محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 13:46
المحور:
الادب والفن
الثلاثاء 15 . 12 . 1998
ذهبت إلى مستشفى تل هشومير في تل أبيب ومعي زوجتي وابنتي أمينة، كان عليها أن تمثل أمام لجنة طبية، لكتابة تقرير عن مدى العجز الذي ابتليت به، ولتحديد نسبة الإعفاء من الجمارك التي يمكنها أن تتمتع بها، لدى شراء سيارة تساعدها على الحركة. الطقس مشمس، لكن ثمة نسمة باردة تلفح الوجوه. السائق المقدسي يقود سيارته بسرعة ومهارة، وأنا أحاول أن أقرأ بضع صفحات في رواية لكاتب أمريكي، أحضرتها معي من مكتبة بريري لايتس في مدينة أيوا الأمريكية، أثناء زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية.
خرجنا من مقر اللجنة بشعور من عدم الارتياح، لم أتمكن من القراءة ونحن في طريق العودة الى القدس. كنت أفكر في مشكلة أمينة، وكنت كلما رأيت فتاة في مثل عمرها، تسير بحيوية ونشاط فوق الرصيف، أتألم لما أصابها، حيث حرمها المرض من نعمة العيش السوية، وكنت أتألم لمصابها، وأعجب في الوقت نفسه بقدرتها على الاحتمال، ذلك أن لها ابتسامة بريئة سرعان ما ترتسم على وجهها برغم العجز الذي يكبل أطرافها، ويجعلها غير قادرة على الحركة إلا بصعوبة. معنوياتها العالية هذه وإرادتها القوية تساعدها على الاحتمال، وهذا أمر جيد.
الجمعة 18. 12. 1998
بقيت طوال هذا اليوم في البيت، حاولت إعداد بعض التصورات لعمل مسرحي، بناء على اقتراح من المخرج مازن غطاس، لم يكن ذهني صافياً تماماً، فأنا مشغول في احتفال جوائز فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الذي ستقيمه وزارة الثقافة غداً بحضور الرئيس ياسر عرفات. ولأنني مسؤول اللجنة المشرفة على تنظيم الاحتفال، فإن بالي ظل مشغولاً كل الوقت. هاتفت المذيعة ماريهان دسوقي التي ستتولى عرافة الاحتفال للاطمئنان على إنجازها كتابة كلمات التقديم، أخبرتني أنها أنجزت كل شيء، فاطمأن بالي.
أشعر أنني بحاجة إلى كل دقيقة من وقتي للكتابة والقراءة. بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية، ومشاركتي هناك في البرنامج الدولي للكتاب الذي تنظمه جامعة أيوا، ثمة رغبة جامحة تلح علي لتكريس نفسي وحياتي للكتابة. الآن، بعد مؤتمر حزب الشعب الذي انعقد أثناء غيابي في الولايات المتحدة، لم أعد عضواً في اللجنة المركزية للحزب، ولم تعد لدي مهمات حزبية كثيرة. لذلك، سأتجه بكل قدراتي نحو الأدب، بالرغم من مشاعر الإحباط التي تعتريني بين الحين والآخر، وتجعلني متشككاً في جدوى الكتابة في مثل ظروفنا الكئيبة الراهنة.
الأحد 20 . 12 . 1998
ما زلت أتلقى العلاج بسبب الالتهاب الذي أصاب مشط قدمي اليسرى قبيل مغادرتي مدينة أيوا. ثمة تحسن في حالتي، لكنني ما زلت أشعر ببعض الألم حينما أمشي. هذا اليوم عاتبت الوزير ياسر عبد ربه بسبب عدم رضاه عن بعض فقرات احتفال جوائز فلسطين يوم أمس في نابلس، حاول الدفاع عن موقفه، وحمل المسؤولية لبعض المشاركين في الاحتفال الذين أفسدوا بتسرعهم نهاية الاحتفال، لكنه أقر بأن الاحتفال كان ناجحاً، وتلك على أية حال كانت ملاحظات الكثيرين ممن حضروا الاحتفال. أثناء جلوسي في مكتبه جاء أحمد دحبور، وجاءت ليانة، شربنا القهوة التي أعدها الوزير في مكتبه. قال الوزير إنه قرأ كتابي "ظل آخر للمدينة" وأعجبه، وقال إنه مشوق لا يستطيع القارئ أن يتركه قبل أن يتمه، وقد أفرحني هذا التعليق، لكن مشكلتي أنني حتى هذه اللحظة ومنذ عودتي من الولايات المتحدة لا أعرف كيف أنظم وقتي، ولا أجد متسعاً من الوقت لمواصلة الكتابة.
الجمعة 25 . 12 . 1998
لم أغادر البيت طوال هذا اليوم، قرأت عدة ساعات، ثمة إحساس بالنكد يتلبسني، وثمة إحساس بالقرف من كل شيء. تصلني باستمرار ملاحظات إيجابية حول كتابي الأخير، مثلاً، الناقد فيصل دراج أرسل لي رسالة قصيرة مع مقالة حول الرواية العربية لنشرها في دفاتر ثقافية، وقد شكرني في رسالته على الكتاب الجميل الذي أرسلته له، وهو يقصد "ظل آخر للمدينة"، لكنني مع ذلك أخشى من عدم التمكن من مواصلة الكتابة. علي أن أعود إلى التقليد الذي داومت عليه عدة أشهر، وهو تخصيص عدة ساعات كل يوم للكتابة. أشعر بتفاهة كل شيء من حولي، أرى أشياء كثيرة لا تعجبني، لكنني أبدو عاجزًا عن فعل أي شيء لتصحيح الخطأ.
قدمت قبل يومين أفكاراً حول نص مسرحي للمخرج مازن غطاس بناء على اتفاق مسبق بيننا، يبدو أن هذه الأفكار لم ترق له، أحسست بألم شديد جراء ذلك. من الآن فصاعداً، لن أتقدم بأية مادة مكتوبة لأي شخص قبل أن أكون متأكداً تماماً من جدارتها.
الطقس بارد في الخارج، وقدمي لا تؤلمني، ربما بسبب الراحة التي نلتها طوال النهار.
الثلاثاء 29 . 12 . 1998
الساعة الآن هي السابعة مساء، سأحاول ابتداء من هذا اليوم الانتظام في الكتابة بمعدل خمس أمسيات في الأسبوع، سأواصل كتابة هذه اليوميات، وسأشرع في كتابة رواية للفتيات والفتيان، حول العودة اٍلى الوطن وردود أفعالهن وأفعالهم عليها، وسأواصل تسجيل الملاحظات في دفتر خاص تمهيداً للعودة إلى مخطوطة رواية "فرس العائلة"، ولتطويرها ونشرها، وسأحاول كتابة نص مسرحي حول زماننا الراهن.
قراءاتي تسير على نحو جيد، وردود الأفعال على كتاب "ظل آخر للمدينة" تتواصل، وهي كلها تقريباً إيجابية، يستثنى من ذلك ما كتبه ذلك الذي اغتاظ بسبب إسقاطي اسمه من الكتاب، فراح يكتب مقالة متهافتة، هي أقرب إلى التجريح الشخصي منها إلى النقد الموضوعي.
أشعر أنني بحاجة إلى مزيد من القراءة في النقد الأدبي وفي الفلسفة، لتعميق قدرتي على كتابة النص الأدبي، أنا بحاجة إلى مزيد من الوقت. الألم في قدمي يكاد يتلاشى ثم يعود كلما مشيت أو تعرضت لإجهاد بدني. اليوم تسامرت مع الوالد والوالدة بعض الوقت، الوالد تحسنت صحته بعد وعكة ألمت به قبل يومين.
قبل أيام زرت محمود درويش في مكتبه في مركز خليل السكاكيني، سألني عن رحلتي اٍلى الولايات المتحدة الأمريكية، حدثته عنها بإيجاز، ثم تحدثنا عن اتحاد الكتاب وعن أسباب هذا التلكؤ في عقد مؤتمر الاتحاد.
سأبدأ الآن كتابة نص أدبي.
الخميس 31 . 12 . 1998
لم أذهب هذا اليوم إلى العمل. سهرت ليلة أمس في مقر المسرح الوطني الفلسطيني، بعد تناول طعام الإفطار بدعوة من جمال غوشة، مدير عام المسرح، كنّا أنا ويحيى يخلف من وزارة الثقافة. وكان ثمة حشد من الفنانين والفنانات، أما الوزير ياسر عبد ربه، فلم يستطع الحضور بسبب وفاة قريب له في عمان.
أحيت فرقة فلسطينية من الشمال حفلاً فنياً في قاعة المسرح، كانت الفرقة تردد أغاني بعض المطربات والمطربين المعروفين، كما رددت بعض التواشيح الخاصة بشهر رمضان، ومع ذلك تسلينا وأمضينا وقتاً ممتعاً، كان في عداد الفرقة ضابط إيقاع جيد، وكان ثمة عازف شبابة لا بأس به، وفتاة شابة من عكا، قوية البنيان، بادية الأنوثة، غنت لأم كلثوم وغيرها.
قرأت اليوم ديوان محمود درويش الأخير "سرير الغريبة" وقرأت "كتاب الإبن" لمحمد القيسي. وقد استمتعت بالكتابين، خصوصاً كتاب محمود الذي يشكل تطويراً ممتازاً للمسار الإبداعي الذي ابتدأه في ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً".
بعد أقل من ساعتين يبدأ عام جديد، وسأصبح على مشارف الثامنة والخمسين. الطقس بارد في الخارج، وفي ساعات المساء كان ثمة مطر خفيف. المزاج متوسط الحال. سأحاول كتابة قصة قصيرة جداً الآن.
يتبع...23
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟