محمد البوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 11:42
المحور:
قضايا ثقافية
يوما عن يوم، تتواصل التكنولوجيا في هضم ما تبقى فينا، فتسلبنا كل شيء: قيمنا، هوياتنا، أفكارنا. تجلس مكاننا وتتصرف بالنيابة عنا، بل تحتفظ بكل ما نريده وتنفذ ما نطلبه.
هكذا أصبح الإنسان في العصر الحالي يطلب من الآلة كل شيء ويصير عبداً لها. هو يعتقد أنه يوظفها لصالحه ربحاً للوقت وضبطاً لأمور أكثر، لكن الحقيقة التي قد تتكشف من بعدُ أنه أصبح في سجن لا نهاية له ولا يتحرك إلا ضمنه.
لقد وهن الدماغ وشل التفكير، وأصبحت الحركة الذاتية مرتبطة بالجماد. وهكذا يتواصل النزيف، نزيف لا حدود له.
لم يتوقف الأمر عند الكبار الذين يتذكرون كيف كانوا يبذلون المجهود تلو المجهود، ويفكرون بحزم للحصول على فكرة أو كتابة موضوع أو البحث عن حل أو قراءة كتاب، بل أصبحت الآلة في يد الصغار لا يترددون في الهروب إليها عند أدنى طلب لمعلمهم أو أبسط معلومة لديهم. والكارثة أن ينجزوا بها تمارين الصباح قبل الولوج للقسم.
الأمر مهول فقد حطمت كل تكافؤ الفرص، فهي سبيل للجواب في مباريات وامتحانات وبشكل مضبوط. فماذا بقي إذن من جوهر الحياة؟ وماذا بعد ؟؟؟؟
كنا نعتقد أن الأمر مرتبط بعوالم الانترنيت ، لكن ظهور الذكاء الاصطناعي بخوارزمياته المختلفة أتم العملية وجعل الإنسان فارغاً بالمطلق، لا يقدر على شيء ولا يقوم بأي مجهود، بل يحيل كل أمر على تفاهته لتطبيقات تلتهم ذاته الكسولة وتحقق أرباحاً مادية على حساب طاقاته التي أصبحت عاجزة بالكل عن الحركة جراء الإدمان على الفرار والالتجاء إلى الذكاء الاصطناعي عند أي شيء. فهل تحول الذكاء إلى استعباد؟ وهل حطم في الإنسان أدنى ذرات التفكير؟
إن ما يجري يحيل على تحول دراماتيكي في الحياة العامة بشكل خطير. طبعاً ندرك الجانب الإيجابي من توظيف الأمر في البحث العلمي والطبي، وستُكتشف آفاق أخرى قد لا تكون متاحة. لكن الجانب الآخر مظلم جداً، فقد فقد الإنسان كينونته واستقلاليته وأصبح رهينة له في أتفه الأمور على علاتها.
ترى كيف سنطور مجتمعاً على وشك فقدان مهارات العقل والتحليل وإحالتها لتطبيقات مختلفة لها أبعاد تجارية واستلابية محضة؟
.وكيف ننقذ صغارا هم رجال ونساء المستقبل قبل فوات الأوان ؟ كي لا نصل زمنا يبقى الابداع فيه نادرا والكفاءة البشرية المحضة استثناء.
كنا نعتقد ومانزال اليوم أن الذكاء الاصطناعي نعمة ، لكن نخشى أن نكتشف يوما ما انه كان نقمة حطم معظم الذوات المحطمة أصلا.
#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟