أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف














المزيد.....


التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 15:37
المحور: قضايا ثقافية
    


إن التاريخ ليس مجرد تسجيل للأحداث وتوثيق للوقائع، بل هو ميدان صراع بين السرديات المتباينة التي تتأثر بعوامل سياسية وأيديولوجية متعددة. فالروايات التاريخية نادرًا ما تكون محايدة؛ إذ إنها غالبًا ما تعكس مصالح القوى المهيمنة، مما يؤدي إلى تغييب بعض الحقائق وتشويه أخرى. وقد وقع الشعب الكوردي، شأنه شأن العديد من الشعوب المظلومة الأخرى، ضحيةً لهذا التشويه التاريخي، حيث تعرضت هويته القومية والثقافية لمحاولات طمس وتحريف متعمدة في كثير من المصادر التاريخية.
في هذا السياق، برزت شخصيات أكاديمية سعت إلى تصحيح هذه التشوهات التاريخية، ومن بينها البروفيسور علي تتر نيروي، المؤرخ الكوردي الذي لعب دورًا بارزًا في إعادة كتابة التاريخ الكوردي وتفنيد المغالطات التي وقع فيها بعض المؤرخين، سواء عن جهل أو بدوافع سياسية.

محاولات تزييف التاريخ الكوردي وتهميش دوره
على مرّ العصور، تعرض الشعب الكوردي لمحاولات تهميش وتشويه ممنهج، في إطار الصراعات الجيوسياسية والثقافية. فقد أُعيد تشكيل تاريخه بما يخدم مصالح القوى المسيطرة، إما بتزييفه أو بإقصائه من السرديات الرسمية، بهدف طمس دوره في الأحداث الإقليمية والدولية. وقد أدرك البروفيسور علي تتر نيروي خطورة هذه المحاولات، فكرّس أبحاثه لتفنيد الادعاءات الزائفة وتسليط الضوء مجددًا على المحطات الكبرى في تاريخ الكورد.

من خلال الاعتماد على الوثائق والمصادر العلمية، كشف زيف العديد من الادعاءات التي حاولت تقديم صورة نمطية منحازة عن الكورد، وسعى إلى إعادة بناء سردية تستند إلى منهجيات أكاديمية محايدة. على سبيل المثال، في كتابه "كوردستان في التاريخ الحديث"، قام بتحليل السرديات الرسمية التي حاولت تصوير الكورد كفاعلين هامشيين، واستعرض الوثائق التي تؤكد الدور المحوري للكورد في تشكيل الأحداث السياسية والاجتماعية في المنطقة.

دور علي تتر نيروي في تصحيح السرديات التاريخية

لم يقتصر دور البروفيسور علي تتر نيروي على البحث الأكاديمي، بل امتد إلى النشاط السياسي، حيث كان منخرطًا في القضية الكوردية منذ سبعينيات القرن الماضي. فقد جمع بين دوره كمؤرخ ومناضل سياسي، وأسهمت كتاباته في إعادة الاعتبار للعديد من الأحداث والمواقف التي تعرضت للتهميش أو التحريف.

من أبرز أعماله التحليلية دراسته المقارنة بين المصادر العثمانية والفارسية والعربية حول الحركات الكوردية في القرن التاسع عشر، حيث كشف عن التناقضات في الروايات الرسمية لهذه الدول، وأثبت عبر الوثائق الأصلية أن العديد من الحركات الكوردية لم تكن مجرد "تمردات" كما وصفتها السجلات الرسمية، بل كانت حركات مقاومة ذات بعد قومي.
كما تتناول في أبحاثه شخصيات تاريخية وأسطورية ادّعت بعض الشعوب المجاورة انتماءها إليها، في حين كشفت دراساته، المستندة إلى المصادر الأصلية، أن هذه الشخصيات تنتمي في جوهرها إلى التاريخ الكوردي. غير أنها تعرضت لتحريف ممنهج بهدف طمس الهوية الكوردية وإبعادها عن الوعي التاريخي العام. كما ألقى الضوء على العديد من الطقوس والمناسبات العرفية والدينية التي نُسبت إلى ثقافات أخرى، رغم امتداد جذورها العميقة في التراث الكوردي، في إطار مساعٍ متعمدة لإقصاء الكورد من سياقهم الحضاري وإضعاف صلتهم بإرثهم الثقافي العريق.

إشكالية التزييف التاريخي ودور المؤرخين في مواجهته
إن الشعوب التي تعاني من القهر السياسي غالبًا ما تكون ضحية التزييف التاريخي، حيث يُعاد تشكيل ماضيها وفقًا لمصالح القوى المهيمنة. وهنا يأتي دور المؤرخين الموضوعيين، مثل البروفيسور علي تتر نيروي، الذين يسعون إلى إعادة بناء الرواية التاريخية استنادًا إلى معايير البحث العلمي، مستندين إلى الأدلة والشواهد الموثقة.

إن تصحيح التاريخ لا يعني إعادة كتابته فحسب، بل يشمل أيضًا تفكيك الخطابات المشوهة وإنتاج معرفة تاريخية جديدة تقوم على الموضوعية والدقة. وفي هذا السياق، شدد المؤرخ على تتر نيروي على ضرورة عدم استبدال السرديات المشوهة بأخرى منحازة، بل السعي إلى تقديم رواية تستند إلى تحليل نقدي للوثائق، بعيدًا عن الانتقائية.

الإرث الفكري لعلي تتر نيروي وتأثيره المستقبلي
يُعدّ الإرث الفكري الذي تركه البروفيسور علي تتر نيروي إضافة نوعية إلى الدراسات التاريخية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الكوردية. فقد ألّف العشرات من الكتب والمجلدات، من أبرزها:

"سياسات الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991)"، حيث وثّق السياسات القمعية التي تعرض لها الكورد.

"كوردستان في التاريخ الحديث"، الذي أعاد فيه تحليل دور الكورد في الأحداث الإقليمية الكبرى.

"كوردستان القديمة"، الذي تناول فيه الجذور التاريخية للحضارات الكوردية.

تميّزت أعماله بالاستناد إلى منهجية علمية دقيقة، حيث اعتمد على التحليل النقدي للمصادر التاريخية، مع إجراء مقارنات معمّقة للوصول إلى الحقيقة. لذا، فإن تأثيره يجب ألا يقتصر على الأوساط الأكاديمية فحسب، بل يجب أن يمتد إلى الأجيال الجديدة من الباحثين الذين يتوجب عليهم اتباع نهجه النقدي في دراسة التاريخ.

لقد أسهم المؤرخ علي تتر نيروي في ترسيخ وعي تاريخي نقدي بين الكورد، وحثّهم على البحث والتقصي بدلًا من الاستسلام للسرديات المهيمنة. وكان وما يزال يؤكد دائمًا أن التاريخ ليس مجرد ماضٍ يُروى، بل أداة لفهم الحاضر والتخطيط للمستقبل.

الختام: التاريخ بين الحقيقة والتشويه

تبقى إعادة كتابة التاريخ ضرورة حتمية لكل أمة تعرضت للتهميش وسُلب حقها في السرد التاريخي. إن جهود البروفيسور علي تتر نيروي تمثل إنموذجًا للمؤرخ الملتزم بقيم الحقيقة والموضوعية، حيث لم يسعَ إلى إنتاج سردية كوردية منحازة، بل إلى تصحيح المغالطات وإعادة بناء الرواية التاريخية على أسس علمية رصينة.

إن وجود شخصيات أكاديمية من طرازه يمنح الأمل في استعادة الحقيقة التاريخية بعيدًا عن التوظيف السياسي، ليظل التاريخ شاهدًا على الواقع، لا أداةً لتزييف وعي الشعوب.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر
- مقامات السليفاني- وعاظ الأمير


المزيد.....




- -حشرة العام- بنيوزيلندا.. دودة مخملية تلتهم أحشاء فرائسها
- لافروف: أصوات عقلانية بدأت تعلو في واشنطن بشأن النزاع الأوكر ...
- رجال الإطفاء ينقذون سيدة علقت داخل قناة لتصريف مياه الأمطار ...
- المجتمع الدرزي في سوريا يطالب بضمان دور فاعل للأقليات في الح ...
- اجتماع وزير الدولة النرويجي للشؤون الخارجية مع مدير المبادرة ...
- الإيدز في السعودية.. طبيب يحذر من تزايد أعداد الإصابات ووزار ...
- -مقتل الرهائن جاء نتيجة قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي-- هآر ...
- طاجيكستان وقرغيزستان تتفقان على ترسيم الحدود بينهما بعد سنوا ...
- -أكسيوس-: البيت الأبيض يرى أن المساعدات الأمريكية أنقذت زيلي ...
- مسؤول سوري : لم يتم تحديد موعد مؤتمر الحوار الوطني في دمشق


المزيد.....

- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف