حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 22:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نص حواري بين حمزة رستناوي وحسان الجودي
*أولا- نص حمزة رستناوي:
فيما يخص الدعوات من قبل ممثلين عن أقليات سورية لطلب الحماية الأجنبية، المسؤولية مشتركة تقع على عاتق كل السوريين.
أولا- موضوع حماية الاقليات هو سياسة استعمارية قديمة تعود للحقبة العثمانية، وقد أثبتت فشلها في حماية الأقليات أولا، وقد ساهمت في زيادة الشرخ الهوياتي الطائفي بين السوريين ثانيا . عمليا طلب حماية الاقليات ليس حلا للمشكلة، لا بل هو خطر على الاقليات الطائفية والقومية نفسها أيضا لكونه يعرضها لانتقامات ارتدادية حالما تتخلى عنها ( الدولة الحامية).
لنتساءل ما هي نتيجة التدخل الروسي لحماية العلويين ( أثناء الحقبة الأسدية)؟!
لنتساءل كيف سيكون مصير السوريين الكرد في حال قرر الرئيس الأمريكي ترامب سحب القوات الأمريكية في الجزيرة السورية؟ لنلاحظ هنا أن الاسد الذي طلب الحماية الروسية بحجة حماية العلويين.. هو في الواقع كان يطلب الحماية الروسية لسلطته البربرية الفاسدة و يستخدم العلوية كغطاء لحماية سلطته واقناع المجتمعات العلوية بالالتفاف حوله.
نفس المبدأ يمكن تطبيقه على (قسد) ، فتشبث (قسد) بالحماية الأمريكية أو الفرنسية للكرد، هو في الحقيقة طلب الحماية الأمريكية لسلطة ( قسد ) نفسها التي تحتكر تمثيل السوريين الكرد و تستخدمهم في تحقيق أجندات خارج إطار الوطنية السورية.
ثانيا- من جهة ثانية، الناس عادة لا تطلب الحماية إلا في حالات الاحساس بالخطر، و بالتالي كلما نقصت شدة الخطر ، و كلما زادت مساحة التطمينات العملية و المشاركة السياسية.. و تم الاحتكام إلى القانون في حل الصراعات، كلما انتفت الحاجة إلى مبدأ الحماية الاجنبية نفسه.
على سبيل المثال، ثمة فرق كبير بين محاكمة شخص متهم بارتكاب انتهاكات و جرائم حرب وبين تطبيق عقاب جماعي أو إذلال المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه هذا المتهم.
السلوك الأول يعزز هيبة الدولة ..التي هي نفسها هيبة القانون.
أما السلوك الثاني فيعزز مبدأ الانفصال الوجداني عن الوطنية السورية والمراهنة على رهانات خاسرة في طلب حماية من دول أجنبية ..سوف تستخدم ورقة حماية الاقليات لتفشيل مشروع بناء دولة سورية جديدة.
الانسان الذي ينتمي أو يحمل جنسية دولة فاشلة لا يمكن أن يكون قوي وناجح بغض النظر عن تلوينه الطائفي و القومي...و العكس صحيح.
في النهاية ليس للسوري الجيد ابن البلد غير ابن بلده.
لنفكر بإيجاد حلول لمشاكلنا كسوريين.
لا يمكن أن نغير الجغرافيا.
الفرنسي أو الايراني أو الروسي خلال ساعات يغادر البلد.
و لكن الحموي أو الحمصي أو ابن عفرين وابن جبلة و ابن السويداء.. وابن سلمية لا يمكنه أن يغادر...فهو ابن البلد...وقدره أن يعيش مع السوري الآخر.
لا داعي لإعادة اكتشاف العجلة من جديد.. معظم دولة العالم هي مجتمعات متعددة دينيا و قوميا.. ودولة المواطنة المتساوية والقانون والمؤسسات هي الحل.
قد يكون تحقيقها ليس بالقريب.. ولكنه الطريق الاجباري الوحيد الذي يستحق التعب و التضحية.
في سوريا اليوم يوجد فرصة لتحقيق اختراق ايجابي بعد القضاء على الأسدية...لنفكر بالقريب الممكن.. وليس بالبعيد المتوهم!
-
*ثانيا- تعقيب حسان الجودي:
أعتقد أن الخطاب الذي تقدمه مثالي، لأنه يفترض إمكانية بناء دولة مواطنة متساوية في بيئة ما تزال منهارة. كما أنه يتجاهل غريزة البقاء، فحين تجد مجموعة نفسها مهددة بالإبادة، لن تفكر في النظريات والوطنيات بل ستبحث عن أي وسيلة للنجاة، حتى لو كانت عبر قوى أجنبية. هذه غريزة بقاء بيولوجية وتاريخية.
يفترض الخطاب وجود إرادة وطنية جامعة لطمأنه الأقليات، بينما الواقع السوري يثبت العكس؛ فالدولة هي أداة للسلطة، والمعارضة فشلت في تقديم بديل حقيقي. مطالبة الأقليات بعدم طلب الحماية دون تقديم ضمانات أمنية فعلية هو غير واقعي.
أما رأيك بأن طلب الحماية سياسة استعمارية، فهو يتجاهل أن الدول الكبرى تتدخل دائمًا وفقًا لمصالحها، سواء طُلب منها ذلك أم لا. المشكلة ليست في طلب الحماية، بل في غياب مشروع وطني يزيل الحاجة إليها. من ينتظر وهو أمام سكين الذبح؟!
وأرجو أن تتذكر يا صديقي أن، الحماية الدولية لعبت دورًا حاسمًا في وقف الحرب الطائفية في البوسنة والهرسك. بعد سنوات من المجازر والتطهير العرقي، يومها تدخل حلف الناتو عسكريًا عام 1995، مما أجبر الأطراف المتحاربة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو ما أدى إلى اتفاقية دايتون التي أنهت الحرب.
-
*ثالثا- تعقيب حمزة رستناوي:
إنّ تفُّهم سياقات الظاهرة لا يعني تبريرها. عموما ليس لدي توهمات حول التحديات والمخاطر التي تتنظر بناء مشروع الدولة الوطنية الحديثة في سوريا. ولكن ينبغي النظر إليها كهدف -ربما في المدى المتوسط و البعيد- ولا داعي لاستثناء هذا الخيار المستقبلي من قائمة المُمكنات وإغفال التذكير به، خاصة أنّ الخيارات الأخرى والتي تستند إلى ذهنية جوهرانية ( طائفية أو قومية) تتوسل القوة بالأجنبي (سواء في موقع السلطة أو موقع المعارضة) قد فشلت في ايجاد تسويات وتجاوزات في موضوع ادارة التنوع الاجتماعي السوري على مدى قرن من الزمن.
أتفهم أن تقوم فئوية دينية طائفية أو قومية بطلب حماية دولية أو خارجية أو شيطانية .. في حال تمَّ ارتكاب مجازر كبرى أو ابادة جماعية منظمة بحقها، وهذا طلب حق، حيث أنه يتوافق مع أولويات الحياة وغريزة البقاء للكائن الانساني. كما أنّ هناك حالات ناجحة للتدخل الدولي منها في البوسنة والهرسك أو في ليبيا في مراحل معينة. لكن هنا ينبغي الانتباه إلى نقطتين في بالغ الأهمية لكي نتحاشى الوصول الى تعميمات وتبريرات قد تساهم في تشويش الصورة الكلية للمشهد.
النقطة الأولى - ينبغي تقدير درجة الخطر الداهم وتجنب التهويل والتحوط استخدام في توصيفات من قبيل ( مجزرة- إبادة جماعية)
النقطة الثانية- طلب التدخل الدولي- الأممي- الأجنبي كان مُحقا أثناء قيام السلطة السورية في سلسلة من المجازر المروعة والموثقة بحق السوريين في مجريات الثورة السورية كمجزرة الكيماوي في الغوطة وخان شيخون ومجزرة الحولة والتضامن وملف صور قيصر وصيدنايا غيرها، وتهجير ما يقارب نصف السكان السوريين، وبدعم خارجي ايراني- روسي!
من المُلاحظ أنه – والحمد لله- حتى الان لم يتم تسجيل مجازر أو إبادة جماعية بحق أي فئوية أو مجتمعات سورية ما بعد سقوط النظام، وهذا ليس تقليلا من أي جريمة أو انتهاك، ولكن مثل هذه الارتدادات مفهومة تماما في سياق صراع طويل ودموي تحول الى ما يشبه الحرب الاهلية والمسؤول الأول عنها النظام السوري السابق ( ينبغي الاشارة لذلك) ولكن مسؤولية وقف هذه التجاوزات تقع الآن أساسا على عاتق سلطة الحكم الجديد.
المبدأ الساري على حماية الاقليات هو نفسه ينطبق على حماية الأكثريات، كون مفهوم الاقلية العددية لا يتوافق دائما مع مفهوم الأقلية السياسية. قد تكون فئوية دينية أو قومية أقلية عددية، ولكنها تتحكم في قرار وتمارس فائض قوة على الأكثرية العددية سكانيا، مثلا في مناطق الجزيرة السورية خلال حكم قسد، وُجدتْ سلطة قومية كردية مؤدلجة مارست فائض قوة على المختلفين معها وعلى مجتمعات غالبيتها عربية مثلا! في رواندا مثلا كانت أقلية التوتسي (أقل من 10 % من السكان) المدعومة من الاستعمار البلجيكي ولاحقا فرنسا خلال عقود طويلة تتحكم في مفاصل الدولة حتى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية وسلسلة مجازر ارتكبها الهوتو بحق أقلية التوتسي وبحق الهوتو المعتدين كذلك في 1994. بناء عليه إنّ السياق التوصيفي و السياسي ينبغي تحديده قبل المضي في تحليل أي مشهد سياسي مخصوص.
في حالات معينة، التدخل الخارجي ليس خيانة، بل هو واجب دولي لحماية فئويات او مجموعات مُهددة. لكن يحق لنا ان نتساءل عن جدوى هذا التدخل في حماية الاقليات ومآلاته ومدته! فقد يكون جيد ويلعب دور ايجابي في استقرار البلاد وتجنب الانزلاق لمخاطر أكبر خلال فترة مؤقتة يجب أن لا تطول، ولكن بالمقابل قد يتحول إلى قوة احتلال صريح وغاشم.
التفكير بالمجتمع السوري كمجموع أقليات فئويّة والتعويل على طلب التدخلات الخارجية .. هو تشويه لمَلكة الحكم والتحليل السليم، وهو مقاربة كلاسيكية مُضللة، إنّ الاعتماد عليها وتبريرها يساهم في استمرار حلقة مفرغة من الحروب الأهلية الباردة و الحروب الأهلية الساخنة و تفويت فرصة بناء دولة حديثة ديمقراطية حيادية تجاه عقائد مواطنيها.
الحديث عن الوطنية السورية ليست رومانسية –هي في جزء منها كذلك- ولكنها تقوم على مصالح مؤكدة. يوجد مسؤولية في ذلك على جميع السوريين. ولكن المسؤولية الأكبر تكون على عاتق السلطة لكونها المسؤول على هندسة الادارة السياسية وتقرير الشكل الافضل لإدارة التنوع وحل الصراعات الاجتماعية والسياسية في سوريا.
*ملاحظة أخيرة: تم استخدام مصطلح ( أقلية و أكثرية) كتوصيف يقتضيه سياق الحوار، وليس كحكم قيمة.
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟