زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
روستيسلاف إيشتشينكو
كاتب صحفي وعالم سياسي ومؤرخ وناشر روسي أوكراني الأصل،
دبلوماسي أوكراني سابق، خبير في شؤون اوكرانيا
موقع DISCRED.RU
17 فبراير 2025
قبيل لقاء الوفدين الروسي والأمريكي في الرياض. كييف وواشنطن لم تتمكنا من التوصل إلى قرار نهائي: هل تمت دعوة أوكرانيا للمشاركة في هذا اللقاء ورفضت الأخيرة ذلك، أم أن كييف أرادت المشاركة ولم تتم دعوتها؟
نظرًا لأن البيت الأبيض ومكتب رئيس أوكرانيا يمكن أن يكونا محددين للغاية عندما يتعلق الأمر برغباتهما، فإن هذا الغموض يشير إلى نية الولايات المتحدة في ترك المسألة معلقة – أي إبقاء الوفد الأوكراني جاهزًا للمشاركة في المفاوضات دون ضمان مشاركته.
لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى ذلك؟
لأن المكالمة الهاتفية بين الرئيسين أظهرت أن موسكو وواشنطن لا تزالان تحتفظان ليس فقط بخلاف استراتيجي عميق – فيما يتعلق برؤية "العالم الجديد الجميل" الذي سنعيش فيه جميعًا بعد الأزمة، ولكن أيضًا حول الجوانب الفنية للمفاوضات القريبة. ترغب روسيا في إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة حول تسوية عالمية، أحد جوانبها سيكون التسوية في أوكرانيا. بينما تريد واشنطن التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، مع ترك يديها حرة على المستوى العالمي.
تحتاج الولايات المتحدة إلى التركيز على القارة الأمريكية، وعلى التطهير السياسي الداخلي للقوى الليبرالية - اليسارية التي تحلم بالانتقام في الانتخابات القادمة للكونغرس (2026)، وعلى المدى البعيد، قمع إيران، وتعزيز مواقعها في الشرق الأوسط، وحصار الصين في البحار القريبة وتدمير تجارتها (مما سيضرب اقتصادها) من خلال تقويض مشروع "حزام واحد، طريق واحد".
مع الأخذ في الاعتبار الطموحات التركية الممتدة من ليبيا وسوريا إلى القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك العداء المستمر لروسيا من قبل النخب البولندية والبلطيقية والإسكندنافية، والتي تحاول بريطانيا تنظيمها في إطار منافسة مع فرنسا على النفوذ السياسي في الدول الأوروبية، فإن روسيا - حتى بدون الحرب في أوكرانيا وبدون إنفاق الأموال الأمريكية - ستبقى لديها العديد من المشاكل التي تمنعها من أن تكون عاملًا جادًا يمكن أن يعيق الولايات المتحدة في تنفيذ خطتها طويلة المدى (التي تتجاوز فترة الرئاسة الحالية، وربما حتى حياة دونالد ترامب) لاستعادة الهيمنة العالمية، بما في ذلك من خلال استعادة الهيمنة الصناعية والاحتكار التكنولوجي في عالم ما بعد الأزمة.
لهذا السبب، لا تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى تسوية عالمية - بل إنها ضارة، بل وخطيرة للغاية بالنسبة للنظام الجيوسياسي الأمريكي (Pax Americana) الذي يحاول البقاء بأي ثمن.
السلام العالمي الآن مستحيل دون اعتراف الولايات المتحدة بهزيمتها وموافقتها على توافق موسكو-بكين – وهو إنشاء عالم من المناطق السياسية- الاقتصادية المستقلة التي تتفاعل مع بعضها البعض وتقودها قوى عظمى.
تعمل روسيا على تثبيت هذا الحدث في الوثائق القانونية الدولية (قانونيًا) وإعادة هيكلة نظام المنظمات الدولية (عمليًا). وقد أعلنت الدبلوماسية الروسية بالفعل عن ضرورة عقد مؤتمر دولي تمثيلي يناقش قضايا تنظيم "العالم الجديد الجميل" بشكل عادل.
الولايات المتحدة ليست ضد عقد مؤتمر دولي تمثيلي، لكنها تريد أن يناقش فقط شكل تسوية النزاع الأوكراني – الروسي.
في الوقت نفسه، تدرك واشنطن أن روسيا لن تدخل في مفاوضات موسكو/كييف مع واشنطن كوسيط. لذلك يحاول الأمريكيون بدء عملية التفاوض دون صياغة واضحة لأهدافها. وهذا يسمح لهم في المرحلة المبكرة، بعد مناقشة جميع الخلافات، بالقول إن حل مثل هذه المشاكل المعقدة يتطلب مشاورات طويلة مع الحلفاء، سواء في أوروبا أو آسيا أو في منطقة المحيط الهادئ (وربما تحتاج روسيا أيضًا إلى التنسيق مع الصين، حيث توجد خلافات كبيرة بين موسكو وبكين في بعض القضايا). وفي الوقت نفسه، فإن وقف إراقة الدماء هو المهمة الأكثر إلحاحًا، والتي ستسهل حل المشاكل الأخرى، لذلك دعونا نبدأ بمسألة أوكرانيا، خاصة وأننا نتفق تقريبًا عليها.
بمجرد أن يوافق الوفد الروسي على هذا الاقتراح الذي يبدو منطقيًا، ستقترح الولايات المتحدة على الفور دعوة الوفد الأوكراني أيضًا للمشاركة في المفاوضات. هذا الوفد موجود في حالة استعداد كامل، ويفضل أن يكون قريبًا، حتى يمكن "اكتشافه" جاهزًا للمشاركة في المناقشة بعد ساعتين فقط (بينما نتناول الغداء).
ثم تحويل المفاوضات إلى مفاوضات روسية-أوكرانية هو مسألة تقنية. ستستمر الولايات المتحدة في التأكيد على أن التسوية العالمية تنتظر دورها وستبدأ قريبًا، فقط يجب إنهاء العملية الأوكرانية أولاً. وهذا سيكون إشارة جيدة لجميع المشككين، وبعد ذلك سيأتي المؤتمر الدولي التمثيلي، والسلام العالمي، وكل ما نتمناه. ولكن لاحقًا.
هكذا يرسم فريق ترامب خطته للسلام، عندما تظهر التفاصيل من خلال جدار التصريحات المتناقضة. حتى الآن، التفاصيل الوحيدة التي تم سماعها من الجانب الأمريكي هي أن ترامب يخطط للتفاوض أولاً مع بوتين (ولهذا يتم تحضير اجتماع في الرياض من قبل مجموعات عمل)، ثم مع زيلينسكي، وبعد ذلك سيتم عقد اجتماع ثلاثي. وهذا من حيث الشكل والمضمون هو وساطة كلاسيكية في حل النزاع الأوكراني-الروسي، ولكن لا يوجد هنا أي شيء يشبه حتى من بعيد حل مشكلة التسوية العالمية مع الولايات المتحدة.
في الكرملين يدركون ذلك، لذلك فإن المزاج بين الصحفيين والخبراء أكثر تفاؤلاً بكثير من موظفي الحكومة. تصريحات الكرملين وساحة سمولينسكايا (مقر وزارة الخارجية ZZ) من حيث الشكل المجرد والمضمون غير المحدد لا تختلف كثيرًا عن التصريحات الأمريكية. نعم، نحن نسعى للسلام، ولا نريد أن يموت الناس، ولكن لتحقيق سلام دائم (وليس هدنة مؤقتة لإعادة التسلح)، يجب القضاء على مصدر المشاكل الحالية. يعتبر البعض في روسيا أن نظام كييف هو مصدر المشاكل، والبعض الآخر يعتبر أوكرانيا نفسها مصدرًا (وهذا أقرب إلى الحقيقة)، ولكن في الواقع مصدر المشاكل هو الخلافات الروسية-الأمريكية (والصينية-الأمريكية، وإن كانت بالنسبة لنا ثانوية). فقط من خلال حل هذه الخلافات والاتفاق على تسوية عالمية، يمكننا القضاء على مصدر كل المشاكل.
وافقت روسيا على الاجتماع في الرياض والمفاوضات اللاحقة المحتملة، لأن الكرملين يدرك أن ترامب محدود جدًا بالوقود ومضطر لمعالجة العديد من المشاكل في وقت واحد. لا يمكنه أن يخسر ماء وجهه أو يخسر أي لعبة بدأها. يجب أن يجد شكلًا مقبولاً للتسوية في أوكرانيا قبل أن تفقد السلطة في كييف السيطرة على البلاد والأحداث.
قبل عرضه الواسع على بوتين، كان يمكنه انتظار هزيمة أوكرانيا وإلقاء اللوم على بايدن. ولكن في الأسابيع الأخيرة، قال الكثير وتعرض لانتقادات قوية من الليبراليين اليساريين في أوروبا وأمريكا، الذين يتهمونه ليس فقط بالتخلي عن أوكرانيا، ولكن أيضًا بمحاولة تفكيك الناتو.
الآن ستكون الكارثة الأوكرانية كارثة ترامب – وسيتأكد الديمقراطيون من أن يتم فهمها على هذا النحو في الولايات المتحدة.
العودة إلى سياسة المواجهة مع روسيا ليست خيارًا جيدًا لترامب أيضًا، لأنها أولاً غير مجدية، حيث أنها لا تلغي الكارثة الأوكرانية،
وثانيًا ستكون دليلاً على "صحة" سياسة بايدن الخارجية، حيث سيبدو أن ترامب يعود إلى ما انتقده بشدة خلال الحملة الانتخابية.
لذلك، يحق لموسكو الاعتقاد أن ترامب، الذي يضغط عليه الوقت، سيضطر خلال المبارزة الدبلوماسية السعودية واستمرارها إلى تقديم تنازلات كبيرة. والباقي يعتمد على مهارة الدبلوماسيين من الجانبين. ولكن يجب أن نتذكر أن الأمريكيين خبراء في انتزاع تنازلات صغيرة، تبدو غير مهمة للوهلة الأولى (وفقًا لمبدأ: لا يهمكم، ونحن بحاجة إلى إحضار شيء ما إلى الوطن، وإلا فإن الكونغرس الغاضب لن يدعمنا وستفشل تسويتنا). ومع تراكم هذه التنازلات الصغيرة، تتحول في يوم من الأيام إلى تنازل ضخم، يظهر وكأنه جاء من تلقاء نفسه.
لذلك، يجب أن يقابل كل خطوة من طرفنا تجاه "الشركاء" خطوة مماثلة من جانبهم. في النهاية، لدينا أيضًا "دوما غاضبة" قد ترفض التصديق على شيء ما، والرأي العام في روسيا أكثر نشاطًا سياسيًا من الأمريكي. نحن أيضًا بحاجة إلى "إحضار شيء ما إلى الوطن" - نجاح ما يمكن أن نعرضه على الجميع.
بشكل عام، فإن الصراع الدبلوماسي قد بدأ للتو، وبصراحة، لا أعتقد أنه في الأشهر القليلة القادمة، أو حتى في العامين المقبلين، سنتمكن من التوصل إلى اتفاق شامل حقيقي مع الغرب، يكون مقبولاً وقابلاً للتنفيذ من كلا الجانبين. إمكانية الصراع لم تنته بعد، ولا حتى بنسبة الثلثين.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟