كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 13:02
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
رغم مخاوفنا الكبيرة قبل سقوط النظام بقليل، فإنّنا لم نفكر في السفر و الاختباء كما سمعنا عن بعض أصهار الرئيس الذين غادروا تونس في الربع الساعة الأخير... في حين تم القبض على البقية في المطار بالتزامن مع وقت رحيل بن علي المفاجئ.
وقتها انتابني خوف عظيم و احترتُ أين أخفيه...كيف أحميه؟
في ذلك المساء الأسود من يوم 14/01/2011 أذكر كيف تركته أمام الشاشة في الصالون يهذي و يحاول إجراء بعض الاتصالات و دخلت غرفتي لأتصل بأخته يمينة: الوحيدة من إخوته المقيمة في العاصمة.
كانت أول من فكرتُ فيها...
فكرت أن أنتقل به إلى بيتها لحمايته.
هكذا خطر لي...من اضطرابي و خوفي عليه.
كنت مغفّلة... تصورتها ستحميه برموش عينيها و هو في هذا المصاب الجلل!!
لقد كانت في مكانة أمّه و كان ينفق عليها بسخاء كبير و ساعدها في بناء بيتها هو الذي لم يبني لي بيتا بل كلما ذكّرته بالموضوع كان يجيب بأن الشقة أكثر ملائمة لنا فنحن ثلاثة لا نحتاج بيتا أوسع ثم إن الشقة أكثر أمانا من فيلا!!
ها أن الشقة اليوم غاب عنها الأمان و ها نحن مع ابنتنا الوحيدة نذوق الخوف و الرعب من أن تداهمنا فرقة أمنية أو يهجم علينا المهاجمون الثائرون على نظام بن علي و رجاله.
كان ردّ أخته صاعقا...لقد قالت لي إنها مريضة بالقلب و وجوده في بيتها قد يعكر حالتها مع هذا الظرف الصعب الذي تعيشه كل البيوت في البلاد فما بالك ببيت يأوي رجال المخلوع و أعوانه!!
قالت لي أنها خائفة على أولادها و خاصة على ابنها الأصغر الذي توسّط له زوجي مؤخرا فوظفوه في مؤسسة عمومية كبرى.
إنها في ضغط كبير من أن يطردوه الآن بسبب خاله!!
و لم تسألني حتى عن حاله: خاله!!!
كأنّه لم يكن أخوها العزيز الذي تدعوه بمناسبة أو بدونها لتطبخ له الكسكسي الذي يحبّه و إذا ما كانت تحتاج مالا أو غيره طبخت له أكلا يحبّه و أرسلته له مع أحد أبنائها ليقدّم له الطبق و يحسن تقديم الطلب!!
كم تمنّيت أن أصرخ فيها بكلّ قوتي...أن أذكّرها بأفضاله عليها و كيف أنه لولاه لما كان لها تلك الحظوة بين أجوارها و لما كان لها حتى بيتا يأويها منذ أن مات زوجها و أطفالها صغار.
أصابني ردّها بالدوار و بشعور فظيع بالخيبة و الخذلان...
أهذه أخته التي تحبّه و تخاف عليه مثلما كان يظن...ألم يكن يسعى لإقناعي بأكثر من طريقة بأن لا أحد سواها يحبه في إشارة لبرود عاطفتي تجاهه.
أهذه التي أهانني أكثر بها و هو يفاضل بين طبخها و طبخي و بين تربيتها لأبنائها و تربيتي لابنتي.
أهذه التي كان ينتشي و هي في كل عيد تردّد عليّ جملتها الموجعة: إلى متى يبقى أخي بجلالة قدره بلا وريث ذكر!! فأبتلع غصتي و أقول لها : هذا قدر ليس بيدي أمره.
فتردّ ضاحكة ماكرة : و هل تغضبي إذن إن بحثت له عن أخرى لتأتي له بولي العهد؟!
و أضحك معها و أنا في سرّي أقول: ماذا لو صرختُ فيهما!!
ماذا لو أهنتهما كما هما الآن يُهيناني؟
هل أقول لها:......
و أعرف أنّه ما كان ليبتسم منتشيا بكلامها لو كان يشك مجرّد الشك أني قادرة على الجرأة و البوح...
يتبع
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟