أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)














المزيد.....


تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 13:47
المحور: الادب والفن
    


تجليات معاصرة لشخصية عتمان ابن الحبلة
قحطان الفرج الله / بغداد

عتمان بن الحبلة من الشخصيات التي نقلتها لنا سيرة الحاكم المملوكي الظاهر بيبرس، الذي حكم مصر والشام، وهو رابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي. بدأ مملوكًا يُباع في أسواق بغداد والشام، وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط. لقّبه الملك الصالح أيوب بـ”ركن الدين”، وبعد وصوله للحكم، لقب نفسه بالملك الظاهر. حقق خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين والمغول، وقضى أثناء حكمه على الحشاشين، الفرقة المتطرفة المنسوبة للشيعة، كما استولى على إمارة أنطاكية الصليبية.
مما ورد في السيرة أن عتمان بن الحبلة كان سائسًا لخيول الظاهر بيبرس، وكان من بهاليل السيدة زينب، أي من المتدروشين. وأعتقد أن وصف “البهاليل” جاء نسبةً إلى البهلول (أبو وهب بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي، المشهور باسم بهلول، الذي ولد في الكوفة في العراق، وكان شاعرًا حكيمًا في زمن هارون الرشيد)، حيث مزج في آخر حياته بين الحكمة الفائقة والجنون. وهذا ما تتصف به شخصية ابن الحبلة. وأعتقد أن اللاحقة الوصفية التي وُصِفَت بها أمه تدل على سلوكها الشائن، فهي تستمر في الحمل سواء كانت على ذمة رجل أو من غير ذلك، أو أن اللقب يشير إلى انتفاخ بطنها الدائم لعلة أو مرض ما.
كان عتمان شديد الحيلة والدهاء، وكذلك مفرطًا في مواقف الفكاهة والسخرية السوداء، وهو إحدى الشخصيات الكوميدية البارزة في سيرة الظاهر بيبرس، حيث يُصوَّر كشخصية ساذجة، لكنه يمتلك نوعًا من الذكاء الفطري الذي يجعله ينجو من المواقف الصعبة. في السيرة، يؤدي دور المهرج الشعبي كشخصية ثانوية تُستخدم لإضفاء الترفيه على السيرة الملحمية الجادة. وظيفته الأساسية تنقسم إلى عدة أدوار، منها الكوميديا وكسر الجدية، فالسيرة مليئة بالمعارك والسياسة، لكن عثمان يضفي عليها روح الدعابة من خلال تصرفاته العفوية وسذاجته الظاهرة. فهو دائم الوقوع في مواقف محرجة أو مضحكة، لكنه ينجو منها بخفة دمه.
كما أن هذه الشخصية تمارس دور الناقد الاجتماعي المغلف بالسخرية السوداء، فكثيرًا ما ينطق عتمان بحكمة شعبية ساخرة وعميقة الدلالة، فينتقد فساد الحكام أو يسخر من قرارات المماليك أو يعكس مشاعر العامة بأسلوب طريف، ما يجعله لسان حال الناس في القصة. ومع ذلك، فهو يرسم صورة البطل العفوي غير المتوقع في بعض المواقف. يجد عثمان نفسه وسط أحداث خطيرة، لكنه ينجو منها بطرق غريبة وغير متوقعة، كالهروب، أو التصرف بعفوية، أو حتى استغلال سوء فهمه لصالحه، مما يجعله شبيهًا بشخصيات مثل “جحا”.
يمثل عتمان قمة الاتصال بالسلطة وروعة الانفصال عنها. فهو تابع لبيبرس، لكنه ليس جنديًا أو قائدًا عسكريًا من قواده. ليس محاربًا شجاعًا مثل بقية شخصيات السيرة، لكنه تابع للحاكم، وغالبًا ما يكون خادمه أو مرافقه في بعض المواقف. ومع ذلك، فهو ليس شخصية ذات نفوذ أو تأثير عسكري حقيقي، لكنه يمثل بعمق خطير أداةً للسرد الشعبي والتفاعل مع الجمهور، فتكون شخصيته عنصرًا محبوبًا لدى المستمعين.
في اختلاقه للأعذار وفي فطرية ردوده، يظهر تجربة السيطرة على دماغ الحاكم بطريقة غير مباشرة، مما يساعدنا على توظيف أداة القياس التي يمتاز بها العقل العربي، والذي يُوصف بأنه عقل قياسي، لنكتشف أبناء الحبلة الذين هيمنوا على مقدرات السلطة بكل أنواعها، وأدوار عالمنا الحديث، مازجين بين الدهاء والغباء، بين الحياة والبساطة، بين العلم والعبث، وبين الشرف والوضاعة. ولك أن تتخيل كيف وُصف عثمان وتجربته في ركوب حصان بيبرس الأصيل، كما ركب بعضهم في زماننا كراسي البلدان الأصيلة ومناصبها الحضارية الرفيعة.
ففي أحد الأيام، قرر عثمان أنه يريد أن يجرب الفروسية مثل الفرسان الحقيقيين، فاختار أقوى حصان في الإسطبل—وهو حصان بيبرس المفضل، المعروف بسرعته وقوته. لكن بمجرد أن صعد على ظهره، انطلق الحصان كالسهم، وبدأ عثمان يصرخ: “أيها الناس، أمسكوا الحصان، لقد أصابه الجنون!” بينما في الواقع، هو الذي لم يعرف كيف يسيطر عليه. ظل الحصان يجري في كل أنحاء القصر، يصطدم بالحراس والخدم، حتى سقط عثمان في بركة ماء، ليخرج وهو يصرخ: “هذا الحصان يعمل مع الأعداء!”
مشاركته في الأحداث تأتي دون قصد، فهو ابن الحبلة الذي قربته الصدفة، وكونه مرافقًا للخيول يجعله حاضرًا في المعارك أو الرحلات، لكنه لا يشارك في القتال، بل يتورط في الأحداث بطريقة غير متوقعة، مثل الهروب من المعركة أو التصرف بسذاجة تثير الضحك. يدير معارك مزيفة يصبح فيها بطلًا عسكريًا دون قتال حقيقي، فقد اختبأ أثناء معركة بين المماليك وأعدائهم، وبعد انتهائها خرج متفاخرًا بأنه هو من هزم العدو. وعندما سُئل عن كيفية قيامه بذلك، بدأ يروي قصة مختلقة عن كيفية “إرعاب” الأعداء بنظراته فقط، مما جعلهم يهربون!
كيف لنا اليوم أن نصدق دهاء أبناء الحبلة وكذبهم المفضوح، حين يعود أحد الحكام حاملًا العار، ويحتفل به الشعب قادمًا من أمريكا في المطار؟ عثمان الذي يبرر كل أفعاله المتناقضة بحلول مائعة، نشاهد من أمثاله اليوم ما لا يُحصى من “أبناء الحبلة”، الذين يبرعون في خلق الأعذار لإقناع الناس بعدم ارتكابهم للأخطاء التي تتطلب الاعتذار. فهذا عتمان، أخوهم الأكبر، الذي يحمل رسالة السلطان بيبرس إلى أحد القادة وهو لا يعي خطورتها وسريتها، لكنه بدلًا من تسليمها بشكل رسمي، يُسيء فهم المهمة ويستخدم الورقة لأغراض غير متوقعة، مثل مسح العرق أو لف الطعام بها. وعندما يسأله بيبرس عن الرسالة، يحاول التملص بكوميديا ساخرة، مدعيًا أنه كان يحميها بطريقة “إبداعية”.
فمتى تنتهي أم عثمان من حبلها المستمر وإنجابها المفرط؟ حينها فقط سيكون لنا حديث عن عالم مشرق خالٍ من أبناء الحبلة.



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)
- علم طفلك نطق الــ(لا)
- تشرين ولادة وطن اجهض في اسبوعه الأول
- مسلسل -الجنة والنار- وانعكاس لذّة العنف والبكاء
- الموت من أجل البقاء…
- الموت يسلبنا القدرة على الاعتذار …
- مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة
- حوار في الثقافة والادب
- شراء الديون: شبكة فساد مُحكمة في العراق**
- المثقف والهوية الطائفية .
- دعونا نقول شكرًا لمن يعمل…
- محنة السادس الاعدادي في العراق
- الحلاج من جديد…
- الخيال ونظرية الخلق الفنى عند سليمان العطار


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)