أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - رفقا بنا ايها الدرب















المزيد.....


رفقا بنا ايها الدرب


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


العلاقة بين السير والسائر ذاتية , الا انها لا تتحقق ولا تظهر بالفعل الا بواسطة الطرق والدروب العرضية , فالدرب يكشف نوع السير وحقيقة السائر , وقد تسعد مناظر الدرب و زهوره السائر, وقد تدمي اشواكه اقدام السائر , فلا يعرف السائر ما يخبئ له الدرب احيانا .
واما عن تجربتي الشخصية مع الدروب , في الطفولة، كان الدرب بالنسبة لي : هو ذلك المسار الذي نتعلمه، ونكبر عليه , و نتعثر فيه، ونخطو عليه , و الذي يعلمنا كيفية الزحف و المشي، و التحدث، و التعامل مع الآخرين , والنظر الى الاشياء من حولنا , فهو الذي يصنع ذكرياتنا الأولى، ويحدد شخصيتنا ؛ وقد توسعت وترسخت تجربتي مع الدروب في عقدي الثاني وبداية مراهقتي البريئة , اذ طالما هرولت اليها مسرعا , وهي تتسع امام ناضري كلما تقدمت فيها وسرت عليها , وكنت اتبع الدروب اتباع الفصيل اثر امه , واقتفي اثر الاقدام اقتفاء الدليل في الصحراء لآثار المسير , وفي هذا العمر عرفت ان بعض الدروب مهلكة واخرى منجية , واتبعت المسارات التي تقربني من اهدافي البسيطة والمحفوفة بالمخاطر وقتها , اذ كنت العب بالنار من حيث لا اعلم , واساير الوحوش من حيث لا اشعر ... .
كان الدرب طويلا متعبا شاقا الا انني لم أكن اشعر بالتعب قط ؛ بسبب عنفوان الشباب وحيوية المراهقة , و كان الدرب يمتد أمامي كأنه نهر لا نهاية له ، يلتوي ويتأرجح في كل اتجاه، دون أن اعرف ما كان يخبئه لي الغد ... ؛ فقد اوصلني السير الى دروب ضيقة ومسارات متعرجة فيما بعد , وكانت مليئة بالمطبات والتعرجات والتحديات والصعوبات ؛ وطالما تعثرت فيها وسقطت عليها , الا انني انهض من كبوتي في كل مرة , والعق جراحي واسير من جديد , محاولا ان اجد بصيص امل في هذا الدرب الضيق او ذلك الطريق الوعر .
و اكثر ما اتعبني في رحلتي الطويلة وسيري الحثيث وسفري الدائم ؛ دروب الاوهام وطرق الظلام , اذ ادخلها وكلي ثقة بنفسي وبالله الا انها تنتهي بي وانا مثقل بالهموم وتراكم الالام والاحزان , ولا اخرج منها الا بعد جهد جهيد وصبر من حديد , والعجيب فيها اني كلما اجد السير فيها واسرع كلما ابتعد عن هدفي المنشود , واغرق في دياجير الظلام ؛ فإشارات وعلامات الاوهام تبعدني بعيدا ؛ فهي تقرب مني البعيد وتبعد عني القريب , اشبه بالسراب الذي يحسبه الضمان ماء .
وتعرفت في تلك الدروب على مختلف الناس والشخصيات , واستفدت منها انواع التجارب والخبرات , وعشت فيها صنوف البلايا والازمات , وذقت في بعضها الطيبات , وقضيت وطرا من الشهوات والمسرات والملذات , وعرضت علي الكثير من الفرص والامكانيات , ونجحت في عبور المصاعب والتحديات , وعلى الرغم من معمعة الطريق و وعورة الدرب ؛ لا يمكن لي ان اتجنب الدرب لو طلب مني الاختيار مرة اخرى ؛ لأنه يعطي لحياتنا معنى , وان كان ممزوجا بالألم احيانا ؛ فالدرب هو الحياة , ولا مناص منه .
والدروب في حياتنا ليست مجرد مساراتٍ نعبرها , وخطوط نجتازها , واماكن نصل اليها ، بل هي قصصٌ تُكتب بخطى أقدامنا، وحكاياتٌ نحملها في قلوبنا , فكل خطوة نخطوها هي كلمة في كتاب حياتنا، بعضها خفيف كالنسيم، وبعضها ثقيل كالجبال، لكنها جميعًا تصنعنا ؛ نعم هناك دروبٌ سهلة، ممهدة كالحرير، نمرُّ عليها بفرحٍ وسرور، نلتقط فيها أزهار الأمل ونستنشق عبير التفاؤل ؛ وكذلك هناك دروبٌ وعرة، مليئة بالحجارة والعقبات والعقارب والحيات ، نتعثر فيها أحيانًا ونتألم ، لكننا ننهض لنتعلم أن القوة تكمن في الاستمرار، وأن الجروح التي نكسبها هي شهاداتٌ على إصرارنا... ؛ وقد نلتقي في تلك الدروب بمن يسيرون معنا، ويشاركوننا الخطى، ويخففون عنا أثقال الطريق، ويضيئون ظلامها بكلماتهم الجميلة وأرواحهم الطاهرة , وقد نضطر أحيانًا إلى السير وحدنا، نبحث عن بصيص نورٍ في نهاية الطريق، نتعلم أن الوحدة أحيانًا تكون معلمًا نتعرف من خلاله على أنفسنا أكثر .
الخطى التي كتبت علينا أن نمشيها في هذا الدرب او ذاك ليست دائمًا باختيارنا ، وكنت اردد بيني وبين نفسي هذه الابيات :
مشيناها خطى كتبت علينا *** ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض *** فليس يموت في أرض سواها
لكنني كنت اخوضها بشجاعة وادخلها بعزيمة ؛ مؤمنا بان هذا الدرب او ذلك الطريق سيقودني إلى وجهةٍ ما ، حتى لو لم اكن اعرفها من قبل ؛ فالحياة ليست وصولًا ومستقرا دائما ، بقدر ما هي رحلةٌ متنقلة , نتعلم فيها أن نعيش بقلوبٍ واعية، وأرواحٍ شغوفة , ونفوس صابرة متحدية ؛ وكلما كانت الدروب وعرة والطرق متعرجة والمسارات ضيقة , والخطى مقيدة , كنت امشيها بثقة وعزيمة وارادة من فولاذ , و روح مطمئنة على الرغم من النفس اللوامة القلقة المضطربة , وبخيال خصب ؛ يفتح لي من العسر يسرا , ومن الهم فرجا , ومن الضيق مخرجا , ومن اليأس املا , ومن الحزن فرحا ... ؛ فكنت اعيش التفاؤل والامل وكلي ثقة بالله ان القادم افضل وان الغد اجمل .
وفي ليالي الغسق ؛ يلتقي ظلي بالدرب , وارى نفسي فيه ؛ وفي اللَحظةِ التي اظُنُّ فيها أنَّ الدَّربَ يَنتهي ، اكتشف أنَّ الخُطوَةَ الأخيرةَ هِيَ بِدايةٌ لِظِلٍّ جَديدٍ , وهكذا دواليك , وعندها تنبثق الاسئلة كنجوم حائرة , وتتوالى التساؤلات كأقمار متناثرة , تأخذني ذات اليمين وذات الشمال ... ؛ هل انا من الدرب ام الدرب مني , وهل ذرات الدرب تحمل جينات اسلافي الغابرين , وهل تطأ اقدام رجال المستقبل رفاتي عندما يسيرون على الدرب ؟!
كل خطوة اخطوها كانت تحدثني عن اسرار الماضين من قبلي والذين ساروا على نفس الدرب ؛ وكل حجر ومدر فيه يهمس في اذني ويذكرني بأخبار الهالكين , واشاهد بأم العين كيف ان القرون الماضية والازمنة السالفة قد نسجت على الدرب نقوشا واثارا ... ؛ وقتها عرفت ان الدرب ليس خطا مستقيما او طريقا طويلا يصل بين ميلاد المرء ورحيله ؛ بل هو انعطافات وجودية وتنقلات روحية تختزل ارواحنا فيها ؛ تارة كالسهل في فصل الربيع الذي يلاعب خطانا , وتارة كالوديان السحيقة والهضاب المتموجة والظلمات والحفر المخيفة التي تبتلع الانفاس وتلتهم الاشخاص .
ولم أكن اعلم ان كل خطوة كنت اخطوها على دَربُ العُمرِ كانت بمثابة التقدم خطوة نحو الاجل وليس الامل , فخطواتنا تحمل اجالنا ؛ كما تحمل همومنا واحلامنا وذكرياتنا واعباء ايامنا , وباستمرار الخطوات والسير الحثيث ومعرفة اغلب الطرق والمشي في اغلب الدروب ؛ تَتساقطُ أحلامُنا كَأوراقِ الخَريفِ ، فتَدوسُها الاقدام دونَ انتباهٍ ، وتزهر الجروح اشواكا , وتتحول العثرات الى كدمات , حتى يبتلعنا طوفان الصمت كالأصنام وسط الزحام .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (3)
- لا تراهنوا على الحصان الخاسر
- الزيارات المصرية المشؤومة الى العراق , ما لها وما عليها (3)
- تنقل الجولاني من الاحضان الاخوانية الى الاحضان الوهابية
- حكومة الجولاني معادية للعراق والاغلبية والامة العراقية
- أوامر ترامب بترحيل الغزاويين وتوطين اللاجئين في مصر والاردن ...
- مقارنة الوضع الراهن بالأسوأ على الاطلاق ؟!
- مقولة وتعليق / 58 / مطاردة العقل النير ومحاربة القلم الحر
- مقولة وتعليق / 57 / لا تجهد نفسك في تنظيف حظيرة الحيوانات
- مضى عام
- الوجه الحقيقي لحكومة الجولاني الدموية
- اعوام العراق السعيدة 2024 / 2025
- الحاضنة الاجتماعية والثقافية والدينية والاعلامية للإرهاب
- مطاردة اصحاب (الحلال) ؟!
- عمليات مسخ الشخصية العراقية
- الاعلام المتحيز الهجين
- الفرق بين الاصلاء وبين اشباه الحرباء
- حروب هزلية بأدوار كوميدية ونتائج كارثية ؟!
- بشار الاسد والرقص مع الأفاعي
- تغدوا بتركيا قبل لا تتعشى بالعراق


المزيد.....




- العربية أم الصينية.. أيهما الأصعب بين لغات العالم؟ ولماذا؟
- سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران ال ...
- مسلسل -كساندرا-.. موسيقى تصويرية تحكي قصة مرعبة
- عرض عالمي لفيلم مصري استغرق إنتاجه 5 سنوات مستوحى من أحداث ح ...
- بينالي الفنون الإسلامية : أعمال فنية معاصرة تحاكي ثيمة -وما ...
- كنسوية.. فنانة أندونيسية تستبدل الرجال في الأساطير برؤوس نسا ...
- إعلاميون لـ-إيلاف-: قصة نجاح عالمي تكتب للمملكة في المنتدى ا ...
- رسمياً نتائج التمهيدي المهني في العراق اليوم 2025 (فرع تجاري ...
- سلوكيّات فتيات الهوى بكولكاتا نقلها إلى المسرح.. ما سرّ العي ...
- الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة تصل إلى ليبيا لتول ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - رفقا بنا ايها الدرب