أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي سليفاني - سلاسل من حرير














المزيد.....


سلاسل من حرير


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 15:37
المحور: الادب والفن
    


لطالما نظرت إلى صديقي بدهشة، بل بشيء من الاستغراب؛ فهو شخص لا يكترث بشيء، يفعل ما يحلو له دون أن يهتم بآراء الآخرين. يجلس أينما أراد، يحكي ما يريد، يضحك بصوت عالٍ، يغني بلا تردد، يرقص إن شعر بالرغبة في الرقص، يأكل ما يحب، ويرتدي ما يراه مريحًا، لا ما يراه المجتمع لائقًا. لا حسابات في حياته، لا قيود، لا اعتبارات تمنعه من أن يكون هو.

أما أنا، فكنت نقيضه تمامًا. أتابع كل شيء في حياتي بدقة، أزن كلماتي قبل أن أنطق بها، أراعي مشاعر الآخرين قبل أن أعبّر عن مشاعري، أحرص على أن أكون في نظرهم مثالًا للاتزان واللباقة. حتى حين أرتدي ملابسي، لا أفكر في راحتي، بل في مدى ملائمة صورتي أمامهم ورأيهم بي. في الطعام، في الجلوس، في الحديث، في الضحك، في أدق التفاصيل، كنت أشبه بحارس صارم على نفسي، يمنعها من أي تصرف قد يخرج عن المألوف أو يثير استغراب أحد.

أتذكر ذات مرة كنا في مقهى مزدحم، جلسنا على طاولة وسط الناس، وفجأة بدأ صديقي يغني بصوت مرتفع، يطرق على الطاولة بإيقاع مرح، يجذب الأنظار نحوه بلا خوف. أما أنا، فتشنجت مكاني، نظرت حولي بحرج، انتظرت أن يعاتبه أحد، أن يسخر منه الآخرون، لكنه لم يبالِ، بل ازداد انطلاقًا. الغريب أن لا أحد اعترض، بعضهم ابتسم، وبعضهم تجاهله ببساطة، بينما أنا بقيت حبيس أفكاري، أفكر في نظراتهم بدل أن أشارك لحظة الفرح.

وفي تجمع آخر، ألقى نكتة جريئة بصوت عالٍ، فضحك الجميع. آهٍ... وأنا الذي أحب المرح والفكاهة.. فكم مرة كان لدي لأقوله في هذا المضمار لكنني خفت أن أبدو طائشا، أن يُساء فهمي، أن يُحكم عليّ بشيء لا أريده. فبقيت صامتًا… وبقيت دومًا كذلك.

ومع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أنني لم أكن سعيدًا… صديقي كان أكثر سعادة مني. كان يعيش الحياة، بينما أنا كنت أرتبها فقط. كنت أشاهدها من بعيد، أخطط لها، أنظمها، أضبطها حتى لا أخرج عن إطارها المقبول، لكنني لم أذق طعمها يومًا كما فعل هو. فهل خُلِقتُ لكي أحافظ على جمال تصورات الآخرين عني؟! هل دوري في الحياة أن أعيشها أم أمارسها؟!

وفي لحظة ما، بينما كنت أنظر إلى وجهي المتعب في المرآة، رأيت رجلاً مجهولًا، رجلًا لم يعرف يومًا ماذا يريد، لم يعرف ماذا يعني أن يكون "هو" دون إذن من الآخرين. رأيت ظلًا، لا إنسانًا.

عندها أدركت… لم أكن أعيش، بل كنت أؤدي دورًا مثاليًا في مسرحية كتبها المجتمع لي. كنت أحرص على إتقان الدور، لكنه لم يكن دوري الحقيقي. والآن، وأنا أنظر إلى صديقي، أدرك كم كنت غبيًا… لقد خسرت الحياة من أجل اعتبارات لا قيمة لها، بينما هو فاز بها ببساطة، لأنه كان هو… ولم يكن غيره.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر


المزيد.....




- -لأول مرة-.. محاولة صناعة فيلم مختلف ضاعت في زحام التفاصيل
- سعاد بشناق عن موسيقى فيلم -يونان-.. رحلة بين عالمين
- الشارقة تكرم الفنان السوري القدير أسعد فضة (فيديو)
- العربية أم الصينية.. أيهما الأصعب بين لغات العالم؟ ولماذا؟
- سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران ال ...
- مسلسل -كساندرا-.. موسيقى تصويرية تحكي قصة مرعبة
- عرض عالمي لفيلم مصري استغرق إنتاجه 5 سنوات مستوحى من أحداث ح ...
- بينالي الفنون الإسلامية : أعمال فنية معاصرة تحاكي ثيمة -وما ...
- كنسوية.. فنانة أندونيسية تستبدل الرجال في الأساطير برؤوس نسا ...
- إعلاميون لـ-إيلاف-: قصة نجاح عالمي تكتب للمملكة في المنتدى ا ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي سليفاني - سلاسل من حرير