أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - العمل بين الأغتراب والحرية وفقًا لزيجمونت باومان/ الغزالي الجبوري- ت: من الألمانية أكد الجبوري















المزيد.....


العمل بين الأغتراب والحرية وفقًا لزيجمونت باومان/ الغزالي الجبوري- ت: من الألمانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


"في مجتمع الاستهلاك، لم يعد العمل مجرد مصدر رزق، بل أصبح فخًا يعمل على إدامة عدم الرضا والاغتراب الفردي."()(زيجمونت باومان)

سؤال المقال: هل فخ العمل بدافع الأغتراب أم الحرية؟ بحسب لزيجمونت باومان. وهل الأغتراب والحرية صناعة من أجل العمل؟. أم العكس؟.

إن العمل في ظل الحداثة السائلة لا يجعل الحياة محفوفة بالمخاطر فحسب، بل إنه يؤدي أيضًا إلى تكثيف الاغتراب في مجتمع مهووس بالاستهلاك.

يُعد زيجمونت باومان (1925-2017) ()، أحد أكثر علماء الاجتماع تأثيرًا في القرنين العشرين والحادي والعشرين، كرّس جزءًا كبيرًا من أعماله لتحليل آثار الحداثة على الحياة اليومية. يصف مفهومه لـ "الحداثة السائلة"() عالماً أصبحت فيه البنى الاجتماعية والاقتصادية متقلبة وعابرة وتفتقر إلى الاستقرار. وفي هذا السياق، لم يعد العمل ركيزة يستطيع الإنسان أن يبني عليها هويته، بل أصبح عنصراً آخر من عناصر حالة عدم اليقين التي تهيمن على الوجود المعاصر. في كتابه "العمل والاستهلاك والفقراء الجدد" (1998)()، يزعم باومان أن العمل، بعيداً عن كونه مصدراً للوفاء الشخصي، أصبح آلية للاغتراب، حيث يصبح الأفراد قابلين للاستبدال باستمرار، ومجبرين على التكيف الدائم وخاضعين لعدم الاستقرار المزمن الذي يقوض رفاهتهم.

على مدى جزء كبير من التاريخ، كان العمل يُعتبر عنصراً أساسياً في الهوية الفردية والاجتماعية. في العصر الصناعي، ورغم أن استغلال العمال كان واضحاً، فقد كان هناك على الأقل وعد بالاستقرار والتقدم. لكن اليوم تحولت مرونة العمل ــ التي تم تقديمها كمثال للحرية ــ إلى حالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن. ويحذر بومان من أن اليقينيات القديمة قد اختفت في المجتمع السائل: فلم يعد بوسع العمال الاعتماد على مهنة مستقرة أو علاقة عمل طويلة الأمد. وهذا يخلق قلقا مستمرا، حيث لم تعد الوظيفة ملاذاً آمناً بل أصبحت سباقاً لا نهاية له من أجل البقاء. إن منطق السوق يتطلب إعادة اختراع مستمرة، حيث تكون المنافسة شرسة والقواعد تتغير باستمرار. في هذا السيناريو، لم يعد العامل مجرد ممثل له تصرفاته الخاصة، بل أصبح مجرد ترس يمكن التخلص منه في آلة لا تتوقف عن الحركة.

إن المشكلة لا تكمن في عدم استقرار العمالة فحسب، بل في دورها داخل الاقتصاد الاستهلاكي. ويرى باومان أن العمل في ظل الحداثة السائلة فقد معناه كوسيلة لإنتاج السلع وأصبح شرطا ضروريا لاستدامة الاستهلاك. إن العمال هم منتجون ومستهلكون في نفس الوقت، وهم محاصرون في حلقة مفرغة حيث لا تكاد الأجور تغذي الرغبة في الحصول على منتجات جديدة، والتي تصبح عتيقة بمجرد شرائها تقريبًا.

إن هذه الآلية تولد عزلة عميقة: فالرضا لا يصل أبدا لأن النظام يحتاج إلى أن يظل الأفراد في حالة مستمرة من عدم الرضا. إن السعادة موعودة دائمًا في الشيء التالي، أو التجربة التالية، أو الشراء التالي، ولكنها لا تتحقق أبدًا. في هذا النموذج، يتوقف العمل عن كونه مساحة للإنجاز ويصبح نشاطًا ميكانيكيًا هدفه الوحيد هو دعم القدرة على الاستهلاك. ويرى بومان أن هذه الديناميكية أدت إلى تقليص الفرد إلى وجود مجزأ، حيث أصبح عمله وحياته الشخصية خاضعين تماما لمنطق السوق.

لم يعد الناس يعملون ليعيشوا، بل يعيشون ليعملوا ويستهلكوا. إن تحويل الوقت والهوية إلى سلعة يؤدي إلى الانفصال بين ما يرغب فيه الفرد وما يفرضه النظام. حتى وقت الفراغ يصبح بمثابة امتداد للعمل، حيث تعمل وسائل التواصل الاجتماعي والترفيه الرقمي كآليات تعزز ثقافة الاستهلاك واستغلال الذات.

ولا يقتصر تأثير هذا التحول على الجانب الاقتصادي فحسب، بل إنه نفسي أيضا. لم يعد القلق في مكان العمل مجرد نتيجة لظروف العمل، بل أصبح سمة هيكلية للنظام. في المجتمع السائل، لا يمكن لأحد أن يشعر بالأمان؛ وهم جميعا معرضون للبطالة والتقادم المهني وعدم الاستقرار الوظيفي. يقارن باومان هذا الوضع بوضع المنبوذين السابقين في المجتمع الصناعي: ففي السابق كان العاطلون عن العمل يشكلون الاستثناء، أو "الفقراء الجدد". اليوم أصبح عدم الاستقرار هو القاعدة، والوعد بوظيفة مستقرة أصبح من بقايا الماضي. إن اللوم في فشل الحصول على وظيفة، وليس على الهياكل الاقتصادية، هو لوم فردي: إذا فشل شخص ما في إعالة نفسه في السوق، فإنه يتحمل اللوم لأنه لم يعرف كيفية "التكيف". لكن الاغتراب لا يقتصر على مكان العمل. ويحذر باومان أيضًا من أن أيديولوجية الاستهلاك قد تغلغلت في العلاقات الإنسانية، وحولتها إلى سلع قابلة للتبادل.

تصبح العلاقات الشخصية هشة ومؤقتة وخاضعة لنفس منطق السوق: إذا كانت العلاقة لا تقدم إشباعًا فوريًا، يتم التخلص منها. يفرض المجتمع السائل منطقًا يوجب على كل شيء أن يكون مرنًا، حتى الروابط الإنسانية. وهكذا ينتهي الأمر بالناس إلى تطبيق نفس مبادئ الكفاءة والربحية على حياتهم الخاصة، مما يعزز الشعور بعدم الرضا والوحدة.

وإزاء هذا المشهد البانورامي، لا يقدم بومان حلاً سهلاً، ولكنه يقدم تحذيراً: إذا لم يتم التشكيك في البنى التي تديم الاغتراب، فإن المستقبل سيظل يتسم بالقلق والتفتت والهشاشة. وتشير تحليلاتهم إلى أن الطريقة الوحيدة لكسر هذه الدورة هي استعادة السيطرة على حياتنا وإعادة تعريف دور العمل في المجتمع. وبدلاً من قبولها كعبء لا مفر منه، يتعين علينا أن نتخيل أشكالاً من التوظيف تعطي الأولوية للاستقلالية والإبداع والرفاهة البشرية على الإنتاجية والاستهلاك. إذا ظل العمل غاية في حد ذاته، فسنظل حبيسي عجلة لا تتوقف عن الدوران.

وفي نهاية المطاف، يبين لنا باومان أن اغتراب العمل ليس حادثاً عرضياً، بل هو نتيجة منطقية للنظام الذي نعيش فيه. إن عمله يدعو إلى التأمل غير المريح ولكن الضروري: هل نعمل لنعيش أم نعيش لنعمل؟ في عالم أصبحت فيه الحداثة سائلة، فإن الإجابات على هذا السؤال سوف تحدد مستقبل العمل، ومعه إمكانية استعادة إنسانيتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 02/19/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة: رواية -كاميلا- لفرانسيس بورني/إشبيليا الجبوري -- ت: م ...
- إضاءة: قِصَر الحياة ووهم الخلود في تأملات سينيكا / إشبيليا ا ...
- إضاءة: البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست/ إشبيليا الجبوري ...
- إضاءة؛ -في مديح الحماقة- لإيراسموس روتردام/ إشبيليا الجبوري ...
- بإيجاز: -الزمن الكافكوي: الاغتراب من أجل غرس عبثية الوجود/ إ ...
- برفقتك/ بقلم مانويل التولاغوير - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
- صناعة الضحية؟… جيجيك مواجهًا فوكو/ شعوب الجبوري - ت:من الألم ...
- النافذة/ بقلم مانويل التولاغوير بولين - ت: من الإسبانية أكد ...
- الدراما الخفية للفقر في مجتمع الاستهلاك/ بقلم زيجمونت باومان ...
- إعادة التفكير في الحداثة/ بقلم زيجمونت باومان -- ت: من الإنك ...
- بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إش ...
- إضاءة: رواية -كاميلا- لفرانسيس بورني/إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- بإيجاز؛ التناقض كجوهر للوجود الفكري/ إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (6- 7)/ الغزالي ال ...
- النزاع حول التاريخ الحقيقي
- إضاءة: رواية -كما أحتضر- لويليام فوكنر/إشبيليا الجبوري - ت: ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (5 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -السقوط- لألبير كامو/ إشبيليا الجبوري - ت: من ا ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق --رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- الليل داكن - هايكو - السينيو


المزيد.....




- سعاد بشناق عن موسيقى فيلم -يونان-.. رحلة بين عالمين
- الشارقة تكرم الفنان السوري القدير أسعد فضة (فيديو)
- العربية أم الصينية.. أيهما الأصعب بين لغات العالم؟ ولماذا؟
- سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران ال ...
- مسلسل -كساندرا-.. موسيقى تصويرية تحكي قصة مرعبة
- عرض عالمي لفيلم مصري استغرق إنتاجه 5 سنوات مستوحى من أحداث ح ...
- بينالي الفنون الإسلامية : أعمال فنية معاصرة تحاكي ثيمة -وما ...
- كنسوية.. فنانة أندونيسية تستبدل الرجال في الأساطير برؤوس نسا ...
- إعلاميون لـ-إيلاف-: قصة نجاح عالمي تكتب للمملكة في المنتدى ا ...
- رسمياً نتائج التمهيدي المهني في العراق اليوم 2025 (فرع تجاري ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - العمل بين الأغتراب والحرية وفقًا لزيجمونت باومان/ الغزالي الجبوري- ت: من الألمانية أكد الجبوري