|
كيان كردي صديق لتركيا في روج آوا
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 21:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يشهد الملف الكردي في تركيا تطورات دراماتيكية ومفاجئة تحمل في طياتها بوادر أمل نحو انفراجة محتملة لهذا النزاع المزمن. فبعد عقود طويلة من الصراع والجمود السياسي، يبدو أن الساحة التركية تشهد ديناميكية جديدة قد تسهم في وضع أسس لحل شامل ومستدام لهذه المسألة المعقدة التي تتجاوز أبعادها حدود السياسة لتلامس القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
في تطور بارز خلال الأسبوع الماضي، أعلن تونسر بكرخان، النائب في البرلمان التركي وأحد القيادات المؤثرة في حزب الشعوب الديمقراطي والمساواة، عن قرب صدور بيان مرتقب من عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني والمعتقل منذ سنوات. وأوضح بكرخان أن أوجلان يعتزم توجيه نداء مهم يتضمن رؤيته لتحقيق "حل شامل ومستدام للمسألة الكردية"، مع التركيز على بناء أسس متينة لدولة تركية ديمقراطية ومستقرة يمكنها احتضان كافة مكوناتها.
وفي خطاب ألقاه أمام الكتلة البرلمانية لحزبه منتصف فبراير، شدد بكرخان على الأهمية المحورية لهذا البيان، واصفًا إياه بأنه "خارطة طريق جريئة" للمرحلة المقبلة. وأضاف أن هذه الوثيقة ستطرح مقترحات واقعية وعملية لتحقيق السلام الدائم في تركيا، مع تجاوز العوائق التقليدية التي طالما أعاقت الوصول إلى حل نهائي لهذه القضية التي أثقلت كاهل الدولة التركية لعقود.
لكن المفاجأة الأكبر جاءت في نهاية شهر أكتوبر من العام نفسه، حيث فاجأ دولت باهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية اليميني المتطرف والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه الكرد، الجميع بتصريح غير مسبوق. فقد أبدى استعدادًا للنظر في إمكانية إطلاق سراح عبد الله أوجلان بشرط وحيد ومحدد وهو إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني بشكل كامل ونهائي. هذا التصريح أثار صدمة واسعة وجدلاً عميقًا في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة وأن باهتشلي كان دائمًا من أبرز الداعين إلى تشديد العقوبات على أوجلان وصولاً إلى المطالبة بتنفيذ حكم الإعدام بحقه.
غياب أي تفسير رسمي لهذا التحول المفاجئ أدى إلى إثارة العديد من التساؤلات حول نوايا باهتشلي وأبعاد هذه الخطوة غير المتوقعة. وبينما يرى البعض أن تصريحات باهتشلي لا تعدو كونها مناورة سياسية تهدف إلى إعادة ترتيب الحسابات الداخلية والخارجية، يرى آخرون أن هذه التصريحات قد تحمل بوادر تغيرات عميقة تُرسم في الكواليس السياسية للبلاد.
هناك من يعتبر أن شرط باهتشلي صعب التحقق بالنظر إلى قوة وتماسك حزب العمال الكردستاني الذي يمثل أحد أبرز الحركات الكردية في المنطقة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن السياسة دائمًا ما تحمل مفاجآت، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضية معقدة مثل القضية الكردية ذات الامتدادات الإقليمية والدولية.
ومع كل هذه التطورات اللافتة، يبقى السؤال الرئيسي قائماً: هل ستقود هذه التحولات في نهاية المطاف إلى حل حقيقي ومستدام للقضية الكردية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه جزءاً من سلسلة مناورات سياسية تهدف إلى كسب مزيد من الوقت أو استمالة شريحة معينة من الشارع؟
يبقى البيان المرتقب لعبد الله أوجلان عنصراً محورياً في تحديد المسار المستقبلي لهذه التطورات. فالأنظار تتجه نحو ما سيقدمه من رؤية تفصيلية ومقترحات للتعامل مع أزمة أصبحت جزءاً أساسياً من المشهد السياسي التركي. هل سيحمل هذا البيان بوادر فصل جديد من السلام والاستقرار، أم سيكون مجرد حلقة أخرى تُضاف إلى قائمة طويلة من المبادرات والوعود غير المحققة؟ الأيام القريبة ستكشف المسار الحقيقي وتحدد ملامح المستقبل الذي ينتظر تركيا والقضية الكردية.
أما التحالف القائم بين حزب الحركة القومية بقيادة دولت باهتشلي وحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، فهو يُعتبر واحداً من أقوى التكتلات السياسية في تركيا. وأي تغيير في مواقف أحد الطرفين تجاه القضية الكردية له انعكاسات كبيرة. يرى البعض أن تحول موقف باهتشلي، المعروف بمعارضته القوية لأي حوار مع أوجلان أو حزب العمال الكردستاني، يشير إلى تبني الحكومة التركية نهجاً جديداً نحو معالجة القضية الكردية بوسائل أكثر سلمية.
زيارة ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي لعبد الله أوجلان في محبسه تحظى بدلالات مهمة، حيث تُعد بمثابة قناة تواصل غير مباشرة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. السماح بمثل هذه اللقاءات، بعد سنوات من المنع، يمكن اعتباره إشارة إلى جدية الحكومة في البحث عن حل سلمي للقضية الكردية واستعدادها لإعطاء وزن لآراء أوجلان، الذي يمثل شخصية ذات تأثير كبير على الحركة الكردية.
تصريحات المسؤولين الأتراك، والتغيرات الواضحة في مواقف بعض الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى استئناف اللقاءات مع أوجلان، تدل على وجود محاولات حقيقية للتوصل إلى اتفاق سلام جديد بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، ما زال الطريق طويلاً وشاقاً. فالتحديات والعقبات عديدة، بما في ذلك الخلافات العميقة بين الأطراف المختلفة، المعارضة الشرسة من قوى داخلية وخارجية، واستمرار العمليات العسكرية التي تزيد تعقيد الموقف.
إن الوصول إلى حل سلمي للقضية الكردية سيكون خطوة عظيمة نحو تعزيز الاستقرار في منطقة تعاني من نزاعات متعددة الأوجه. كما أن تحقيق السلام سيمهد الطريق لخطط تنموية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وسيساهم في ترسيخ الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان داخل تركيا بشكل عام.
رغم أن التحولات الأخيرة في الملف الكردي تحمل إشارات إيجابية وتبعث الأمل، إلا أنها لم تكن حاسمة بعد. وإن تحقيق سلام شامل ومستدام يتطلب إرادة قوية من جميع الأطراف المعنية، إضافة إلى استعدادها لتقديم تنازلات متبادلة. والسؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل سيتحقق السلام المنشود أخيراً، أم ستبقى هذه القضية عالقة؟ الأيام القادمة ستجيب على هذا التساؤل الحاسم. تشير المستجدات الأخيرة إلى أن حزب العمال الكردستاني (PKK) يقترب من منعطف محوري قد يُحدث تحولات جوهرية في مسار مستقبله خلال الفترة القادمة. وفي ظل الحديث المتزايد عن إمكانية حل الحزب أو نزع سلاحه، يبرز تساؤل معقد حول مستقبل هذه الجماعة التي استطاعت، على الرغم من الانتكاسات العسكرية التي مُنيت بها في تركيا عام 2015، تحقيق إنجازات ملموسة تركت بصماتها في المشهد الإقليمي.
لقد تمكن أنصارعبد الله أوجلان في سوريا من إقامة نظام حكم محلي يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية على مدار أكثر من عشر سنوات. ويُعد هذا النموذج إدارة ذاتية مبنية على رؤى خاصة في منطقة تشهد اضطرابات مستمرة. وينظر قادة "الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا" إلى أوجلان باعتباره رمزًا ومصدر إلهام لفكرهم السياسي، إذ يستلهمون منه مبادئهم وأهدافهم. وقد ظهرت انعكاسات هذه الرؤية في نموذج روج آفا، الذي تبنّى سياسات اجتماعية وسياسية تتسم بالحداثة والمرونة، من بينها احترام واسع لحقوق المرأة والأقليات، إلى جانب تركيزه على حماية البيئة وتعزيز الديمقراطية التشاركية كحجر أساس لإدارته.
وسط هذه التحولات والتوجهات، يواجه حزب العمال الكردستاني تحديات مصيرية قد تضعه أمام خيارات صعبة. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سيقبل الحزب بفكرة حله أو نزع سلاحه في مقابل تحقيق مكاسب سياسية أخرى؟ يبقى عبد الله أوجلان شخصية محورية، إذ لا يزال يتمتع بنفوذ فكري على الحزب، وقد يكون له دور حاسم في توجيه أتباعه نحو اتخاذ قرارات استراتيجية تكشف ملامح المستقبل. هل يمكن أن نرى بيانًا جديدًا يصدر عنه يحمل دعوة إلى إعادة النظر في المسار التقليدي للحزب، سواء بحله أو بإجراء تغييرات جوهرية في استراتيجيته؟
إن الوضع في سوريا يشكّل عاملاً لا يقل أهمية في تحديد مصير الحزب. تنظيم روج آفا، الذي يُعد أحد أبرز إنجازات الحركة المسلحة، قد يكون عرضة للتحولات الكبيرة في ضوء المتغيرات السياسية التي تشهدها الساحة السورية والإقليمية. فهل سيتمكن هذا التنظيم من الصمود والاستمرار، أم أن التحديات التي تواجهه قد تُفضي إلى تغيير ملامحه وغاياته؟
ويضاف إلى هذه المعضلات الضغوط المتزايدة من القوى الإقليمية والدولية، التي تسعى لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني كجماعة مسلحة تحمل السلاح ضد أي جهة. هذا الواقع يفتح الباب أمام احتمالية تصاعد الخلافات الداخلية داخل صفوف الحزب ذاته، بين تيارات تدعو إلى قبول فكرة الحل أو نزع السلاح في سبيل تحقيق مزيد من الانفتاح السياسي والاعتراف، وأخرى تتمسك بمبدأ "المقاومة المسلحة" كطريق لا بديل عنه لتحقيق أهدافها.
في ظل هذه التعقيدات، تواجه المنطقة برمتها تغييرات جيوسياسية عميقة قد تعيد رسم موازين القوى وتحمل معها تداعيات مباشرة على مستقبل التنظيم. ما سيحدد مصير حزب العمال الكردستاني ليس فقط قرارات قيادته أو توجهاته الداخلية، بل أيضًا التطورات السياسية الإقليمية والدولية، التي ستلعب دورًا رئيسيًا في رسم المستقبل القادم بلا شك. الوضع في منطقة روج آفا السورية يحمل تعقيدات شديدة وحساسية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بمستقبلها بعد أعوام طويلة من الثورة المسلحة ضد النظام الحاكم بزعامة بشار الأسد، وما تلاها من تغييرات سياسية عميقة. فقد أُعلن عن تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، المعروفة باسم روج آفا، في عام 2013، أي بعد مضي عام واحد فقط على اندلاع الحرب الأهلية السورية التي عمّقت الانقسامات وزادت الأوضاع اضطراباً في البلاد.
تُعد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) القوة العسكرية المحورية التي أسهمت بدور رئيسي في بلورة هذا الكيان الناشئ. وقد كانت مشاركتها أساسية في الجبهات المسلحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث تمكنت من تسجيل انتصارات ميدانية بارزة كبّدت التنظيم خسائر فادحة. الدعم المالي والعسكري الذي حصلت عليه هذه الوحدات من الولايات المتحدة كان له دور حاسم في تعزيز قدراتها على مواجهة داعش وتحقيق تقدم استراتيجي ملموس يجسد انتصاراً عسكرياً وسياسياً للأكراد.
لقد تحملت وحدات حماية الشعب أعباءً ثقيلة خلال معاركها ضد داعش، حيث دفعت ثمناً باهظاً من التضحيات البشرية. وفي الوقت ذاته، بذلت الإدارة الذاتية جهوداً حثيثة لترسيخ حالة من الأمن والاستقرار النسبيين في مناطق سيطرتها. هذا الإنجاز يُحسب مقارنة بمناطق أخرى من سوريا التي لا تزال تعاني من فوضى مدمّرة نتيجة الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، سعت الإدارة الذاتية إلى تقديم نموذج ديمقراطي تشاركي يركز على إشراك كافة المكونات المجتمعية، مع إيلاء اهتمام خاص لتعزيز حقوق المرأة والأقليات، وهو ما يعتبر إنجازاً بالغ الأهمية في ظل الظروف الصعبة والأزمات الممتدة التي تضرب المنطقة.
رغم النجاحات التي تحققت حتى الآن، لا تزال روج آفا تواجه عدداً كبيراً من التحديات الوجودية، لا سيما في ظل احتمال تغيّر المشهد السياسي السوري مع سقوط محتمل لنظام الأسد. يحاول الكرد السوريون تأمين شكل من أشكال الاستقلال الذاتي وضمان حقوقهم ضمن أي ترتيب سياسي جديد قد ينشأ في البلاد. غير أن تركيا تقف كعقبة كبرى أمام هذا الطموح، فهي تُعارض بشدة قيام أي كيان كردي يتمتع بقدر من الاستقلالية على حدودها الجنوبية، وتهدد مراراً بالتدخل العسكري لمنع حدوث ذلك، مما يضع مستقبل المنطقة على المحك.
إضافة إلى الضغوط التركية، يُثير تحالف أنقرة مع أطراف داخل المعارضة السورية الرسمية – مثل رئيس الائتلاف الوطني السوري – قلق الكرد حول احتمالية تهميشهم أو حتى إقصائهم التام من أي تسوية سياسية مستقبلية. ومن منظور تطلعاتهم السياسية والاجتماعية، يطمح الكرد السوريون إلى تحقيق اعتراف قانوني بهويتهم الثقافية واللغوية داخل دولة سورية موحدة، مع ضمان تمثيل عادل لهم في أي حكومة وطنية قادمة تضمن مشاركتهم الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد. رغم كل هذه الطموحات فإن مستقبل روج آفا لا يزال غارقاً في الغموض والتعقيد، إذ تتداخل فيه عوامل إقليمية ودولية تزيد المشهد تشابكاً. البحث عن حل سلمي وعادل يحقق التوازن بين حقوق الكرد السوريين وضمان وحدة سوريا يشكل تحدياً جسيماً للرؤى السياسية الحالية؛ ومع ذلك، يُعتبر هذا الحل ضرورياً لأجل تحقيق الاستقرار المنشود ليس فقط داخل سوريا بل على مستوى المنطقة بأكملها. مع انهيار نظام بشار الأسد، يواجه الكرد في سوريا تحديات متعددة للحفاظ على مكتسباتهم في إطار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (روج آفا)، خاصة في ظل رفض تركيا القاطع لأي كيان كردي مستقل بالقرب من حدودها. في الوقت نفسه، يعاني حزب العمال الكردستاني من ضغوط عسكرية متزايدة في تركيا والعراق، حيث تكبد خسائر كبيرة نتيجة مواجهاته المستمرة مع الجيش التركي.
يشير خبراء معنيون بالشأن الكردي إلى أن أي تغيير ممكن في موقف عبد الله أوجلان قد يكون مدفوعًا بالرغبة في حماية ما حققه الكرد السوريون من إنجازات، والتي تبدو مهددة بفعل العداء التركي لروج آفا. انهيار نظام الأسد ألقى بظلاله على المشهد الجيوسياسي في المنطقة، وكان التأثير واضحًا على حزب العمال الكردستاني، الذي تعرض للهزيمة عسكريًا داخل تركيا وتكبد خسائر فادحة في العراق. استئناف الحوار بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية يُعد خطوة بارزة ومهمة نحو معالجة القضية الكردية بطرق سلمية وحضارية. مثل هذه الخطوة، التي تستند إلى التفاهم والقواسم المشتركة، تحمل في طياتها إمكانية تحقيق الاستقرار الإقليمي بنحو مستدام. وإذا أثمر هذا المسار عن نتائج إيجابية، فإنه قد يُعزز الشرعية السياسية لمشروع الإدارة الذاتية في روج آفا. إلى جانب ذلك، يمكن لهذا الحوار أن يساهم في دعم المكاسب التي حققها الكرد في سوريا، وخاصة ما يتعلق بالحفاظ على نموذج الحكم الذاتي وتعزيزه كصورة من صور الحل الديمقراطي. وفي السياق ذاته، تبدو الحاجة ملحة لحوار صادق وشفاف بين مختلف المكونات الكردية في سوريا، باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو تقوية الوحدة الداخلية وصياغة رؤية مستقبلية موحدة تخدم مصالح المنطقة على المدى البعيد. توحيد الصفوف الكردية يمكن أن يشكل أساساً أكثر قوة للتفاوض مع بقية الأطراف الفاعلة في المشهد السوري. وعلى صعيد آخر، يجب أن تُبدي الإدارة الذاتية في روج آفا اهتماماً جاداً بإدارة مفاوضات مع النظام السوري تعتمد على الواقعية والاحترام المتبادل. الهدف الأساسي من هذه المفاوضات ينبغي أن يكون السعي للتوصل إلى توافق مشترك حول طبيعة الحكم الذاتي وطريقة إدماجه ضمن الإطار العام للدولة السورية، بما يضمن حقوق جميع المكونات الوطنية.
في نهاية الأمر، فإن التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الكردية سواء في تركيا أو سوريا من شأنه أن يدفع باتجاه تحسين الأوضاع الأمنية وتخفيف حدة النزاعات المستمرة في المنطقة. تحقيق السلام لا يقتصر فقط على كونه هدفاً إنسانياً وأخلاقياً، بل يحمل أيضاً أبعاداً اقتصادية واجتماعية، حيث يمهد الطريق للازدهار والتنمية في المناطق ذات الأغلبية الكردية. كما يسهم هذا الحل في تعزيز الديمقراطية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في كل من تركيا وسوريا، مما ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بأسرها. حزب العمال الكردستاني ليس مجرد مجموعة سياسية، بل هو نتاج حركة تاريخية أوسع للأكراد في المنطقة، الذين يواجهون تمييزًا واضطهادًا في تركيا وسوريا وإيران. حتى لو انتهى حزب العمال الكردستاني، فإن المظالم التي يعاني منها الكرد ستظل قائمة، ما لم يتم التعامل معها بجدية وتقديم حلول عادلة.
يطالب الكرد بالاعتراف بهويتهم الثقافية واللغوية، وحقهم في ممارسة ثقافتهم بحرية. يسعى الكرد إلى الحصول على شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية، بما يضمن لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم. يطالبون بالمساواة في الحقوق والواجبات مع جميع المواطنين، وإنهاء التمييز ضدهم في جميع المجالات. أن إنهاء حزب العمال الكردستاني لن ينهي الحركة الكردية ما لم يتم تقديم حلول سياسية جذرية لمشاكل الكرد، وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية تضمن حقوقهم. الحل الوحيد للقضية الكردية هو الحوار والتفاوض بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة التركية والكرد، للوصول إلى اتفاق عادل ومستدام. يجب على المجتمع الدولي أن يضغط على تركيا لحملها على الاعتراف بحقوق الكرد، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم. يجب على المجتمع الدولي أن يدعم جهود السلام في المنطقة، ويشجع الأطراف المعنية على الدخول في حوار جاد لحل القضية الكردي. القضية الكردية ليست مجرد صراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، بل هي قضية شعب يناضل من أجل حقوقه الأساسية. إنهاء حزب العمال الكردستاني قد يكون خطوة نحو الحل، ولكنه ليس حلاً كاملاً. الحل الحقيقي يكمن في الاعتراف بحقوق الكرد، وتقديم حلول سياسية عادلة تضمن لهم العيش بكرامة وسلام. السياسة تُعتبر فن تحقيق الممكن ضمن معطيات الواقع وتناقضاته، وفي هذا السياق، تمكنت الحركات القومية الكردية، رغم التحديات الجسيمة التي واجهتها وضعف الإمكانيات المتاحة لها، من الاستفادة من التناقضات الإقليمية والدولية والصراعات التي تشهدها الساحة العالمية. هذه الديناميات ساهمت في تحقيق مكاسب كبيرة للأكراد، أبرزها نجاحهم في ترسيخ كيانٍ ذي حكم ذاتي في إقليم كردستان العراق، حيث نجحوا في بناء نموذج يُجسّد إمكانية البقاء والاستمرار في ظل ظروف معقدة. ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة، بخصائصها وتحدياتها، في منطقة روج آفا بشمال شرق سوريا.
إقامة إدارة ذاتية كردية في شمال شرق سوريا قد تكون خطوة استراتيجية تساهم في تحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة، بما يشمل تهدئة الأوضاع مع تركيا. ولكن نجاح هذه الإدارة الذاتية مشروط بأن تكون أقل من دولة مستقلة وأكثر من مجرد حكم ذاتي محدود. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تُفصل هذه الإدارة بشكلٍ كامل عن أي ارتباطات سياسية مع الأحزاب القومية الكردية داخل تركيا. إذا تحقق هذا الشرط، فإن مثل هذه الإدارة قد تنال دعمًا واستحسانًا من تركيا وربما تُحوّل العلاقة معها إلى شراكة تقوم على المصالح المتبادلة. كما أن إيران، التي قد تبدو متضررة في البداية من هذه الإدارة، سوف تجد أنه لا جدوى من الاعتراض عليها و قد تصل إلى مرحلة القبول بالتعامل معها وفق إطار شبيه بما يجري مع حكومة إقليم كردستان العراق، حيث يتم تطوير علاقات تجارية وتعاون سياسي يستند إلى المصالح المشتركة.
ومن أجل أن تحظى الإدارة الذاتية بدعم القوى التقدمية والعلمانية السورية والعربية، يجب عليها الالتزام بقيام نظام مدني حديث يضمن المساواة المطلقة بين كافة مواطنيها، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو القبلية. نجاح هذا النموذج المدني في تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان سيعزز من شرعيتها وقبولها على المستويين الإقليمي والدولي، ويفتح الآفاق أمامها كشريك بنّاء لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة المضطربة.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في قصيدة فرات اسبر -كما يمرُّ الماءُ من فم ِالحَجر-
-
حناجر الينابيع
-
انقلاب 8 شباط وكلام مختلف
-
اتحاد الجسد والروح في شعر فروغ فرخزاد
-
قارب المغيب
-
الأكاذيب التي أطلقها ترامب في بداية ولايته
-
المسرح المتهالك
-
سيمفونية الفوضى
-
أثرياء مسالمون لا يؤمنون سوى بالحرب الطبقية
-
رداً على هجوم شبح يتسكع في الحوار المتمدن
-
الابداع والمنفى
-
الموت من أجل كلية: هل يستطيع أحد أن يمنع السوق السوداء المزد
...
-
ومضات عدنان الصائغ
-
معجزة رأسمالية الدولة والصراع الطبقي في الصين
-
يلدا انتصار النور على الظلام وبداية دورة جديدة
-
استغلال الدين لترسيخ العرش سلاح ذو حدين
-
قراءة في رؤية أدونيس حول التغيير في سوريا
-
رجلنا في دمشق: دور سوريا في توظيف غرف التعذيب لصالح وكالة ال
...
-
أبارك لأبناء سوريا الجميلة الخلاص من كابوس الطغيان
-
تعبيرات جسد المرأة في ايران سياسياً وثقافياً
المزيد.....
-
بقوس ونشاب.. زبون دائم يستدرج صاحبة متجر إلى الخلف قبل أن يط
...
-
القادة العرب يستعدون لطرح اقتراح حول غزة بمقابل خطة -الريفيي
...
-
مبعوث ترامب: تحركت إلى موسكو بعد اتصال من السعوديين
-
مصر.. الـ-إيجوانا- تظهر في منطقة حضرية وتثير قلقا (صور)
-
ماذا نعرف عن انشطار الدوامة القطبية والانفجار البارد الذي يؤ
...
-
اكتشاف فيروس تاجي جديد لدى الخفافيش في الصين
-
مفوضة الاتحاد الأوروبي لمنطقة المتوسط: شروط لتخصيص نصف مليار
...
-
واشنطن تخشى الصراع مع إيران
-
ذا ناشيونال إنترست: غزة بعد -حماس-
-
أريستوفيتش يتوقع حدوث انقلاب وحرب أهلية في أوكرانيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|