا يمكن أن يقوم بجانبه مجتمع مدني، وبالتالي لا يأخذ شكل الحكومة المدنية، إذ أن ميزة المجتمع المدني هو تجنب التحيز الذي كان يسيطر على الفرد في حالة الطبيعة عندما يفصل في قضاياه الخاصة، إلى جانب علاج هذا التحيز وذلك بإيجاد سلطة عامة يلجأ إليها كل فرد وتتولى عنه مهمة فض المنازعات والفصل في الحكومات وفي نفس الوقت تلزمه بالخضوع لأحكامها، وهذا ركن هام في قيام المجتمع المدني، يفتقر إليه هؤلاء الذين يخضعون لسيطرة الحاكم المطلقة، ويرى لوك أن الذي يعتقد أن الحكم المطلق يتلاءم مع الطبيعة البشرية، لا بد له من قراء التاريخ حتى يقتنع أن الأمر على النقيض من ذلك، فالحكم المطلق لا يكفل الحماية للأفراد، إذ يخلو قلب الأفراد من كل عاطفة نحو رعاياهم كما لا يتاح لهم أي نوع من السعادة أو الاستقرار، تلك الاشياء التي يوفرها لهم المجتمع المدني حيث تخطو الحكومة نحو الكمال والتقدم، وقد هاجم لوك نظرية الحق الإلهي المقدس التي استغلها الملوك في حكم شعوبهم حكماً استبدادياً مطلقاً مدعين أنهم مفوضون من الله في هذا الحكم، فلهم الحق في وضع القوانين التي يرون أنها مناسبة للشعب، وعلى الأفراد أن يمتنعوا عن معارضة هذه القوانين، إذ أنها مستمدة من السلطة الإلهية، ويعتقد لوك أن الملكية ليس لها أي حق في توريث السلطة، فيرى أن النبي آدم أبو البشر لم يكن له هذا الحق في السلطة على المجتمع وتكون في نسله، فيرى: 1_أن آدم لم يكن له ابناء على حق الأبوة الطبيعية أو الإلهية الصريحة، أي سيادة على أولاده أو سلطة على العالم. 2_أننا لو فرضنا أنه كان له مثل هذه السلطة فلم يكن لورائه الحق بها. 3_ولو فرضنا أنه كان لورائه مثل هذا الحق، فليس ثمة سنة طبيعية أو تشريعية إلهية تنص على الوريث الشرعي في كل حال من الأحوال التي قد تنشأ، لذلك استحال تعيين صاحب الحق بالخلافة وبتولي السلطة تعيناً ثابتاً. 4_حتى ولو فرضنا أن ذلك قد تعين، فلما كانت معرفة الفخذ الأكبر من سلالة آدم قد طمست طمساً تاماً من تلك الحقبة، لم يعد لعنصر من العناصر البشرية والأسرة من الأسر في العالم أدنى حق بالادعاء أنها تنتمي إلى الفخذ الأكبر البكر دون سواها وأن لها الحق بالميراث. من صفات الدولة: 1_عليها أن تحكم على اساس قوانين موضوعة ثابتة، لا تتغير في احوال خاصة وأن تتبع قاعدة واحدة في معاملتها للفقير والغني على السواء للمقرب عند الملك والحارث وراء محراثه. 2_يجب أن تهدف هذه القوانين إلى غرض واحد وأخير هو خير الشعب. 3_يجب أن لا تفرض الضرائب على املاك الشعب من دون موافقة ابنائه الصادرة عنهم أو عن نوابهم. 4_لا يحق للسلطة التشريعية، ولا ينبغي لها أن تسلم سلطة وضع القوانين لأية هيئة أخرى أو تضعها في غير الموضع الذي وضعها الشعب فيه قط. يضع لوك شروط للسلطة ومنها: 1_ لا يحق للسلطة العليا اهلاك أبناء المجتمع أو استعبادهم أو افقارهم عمداً، لأن ذلك يتنافى مع السنة الطبيعية. 2_لايحق للسلطة العليا، أن تحكم على اساس قوانين مرتجلة، بل يتحتم عليها اقرار العدالة على اساس قوانين قائمة، يطبقها القضاة الشرعيون. 3_لا يحق للسلطة العليا، أن تغتصب شيئاً من أملاك أي فرد من أفراد المجتمع، وذلك لقدسية الملكية عند لوك، وكون حمايتها أحد الاغراض الكبرى التي وجدت من أجلها الدولة. يرى لوك أن الطور الطبيعي هو اساس القانون الوضعي مبين ذلك في النقاط التالية: 1_أنه الطور الذي تستمد منه القوانين الوضعية احالتها. 2_أنه الملجأ الذي يلوذ به الإنسان، كلما تنكب أهل الحل والربط بين اصحاب السلطة عن السنة الطبيعية، أي سن العدالة والحرية والمساواة، فهو المعيار الذي تقاس به القوانين الوضعية نفسها. 3_أنه الاساس الذي يبني عليه الدول المختلفة حقها بمعاقبة الخارجين على القوانين الوضعية من الغرباء. يفند لوك نظرية الحكومة الأبوية التي دعمها وسعى إلى تنظيرها بعض المفكرين، فيرى هناك اختلاف بين سلطة الأب على أبناءه وسلطة الحاكم على رعيته، لأن سلطة الأب على أولاده مبنية على اساس العلاقة الاخلاقية، و سلطة الوالدين على الأولاد أذن تتبنى على الواجب الملقى على عاتقها بتعهد بينهما والعناية بهم في أثناء سني الطفولة الناقصة، فتثقيف عقول البنين القاصرين والهيمنة على تصرفاتهم، حتى يكتمل إدراكهم ويرتفع عن كاهل الوالدين عبئ هذه التبعة، في حين سلطة الملك أو الحاكم تستند على العلاقة السياسية، وكذلك يضيف لوك أن السلطة الأبوية المستمدة من بعض النصوص والتي تدعوا فيها احترام الوالدين، فلماذا لا تعطى السلطة للمرأة أيضاً، كما يشير أيضاً إلى أن السلطة المطلقة للملك والمنحدرة من آدم، كيف يمكن أن تعين الوريث الشرعي لآدم على اعتبار أن البشرية جميعها من أولاده، وبالتالي لها حق متساوي في السلطة، ويفرق أيضاً لوك بين سلطة الدولة وسلطة السيد على عبيده وسلطة الزوج على زوجته، فيرى أن هناك فرق كبير فيما بينهم، فالميزة الاساسية التي تفرق بينهم هي أن سلطة الدولة لها الحق الشرعي في تطبيق الشرائع وعقوبة الموت وما دونها من العقوبات محافظة على الملكية وتنظيمها، واستعمال قوة الجماعة في تنفيذ هذه الشرائع ودفع العدوان الخارجي عن البلاد، وكل ذلك من أجل الخير العام وحسب.(4) العقد الاجتماعي: العقد الاجتماعي هو اتفاق مبرم بين شخصين أو عدة اشخاص للقيام بهدف معين ضمن قوانين والتزامات متفق عليها ومعروفة لدى الطرفين، أي ميثاق لقيام مجتمع سياسي، وترجع هذه النظرية إلى السفسطائيين الذين يرون أن الإنسان يضع القيم بإرادته وأن النظام المدني هو نظام اتفق الأفراد على تكوينه، وقد رأى لوك إن العدالة الاجتماعية في العقد الاجتماعي تقوم على المساواة بين الأفراد فهم تعاقدوا للخروج من حالة الفطرة الطبيعية، إلى الحياة الاجتماعية المصطنعة الاكثر تطوراً وتنظيماً، إذ كانوا يتمتعون بمساواة مطلقة من المجتمع الطبيعي، وبانتفالهم إلى المجتمع السياسي اصبحت حياتهم أكثر تنظيماً، ولكن خوفهم من عدم المساواة والتفاوت بينهم جعلهم يصرون على مساواتهم الطبيعية، ومن هذا اصبحت المساواة شرطاً اساسياً لقيام العقد، إذن العقد الاجتماعي عند لوك يعني انتقلت الحقوق من الطور الطبيعي إلى المجتمع السياسي، وقد أيد لوك الحكومة الدستورية أو الملكية المقيدة، لذلك اعطى لوك نظريته في العقد الاجتماعي الكلمة العليا للشعب، مما ينتج عنها ثلاثة أمور وهي: 1_أن حق الاغلبية سوف يمثل القاعدة الاساسية في المجتمع ومصدر السلطة التشريعية أو التنفيذية، مما يتحتم معه إخضاع الأقلية للإرادة العامة. 2_تقييد سلطة الحاكم بقيدين هما ضرورة تنفيذ نصوص القانون المراعي فيها الحقوق الطبيعية، والألتزام بالعقد الاجتماعي الممثل للطرف الثاني. 3_أن أي أخلال للحاكم سواء كان ملكاً أو غيره بالمسؤولية وتعديه لحدوده المخولة له من قبل الشعب ويتوجب عزله والثورة عليه واختيار من يحل محله في الحكم. أما الأصول التي اعتمد عليها عند قيام العقد الاجتماعي فكانت كما يأتي: 1_ضرورة قيام العقد على الحرية الكاملة للإنسان. 2_ليس هنالك إجبار على أداء الأفراد ما لا يحبون. 3_يتنازل الفرد عن بعض الحقوق. 4_يتم التنازل للمجتمع كله وليس لأفراد محددين. أما الحكومة فلا بد لها أن تتبع المبادئ الآتية: 1_يجب أن يكون القانون سليماً صحيحاً خالياً من التعسف. 2_لا بد أن ينطبق القانون على جميع أفراد الدولة مهما كان شأنهم. 3_ضرورة التزام السلطة بوظيفتها كمنظمة وليست كمالكة. 4_لا تنازل السلطة التشريعية عن إداء وظيفتها كذلك لا يحق لها فرض ضرائب دون موافقة الشعب.(5) فصل السلطات: كان هدف لوك في فصل السلطات إلى السلطة التشريعية وسلطة تنفيذية، وذلك ليستطيع أكبر عدد من الشعب أن يكون له الحق في الحكم، وليس السلطة بيد شخص واحد يستعملها لأغراضه الخاصة، وقد قسم لوك في رسالته الحكومة المدنية، إلى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية( وتتضمن السلطة الإدارية والقضائية) والسلطة التعاهدية أو الفدرالية، وهاتان السلطتان الاخيرتان خاضعتان للحكومة وعلى رأسها الملك، ولكن إذا كان من حق الملك أن يتدخل في السلطة القضائية فما ذلك، إلا في حدود مقيدة، بحيث تكون الكلمة العليا دائماً لممثلي الشعب ، ويصر لوك في مقالته أن تكون السلطة التشريعية هي السلطة العليا في الدولة، وأنها يجب أن تكون الحكم الفاصل في كل ما ينشأ من مواضع الخلاف والنزاع، ولا يعترف لوك بالملكية المطلقة نظاماً للحكم، ويشترط لهذا النظام أن يكون الملك مقيداً بإرادة الشعب، وبذلك أثبت لوك حق الشعب في سلب السلطة والثورة على من يحاولون سلبه حريته كما ندد بمبادئ الحكم المطلق وكل مظاهر التعسف، فجاءت فلسفته ترسى اسس الحرية في بلاده وفي خارج حدودها على السواء، وقد نادى لوك بجعل السلطة التشريعية في يد الشعب، وأكد على أن تكون هي السلطة العليا في الدولة وفصلها عن بقية السلطات الأخرى، لأنها إن لم تنفصل فستنقلب الحكومة إلى نوع من الطغيان، لأن المفروض أن يضع الشعب من التشريعات ويسن من القوانين ما يكفل التقيد من حرية الملك أو سلطة الحكومة لمصلحة الشعب، فأقترح لوك اساساً لتقسيم السلطة إلى ثلاثة اقسام وهي: 1_السلطة التشريعية، تعد اعلى مصدر تشريعي في الدولة وهي ليست مطلقة، بل محدودة بالقوانين الطبيعية، وفي هذا يقول:" أنها سلطة ليس لها غاية سوى الحفاظ على الحقوق، فليس من حقها التدخل في تجديد أي موضوع، وقانون الطبيعة يستمر دائماً كقاعدة أبدية بالنسبة لكل البشر، عند المشرعين وغيرهم، وقوانين المشرع يجب أن تنطبق مع القوانين الطبيعية". 2_السلطة التنفيذية، مسؤولة أمام السلطة التشريعية، ولا يمكن وضع السلطتين في شخص واحد، حتى لا تفقد الحرية. 3_ السلطة الفيدرالية، أي سلطة اتمام المعاهدات، وهي السلطة الخاصة بالعلاقات الخارجية وهو يصفها بأنها السلطة التي تنطوي على سلطة الحرب والسلام وإتمام المعاهدات وجميع التصرفات التي تتم مع جميع الاشخاص والجماعات من خارج المجتمع.(6) الحاكم: أن واجب الحاكم المدني تطبيق القوانين بلا استثناء لتوفير الضمانات التي تسمح لكل الناس بالامتلاك العادل للأشياء الدنيوية، أما إذا حاول أحد أن ينتهك القوانين فمثل هذا الشخص لابد أن يعاقب بحرمانه من خيرات المدنية، لذلك ينبغي للحاكم أن يكون متسلحاً بسلطة رعاياه وقوتهم من أجل معاقبة من ينتهكون حقوق الغير، ويرى لوك هناك أربع مواقف لا يجوز للحاكم التسامح معها ومنها: 1_على الحاكم أن لا يتسامح مع الآراء المضادة للمجتمع، أو مع القواعد الاخلاقية الضرورية للمحافظة على المجتمع المدني، لأن في ذلك تهديداً لديمومة الاستقرار الاجتماعي. 2_على الحاكم أن لا يتسامح مع أولئك الذين يزعمون باسم الدين ويتحدون أي سلطة. 3_على الحاكم أن لا يتسامح مع الكنيسة التي يقوم دستورها على أن الذين ينتمون إليها يكونوا تحت حماية أمير آخر فهذه الكنيسة ليس لها الحق في أن تطلب التسامح من الأمير. 4_على الحاكم أن لا يتسامح مع الذين ينكرون وجود الله لأن أنكاره لوجود الله، هو في الحقيقة إنكار للروابط التي تقوم عليها أية بنية اجتماعية وهي الوعد والعهد والقسم، فالألحاد هو ظاهرة مرضية رافضة لفكرة السلطة لتكون داعية لعدمية اليقين، وهو ما يعد دعوا للعبثية بعيداً عن سلطة الضمير الذي يعد الرقيب الذي وضعه الله في كل إنسان، ليكون فتحاً ذلك نحو الصراع بكونه دعوة للخروج من مبدأ سيادة الله إلى مبدأ سيادة الإنسان. تأتي أهمية الفصل بين مجال الدين ومجال السياسة، حسب لوك، في اعتباره الطريقة الأنسب لإرساء قيمة التسامح، وهذا لن يتأتى إلا بالتمييز بدقة بين مهام الحاكم المدني وبين الدين، ولهذا يحصر لوك مهام الحاكم المدني في إطار تطبيق القوانين على الجميع بالتساوي، وتنمية خيراتهم المدنية، وبناء على ما تقدم، يمكن القول أن التزام الحاكم المدني لحدوده المتمثلة في تطبيق القوانين يؤدي بلا شك إلى التسامح الديني والسياسي، وبالمقابل فإن عدم التزام الحاكم بهذه الحدود يؤدي إلى اللاتسامح، أي التعصب والعنف، فلا بد أن يلتزم الحاكم بهذه الحدود حتى يجنب المجتمع الصراعات والقتل باسم الدين، ويتحتم على جميع إدارات الحكم أن تنشغل بشؤون المدنية، أي لا يتدخل الدين في إدارة الشؤون ولا تحكم الناس على الدين وفصل السلطة السياسية عن الدين، فالناس احراراً في اختياراتهم، ومن هنا نشأت العلمانية الداعية إلى فصل السلطات، فيعد لوك من المؤسسين للعلمانية، ويرى لوك أنه للاعتبارات التالية والتي يحث فيها على عدم التدخل الدولة في الشؤون الدينية ومنها: 1_الاعتبار الأول، لأن خلاص النفوس ليس من شأن الحاكم المدني، أو أي إنسان آخر، ذلك أن الحاكم ليس مفوضاً من الله لخلاص نفوس البشر. 2_الاعتبار الثاني، إن رعاية النفوس ليست من شؤون الحاكم المدني، لأنه يحكم بمقتضى سلطة برانية، بينما الدين الحق الذي ينشد خلاص النفوس، وينشد اقتناع العقل اقتناعاً جوانياً وأي شيء خلاف ذلك لا يرضى عنه الله، ومن طبيعة العقل أنه لا يمكن إجباره على الإيمان استناداً إلى قوة برانية، فمصادرة الأراضي والسجن، والتعذيب وما شابه ذلك، لا يمكن أن يغير الحكم الجواني على الاشياء. 3_الاعتبار الثالث، إن العناية بخلاص نفوس البشر ليست من مهام الحاكم بأي حال من الاحوال، لأنه حتى إذا قررنا أنه من الممكن إقناع البشر وتغيير آرائهم بسلطة القانون وقوة العقوبات، فإن كل ذلك لا يسهم أبداً في خلاص نفوسهم.(7) التسامح: مشروع التسامح الذي وضعه لوك والذي عبر عنه من خلال كتابه(رسالة في التسامح) هو في الحقيقة تعبير عن هموم الفيلسوف جراء الأمراض التي طرأت على المجتمعات الأوربية في العصور الوسطى التي عرفت بعصور الظلام، لأن الكنيسة اعتبرت كل أبداع وتجديد خرقاً لقواعد الإيمان التي توجب في حق مرتكبها العقاب ليتحول العقل الأوربي إلى عقل راكد تشكله الخرافات والأوهام، ليكون مشروع التسامح اساساً لتنوير العقل الأوربي، وذلك مشروط بفصل الممارسات الدينية عن الممارسات السياسية وهو ما يعد أعلاناً على ضرورة قيام الدولة المدنية اللادينية، فيرى أن التسامح هو العلامة المميزة للكنيسة الحقة، فيرى أن البعض يتباهى بقدم الأماكن والألقاب أو بعظمة الطقوس، والبعض يزهو بصلاح إيمانه هذه كلها وغيرها علامات على شهوة البشر في تسلط كل منهم على الآخر أكثر مما هي علامات على حب كنيسة الله، ويرى أن وظيفة الدين الحق مختلفة تماماً، فالدين الحق لم يتأسس من أجل ممارسة القهر، ولا من أجل الحصول على سلطة الكنيسة، ولا من أجل ممارسة القهر، ولكن من أجل تنظيم حياة البشر استناداً إلى قواعد الفضيلة والتقوى، وجوهر التسامح عند لوك هو قبول الاختلاف والتعايش مع الغير في حدود القانون الاخلاقي الصادر عن الإرادة الخيرة، فالتسامح هو أن تترك لكل إنسان حرية التعبير عن آرائه وإن كانت مضادة لآرائك، وهو ما يستلزم احترام آراء الغير بكونها محاولة للتعبير عن جانب من جوانب الحقيقة، فالتسامح الذي قصده لوك هو التسامح الديني وهو:" أنه ليس من حق أحد أن يقتحم باسم الدين، الحقوق المدنية والأمور الدنيوية". كما أن التسامح الديني يتضمن معاني، تقبل الاختلاف في فهم المقدس في الديانة الواحدة، وفي غيرها من الديانات والملل، وتقبل الديانات المختلفة، واحترامها من منظور الدين الواحد بكونها سماوية وهو ما يعد تأسيس لمشروع حوار الأديان، ولعل غاية مشروع لوك حول التسامح هو تجديد البناء الكنسي لا هدمه، ولن يكون ذلك إلا بعقلنة الدين، وذلك بإعادة قراءة مرجعياته على غرار مفهوم الدين والكنيسة والخلاص، كما أن غايته تكمن في أرساء العدالة الاجتماعية، وذلك مرهون بتكريس الحكم المدني، ويبقى ذلك مشروطاً في نظرة بالتمييز والفصل المطلق بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، ولا شك أن هذا التنافر يكون على مستوى الصورة والغاية، فإذا كانت غاية الدين هي خلاص النفوس فإن غاية الحكم المدني هي حفظ الحقوق المدنية وضمان العدل في توزيع الملكيات ويعبر عن هذا بقوله:" أيا كان مصدر السلطة فإن السلطة مادامت ذات طابع كنسي، فيجب أن تكون مقيدة بحدود الكنيسة، لأن الكنيسة ذاتها منفصلة عن الدولة ومتميزة عنها تماماً، فالحدود بينهما ثابتة ومستقرة، ومن يخلط بين هذين المجتمعين كمن يخلط بين السماء والأرض، وهما متباعدان أشد التباعد ومتضادان أشد التضاد، إذ هما في أصلها وغايتهما وأعمالهما وفي كل الشيء متمايزان تماماً ومتباينان بلا حدود، ومن ثم فلا يحق لأي إنسان مهما تكن رتبته الكنسية أن يحرم إنساناً آخر ليس عفواً في كنيسة وليس منتسباً إلى إيمانه، ومن الحرية أو من أي جزء من خيراته الدنيوية بحجة أنه متباين عنه دينياً، لأن ما هو غير مشروع للكنيسة، لا يمكن أن يصبح مشروعاً لأي عضو من اعضائها استناداً إلى أي حق كنسي". وبذلك نصل إلى نتيجة وهي أن التسامح عند لوك يشكل مرحلة مهمة وانتقالية في التنظير لقيمة التسامح في الفكر الغربي، بحكم أن الرجل كان معاصرا للصراع الديني الذي دار بين المذاهب المسيحية، خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت، إذ كان يتوخى من هذه الرسالة حل إشكال يعيشه مجتمعه، ولم يكن ينظر للتسامح الكوني، على عكس فولتير الذي كان يدعوا إلى تسامح كوني يشمل جميع الناس، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن التسامح لدى الرجل يتسم بالمحدودية، لأنه لم يكن يشمل الأشخاص اللاديني أو الملحدين، ثم أن التسامح الذي نظر لوك هو تسامح سياسي، على الرغم أن ظاهره تسامح ديني، والسبب في ذلك أنه كان يهدف إلى الحد من سلطة الكنيسة من الناحية التشريعية ومنحها للحاكم المدني، الذي هو الضامن للخيرات المدنية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان داخل المجتمع.(8) الحرية: أن موضوع الحرية كان الشغل الشاغل في فكر لوك، فجميع مؤلفاته الاساسية التي تعرض فكره السياسي تدور حول هذا الموضوع، فكتابه رسالة في التسامح عام 1689 كتبه دفاعاً عن الحرية الدينية، وكتابه رسالتان في الحكومة المدنية عام 1690 كتبه دفاعاً عن الحرية السياسية وكتابة قيمة المال عام 1691 كتبه دفاعاً عن الحرية الاقتصادية، فكل مؤلف من مؤلفاته عبارة عن دراسة لمبدأ من مبادئ الحرية البشرية، وفي رسالة الحكومة المدنية، ذهب فيها إلى الناس كانوا يعيشون قديماً في حالة تسمى بحالة الفطرة، أو الحالة الطبيعية التي تتميز على الأقل بميزتين اساسيتين وهما: الحرية والمساواة، فالناس في حالة الفطرة كانوا يعيشون في ظل الحرية والمساواة المطلقة لا يحكمهم إلا القانون الفطري الذي يناسب تلك الحال هو القانون الطبيعي، وحرية الإنسان الطبيعي في نظره يجب أن لا تكون خاضعة لأي سلطة أعلى من الإنسان، وعلى ذلك فكل إنسان يولد حراً، ولا يمكن أن تقيد من حريته أي سلطة يمكن أن توجد على الأرض إلا بعد موافقته، وفي كتابه التسامح دافع لوك فيه عن حق الأفراد في الحرية الشخصية، وهو يحتم أن يكون لكل إنسان الحق الكامل في أبداء آرائه من كل قيد، فليس من الحكمة أن ترغم الناس على عقيدة معينة أو رأي خاص. عنى لوك بالدفاع عن الحرية في كل أشكالها سواء في المجال السياسي أو الديني أو الفكري أو المجال الاقتصادي، بل جعل الوظيفة الاساسية للدولة هي الدفاع عن هذه الحرية غير أن نظريته في نشأة الدولة والمجتمع السياسي تستدعي أولاً النظر إلى آرائه في حالة الطبيعة أو القانون الطبيعي، فيرى أن الناس أحراراً في حالة الطبيعة، لكن هذه الحرية لا تعني الإباحية لكل شيء، فالإنسان في هذا الطور يتمتع بحرية التصرف بشخصه وممتلكاته، إلا أنه لا يتمتع بحرية القضاء على حياته، بل حتى على حياة المخلوقات كلها، ويجب ألا يفهم من ذلك أن الحرية التي دعا إليها لوك هي حرية مطلقة، بل هي مقيدة بالسنن الطبيعية التي أودعها الله، ولذلك يجب على الجميع عدم تجاوز هذه السنن، ولقد سعى لوك إلى تحرير الفرد باعتباره كائناً طبيعياً يمتلك حق الحياة وحق الحرية وحق التملك وحق العيش بسلام، وبذلك معنى الحرية عند لوك هي أن الناس في ظل الحكومة معناها الحياة بحسب قاعدة منصوص عليها، تنطبق على جميع افراد تلك الجماعة، سنتها السلطة التشريعية التي نصبت فيها، أي العمل في كل الأمور التي لا تنص عليها تلك القاعدة والاستقلال عن كل إرادة أخرى متقلبة خفية مستبدة، كما أن الحرية الطبيعية معناها الاستقلال عن كل سلطة عدا السنة الطبيعية، ويقول لوك:" أن الحرية ليست مطلقة، إذ أن لها حدود لا يمكن للمرء أن يتخطاها، فهو لا يملك حرية قتل نفسه".(9) الليبرالية: يعد جون لوك من أوائل منظري الفكر الليبرالي، الذي يقوم على الديمقراطية والحرية الفردية والمساواة الاجتماعية، ويطالب أصحابه بحرية التعبير والصحافة والحرية الدينية والحقوق المدنية وغيرها من المبادئ الليبرالية الشائعة، فقد كان لوك يرى أن للفرد الحق في الحياة والحرية والملكية الخاصة، وأنه يتوجب على أي حكومة ألا تتعدى على شيء من هذه الحقوق الطبيعية للفرد، فالوظيفة العليا للدولة هي حماية الثروة والحرية، وأنه يجب على الشعب تغيير الحكومة أو تبديلها، في حالة عدم حفظها لحقوق الشعب وحريته، وكما أثرت هذه الأفكار في الثورة الإنجليزية، و وساهمت في زيادة الوعي السياسي لدى الأميركيين، الذين اعتنقوا آراءه وعملوا على تنفيذها، وبذلك تعد اللِيبرالية هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساواة، وبرزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي، وقد رفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، وفصل الدين عن الدولة، وملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك، وقد أضاف لوك أن الحكومات يجب ألا تنتهك هذه الحقوق وذلك بالاستناد إلى العقد الاجتماعي. أثر فلسفة جون لوك السياسية: لقد عملت مبادئ لوك ومن تأثروا به في القرن الثامن عشر على قيام الثورتين الفرنسية والأمريكية، وعلى تحديد المثل السياسي التي عرفت في غرب أوربا باسم الفلسفة الليبرالية، وهي التي تمثلت في حماية الحريات المهنية للفرد والتي تمثلت في حرية الفكر والدين والاجتماع والرقابة على السلطة الحاكمة بواسطة ممثلين منتخبين ، وأن تعمل الحكومة في حدود الدستور، وقد بدت هذه المبادئ واضحة في وثيقة اعلان الاستقلال الأمريكي وجاء فيها:" إن الناس قد خلقوا سواسية وأنه لا ينبغي للسلطة أن تسلبهم حقوقهم الطبيعية في الحياة والحرية والسعادة، وأنه من أجل ذلك اقيمت الحكومات التي تستمد سلطاتها من رضى المحكومين، وأنه من حق الشعب أن يغير هذه الحكومات إذا ما انقلبت هادمة لتلك الحريات". أما في ألمانيا كانت أكثر اهتماماً بتحقيق وحدتها السياسية مع بسمارك، أما في فرنسا فقد نظر إليها على أنها فلسفة طبقية، وذلك نتيجة لأن قطاعاً كبيراً من الفلاحين بعد الثورة الفرنسية تملكوا اراضي وتحولوا إلى طبقة متوسطة أقرب ما تكون إلى البرجوازية، ومن هنا لم يلف ممثلو الليبرالية في فرنسا ترحيباً من عامة الجماهير، على الرغم من أن أفكار لوك كان لها نفوذ ضخم في فرنسا ويرجع الفضل فيه إلى فولتير الذي ترجم لأبناء وطنه أفكار لوك. أما في انجلترا نجحت في أن تصبح فلسفة وطنية تتبنى مبادئ اصلاح ترضى الطبقة العاملة وتحمي مصالح الطبقة المتوسطة وتحقيق حرية التجارة، بل اتسعت لتكون حلقة وصل بين الدعوى إلى الفردية المميزة لعصر الثورة الفرنسية، وبين الفلسفات الداعية لفائدة المجموع والمواءمة بين المحافظة على الحريات السياسية والمدنية للفرد وبين التغيرات اللازمة لنقد سياسة التصنيع، ويعد جون ستيوارت مل(1806_1873) مؤلف كتاب الحرية عام 1859، من أهم من تأثروا بمبادئ لوك الليبرالية، ومضى في الدفاع عن الحريات الفرد وخاصة في التعبير عن حريته في التعبير عن آرائه. ومن الآثار الواضحة لفلسفة لوك، هي نشوء الرأسمالية، فهي كانت السبب الرئيسي في نشوء الرأسمالية، فقد دعى إلى حرية الاقتصاد المطلق والتي عبر عنها العلماء بعبارة " دعه يعمل دعه يمر". ولكن لوك دعا إلى الحرية الاقتصادية، وذلك لمساندة الطبقة البرجوازية النامية والمعتمدة على مجهودها الذاتي، ويذكر لوك أن هذه الحرية الملكية مهما تضخمت فهي محدودة دائماً بحدود طبيعية ومعقولة بحيث لا تصل إلى التضخم غير الطبيعي الذي يمكن أن تترتب عليه آثار فاسدة، فيقول:" إن قانون الطبيعة الذي يجيز لنا الملكية إنما يحدد أيضاً هذه الملكية، فيحددها بقدر ما يستطيع الإنسان أن يستعملها فيما يعود عليه بالفائدة في حياته قبل أن تفسد.(10) الهوامش: 1_ينظر أمل مبروك: الفلسفة الحديثة، دار التنوير، بيروت، 2011، ص140. وينظر أيضاً جون لوك: في الحكم المدني، ترجمة ماجد فخري، اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت، 1959، ص10( مقدمة ماجد فخري). وينظر أيضاً علي إمحمد مطلب أبو ذبوس: جون مارك لوك ومساهمتها في تطور الفكر السياسي المعاصر، مجلة جامعة فزان العلمية، المجلد الثالث، العدد الثاني 2024، ص165. 2_ ينظر أمل مبروك: الفلسفة الحديثة، ص149_151. وينظر أيضاً أميرة حلمي مطر: الفلسفة السياسية( من أفلاطون إلى ماركس)، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1995، ص65. وينظر أيضاً زكي نجيب محمود: قصة الفلسفة الحديثة، المطبعة للتأليف والنشر، القاهرة، 1936، ص197_198. 3_ينظر إبراهيم مصطفى إبراهيم: الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم، دار الوفاء، الاسكندرية_ مصر، 2000، ص282_283. وينظر أيضاً أميرة حلمي مطر: الفلسفة السياسية، ص66_67_68_69. وينظر أيضاً جون لوك الحكومة المدنية وصلتها بنظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، ترجمة محمود شوقي الكيال، سلسة أخترنا لك81، مطابع شركة الاعلانات الشرقية، ص83_84_85_107_108. وينظر أيضاً جون لوك: في الحكم المدني، ص12_13_212_213. 4_ينظر قريشي محمد: أسس وقواعد التسامح في فكر جون لوك، مجلة الأصالة للدراسات والبحوث، مجلد4، العدد8، 2022، الجزائر، ص98. وينظر أيضاً جون لوك: الحكومة المدنية، ص6. وينظر أيضاً جون لوك: في الحكم المدني، ص13_14_15_16_17_170_188_189_224_225. 5_ ينظر إبراهيم مصطفى إبراهيم: الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم، ص284. وينظر أيضاً علي إمحمد مطلب أبو ذبوس: جون مارك لوك ومساهمتها في تطور الفكر السياسي المعاصر، ص169_170. 6_ ينظر إبراهيم مصطفى إبراهيم: الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم، ص284_285. و ينظر أيضاً أمل مبروك: الفلسفة الحديثة، ص151_152. وينظر أيضاً أميرة حلمي مطر: الفلسفة السياسية، ص72_73. وينظر أيضاً زكي نجيب محمود: قصة الفلسفة الحديثة، ص198_199. 7_ ينظر قريشي محمد: أسس وقواعد التسامح في فكر جون لوك، ص99_100_103_104_105. وينظر أيضاً جون لوك: رسالة في التسامح، ترجمة منى أبوسنه، المجلس الاعلى للثقافة، مصر، ط1، 1997، ص24_25_26_55. 8_ ينظر قريشي محمد: أسس وقواعد التسامح في فكر جون لوك، ص92_95_96_97. وينظر أيضاً جون لوك: رسالة في التسامح، ص19. 9_ ينظر أيضاً أمل مبروك: الفلسفة الحديثة، ص149_150_151. وينظر أيضاً أميرة حلمي مطر: الفلسفة السياسية، ص66. وينظر أيضاً جون لوك الحكومة المدنية وصلتها بنظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، ص14_15_16_24_27. وينظر أيضاً جون لوك: في الحكم المدني، ص150_172_174. وينظر أيضاً زكي نجيب محمود: قصة الفلسفة الحديثة، ص199. 10_ينظر أميرة حلمي مطر: الفلسفة السياسية، ص71_72_73_76_77. وينظر أيضاً برتراند رسل: تاريخ الفلسفة الغربية( الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة)، ترجمة محمد فتحي الشنيطي، المصرية العامة للكتاب، مصر، 1977، ص172.
#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رائد الفيزياء الحديثة العبقري أينشتاين
-
عراب النضال السلمي غاندي
-
سقراط الجديد جبريل مارسيل
-
الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمني
...
-
مفهوم الميتافيزيقا
-
الظاهرة العبثية الإلحاد
-
الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
-
النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
-
العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
-
مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
-
مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
-
المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ
...
-
الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
-
موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
-
الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
-
البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
-
مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
المزيد.....
-
سرقا بطاقة ائتمان واشتريا ورقة يانصيب فائزة بنصف مليون يورو.
...
-
ترامب: لن أفرض خطة غزة بالقوة ومشاركة زيلينسكي في المحادثات
...
-
20 من أخطر وجهات السفر في العالَم
-
أصيب بجروح خطيرة - طعن رجل في النصب التذكاري للمحرقة في برلي
...
-
زيلينسكي يتصل بخمسة قادة أوروبيين في يوم واحد
-
-فايننشال تايمز-: بعض الشركات الأمريكية تفكر باستئناف نشاطها
...
-
-حزب الله- ينشر مشاهد من التحضيرات لإقامة مراسم تشييع جثمان
...
-
-المجاهدين- الفلسطينية تؤكد رفضها مزاعم الجيش الإسرائيلي حول
...
-
-فوجئت بعدم ترحيب مصر والأردن-.. ترامب يتراجع خطوة للوراء بش
...
-
بيربوك تدعو لزيادة الضغوط على واشنطن في ضوء تصريحات ترامب بش
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|