أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - إضاءة: البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري














المزيد.....


إضاءة: البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 09:35
المحور: الادب والفن
    


"ولكن عندما لا يبقى شيء من الماضي القديم، بعد موت الكائنات، بعد تدمير الأشياء، وحده، أكثر هشاشة، ولكن أكثر حيوية، وأكثر تجردًا، وأكثر ثباتًا، وأكثر إخلاصًا، تظل الرائحة والطعم باقيين لفترة طويلة، مثل الأرواح، تتذكر، تنتظر، على أنقاض كل شيء آخر، تدعم دون انحناء، في سقوطه غير الملموس تقريبًا، المبنى الهائل للذاكرة."()

في هذا المقتطف من كتاب ("البحث عن الزمن المفقود". 1913)()، يتأمل مارسيل بروست (1871 - 1922)() قدرة الحساسية البشرية على تجاوز الزمن، ومقاومة التآكل الناتج عن النسيان، والحفاظ على جوهر الذاكرة. الذاكرة، بالنسبة لبروست، ليست مجرد إعادة بناء عقلانية للأحداث الماضية، بل هي تجربة معاشة تتجلى من خلال الحواس، وخاصة الشم والتذوق، والتي يصفها بأنها "أكثر هشاشة، ولكن أكثر حيوية". هذه الحواس، التي تكاد تكون غير مادية في وظيفتها، تصبح حارسة للماضي الذي، على الرغم من تدمير ماديته، لا يزال قائما بطريقة مكثفة وعاطفية.

يستكشف بروست فكرة الحساسية باعتبارها هدية إنسانية فريدة تسمح لنا بالوصول إلى أعماق التجارب والعواطف الماضية. وبهذا المعنى، فإن الحساسية هي نعمة ونقمة في نفس الوقت. إنها هدية لأنها تسمح لنا بإعادة خلق وإحياء اللحظات التي قد نفقدها لولا ذلك، مما يعطي الحياة طابعًا مستمرًا ومتسعًا. بدلاً من أن تكون مقيدة بقيود الوقت الزمني، تسمح الذاكرة الحسية بتجربة خالدة، حيث تطفو اللحظات الماضية على السطح في الحاضر، وتتجدد من خلال لفتة أو ذوق، كما يحدث في حلقة المادلين الشهيرة.

ترتبط موهبة الحساسية، في الرؤية الفلسفية لبروست، بمفهوم الذاكرة اللاإرادية. على عكس الذاكرة الإرادية، والتي تخضع للسيطرة الواعية، فإن الذاكرة اللاإرادية تنفجر فجأة، وغالبا ما تستيقظ من خلال محفزات حسية غير مهمة، ولكنها تحمل معها القدرة على استحضار صرح هائل من الذكريات. وهذا يعكس وجهة نظر ظاهراتية مفادها أن الجسد، من خلال الحواس، هو الوسيط بين تجربة الزمن والذاتية الإنسانية. على سبيل المثال، تعتبر حاستي الشم والتذوق أكثر ديمومة لأنهما تتجاوزان حواجز العقلانية والمنطق، وتصلان مباشرة إلى أعماق الكائن، حيث لا يستطيع العقل اختراقها.

من وجهة نظر فلسفية، يبدو أن بروست يحاور أفكار الفلاسفة مثل هنري برغسون (1859-1941)()، الذي يزعم أن الزمن المعاش (المدة) لا يقاس ميكانيكيًا، بل يتم تجربته بطريقة سلسة ونوعية. إن الذاكرة الحساسة التي يصفها بروست تشير إلى هذا المفهوم للزمن الداخلي، حيث لا يكون الماضي عبارة عن تسلسل خطي من الأحداث الميتة، بل هو خزان للتجارب الحية، في انتظار إعادة تنشيطها من خلال الحواس.

وتثير رؤية بروست أيضًا فهمًا وجوديًا للحياة البشرية. إن تدمير الماضي المادي، سواء بموت الناس أو تدهور الأشياء، لا يعني نهاية وجوده في الوعي الإنساني. بل إن الذكريات تظل قائمة في شكل غير مادي، وروحي تقريبا، وهو ما يردد صدى مفهوم التذكر الأفلاطوني، حيث المعرفة والحقيقة موجودة بالفعل في الروح، ولا يتم إيقاظها إلا من خلال التجارب. بهذا المعنى، تعمل الحساسية كمسار إلى الأبدية، مما يسمح للبشر بإعادة الاتصال بالحقيقة والمعنى اللذين يتجاوزان الوجود الزمني.

علاوة على ذلك، هناك بعد شعري في الطريقة التي يصف بها بروست الحواس بأنها "أكثر هشاشة، ولكن أكثر حيوية، وأكثر مادية، وأكثر ثباتًا"(). هذه الهشاشة ليست ضعفًا، بل قوة: خفة الحواس هي التي تسمح لها بالبقاء، وتدعم "دون ثني" الصرح الضخم للذاكرة. وهنا يقترح بروست أن قوة الحساسية الإنسانية تكمن تحديدًا في ضعفها. ما يبدو صغيراً وغير مهم - طعم الحلوى، أو رائحة الزهرة - يحمل ثقل العالم الداخلي، ويشكل الرابط بين الزائل والأبدي، والدنيوي والسامي.


الخلاصة؛ إذن. وهكذا يرفع بروست الحساسية الإنسانية إلى مرتبة الهدية المتناقضة: ففي الوقت الذي يعرضنا فيه لألم الذاكرة، فإنه يثرينا بإمكانية تجاوز الموت والنسيان. ومن خلال الحساسية يتمكن الإنسان من الحفاظ على استمراريته الوجودية، ومقاومة تدفق الزمن الذي لا يرحم، بل هو بحث في إيجاد الخلود الحقيقي للتجربة في التفاصيل الصغيرة للحياة. إن شئتم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 01/17/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة؛ -في مديح الحماقة- لإيراسموس روتردام/ إشبيليا الجبوري ...
- بإيجاز: -الزمن الكافكوي: الاغتراب من أجل غرس عبثية الوجود/ إ ...
- برفقتك/ بقلم مانويل التولاغوير - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
- صناعة الضحية؟… جيجيك مواجهًا فوكو/ شعوب الجبوري - ت:من الألم ...
- النافذة/ بقلم مانويل التولاغوير بولين - ت: من الإسبانية أكد ...
- الدراما الخفية للفقر في مجتمع الاستهلاك/ بقلم زيجمونت باومان ...
- إعادة التفكير في الحداثة/ بقلم زيجمونت باومان -- ت: من الإنك ...
- بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إش ...
- إضاءة: رواية -كاميلا- لفرانسيس بورني/إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- بإيجاز؛ التناقض كجوهر للوجود الفكري/ إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (6- 7)/ الغزالي ال ...
- النزاع حول التاريخ الحقيقي
- إضاءة: رواية -كما أحتضر- لويليام فوكنر/إشبيليا الجبوري - ت: ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (5 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -السقوط- لألبير كامو/ إشبيليا الجبوري - ت: من ا ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق --رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- الليل داكن - هايكو - السينيو
- إضاءة: رواية -الاراضي القروية العظيمة: المسارات-/ لجواو غيما ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -فترة ويعود أوغستو ماتراغا- لخواو غيماريش روزا ...


المزيد.....




- وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - إضاءة: البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري