أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالحميد برتو - أوامر ترامب العجولة















المزيد.....


أوامر ترامب العجولة


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 16:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يوجد فرقٌ كبير بين الثقافة العجولة والمتأنية. الأولى تَبني قشرةً والثانيةُ تَبني روحَ السلوك المقبول. يَختلف إيقاعُ كل منهما، تصل العجولة داخل مجالها والى عامة الناس، على هيئة رنين متواصل دون فواصل. أما المتأنية تُسْمَعُ نغماتها وتَسْتَمِعُ لنفسها أيضاً. كما يوجد في الأساس ترابط عميق بين بناء كل بلد وبناء شخصية مواطنيه.

هذه مقدمة قد تساعد في فهم الرئيس الأمريكي ترامب. اعتبر هذا الرئيس العالمَ مجرد ملعب واسع، تتبارى فيه فرق عديدة، بعضها أساسي و واعد، والبعض الآخر تكملة من أجل تنويع المباريات، مع الإقرار بوجود غرفةِ تحكيم واحدة تضبط كل الألعاب "الجميلة".

بديهي في كل مباراة تتنوع شخصيات الحاضرين مهنياً، إجتماعياً ومعيارياً. لنأخذ على سبيل المثال شخصاً يمتهن التجارة. نتساءل كيف ينظر هذا إلى الملعب وما يجري فيه. في البدء حين يشترى بطاقة الدخول، يحاول التأكد من أن المتعة التي سيحصل عليها، تعادل أو تفوق المبلغ الذي يدفعه. كذلك يفضل وجود مراهنات داخل الملعب على أمل تحقيق ربح ما. منذ اللحظة الأولى لدخوله الملعب، وعلى الأغلب قبلها، يضع إفتراضات للفريق الفائز حسب إنحيازاته الشخصية المسبقة. كما يقرر بأن يكون صوته هو الأعلى في الملعب مشجعاً كان أو منتقداً. ويحاول رشوة أحد العاملين في الملعب، ليجلب له مكبر صوت، على قاعدة المال قوة سحرية.

إستطاع ترامب خلق ضجة كونية خلال أيام قليلة بعد دخوله البيت الأبيض وعشيتها أيضاً. لم يسبقه إليها رئيس آخر في بلاده أو خارجها. وزع "مكارمه" على الجيران وعلى الأعداء، ولم يبخل بها على الحلفاء أيضاً. شعر بسعادة كبرى بعد ذلك، ظناً منه أنه بات مالك الدنيا بأسرها. إطلق أهم تصريحاته الأولى عند إستقباله لضيفه القادم من والقائد لأكبر مذبحة في التاريخ. بدا الذهول على وجه ضيفه المطلوب للعدالة الدولية من تلك التصريحات. أدهشت التصريحاتُ الضيفَ، لأنها فاقت أعلى تصوراته حول الوضع الراهن، وحتى طموحاته لحد ما، أو ربما لأنه يخشى الوعود السائبة النهايات، لما قد تَحمله من مخاطر جادة.

جاء في تعليق سابق قبل أيام قليلة عن الحالة الأمريكية على النحو التالي: "راق لإدارتِ الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة لقب "الدولة العظمى"، ثم في حالات أخرى لاحقة "القوة العظمى الوحيدة". وأخيراً جاء الدور الجديد للرئيس ترامب، فلم يكتفي بما حازت عليه بلاده من ألقاب، ليمهد الطريق لطرح فكرة "القوة فوق العظمى". يَخرج الرئيسُ للعالم بعد التداول مع نفسه، ليوزع الأدوار والمهمات على الدول الأخرى، بما فيها الدول الأكثر تقدماً في العالم. متناسياً حقيقة سياسية كونية تُفيد بأن: مَنْ يُريد كُلَّ شيءٍ يخسر كل شيء.".

قلما تسدى النصائح الجادة بين الأعداء والخصوم. ذلك خشية من تسرب ما قد ينفع الطرف الآخر. وليس على أساس أن النصيحة عند بعضهم أرخص أنواع الكلام. أما في الحالات النادرة التي تسدى فيها النصائح، حول العديد من أزمات الحياة السياسية الدولية، فتوجد بعض المنفعة المتبادلة بين طرفي الصراع. كذلك بين الأصدقاء يجري الإقتصاد في تقديم النصحية، على أساس احترام عقل الآخر. في الومضة السابقة التي أفادت بأن: أخذ كل شيء قد يؤدي الى خسارة كل شيء. لا تدخل في باب النصيحة، إنما هي حالة إعترافٍ بتلك الحكمة. ولأنها حكمة تنبع من أرض العرب. فهذا وحده يكفي لرفضها من قبل أي عنصري، يتوهم بأن العالم كله من دونه لا شيء ولا يفقه أي شيء.

للحد من تلك القاعدة المشنية، ومن أجل أن تصل الفكرة إلى المعني، لنفتش في الجهد الفكري الأمريكي تحديداً. على الرغم من أن المعني لا يبدو كثير الإهتمام بكل فروع ثقافة بلاده. خاصة وإنه يرى كل شيء في الدنيا يقاس بمعايير الاستثمار والعقار، وحتى الاستثمار ليس بكل أنواعه، فاليد الطولى تبقى للفرع التجاري منه.

ربما من الحكمة أن نبحث عن مفكر أمريكي تحديداً. يتسم بسعة الإنتشار بين عامة القراء الأمريكيين وفي العالم أيضاً. إسلوبه سلس ومقنع. يميل الى السهولة في التعبير والنزعة العملية في طرح الأفكار والإرشادات المُلخصة للتجارب الفردية والعامة. يصل إلى ذلك المفكر المختار ويطلع عليه حتى غير الشغوفين بالقراءة. هذه المواصفات قد تسهل فهم المعايير المطروحة وليس النصحية، كما قد يتوهم المتوهمون.

وقع الإختيار على المفكر ديل كارنيجي لعله يُشكل همزة وصل. إذا لاقى قبولاً من سيادته. خاصة وإنه عالج الموضوع المطروح الآن. وهو من أشهر مطوري الدروس المتخصصة بتحسين الذات والعلاقات الإنسانية. وهو أيضاً من علماء القرن الماضي، ولم يكن بعيداً عن تطورات القرن التاسع عشر. خاصة عند ملاحظة الرغبة العارمة عند الرئيس للعودة الى قيم تلك الفترة الإستعمارية القائمة على قيم إستغلال و إلغاء الآخر.

لا يوجد حرج بالإتفاق مع ما وصل إليه كارنيجي بصدد قراءة الشخصية. يمكن تلخيص أهم أفكاره بعبارة واحدة: الطغاة لا يلومون أنفسهم على أبشع الجرائم. بل يرفعونها الى مستوى المجد، لأنهم يرون أنفسهم في موقع الضحية دائماً. لم يظهر على وجه الرئيس أي ملمح من ملامح الإحراج، عند إستقباله مجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية، بل ذهب أبعد منه من خلال الدعوة الى طرد شعب من أرضه. هذا الطرح بذاته جريمة ضد الإنسانية. ربما ساعدت الصدفة الرئيس بعدم طرح سؤال عليه عن الوسائل، التي ينبغي إستخدامها لطرد الشعب الفلسطيني من أرضه. واجه ذلك الشعب عدواناً لمدة خمسة عشر شهراً. لم تشهد الإنسانية مثيلاً له، من حيث نوع وكمية السلاح، الذي أبدعته معامل بلاد السيد الرئيس "فوق القوة العظمى"، ولم يتزحزح عن أرضه. تجاوزت مكارم الرئيس حدود طموحات ضيفه. هذه التصرف الأهوج وجد أدقَ تعبيرٍ عنه بمقولة: "وهب الأمير ما لا يملك". إن أسلوب حياتكم في البناء الجاهز والوجبات السريعة لا يستقيم مع طبيعة الحياة الدولية الراهنة.

يمكن التأكيد على أنك قرأت كارنيجي، لأن العديد من أحكامه إنسابت على تصريحاتك وتصرفاتك، لكن على طريقة قلب المفاهيم. رحل هذا الرجل بعد أن ترك عشرات الكتب، تسعى كلها الى تحقيق الجودة في السلوك. لكنها في الوقت ذاته يمكن إستغلالها من النفوس الشريرة على طريق آخر. من جانب آخر ومما يجعل الرجل يفرض النظر إليه في ظل طبيعة الظرف الملموس. أنه إختار ووضع جانباً من إهتماماته بالإستثمار. إذ عقد دورات تدريبية لرجال الأعمال والمهنيين في نيويورك. كانت تلك الدورات تتكلم وتعالج وتطرح خطوات النجاح الحياتي والمهني".

لابد من بضع كلمات، لتوضيح الفرق بين الوصف العلمي أو الأدبي للأحداث وبين محاولات إقتفاء ذات الطريق، ولكن مع فرض الوقوف في منتصفه. يقولون: إن غزة لم تعد صالحة للعيش. هنا ينتهي الحدث عندهم. ولا يذكرون من قام بذلك. أو يمنحون الحق بالدفاع عن النفس لطرف وينكرونه على الآخر. مع العلم أن الطرف الذي منحوه كل ومصادر القوة والحق. هو الطرف الذي إحتل الأرض وطرد سكانها الأصليين. هذا الوضع يمثل مفارقة مخجلة بين الممارسة والإدعاء.

خلقت تصريحات ترامب دهشة، وربما حيرة بين أصدقائه وخصومه على حد السواء. في جو هذه الحيرة، تأخذ تأكيداته التالية أهمية خاصة: "إذا أردت جمع العسل لا تركل الخلية". وبصدد "فن إِبلاغ التعليمات وإِصدار الأوامر" قال: "يجب أن يكون الأمر واضحاً سهل الفهم". وكذلك: "يجب أن تعنى عناية خاصة بلغتك وطريقتك عند إصداره". وأخيراً، لا يسمح وقتك وطبيعة مهماتك الرئاسية والتجارية الآن بمراجعة ما قد قرأته سابقاً أو سمعته على الأقل. لذا يمكن هنا إيجاز الوصايا العشر بصدد إبلاغ الأوامر التي توصل إليها فكر المرحوم في كتابه (كيف تحقق هدفك وتصل الى ما تريد ... الأسرار السبع للإدارة الصحيحة): أدرس المهمة جيداً بنفسك، تأكد من أن من تسند إليه مهمة بأنه يفهم أهدافها وطرق عملها، تأكد من قدرته وذكائه وخبرته، تكلم بوضوح مع المكلف، تأكد من إستيعاب المكلف قبل التنفيذ، لا تصدر الكثير من الأوامر في وقت واحد، تأكد أن أوامرك معقولة، لا تغضب ولا تلعن وتتهكم إذا وجد مرؤسيك صعوبة في فهم أوامرك، كييف طريقتك لتتلائم مع المرؤسين من أجل جودة النتائج، وأخيراً تأكد من أن أوامرك لا تتعارض مع أوامر أخرى سبقتها.



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إهانة التضحية
- يحيى علوان رحل مسالماً
- حميد الحريزي يرسم واحةَ الهذيان
- جولة مع الروائي راسم الحديثي
- الشاعر والمناضل مخلص خليل
- حين يَتولى مُنصفون مهماتٍ
- باب المنفى
- لحظة مجيدة في نضال الشعب الفلسطيني
- لماذا يحمل الطلبة الراية الأعلى؟
- أمينة الرحال بطلة من بلادي
- الترقب السياسي السلبي
- الذكرى الخامسة لرحيل مناضل
- بين الساهر و الدكتور صالح
- حول شخصنة الأزمة
- مع الجواهري
- التصحر الأخطر
- اللعبة الخطرة في طورها ما قبل الأخير
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 5 ـ الأخيرة
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 4
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 3


المزيد.....




- تحليل لـCNN: لماذ تخشى الصين من تقارب ترامب نحو بوتين؟
- السعودية.. عادل الجبير وفيديو ما قاله عن طبق -الكبسة- يثير ت ...
- السعودية.. لقطاء الأميرة ريما بنت بندر بجانب ماسك تثير تفاعل ...
- السعودية.. ضبط مقيم سوري في جدة والشرطة تكشف ما فعله
- ويتكوف عن خطة تهجير أهالي غزة: ترامب أراد حث الدول على خطة ب ...
- ترامب ليس الشخص الذي يسامح على ذلك
- روسيا سوف تقيم منطقة أمنية عازلة
- الديوان الملكي يعلن وفاة أميرة سعودية
- ترامب يحدد الكلمات الأربع الأحب إلى قلبه
- ماكرون يكشف عما سيقوله لترامب عن بوتين خلال لقائهما المرتقب ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالحميد برتو - أوامر ترامب العجولة