محمد عبد القادر الفار
كاتب
(Mohammad Abdel Qader Alfar)
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 13:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفصل السابع: ختم التنين
كان أيوب يحدّق في انعكاسه في مرآة غرفة مظلمة، لكنه لم يتعرف على نفسه.
منذ أن غادر الحضرة مع أخيه، لم يفارقه الشعور بأن هناك شيئًا مفقودًا، وكأن ثقبًا صغيرًا في عقله كان يسمح للمجهول بالتسرب عبره. لكن ما كان يثير جنونه هو أنه لم يشعر بأي رغبة في سد هذا الثقب. كان هناك جزءٌ منه لا يريد أن يتذكر.
"أيوب، أنت بخير؟" جاء صوت عدنان من خلفه.
أدار أيوب رأسه ببطء وقال: "أشعر وكأنني نسخة عن نفسي، ولكن ليست النسخة الأصلية."
ابتسم عدنان برفق: "قد يكون ذلك أفضل لك. بعض الذكريات ليست ملكًا لنا."
شعر أيوب أن هناك شيئًا غير منطقي في هذه الكلمات، لكنه لم يعلّق.
كان يشعر أنه نجا من شيء خطير، لكنه لا يعرف ما هو. كان يعلم أنه مرّ بتجربة غير عادية، لكنه لم يستطع استرجاعها. كلما حاول التركيز، كان عقله يواجه حاجزًا غير مرئي.
في تلك الليلة، رأى حلماً لم يكن مجرد حلم.
كان واقفًا في ساحة قديمة محاطة بجدران حجرية عالية، كأنها معبد من زمن ضائع. أمامه كان يقف تاكاهيرو، صامتًا، مرتديًا رداءً أسود يشبه ملابس رهبان الشاولين.
"لماذا أنا هنا؟" سأل أيوب، لكن صوته لم يكن مسموعًا.
رفع تاكاهيرو يده، مشيرًا إلى شيء خلفه.
التفت أيوب، فرأى نفسه.
رأى نفسه كما كان من قبل، قبل التربنة. عيناه كانتا مليئتين بشيء لم يستطع تفسيره.... معرفة؟ جنون؟ لعنة؟
"أنت رأيت ما لا ينبغي أن يُرى،" قال تاكاهيرو بصوت بدا وكأنه يخرج من داخله لا من فمه. "ليس لأنك بحثت عنه، بل لأنك تسببت في حدوث ثقب جدار ما.
شعر أيوب بالقشعريرة. لم يكن يفهم ما يقصده، لكنه أدرك أنه حقيقي.
"هل كنتُ خطيرًا؟" سأل.
هزّ تاكاهيرو رأسه ببطء. "كنتَ غير مبالٍ. وذلك أكثر خطورة."
كان أيوب يريد أن يحتج، أن يقول إنه لم يكن يستهتر، لكنه شعر أن ذلك سيكون كذبة. لقد كان يتعامل مع الحقيقة كما يتعامل مع جرعة مخدرة، متعة لحظية بدون فهم العواقب.
"ولهذا مسحت ذاكرتي؟" قال أيوب أخيرًا.
تاكاهيرو لم يجب.
بدلًا من ذلك، اقترب منه، ووضع إصبعه على جبهة أيوب.
وفجأة، انفجرت رؤى قديمة في عقله، كما لو أن جدارًا انهار.
رأى نفسه في الليلة التي فتح فيها الثغرة، تلك الليلة التي كان فيها غارقًا في الهلوسة، حيث رأى شيئًا لا يمكن وصفه، شيئًا جعل الكون نفسه يبدو وكأنه يختل.
ثم رأى تاكاهيرو وهو ينظر إليه في تلك اللحظة، في مكان لم يكن من المفترض أن يكون فيه، وقال له بهدوء: "ستنسى الآن."
عاد أيوب إلى وعيه، غارقًا في العرق. كان مستلقيًا في سريره، وأخوه يقف بجواره، ينظر إليه بقلق.
"رأيت شيئًا، أليس كذلك؟" سأل أخوه.
أيوب لم يجب.
لقد كان يعلم الآن.
لقد كان يعلم لماذا تم محو ذاكرته.
ولكن السؤال الحقيقي كان: هل يريدها أن تعود؟
#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)
Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟