|
(1) ما بعد النبوّة...الخلافة ..؟
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 13:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
( لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 في بداية السنة 11 هجرية ( ربما في 8 حزيران- يوليو 632 ميلادية ) توقّف عن السطوع ذلك النجم الذي ظلّ يدعو العرب ويومئ إليهم ما يقارب ثلاثة وعشرين عاماً . ولقد أحدث ذلك اضطراباً على الفور . فلم تكن جثة النبي محمد قد بردت ، حين دوّت الصيحة – منا أمير ومنكم أمير – في سقيفة بني ساعدة ، حيث سارع الأنصار إلى الاجتماع . وكان الصراع على السلطة بين أنصار المدينة ومهاجريّ مكة قد بلغ أصلاً نقطة الغليان . ودراسة تاريخ الإسلام تظهره على أنه سلسلةٌ من الصراع على السلطة تعامل فيها المتصارعون مع الدين بوصفه وسيلة وليس غاية . في الثلاث عشرة سنة بين بعثة محمد النبويّة وهجرته إلى المدينة ، كانت رسالته روحية محضة. والآيات القرآنية من تلك الفترة تقوم بكلّيتها على الموعظة ، والهداية ، والدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . أما في فترة المدينة ، فغدت النبرة الروحية أخْفَت وغدا كثيراً من المحتوى مؤلفاً من قواعد وأحكام تهدف إلى تعزيز قوة المسلمين في مواجهة خصومهم وإلى وضع الأساس لكيان سياسي وقومي. ولقد تحقّق هذا المقصد . وساعدت الظروف المؤاتية على إيجاد جماعةٍ ودولةِ إسلاميتين جديدتين . وعلى الرغم مما يوضحه القرآن وأخبار أعمال النبي من اختلاف المرحلتين المكية والمدنية اختلافاً شديداً ، إلا أنه ما من شك في أنّ غاية النبي قد كانت على الدوام ترسيخ دعائم الإسلام . وهو الأمر الذي تحقّق في النهاية تحت راية دولة . كلّ القرارات التي اتخذها النبي إنما اتخذها سعياً وراء هذه الغاية . وكان من بين الوسائل التي اختيرت لتعزيز تقدّم الإسلام كلٌ من استخدام القوة ، والاغتيال السياسي، وإراقة الدماء دون مبرر شرعي أو أخلاقي واضح . أما بعد وفاة النبي ، فقد حلّ الطموح إلى القيادة تحلّ محلّ الحماسة للدين بوصفه الدافع الأساسي . وفي الوقت ذاته ، كان ثمة اتفاق ضمني على أن الإسلام ، الذي كان السبب في نشوء الدولة الجديدة ، ضروري لبقاء هذه الدولة أو ، بلغة أبسط ، أن الدين الذي جعل القيادة ممكنة ينبغي الحفاظ عليه بكلّ عزم وتصميم . هكذا تمّ الالتزام بالمبادئ الإسلامية والسنّة النبوية خلال الإثني عشر عاماً من خلافة أبي بكر ( 11/632-13/634) وعمر ( 13/634-23/644)؛ بيد أنه كلما بَعُدَت وفاة النبي في الزمن ، كان النزوع يتعاظم إلى التعامل مع الدين كوسيلة وليس غاية بحد ذاته ، أي لاستخدامه كأداة في الإمساك بدفّة القيادة والحكم . ما أن أُعْلِنَت وفاة النبي حتى عرض سعد بن عبادة ( سيّد الخزرج ) أن يكون على رأس المسلمين جميعاً. لكن حركةً حاذقةً من عمر ضمنت القيادة لأبي بكر ورمت بسعد بن عبادة إلى النسيان . وقد ردّ أبو بكر الدّين بجعله القيادة ( خلافة للنبي) وتوصيته أن يُخْتار عمر خليفة من بعده . أما عمر ، وهو على فراش الموت بعد طعنه ، فقد عيّن ستة رجال ليختاروا خليفته ، على الرغم من أنه كان يحبذ أن يخلفه عبد الرحمن بن عوف . غير أن خيار الستة وقع على عثمان ، الذي انتهت خلافته باغتياله عام (35/656). ومع أن البيعة كانت آنئذٍ لعلي ، فإن سنوات خلافته الخمس قد انقضت في خوض الحروب الأهلية ( في معارك الجمل وصفين والنهروان ) وفي مواجهة الخطط المناوئة التي راح يضعها كل من معاوية وعمرو بن العاص إلى أن اغتيل هو أيضاً في العام (40/661) أما الخلافة الأموية التي آلت إلى معاوية وذريته ، وقتل الحسين بن علي في العام 61/680, وانتهاك حرمة الكعبة في مقاتلة عبد الله بن الزبير في العام 64/683، ودعاية الهاشميين وسقوط الأمويين ، وتولّي العباسيين الخلافة ، والخلافة الفاطمية المنافسة في الغرب والحركات الإسماعيلية الثورية في الشرق ، والحوادث التي بلغت ذروتها بسقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو في العام 656/1258؛ فكلّ ذلك كان أعراضاً لهوس السلطة ذاته في إهاب خلافة نبيّ الإسلام . كيف كان ينبغي أن تُدار الحكومة التي جلبتها إلى الوجود طاقة محمد الروحية والآيات القرآنية بعد وفاة النبي ؟ أكان ينبغي على النبي أن يسمّي خليفته وبذلك يوضح للجماعة الناشئة من المسلمين من سيقودهم من بعده ؟ هل كان على صحابة النبي أن يتوصلوا على نحوٍ من الأنحاء إلى اتّفاق على اختيار خليفة للنبي ؟ ولما كانت النبوة وديعة من عند الله ، فهل كان على قيادة المسلمين اللاحقة ( الإمامة ) أن تتصف بصفات النبوة ذاتها ؟ ولو سمّى النبي خليفة ، من الذي كان سيختاره ؟ هل كان ليختار ابن عمّه وصهره علياً ، خير بني هشام ، وأول ذَكَرٍ أسلم ، والمحارب الذي قدّمت شجاعته للإسلام أعظم الخدمات وَوَقَتْ حياة النبي من الأخطار ؟ أم كان خياره ليقع على أبي بكر ، الشيخ الذي يحظى بأشدّ الاحترام والذي جلب إسلامه في الأيام الأولى من الرسالة شرفاً وسمعةً للإسلام ، والذي رافق النبي ولاذ معه في فراره إلى المدينة ، وأعطاه ابنته الجميلة زوجة له؟ أم أنه كان ليفضل عمراً ، صاحب الإرادة الصلبة والفطنة السياسية المتّقدة والمدافع القوي عن العقيدة ؟ ولكن هل فكّر النبي يوماً في تسمية خليفته ؟ لِمَ لم يُظهِِر أي دليل على هذه النيّة خلال السنوات العشر من سيرته في المدينة؟ ولكن أيمكن أن نتصور أن يكون النبي، الذي بنى الجماعة والحكومة الإسلامية من لاشيء وأبدى على الدوام أعظم التبصّر والخبرة في فن الحكم ، قد أهمل هذا الأمر الخطير ؟ أيمكن أن يكون النبي ، الذي طابق في أيامه الأخيرة بين العروبة والإسلام بقوله لا يٌتْرك بجزيرة العرب دينان، قد ترك أمر مستقبل الدولة الجديدة للحظّ والمصادفة . كثيرٌ من مثل هذه الأسئلة يخطر بالبال . وهي أسئلة لاتمكن الإجابة عنها قطّ. وكلّ اقتراحات الأجوبة التي اقتُرِحَت ليست سوى تخمين . والمشكلة تكمن عند جذر معظم الصراعات التي ستعكّر مسيرة الإسلام القادمة . ويبدو مؤكّداً أن النبي لم يتخذ أي تدبير بشأن الخلافة . وتشير الأخبار الأقرب إلى الثقة أنّ النبي ، في وقفة له عند غدير خمّ في طريق عودته إلى المدينة بعد حجّة الوداع عام 10/632، أخذ علياً بيده وقال : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه – ( وكلمة مولى تُستخدم بمعنيين : الحامي والنصير – أو المحميّ والمنصور) . وفي عقيدة الشيعة أنّ هذه الكلمات التي نطق بها النبي هي تسميته علياً خليفة له . أما السنّة فيرفضون هذه العقيدة ؛ فإذا ما قبلوا حقيقة هذا القول أصلاً، فإنهم يفسّرون كلمات النبي على أنها توصية بعليّ لما قدّمه من خدمات في سبيل الإسلام ، الأمر الذي يقرّه المسلمون جميعاً . وإذا ما كان من الممكن القول إنّ ما قاله النبي عند غدير خمّ كان تسميته لعلي ّمن بعده ، فإن من الممكن القول بالمثل إنّ أمره لأبي بكر من على فراش الموت بأن يمضي إلى المسجد ويصلي بالناس بدلاً منه هو إشارة إلى رعيته في أن يخلفه أبو بكر . تختلف نظرية المسلمين السنّة في الخلافة عن قناعة الشيعة في هذا الأمر وتتنازع معها لكنها تبدو مُقْنِعَة للوهلة الأولى . فهم يرون أن نزول القول ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) في الآية 3 من سورة المائدة قد وَسَمَ نهاية الرسالة النبوية المحمدية وحدّد واجبات المسلمين بتلك التي فرضها عليهم القرآن . وتبعاً لهذا الافتراض ، فإنّ التشريع القرآني كامل وتام . ولذلك ليس ضرورياً أن يكون هنالك خليفة للنبي معصوم وإلهي الهداية ( كما يعتقد الشيعة ) ؛ يكفي أن تكون قيادة المسلمين بيد رجلٍ صارمٍ في فرض أحكام القرآن والسير على الغرار الذي سار عليه النبي . ولهذا فإنّ لصحابة النبي الحق في أن يجدوا خليفة مؤهلاً لإدارة شؤون الجماعة المسلمة بحسب القرآن والسنّة . وهذه النظرية السنّية ، على الرغم من معقوليتها ، هي ضربٌ من التبرير الارتجاعي، إذ تقوم على تأويل محدودٍ لمجرى الأحداث أيام الخلفاء الأربعة الأوائل . بيد أنّ الدراسة المدققة لتاريخ الخلافة كفيلة بأن تبين خطأ هذه النظرية وفسادها . ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكاتب : علي الدشتي ترجمة ثائر ديب إصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحية للدكتورة وفاء سلطان على منبر الحوار المتمدن ...
-
نشأة الكون وتقسيم الزمن ....؟
-
الجنّ والسّحر ...؟
-
..( 4 ) الله في القرآن..
-
.. وأد العقل العربي هل تفاقم إلى ظاهرة تراثية إرثية ..؟
-
....(الله في القرآن ...(3
-
..(.الله في القرآن ..( 2
-
..- الله في القرآن ..-1
-
... النساء والنبي -2-؟
-
.. النساء والنبي ....-1-..؟
-
... النساء في الإسلام ...؟
-
النبوّة والحكم .....؟
-
سياسة التقدم نحو السلطة ....؟
-
الكاتب القاص المدمن عشقاً صبحي دسوقي يبتهل لنارا....؟
-
بداية اقتصادية على أموال اليهود...؟
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - التغيّر في شخصية مح
...
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - الهجرة
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية-بشرية محمّد
-
الشاعر الإنسان عايد سراج غيفارا يبحث عن صديق ...؟
-
معجزة القرآن .. ومواهب الرسول الفكرية واللغوية وقوته على الإ
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|