كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 14:49
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أسبوع مرّ على هروب بن علي ذقنا فيه ما لم نتصوّره يوما قط: خوف، رعب، أرق، انهيار، تفكير في الانتحار و أكثر ما آلمني و أنا أنظر للخارج من ثقوب النافذة أن زوجي لم يكن بإمكانه أن يخرج مع الجيران لحراسة الحي ليلا فقد تشكلت لجان حماية الأحياء من اللصوص المهاجمين للبيوت و في كل حي تناوب الرجال و الشبان على الحراسة ليلا.
كانوا يجتمعون تحت شقتنا أمام مدخل العمارة و كنت أسترق السمع إليهم من خلف النافذة.
لم أكن أجرأ على فتحها فهم يعرفوننا و إن كان لم يؤذنا أحد منهم بأي شكل لحد الآن.
كانوا يتناقشون في الوضع المريع الذي آلت إليه البلاد.
أضحكني أحدهم عندما ظلّ يدعو في انفعال على مُشعل الثورة البوعزيزي الذي أجبرهم على الحراسة في هذا الليل المصقع من شهر جانفي و كان الأجدر بهم أن يكونوا في السرير الدافىء في مثل هذا الوقت.
كأنني شاركته الدعاء على البوعزيزي من غير أن أشعر و لا أظنني وحدي في ذلك، كل من انقلبت دنياهم و خسروا مناصبهم و أعمالهم بسبب الثورة كانوا يدعون عليه في سرّهم فلا أحد كان ليجاهر برفضه للثورة و للبوعزيزي الذي صار بطلا في وجه الظلم من حيث لا يدري و هل كان المسكين ليدري بما فعل ʺبدون الغازʺ الذي أشعله في جسده بجسد تونس و كيانها و هل كان ليعي وقتها بمآلات فعله عند انفعاله على المسكينة الأخرى مراقبة العمل البلدي ʺفادية حمديʺ التي سجنوها من وقتها لأنها طبقت عليه القانون !!
صار المخطئ بطلا و رمزا و شهيدا ينال هو و عائلته الحظوة و التكريم.
و صارت المرأة الملتزمة بتطبيق القانون مخطئة و مجرمة تستحق السجن و التعريض و التحقير.
هي أسباب تتهيّا لتسقط ناس و تعلو ناس و مهما كانت دقة الحسابات و مهما كانت الاحتياطات لا بد أن يُذعن الإنسان في الأخير لترتيبات الأقدار!
أخرج من غرفة ابنتي فأجد محمود في الصالون ينظر هائما من كرسييه إلى السماء...أحاول تطمينه فيتجاهلني حتى لا أستمر في الحديث.
أتوقف قليلا بجانب باب الشقة خوفا من أن أسمع أقداما قادمة إلينا بسوء...
أدخل المطبخ أجد بسكويت آكله بنهم لأطفىء خوفي: ماذا لو نفذت المؤونة و نحن على هذه الحال؟؟؟
يأتيني صوت ممثل وزارة التجارة من الراديو مطمئنا: لا داعي للخوف عندنا مخزون كافي لستة أشهر قادمة...
هل سنحيا للفترة القادمة
أين سنكون...كيف سنكون؟؟
و تأتيني رغبة قوية في الانتحار؟!
(يتبع)
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟