أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الأزرقي - المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی















المزيد.....


المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 1794 - 2007 / 1 / 13 - 10:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الأمم عادة تحتفل بتراثها وتفتخر به. ومما لا جدال فيه ان للأمتين العربية والأسلامية نصيبهما من ذلك التراث المجيد. فقبل ظهور الأسلام کانت شعوب غرب آسيا وشمال افريقيا تنضوي تحت لواء حضارات عريقة کالفارسية والهندية والبيزنطية واليونانية. ولمَّا وصلها الأسلام استظلت تلك الحضارات بظله فانفتح عليها وزادها عمقاً وغزارة ً وألقاً. واستمرت بغداد بالذات ولوقت طويل نسبيا تشغل مرکز التراث العلمي والفلسفي والأدبي. وبرغم روعة مثل هذا التراث المجيد، فمن المؤسف انه تسربت اليه الکثير من الخرافات والاساطير والحکايات التي ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة تلك التي ذات طابع ديني. ولقد تم ذلك عن طريق اليهود والمسيحيين والمجوس الاوائل الذين اعتنقوا الأسلام منذ ايامه الأولی، واصبحوا بحکم ثقافتهم العالية في طليعة الذين فسروا القرآن ونقلوا الحديث وسطروا سيرة النبي والصحابة. ومن المؤسف القول ان هذا التأثير قد استمر يجد طريقه الی النشر حتی وقتنا الحاضر.

المخطوطة التي قمت بترجمتها تعطي الدليل الواضح لما أشرت اليه. استـُنسخت هذه المخطوطة عام 900 هـ، وقام الزميل الدکتور بشارة مرجية، الذي يسکن القدس، في تحقيقها قبل اربع سنوات تقريباً. يقول الدکتور مرجية في مقدمة التحقيق ما يلي. "إن موضوعات الدهاء والرياء والحيل والمکايد والخيانة، وکل الصفات السلبية الأخری تعتبر اوسع المواضيع التي ارتبطت بالمرأة في الکتب الأدبية والمجموعات القصصية. من هنا فقد وردت حول المرأة اخبار لا تحصی، وحکايات ونوادر لا حصر لها، هذا بالأضافة الی اقوال عديدة واحاديث مختلفة."

ويدرك القاریء منذ الصفحة الأولی اتجاه صاحب المخطوطة، إبن البتنوني، للحط من قيمة النساء. فبعد ديباجة المقدمة المطولة "للعبد الفقير الی الله" يشير إبن البتنوني عن دوافعه مبرراً عمله الأدبي بالقول "انه قد سألني بعض الأخوان في الله تعالی، أن اجمع کتابا يشتمل علی شيء من المواعظ المختصة بالنساء الجاهلات وغيرهن، لما سبق في علمه من المقدورات، وأقر ما وقع التنبيه عليه في هذا المختصر، عن النساء الجاهلات عن الأمور الشرعيات، اللاتي أعرضن عمَّا يجب عليهن من الحقوق الزوجيات والأحکام الدينيات." ثم يمضي إبن البتنوني الی القول ان النساء قد "صرفن هممهن الی الشهوات الفانيات والأحوال الموبقات، وابذلن جهدهن فيما هو سبب لهلاکهن، وقطعن اعمارهن فيما يستوجبن به لعنتهن، قاتلهن الله، ما أکثر جهلهن بأمور دينهن، وما اعظم رغبتهن في حظوظ نفوسهن. وما أشد اعراضهن عما فيه صلاحهن، فعليهن من الله ما يستحقون." وتصل ذروة الهجوم علی النساء بالقول "أولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون." ويبرر إبن البتنوني اتهامه الجائر متسائلاً " وکيف لا يکون ذلك، وقد جاء في القرآن اخبار عن عزيز مصر، انه من کيدکن إن کيدکن عظيم." وهکذا، وبحکم هذا المنطق الغريب، اصبح قول فرعون مصر تهمة تلاحق النساء المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، وحجة موثوقة يَستشهد بها کل من يبغي الحط من قيمة المرأة!

ويختتم إبن البتنوني مقدمته قائلاً "فلما رأيت ذلك وتأملت ما هنالك، أحببت أن أجيب منه السؤال، وأن أمنحه جزيل النوال، فاستخرت والله في جمع هذا الکتاب، ليکون تذکرة للأخلاء والأصحاب، وقد نبهت فيه علی مکائدهن وحيلهن مع ضعف عقولهن، وما يستوجبنه من الوعيد الشديد وسوء الوبال والتهديد، وما ورد في ذلك من القرآن والسنة، وما جاء عن الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل السنة والجماعة وسميته (العنوان في الاحتراز من النسوان.) وختمتهُ بفصل مختصر وکلام يقتصر يتعلق باحوال النساء الصالحات المذکورات في کتب الوعظات تبرکاً بذکرهن وتيمناً بفضلهن وتعجباً من أحوالهن، واسأل الله العظيم، ان يجعله خالصاً لوجهه الکريم، أنه علی ما يشاء قدير وبالأجابة جدير."

وعلی مدی مائتي صفحة تقريباً يستعرض إبن البتنوني کل الحوادث الرئيسية منذ ساعة خُلقت حواء الی الوقت الذي نکـَّل فيه الخليفة العباسي هارون الرشيد بالبرامکة، لمَّا ارتكب جرائم تعسفية لا يقبلها المنطق والعقل لتصفيتهم. وفي کل منها يلقي إبن البتنوني تبعة تلك الحوادث علی عاتق النساء وکيدهن العظيم. ويبدو واضحاً ان اغلب القصص والحکايات ليست إلا تکراراً للأساطير والحکايات والخرافات التي جاء بها الداخلون الجدد للأسلام بعد ان أضفوا عليها الجو العربي الأسلامي، واستشهدوا بآيات منقوصة غير کاملة من القرآن، أو آيات افرغوها من المحتوی والأطار الذي أنزلت من أجله. إذ تضم المخطوطة سيلا متتابعاً من القصص عن عباد الله الصالحين من بني اسرائيل الذين اغوت بهم النساء وصرفنهم عن عبادتهم، مضافاً اليهم عدد آخر من الرجال المسلمين في المدينة ودمشق وبغداد، وغيرها، من الذين وقعوا ضحية لکيد النساء وغوايتهن!

ويبدو ان الدافع الجنسي هو ما کان يقلق اولئك الرواة الذين استشهد إبن البتنوني بحکاياتهم، لأن الظاهر ان عباد الله الصالحين من الرجال لا يستطيعون التحکم بهذه الغريزة في حضرة النساء، حتی وإن کنَّ يفتقرن الی مقومات الجمال والأغراء! فسفيان الثوري، مثلاَ، حذرمن النظر الی أناث الحيوان! قال سفيان "غضوا ابصارکم ولو عن شاة انثی." وقال ايضاً "إئتمني علی بيت مملوء مالاً، ولا تأتمني علی جارية سوداء لا تحل لي." وقال يوسف بن اسباط "لو إئتمنني رجل علی بيت مال لظننت أن أؤدي إليه الأمانة، ولو إئتمنني علی زنجية أن أخلو معها ساعة واحدة لما إئتمنت نفسي عليها." وتصل المسألة حداً خطيرا حين يصبح الجنس أولوية لدی الرجل والمرأة. لنتأمل حکاية عن عبد الله الأنصاري انه قال "أيما إمراة کانت في صلاتها فدعاها زوجها الی فراشه، ولم توجز في صلاتها وتأتي اليه، إلا جاءت يوم القيامة وعلی رأسها جمرة من نار جهنم يغلي عنها دماغها حتي يخرج من انفها."
وفي رأي إبن البتنوني أن "الشهوة الجامحة" عند النساء تسببت ليس فقط في خلق السود من الناس، بل جعلت منهم ومن ذريتهم ان يکونوا عبيداً للبيض مدی الحياة والی ساعة القيامة! وخلاصة القصة ان نوح عندما بنی سفينته وانطلق بها ومن معه ساعة الطوفان، اصدر امراً فحواه (الجماع ممنوع!). لکن زوجة ابنه حام سرعان ما اغوت زوجها المسکين، واقتربت اليه حتی واقعها. فلما علم نوح بالأمر "غضب ودعا الله علی ولده حام وعلی زوجته بسواد الوجه وسواد خلقتهما، وان يکون السواد في أولادهما إلی يوم القيامة، وأن يقلـِّص شعورهما علی رؤوسهما، أي لا يکون مسدولا مسبسباً کشعور الأحرار، وان لا يجعل الله من أولاد حام نبيَّاً، وان يجعل الله أولاد حام رقاً لأولاد أخيه سام، والترك أولاد يافث." فاستجاب الله لهذا الدعاء.
وفي رواية اخری، ان نوح نام القيلولة علی ظهر السفينة، فهبت ريح اطارت ذيل ثوبه، فانکشفت عورته، فضحك ابنه حام الذي کان يجلس ليس بعيدا عنه. ودعا ذلك ان يحتج الأبن الثاني سام علی سلوك اخيه فنهره منزعجاً، وقال له "تضحك علی عورة أبيك؟" وعلا صوت سام بکلامه، فاستيقظ نوح علی کلام ولده من نومه، فاستخبره. فأخبره سام بما وقع. فغضب نوح من سلوك ابنه حام ودعا الله ان يجعل ذريته سودا وان يکونوا عبيدا الی يوم القيامة، فکان الذي کان.
ويروي إبن البتنوني قصة امرأة جاءت الی القاضي شريح تشکو اليه زوجها. وکان ذلك بعد العشاء تبکي وتتظلم. فقال لها "ارجعي وأتي في غداة عند طلوع النهار حتی احکم بينکما إن شاء الله تعالی، فإن اخوة يوسف عليه السلام جاءوا اباهم عشاءً يبکون، وکان بکاؤهم علی غير أصله، فکيف لا يکون بکاؤك کذباً." ولکن البتنوني يصور لنا موقفا مختلفاً تماما عندما تکون الشکوی صادرة من رجل. وهو في هذه المرة يروي لنا عن أنس بن مالك انه قال " بينما نحن جلوس في مجلس ابن عباس رضي الله عنه، والصحابة محدقون به وهو يفسر لهم القرآن، وإذا بأعرابي دخل علينا فقال السلام عليکم يا أصحاب رسول الله (ص)، أن لي إمرأة طويلة اللسان علي واريد منکم ان تعظوها وتزجروها عني." وعند سماعهم شکوی الرجل، انبری ابو بکر وعمر وعثمان وعلي وإبن عباس وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وأبو إمامة الباهلي وعبد الله بن عمر وأبو أيوب الأنصاري، وکل منهم يدلي برأيه في هذه المشکلة قائلاً "بلغها عني إني سمعت رسول الله (ص) يقول ....، الخ." ومع ان الجميع اتفقوا علی ادانة سلوکية المرأة بشدة، الا ان أبا إمامة الباهلي اعطي المسألة بُعداً آخر يصل حدَّ الکفر، إذ قال "بلغها إني سمعت رسول الله (ص) يقول لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها."
ولعل من المفيد ان نورد هنا ما قاله کلٌّ منهم، أو في الحقيقة ما نُسب من القول ونُقل عنهم. وللکاتب الکثير من التحفظ علی هذه الرواية التي جمعت کلَّ هؤلاء في موقف مُفتعل لأدانة حدث ربما ما کان له نصيب من الصحة. يقول إبن البتنوني:
(فصل يتضمن بعض أحاديث وردت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، في ذم نساء السوء، وما ورد في ذلك من الوعيد الشديد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن جلوس في مجلس إبن عباس رضي الله عنهما والصحابة محدقون به وهو يفسر لهم القرآن وإذا بأعرابي دخل علينا فقال السلام عليکم يا أصحاب رسول الله (ص)، أن لي امرأة طويلة اللسان عليَّ وأريد منکم أن تعظوها وتزجروها عني، وقال فالتفت أبو بکر الصديق رضي الله عنه وقال بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امرأة عذبت زوجها بلسانها فهي في لعنة الله وسخطه ولعنة الملائکة والناس أجمعين. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امرأة دعاها زوجها الی فراشه، فأبت فهي في سخط الله الی ان تتوب وترجع. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيراً قط الا احبط الله عملها، ولو کانت تصوم النهار، وتقوم الليل. الا ان تتوب وترجع. وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة عليه، الا حُشرت يوم القيامة مع هامان وقارون في الدرك الاسفل من النار، الا ان تتوب وترجع. وقال ابن عباس رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة خرجت من بيت زوجها بغير اذنه، الا لعنها کل شيء طلعت عليه الشمس، الا ان تتوب وترجع. وقال ابو ذر الغفاري رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة قالت لزوجها لعنك الله وهي ظالمة الا لعنها الله من فوق سبع سموات وکل شيء خلقه الله الا ان تتوب وترجع. وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة خانت زوجها في فراشه الا کان عليها من الذنوب مثل ذنوب نصف هذه الأمة الا ان تتوب وترجع. وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: لو ان امراة لحست من جانب انف زوجها دماً ومن الآخر قيحاً ما أدت حق زوجها. وقال المقداد بن الأسود رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة عصت زوجها فعليها لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، الا ان تتوب وترجع. وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة منت علی زوجها بمالِها، فتقول إنما أنت تأکل من مالي، فلو انها تصدقت بمثل ذلك المال في سبيل الله لا يقبل الله منها عملاً. إلا ان يرضی عنها زوجُها وتتوب. وقال طلحة بن عبد الله رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة کلحت في وجه زوجها حتی تدخل عليه الغم، فهي في سخط الله، الا ان تضاحکه وتدخل عليه السرور. وقال الزبير بن العوام رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة عبدت الله تعالی عبادة مريم ابنة عمران ثم لم يرضَ عنها زوجها ما قبل الله منها شيئاً من ذلك وأدخلها النار مع الداخلين. وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة ادخلت علی زوجها الغم في أمر النفقة وکلفته ما لا يطيق، لم يقبل الله منها عرفاً ولا عدلاً أي لا فرضاً، ولا سنة الا ان تتوب وترجع. وقال أبو هريرة رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: لو ان امراة جعلت احدی ثدييها مطبوخاً والآخر مشوياً ما أدت حق زوجها. وقال أبو إمامة الباهلي رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: لو امرت احداً ان يسجد لاحد، لأمرت المراة ان تسجد لزوجها. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: لو ان جميع ما في الارض من ذهب وفضة حملته المراة الی بيت زوجها وقالت له يوماً من أنتَ؟ انما المال مالي إلا أحبط الله عملها ولو کانت من اعبد الناس الا ان تتوب وترجع. وقال ابو ايوب الانصاري رضي الله عنه بلغها عني اني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما امراة أذت زوجها ولا تطيعه في شيء من الاشياء فلو انها افتدت منه بحل الارض ذهباً وفضة، ولم تطيب نفسه إلا نزع الله فيها صالح ما اعطانا ودخلها النار مع الداخلين.)
ولو افترضنا جدلا ان الرجل قد جاء فعلاً الی المسجد وشکا من طول لسان زوجته، کما في الرواية، فإنه لم يلق الجواب الا من أبي بکر فقط. اما ما قاله الآخرون فلا علاقة له بالشکوی. لقد ترکزت الأجوبة علی امور اخری وشملت فيما شملت الدعوة الی الفراش وشکوی المراة من زوجها وخروجها من البيت بغير اذنه وخيانة الزوج او عصيان الزوجة او منّها علی زوجها بمالها او عدم رضا زوجها عنها لانها رفضت ان تضع مالها تحت تصرفه او مطالبتها له بالنفقة. وما نُسب للباهلي وابي هريرة وعبد الله بن عمر فيه خروج عن مبادیء الاسلام حقاً، لانهم قد وضعوا طاعة الزوج بنفس القدر من طاعة الله او حتی اقوی من ذلك، لأن عبادتها لله وصلاتها وعملها للخير لا تنفع ولا مجال ان يتقبلها الله منها الا برضی زوجها عنها. بکلمة اخری ان إسلام المرأة لا يکتمل ما لم يوافق الزوج عليه أوَّلاً!
وفي جزء آخر من المخطوطة نجد صدی لکل ذلك في نص أورده إبن البتنوني وأطلق عليه "وصية النبي (ص) لأبنته فاطمة رضي الله عنها" يقول النص ما يلي:
(يا فاطمة ما من امرأة قالت لزوجها أف لكَ إلا لعنها الله تعالی والملائکة يا فاطمة ما من امرأة عبست في وجه زوجها إلا غضب الله عليها، وغضب عليها زبانية جهنم. فإن مانعته في الفراش لعنها کل رطب ويابس، يا فاطمة ما من امرأة خففت من کسابها درهما عن زوجها، إلا کتب الله لها بکل درهم حجة مبررة، وبنی لها بکل درهم قصراً في الجنة. يا فاطمة ما من امرأة صلت ودعت لنفسها ولم تذکر زوجها. إلا رد الله عليها صلاتها حتی تدعو لزوجها. يا فاطمة ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها إلا لعنها کل رطب ويابس حتی ترجع الی بيتها. يا فاطمة ما من امرأة نظرت الی وجه زوجها وعبست في وجهه الا غضب الله عليها وغضبت عليها الملائکة. يا فاطمة ما من امرأة کشفت وجهها علی غير زوجها، إلا أکبها الله علی وجهها في النار. يا فاطمة ما من امرأة أدخلت في بيتها ما يکره زوجها إلا أدخل الله عليها في قبرها سبعين حية وسبعين عقرباً من عقارب جهنم يلدغونها الی يوم القيامة. يا فاطمة ما من امرأة صلت تطوعاً ولم تستأذن زوجَها، إلا رد الله عليها صلاتها. يا فاطمة ما من امرأة سرقت من بيت زوجها أو مالِهِ شيئاً إلا کتب الله عليها ذنوب سبعين سنة.)
وأورد الأمام أبو الفرج إبن الجوزي في کتابه (ذمُّ الهوی)، عن عبد الله بن عمر، قال "أول ما خلق الله من الأنسان فرجه، فقال هذه أمانتي عندك، فلا تضعها إلا في حقها." ويذکر صاحب المخطوطة "أن النبي محمد (ص) قد لعن العايصة والمعوصة." فالعايصة هي التي لم تعلم زوجها انه حائض فيجامعها وهي حائض، والمعوصة هي التي لا تکون حائضاً وتقول لزوجها انها حائض لکي لا يجامعها. ويستنتج البتنوني ان "ما حمل النساء علی ارتکاب هذه الأفعال الخبيثة التي استوجبن بها اللعن من صاحب الشرع ، إلا سخافة عقولهن ونقصان دينهن وشدة شهوتهن وکثرة ميلهن الی الرجال، ليصدن بذلك عقولهم، ويفسدن احوالهم ويستعلن به قلوبهم. ويتضح التناقض في هذه الاقوال اذ کيف تکون المرأة متمانعة وشديدة الشهوة في آن واحد. ويمضي البتنوني الی القول "قاتلهن الله ما أعظم فتنتهن وما أضر کيدهن وما أعجب حيلتهن وما أشد بأسهن مع ضعف عقولهن. فعليهن من الله ما يستحقون اولئك حزب الشيطان إلا ان حزب الشيطان هم الخاسرون. فکم افسدن عقولا وکم غيرن احوالا وکم شغلن بالا وکم فتنَّ شبابا ورجالا وکم اهلکن مالا وکم قهرن ابطالا. ولقد رأينا کثيرا من ارباب العقول والذکاء مع ذکائهم ووفور عقولهم، يرجعون الی رأيهن ويمتثلون امرهن ويرضون لرضاهن ويسخطون لسخطهن. وربما فرقن بين الرجل وبين اقاربه واوقعن بينهم العداوة والبغضاء والمشاجرة والمقاطعة والمدابرة والمشاحنة. حتی ان کثيرا من اهل العلم والدين وقع في الأثم والوزر بمطاوعته لزوجته، وموافقته لرأي امراته، تارة يفعل ذلك خوفاً من شرها فيداري ماله معها وتارة يوافقها علی هواها." وخلاصة هذه الآراء هي ان المرأة هي سبب فساد الرجل في المجتمع وخسارته لدينه ودنياه. ومع ان البتنوني قد وعدنا بانه سيختتم مخطوطته "بفصل مختصر وکلام يقتصر يتعلق باحوال النساء الصالحات المذکورات في کتب الوعظات تبرکاً بذکرهن وتيمناً بفضلهن وتعجباً من أحوالهن،" الا ان صاحب المخطوطة قد نسي او ربما تجاهل، او ان نفسه لم تطاوعه ان يورد شيئا ايجابيا عن المرأة علی الاطلاق.
تظهر المرأة في هذه الأفكار الشائعة الدخيلة علی التراث العربي/الأسلامي بأنها فتنة وأقل قدرا من الرجل. وهذا يدعو لمناقشة الحديث النبوي أن النساء ناقصات عقل ودين. ورغم ان هذا الحديث ليس شائعا ولا يشار إليه إلا نادرا بين المسلمين غير العرب، لكنه الحديث الذي يكاد يكون وحيدا في أوساط الإسلاميين العرب عند مناقشة أي موضوع يتعلق بالمرأة، سواء في بلادهم أم في أوروبا، رغم أن بعض علماء المسلمين يؤكدون ضرورة فهم الأحاديث في سياقها الزماني والمكاني. وبعضهم يحاول التشكيك في صحة الأحاديث التي تنتقص من المرأة، التي وإن سلموا بصحة بعضها، فإنهم يعدونها دليلا على حث الرجال على معاملة المرأة برقة ولطف وليس أنهن أقل قدرا منهم. هناك حكمة جميلة أطلقها أحد الحكماء، بأن المرأة قد أُخذت من جانب الرجل لتكون مساوية له، ومن تحت ذراعه لكي يحميها، وقرب قلبه لكي يحبها ويحترمها، ولم تؤخذ من رأسه لئلا تدوس عليه، ولا من قدميه حتى لا يهينها. أين المجتمعات العربية والأسلامية من هذه الحقائق الناطقة؟ كيف تمكن العودة الى هذه الآراء الصائبة؟ في رأيي، تغيير وضع المرأة يجب أن يبدأ بغرس هذه المفاهيم في فكر الأجيال الجديدة، من خلال المؤسسات التربوية والتعليمية، حتى تشب على احترام المرأة كإنسان له عقل واع وكيان مستقل، وليست مجرد جسد خُلق لغواية الرجل.
إن تنقيح التراث العربي/الاسلامي الذي شوِّه، وإعادة صوغه من جديد بنهج موضوعي، ونبذ الأحكام الجائرة التي تحط من قدر المرأة، وإبراز الانجازات العظيمة التي قدمتها المرأة على مدار التاريخ امور تستحق الأولوية في الجهد الثقافي. فمن المعروف أن الكثير من الأوضاع المأسوية التي تعيشها المرأة اليوم، ما هي إلا حصيلة ثقافة ذكورية لا دخل للتشريع فيها، إضافة الى الاسرائيليات ومخلفات العصور الوسطى الغربية التي تحط جميعها من قدر المرأة، والتي حشرت في التعاليم الإسلامية حتى أضحت من المسلـَّمات في الموروثات الاجتماعية. كذلك كان للعهد العثماني المظلم دور في تضخيم الأنا الذكورية، من خلال نظرته الضيقة المتحجرة الى المرأة، بأنها خُلقت لمتعة الرجل وتلبية مطالبه الحياتية، ما أدى الى حصر أدوارها في أداء واجباتها المنزلية ورعاية الزوج والأبناء.
لا أبالغ إذا قلت ان المرأة اذا لم يُفسح لها المجال لتـُشارك في صنع القرار، فلن يكون هنــاك نــضج فكــري، ولا تطور ثقافي، ولا تقدم اجتماعي، لأن الأمم تقاس من خلال احترامها لنصفها الآخر المتمثل في المرأة. فمن غير المعقول ان توضع تحت الإقامة الجبرية بحجة أنها ناقصة عقل ودين! لقد حان الوقت لكي يضع الرجل يده في يد المرأة، من دون أن يُعاملها على أنها أم الشرور ومبعث الرذائل في المجتمع، فكل إنسان رجلاً كان أو امرأة، قد وُهب نعمة العقل، لكي يُنتج ويُقدّم على مدار حياته ما فيه النفع لذويه ولمجتمعه.
لم تتوقف نظرة العداء تجاه المرأة عند تحجيم مشاركتها في الحياة السياسية، بل تجاوز الأمر الى الاستهانة بفكرها، وعدم الاكتراث بأدبها والنظر اليه باستخفاف كما ينظر الى شخصها. قالت أحدی الأديبات في مقابلة مع صحيفة "الحياة" أنه سألها أحد الصحافيين عن غياب النقاد لعملها الأدبي، ولماذا يحجمون عنه؟ ألأنها تكتبُ أدباً يتميز بالجرأة والمكاشفة؟ قالت الأديبة "حرت بداية في كشف النقاب عن الحقيقة المرة. لكنني أقولها بصراحة، إذا كنا نعيش اليوم زمن انحطاط اجتماعي وسياسي، فما العجب إذا أحجم النقاد عن الأدب النسوي؟ للأسف النقاد الرجال وأستثني قلة منهم، ما زالوا يستهينون بنتاج المرأة، ويرون أنه أدب بوح ومناجاة وأداة للتنفيس عما تعانيه من جور اجتماعي وقمع فكري. وفي معنى أدق هو أدب يدور في منظومة غريزة الأمومة، والعاطفة المكبوتة، والهم الخاص، وبعيد كل البعد من الواقع السياسي والاجتماعي العام، وهو ما جعلهم ينصرفون عنه بحجة أن لا دور أساسياً له في تطوير حركة التاريخ، وبالتالي لا وجود له في نسيج الأدب العربي."
في العالم أجمع ظلـَّت المرأة ملهمة الأديب والفنان. والتاريخ سجّل الكثير من النصوص التي كانت المرأة مصدراً لإبداعها، بل إن بعضهم بنوا صروح أمجادهم الأدبية من رفات النساء. هذا في الوقت الذي غضّ التاريخ الذكوري الطرف عن الكثير من الإبداعات النسوية التي كان الرجل فيها مصدر إلهام للمرأة، من منطلق ان المرأة محظور عليها أن تطاول قامة الرجل لئلا تنتقص من قدره وتطعن في رجولته، بحسب ما يردد الموروث الاجتماعيّ! بل ان المرأة التي تجاسرت وتمردت على هذا القانون الذكوري، اعتبرت أحياناً امرأة مسترجلة، تخلـَّت عن أنوثتها، لأنها تجاسرت ووطأت بقدميها أرضاً غريبة عنها، الى إحاطتها بسياج من الشك والريبة، وتعرضها للمساءلة القانونية والاجتماعية. وهو ما يدفعنا للتوقف عند ما قالته الأديبة غادة السمان، من أن المرأة المبدعة تتعامل مع إبداعها من خلال موروثها الثقافي، بمعنى أن كما الرجال قوامون على النساء، كذلك الأدب الرجالي قوام على الأدب النسائي. في رأيي الأديبة، ولا شك انها علی صواب، هذا الواقع أصبح من مخلفات الماضي. لقد دفعت أخيراً هذه الأجواء القاتمة بالأديبة العربية، الى الثورة على واقعها، والى تحرير فكرها من نغمة العيب والحرام، حتى نجحت في تمزيق الأغشية الوهمية المتمثلة في العرف والتقاليد، وفي كسر بعض السائد من القيم التي تحاصرها وتحرمها، من خلال إبداع عوالم حياتية تعكس واقع مجتمعها، الى أن أصبح أدب المرأة اليوم يتميز بالصدق الأدبي.
كثيرون يظنون أن كشف النقاب عن سلبيات المجتمع من اختصاص الأديب الرجل، لكنني أؤمن بأن الأديبة المرأة يجب ألا تتخلی عن مسؤوليتها وتنفض يديها عمّا يجري داخل أروقة مجتمعها. فطالما أن لهيب السلبيات يلفح بحرارته الجميع، وطالما أن الرجل والمرأة يخوضان غمار الحياة معاً ويتجرعان مرارة الواقع المعاش من كأس واحدة، يجب أن تـُسخّر الأديبة قلمها في طرح قضاياها، وفي المطالبة بحقوقها كون المرأة المثقفة وحدها القادرة على انتزاعها. السبب هو أن الحرف لا يعترف بالمسافات، ولا يخضع للجنسيات، ولا يتوقف عند الحواجز. فالقلم الحر لا يهاب الأمواج العاتية ولا تضعفه عواصف التهديد.



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- ألأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث -الحلقة الرابعة
- 3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الثانية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث-الحلقة الثانية


المزيد.....




- لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف ...
- أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
- روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ ...
- تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك ...
- -العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
- محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
- زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و ...
- في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا ...
- النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
- الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الأزرقي - المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی